الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخ المنسي قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل- موقف الاتحاد السوفياتي - 3

هاني عبيد

2022 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


التاريخ المنسي
قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل
أعد دراسة بعنوان "التاريخ المنسي..قرار التقسيم وإنشاء دولة لإسرائيل"، حيث سأستعرض مواقف الدول التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وهي: الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وسأنشر تباعاً فصول من هذه الدراسة، ويسعدني أن يشاركني القراء بملاحظاتهم وتعليقاتهم حول هذا الموضوع الهام.
موقف الاتحاد السوفياتي - 3
موقف الإتحاد السوفياتي عشية التقسيم
أثار موقف الإتحاد السوفياتي بالموافقة على قرار التقسيم لُبساُ وعدم وضوح مما مهد الطريق لحملات التشوية والغمز وبالتالي فتح المجال للمغرضين للنيل من سمعته في الوسط العربي وخاصة بين الفلسطينيين بحيث يتردد دوماً أن الإتحاد السوفياتي كان ثاني دولة بعد الولايات المتحدة الأميركية تعترف بإسرائيل.
بداية نقول إن تبني أي قرار دولي إنما هو تعبير عن موازين القوى العالمي وإنعكاساً للأوضاع الداخلية في المنطقة الجغرافية التي يعنيها القرار. فقد يكون القرار قانونياً ولكنه غير عادل، أي أنه قانوني حسب اللوائح والأنظمة المعتمدة ولكنه غير عادل بالنسبة للمظلوم. فقرار التقسيم هو قرار قانوني أتخذ حسب لوائح الجمعية العامة لهيئة الأمم ولكنه قرار غير عادل ومجحف بالنسبة للفلسطينيين، وهو تعبير واضح على ميزان القوى في فلسطين والمنطقة العربية المحيطة بها.
كانت السياسة السوفياتية بعد ثورة اكتوبر وعلى مدى العقود الثلاثة اللاحقة مؤيدة لكفاح الشعوب في المستعمرات ومن ضمنها الشعوب العربية انسجاماً مع الموقف الأممي لثورة أكتوبر في مناصرة الشعوب المستعمَرة لنيل استقلالها وحريتها.
لقد برز اهتمام الاتحاد السوفياتي بمنطقة الشرق الاوسط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لأسباب جيوسياسية مما دفعه للإنخراط بقوة في الأنشطة السياسية في هذه المنطقة. كانت تركيا وأيران تشكلان قلقاً لستالين لوقوعهما ضمن النفوذ الغربي وبالتالي قد يشكلان تهديداً للمناطق الصناعية في جنوب روسيا ولحقول النفط في القوقاس، كما كان اهتمام ستالين بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وهو حلم روسيا منذ عهد كاترين. ونُضيف إلى أن ستالين أدرك كقائد سياسي أهمية نفط المنطقة العربية والدور الذي سيلعبه النفط في المستقبل ولذلك بادر في مؤتمر طهران (كانون أول 1943م) باقتراح أن تقوم الدول الثلاثة المنتصرة في الحرب (أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي) بالأشراف مجتمعة على مصادر النفط ولكن روزفلت رفض الأقتراح.
رغم أن السياسة السوفياتية كانت ضد التقسيم الاّ أننا نلاحظ شذوذاً عن هذه السياسة في المؤتمؤ التأسيس للاتحاد العالمي لنقابات العمال في لندن والذي أنعقد في عام 1945م حيث صوتت البعثة السوفيتية مؤيدة لقرار قُدّم إلى المؤتمر يؤكد على وجوب "تمكين الشعب اليهودي من مواصلة تاسيس فلسطين بكونها وطنهم القومي" ]1[. لقد كانت هذه احدى البوادر على تغيير في السياسة السوفيتية الخارجية رغم أن هذه
السياسة كانت في عامي 1946م و 1947م موجهة ضد التقسيم ومؤيدة لإنشاء دولة واحدة للعرب واليهود، وانسجاماً مع هذا الموقف ايدت كل الأحزاب الشيوعية موقف الاتحاد السوفياتي. ونذكر في هذا المجال موقف الشيوعيين العرب واليهود في هذه الفترة والتي يدعون فيها إلى إنهاء الانتداب وتأسيس دولة عربية يهودية واحدة مستقلة. ففي 25 آذار 1946م وضّح مائير فلنر الموقف قائلاً: نشعر أن واجبنا يدعونا أن نُحذر ضد كل المكائد التي تهدف إلى تقسيم هذه البلاد. إن خطة التقسيم هي برنامج أمبريالي مُصمم لايجاد شكل جديد لاستمرار الحكم البريطاني القديم حتى يزيد من التوتر بين العرب واليهود. إن مصلحة القوى الأمبريالية تكمن في ايجاد دولة للعرب ودولة لليهود، والنتيجة الحتمية لهذه المطالبات ستؤدي إلى استمرارية الحكم الكولونيالي على العرب واليهود ]2[.
ولكن فجأة انقلب الموقف السوفياتي بالنسبة لقرار التقسيم وإنشاء دولة لليهود في فلسطين. لقد اصيبت الدوائر الصهيونية والدول الغربية بالدهشة لهذا الانقلاب في الموقف والذي سنناقشه لاحقاً. لقد ابرزت الدبلوماسية السوفياتية بجلاء موقفها من قرار التقسيم عبر تصريحات مندوبها في هيئة الأمم المتحدة.
أرسل وزير خارجية الاتحاد السوفياتي مولوتوف في 28 نيسان 1947م تعليمات إلى غروميكو تتعلق بالخطاب الذي سيلقيه في هيئة الأمم بشأن القضية الفلسطينية وكانت هذه التعليمات هي اوامر ستالين للدبلوماسية السوفياتية، وجاء خطاب غروميكو كترجمة أمينة لهذه التعليمات. وقد بيّن غروميكو بوضوح في خطابه الذي ألقاه في 14 أيار 1947م "إنّ واقع عدم نجاح أي دولة أوروبية غربية في تأمين حماية الحقوق الأساسية للشعب اليهوديّ وفي الحفاظ عليه من عنف الجلادين الفاشيين، من شأنه أن يفسّر تطلع الشعب اليهوديّ إلى إقامة دولته. وسيعتبر عدم أخذ ذلك في الاعتبار وسلب الشعب اليهودي هذا الحق سلوكًا غير عادل... إنّ واقع أن سكان فلسطين يتألفون من شعبين، يهودي وعربي، هو واقع غير قابل للنقض، ولكل شعب منهما جذور تاريخية في فلسطين".
لقد أصاب هذا الخطاب المنظمات الصهيونية بالذهول وأثارت الدهشة لدى قادة الييشوف (التجمع السكاني اليهودي في فلسطين قبل عام 1948م)، وفي هذا الصدد فقد صرح بن غوريون: "منذ مدة طويلة لم نسمع على لسان مندوبي الدول العظمى أقوالاً مؤثرة وحقيقية من هذا القبيل. غير أنّ أهمية هذا الخطاب غير المتوقع لغروميكو تكمن في الاستنتاج الذي توصل إليه، لا في وصف مأساة الشعب اليهوديّ".
ورغم ردة الفعل العربية على تغيير الموقف السوفياتي والبلبلة التي أصابت الأحزاب السيوعية العربية في فلسطين وسوريا ورغم التقارير التي أرسلها الدبلومايون السوفيات المعتمدين في القاهرة وبغداد الاّ بوصلة السياسة السوفيتية الخارجية انحرفت بسبب رؤية ستالين لساحة الصراع العالمي الذي كانت بوادر الحرب الباردة قد بدأت تلوح في الأفق.


وكانت تعليمات مولوتوف التي وجهها بتاريخ 30 أيلول 1947م إلى اندريه فيشينسكي (كان موجوداً في نيويورك) تدعوه إلى عدم معارضة موقف الأغلبية بشأن تقسيم فلسطين، وفي نفس اليوم أرسل له رسالة يقول فيها: "عندما وجهنا غروميكو للحديث على إمكان إقامة دولة ثنائية القومية في فلسطين، باعتبار ذلك أفضلية أولى، فقد كان هذا الأمر راجعًا إلى عوامل تكتيكية. لم نرغب في أن نأخذ على عاتقنا المبادرة إلى إقامة دولة يهودية. بيد أن موقفنا الحقيقي يعبر أكثر عن الإمكانية الثانية بشأن إقامة دولة يهودية مستقلة... ينبغي عليكم [المقصود البعثة السوفييتية في الأمم المتحدة] أن تؤيدوا موقف الأغلبية الذي يعتبر الأكثر ملاءمة لموقفنا الأساس في هذه المسألة" ]3[.
ثم توالت تعليمات مولوتوف بناءً على رؤية ستالين لتطور الأوضاع حيث وجه نائبه إلى ضرورة استمزاج رأي اليهود في المسائل المهمة مثل القدس وعدد العرب في الدولة اليهودية وضرورة تقصير أمد بقاء القوات البريطانية في فلسطين. وتلاحظ أن جوهر هذه السياسة الجديدة يهدف إلى مضايقة بريطانيا ومحاولة جذب الدولة اليهودية الجديدة إلى النفوذ السوفياتي. وبناءً على ما سبق قدّم مولوتوف تقريراً إلى ستالين حول المداولات في الأمم المتحدة بشأن مستقبل فلسطين واشتمل على تأييد التقسيم ورسم الحدود بين الدولتين وانسحاب القوات البريطانية من فلسطين، وأضاف مولوتوف أن ذلك يتماشى مع رؤية الوكالة اليهودية. ]3[.
وفي 26 تشرين الثاني 1947م ألقى غروميكو خطابه المشهور الثاني بشأن القضية الفلسطينية حيث صرح: "لا يجوز أن نقبل هذه المقاربة [العربية] ولو لأن الشعب اليهودي كان مرتبطًا بفلسطين على مدار فترة تاريخية طويلة... إنّ حلّ مشكلة فلسطين على أساس إقامة دولتين مستقلتين سيكون ذا أهمية تاريخية كبرى، وهو يلائم المطالب القانونية للشعب اليهوديّ الذي لا يزال مئات الآلاف من أبنائه دون مأوى ودون مصدر رزق".
من هنا نستنتج أن السياسة السوفيتية في الظاهر كانت توحي بأنالتقسيم هو الحل المنطقي لأن الشعبين العربي واليهودي والذّين يقطنان في فلسطين لا يستطيعان العيش معاً، وبالتالي لم يبقَ الاّ التقسيم. في الحقيقة كان التغيير في توجهات السياسة الخارجية يكمن في ديناميكية الظروف السياسية التي كانت سائدة في العالم ومحاولة الدول الكبرى تشجيل انتصارات في الدبلوماسية بعدما حصدت الدول الكبرى الانتصارات العسكرية في الحرب العالمية الثانية. ونذكر أن غروميكو لم يتعرض في مذكراته إلى المواقف والمداوالات التي كانت تجري في أروقة الأمم المتحدة أثناء مناقشة الوضع في فلسطين بعد إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من فلسطين.
كان تصويت الإتحاد السوفياتي والدول الحليفة معه حاسماً في تبني قرار التقسيم ولو صوت الإتحاد السوفياتي والذي كان يسيطر على خمسة أصوات (الإتحاد السوفياتي وأوكرانيا وروسيا البيضاء وتشيكوسلوفاكيا وبولندا) ضد قرار التقسيم لما تم اعتماده علماً بأن الولايات المتحدة لم تكن متحمسة لقرار التقسيم.
ولكشف الغموض حول سياسة الاتحاد السوفياتي حول إنشاء اسرائيل أجرى الكاتب ف. تشويف مقابلة مع مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت بتاريخ 4 أكتوبر 1972م حيث سأله: بالنسبة لإنشاء دولة إسرائيل، كان الامريكان ضد، فأجاب مولوتوف " عدانا كان الجميع ضد (وكان يقصد ستالين ومولوتوف)، البعض سألني لماذا سلكنا هذا الطريق؟ نحن أنصار الحرية الأممية، ولماذا نكون ضد؟ إن رفضنا يعني الحاق الضرر في سياسة المسألة القومية. حقيقة، في ذلك الزمان كان البولشفيك وما زالوا ضد الصهيونية، وضد البوند بالرغم من كونها منظمة اشتراكية. الموضوع من ناحية أننا ضد الصهيونية وسياستنا لم تتغير. لقد اقترحنا حلين: الأول دولة عربية يهودية في فلسطين، وإذا لم يلاقِ هذا الحل تأييداً فإنشاء دولة إسرائيل، وبقينا بالرغم من ذلك ضد الصهيونية". وعن طابعها البرجوازي يقول مولوتوف "كان علينا أن نحارب بريطانيا وامريكا وربما تقول لماذا لم نجعل فنلندا اشتراكية وهي أسهل، واعتقد أننا كنا على حق لأن اليهود منذ زمن وهم يناضلون من أجل دولة لهم تحت العلم الصهيوني". إن أجوبة مولوتوف تدل على عدم وضوح الرؤيا عنده، وعن عدم فهمه للسياسة التي يرسمها ستالين. ومن المعروف أن السياسة الخارجية للاتحاد السوفياتي كان ستالين يُحدد ملامحها وعلى المكتب السياسي أن يُقرها وعلى الدبلوماسية أن تنفذها دون نقاش. ولذلك، وبالرغم من النفوذ الصهيوني الا أن السياسة السوفياتية في هذا المجال لم تكن مفهومة للصهيونيين والامريكان، ويعتقد دين راسك بأن أساس هذه السياسة هو الحصول على تعاطف اليهود في أمريكا بحيث يستطيعون مساعدة السوفيات في مساعيهم لإفشال خطة مارشال في أوروبة، وتابع قائلاً أنه لا توجد للسوفييت مصالح في فلسطين ]4[.
كانت أميركا أول دولة تعترف بإسرائيل كأمر واقع De facto (تبادلت التمثيل الدبلوماسي معها في عام 1949) وكان الإتحاد السوفياتي ثاني دولة تعترف بإسرائيل كأمر قانوني De juri وأول دولة تتبادل التمثيل الدبلوماسي معها في 18 أيار 1948.
ونورد فيما يلي برقية مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي إلى موشيه شرتوك وزير خارجية إسرائيل متضمنة الاعتراف بها.
18 مايو 1948
أؤكد تسلم برقيتكم المؤرخة في 16 مايو، التي أبلغتم فيها حكومة الاتحاد السوفياتي بإعلان قيام دولة إسرائيل المستقلة في فلطسين، بموجب قرار الجمعية العامة الصادر في 29 نوفمبر 1947 وطلبتم اعتراف اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، قررت الاعتراف رسمياً بدولة إسرائيل وحكومتها المؤقتة.
وتأمل الحكومة السوفياتية بأن إقامة الشعب اليهودي لدولته ذات السيادة ستخدم قضية تعزيز السلام والحرية في فلسطين والشرق الأوسط وتعبر عن ثقتها في تطور علاقات الصداقة بين الاتحاد السوفياتي ودولة إسرائيل بنجاح.
ف. مولوتوف
وزير خارجية الاتحاد السوفياتي
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تصرف الإتحاد السوفياتي بهذا الشكل وهو الدولة التي كان عماد سياستها الخارجية نصرة الشعوب المظلومة وتأييد الدول لنيل استقلالها؟ هناك عدة فرضيات تحاول تفسير هذا الموقف. ويمكن تصنيف هذه الفرضيات كما يلي:
1. رغبة ستالين في محاربة بريطانيا في مستعمراتها.
2. محاولة زرع دولة تتبنى الأفكار الإشتراكية في الشرق.
3. مبادلة الاعتراف بإسرائيل مقابل الحصول على أسرار القنبلة النووية.
وسنستعرض الفرضيات حول هذا الموضوع وما استندت إليه من شواهد تاريخية أو مواقف سياسية.

المراجع:
1. موسى البديري
اقرار بالذنب! اميل توما والتقسيم الذي لم يحدث. مجلة بدايات، العددان 18 و 19 خريف م2017/ شتاء 2018م.
2. Arnold Kramer
The forgotten friendship> Israel and the Soviet Block 1947-1953. University of Illinois Press. Urbana, Chicago, London, 1947.
3. وثائق وتقارير. ستالين والدولة اليهودية قراءة في كشوف حديثة. مدار، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. 10 أيلول 2014م.
4. В. Л. Вихнович
Сталин и создание государства Израйль – Приметы времени.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال