الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصدق في الأدب

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2022 / 1 / 6
الادب والفن


إن الحقيقة لا الكذب، هي محرك التقدم _ تروتسكي.
يشكل الجمع بين البساطة والصدق أسمى آيات الجمال سواء بالنسبة للإحساس أو للعمل أو للتعبير.. حيث يكون الصدق يكون الأدب _ بيلنسكي.

لا بد من القول إن المقصود من " الصدق " في الأدب هو وعي الحقيقة الاجتماعية جدلياً، وعي التغيرات الاجتماعية والصراعات بين الطبقات الاجتماعية (القوى الاجتماعية، الفئات الاجتماعية، صراع الأفراد وهو في حقيقته تعبير بشكل أو بآخر عن الصراع الطبقي) بحيث يظهر الأدب عمق التغيرات الاجتماعية في صيرورتها ولا يقولبها حسب موقف الكاتب الطبقي _ الأيديولوجي _ السياسي: أحياناً بوعي لهذه التغيرات الاجتماعية، وأحياناً أخرى بدون وعي. ليس الصدق في الأدب أن يكتب الكاتب الواقع الاجتماعي كما هو، فهذه مهمة التاريخ إذا لم تشوهه الأيديولوجيا، مهمة الأدب أن يكتب الحقيقة الروائية منطلقاً من الواقع مضافاً إليه التخييل، ولكن وقائع الأدب لا يجب أن تزيف وقائع التاريخ. والصدق الاجتماعي يتجلى روائياً، كمثال، في حالة الروائي رومان رولان، الذي يكتب " ترشح الأفكار الاشتراكية في نفسي رغماً عن إرادتي، عن أنانيتي. لا أريد أن أفكر بها، ولكنها تتسرب كل يوم إلى قلبي.. لا أستطيع إلا أن أفكر بالاشتراكية.. رغم أنني لست اشتراكياً من الناحية العملية، لكني مقتنع أن في ذلك حياة حقيقية بالنسبة لي ". وأيضاً فإن أورهان باموق يقول " انتقدني الناس لكون روايتي _ ثلج _ تتناقض مع أفكاري السياسية. في البدء فاجأني الأمر ثم أغبطني. لا يهم آرائي السياسية الشخصية. ينبغي لرواية ما، كما هو الأمر في كتابات توماس مان، أن تحمل في ثناياها نقاط قوتها، وتدافع عن رؤاها الخاصة ". وفي هذا السياق، كمثال آخر، كتب بلزاك " الكوميديا الإنسانية "، فهو لم يكن مغرماً بالبورجوازية _ كان مغرماً بالملكية والدين ولكنه في أدبه تابع تكون هذه البورجوازية كطبقة، وسيطرتها على المجتمع الفرنسي. ولكن سكوت كان أميناً لوعيه ومبادئه، فهو لم يكن ديمقراطياً لا في الحياة ولا في الأدب، حيث " أن نزعة سكوت المحافظة الوديعة، رؤيته لذاته كأرستقراطي معطاء، لم تستطيعا السماح له بصنع أبطال متمردين حتى عندما يصرخ وضعهم طلباً للتمرد " كما يقول أرنولد كيتل. وأيضاً بلغة غالب هلسا " كنت أتساءل دائماً من أين يستمد كاتب كبير مثل ديستويفسكي عظمته الروائية، وكانت الإجابة سهلة وبسيطة يمكن تلخيصها بكلمة واحدة هي الصدق. والصدق الروائي يعني امتلاك الجرأة على كشف وتعرية الزوايا الخفية والمعتمة في النفس الإنسانية والإعلان عما يختلج فيها من نوازع وأفكار، والاعتراف السهل بالأسرار الدفينة لهواجس الروح والجسد ".
وقضية الصدق في الفن قضية قديمة _ جديدة، ويقول الشاعر هيسيود " إن ربات الوحي والفنون قد تصدر عنهن، في بعض المناسبات، أكاذيب مقبولة "، كما يقول هيكاتيوس " إنني أكتب ما أراه صحيحاً "، وكان هيمنجواي يقول " إنني أكتب ما أرى ". وكان بليخانوف يقول " والذي يعادي العقل أيضاً هو ذاك الذي يدافع عن الفكرة الكاذبة لهذا السبب أو ذلك وبهذه الطريقة أو تلك. وعندما تتوضع الفكرة الكاذبة في أساس المؤلف الفني، فهي تدخل فيها تلك التناقضات الداخلية التي تتأثر بها حتماً قيمته الجمالية ". وهذا الصراع بين الكذب والصدق، بين الواقع والخيال كان موجوداً فيما كتب عبر التاريخ، كما كان أيضاً في صلب الرواية. وعلى رأي ليسينغ " إن القانون الأساسي للفن الصادق هو قوله الحقيقة وقوته التعبيرية، حيث " لا يمكن أن يكون عظيماً ما ليس صادقاً ". ويرى ستيفنسون أنه " يتعين على من يدخل مهنة الكتابة غداء فريضتين: الالتزام بالحقيقة، والتحلي بروح طيبة حين يتعرض لتلك الحقيقة. إذ يحظى الالتزام بالحقيقة في كل شعبة من شعب الأدب، رغم ندرة من يستحق هذا الاسم، أهمية بالغة من أجل التربية ورخاء البشر.
وإشكالية الصدق والكذب كانت حاضرة في النقد العربي القديم، ويكتب حازم القرطاجني " ولكن كانت النفوس قد جبلت على التنبه لأنحاء المحاكاة واستعمالها والالتذاذ بها منذ الصبا، وكانت هذه الجبلة في الإنسان أقوى منها في سائر الحيوان.. اشتد ولوع النفس بالتخييل، وصارت شديدة الانفعال له حتى إنها ربما تركت التصديق للتخييل، فأطاعت تخيلها وألغت تصديقها. وجملة الأمر أنها تنفعل للمحاكاة انفعالاً من غير روية، سواء كان الأمر الذي وقعت المحاكاة فيه على ما خيلته لها المحاكاة حقيقة، أو كان ذلك لا حقيقة له، فيبسطها التخيل للأمر أو يقبضها عنه ".
ورغم أن الرواية تنتقل بين الواقع والمتخيل، بين الوجود واللاوجود فإنها مطالبة بالالتزام بالحقيقة الاجتماعية، ولنتجاوز روايات الخيال العلمي رغم أنها، بشكل عام، تقرأ مستقبل الحاضر الاجتماعي. ذلك أنه، كما يقول هيغل، أنه " بدون أعمال الفكر وإجراء فرز وتصنيف لن يكون بمقدور الفنان استيعاب المادة التي عليه أن يكونها. ومن الغباء والسذاجة بمكان الافتراض أن الفنان لا يعرف ما يقوم به ". لكن الفنان يمكن أن يخطئ، وليست القضية هنا، بل أن يتحول الفنان إلى مزيف للواقع الاجتماعي تحت ضغط القوة: قوة السلطة السياسية _ التجربة الأدبية في الاتحاد السوفييتي، أو قوة المال، ومعروف كيف حول البترودولار الأدب والفكر في العالم العربي _ دور الخليج في تسطيح العقل العربي، والأدب العربي عبر قوة المال النفطي.
وكثيراً ما تطرح حالة الروائي الفرنسي بلزاك عند الكلام على الصدق في الرواية (وكذلك شكسبير). فبلزاك كان من أنصار الملكية، ولكنه في رواياته سجل التاريخ الاجتماعي لفرنسا في القرن التاسع عشر بكل صدق وأمانة حتى لو خالفت أراء شخصيات رواياته أفكاره الشخصية، وبالتالي سجل صعود البورجوازية وانحسار طبقة النبلاء الأرستقراطيين. والصدق الفني عند بلزاك انطلق من الاقتصاد وليس من السياسة كما هو عند ستندال، وكان هو الأصدق أدبياً. ومن جهة أخرى فإن المسرحي النرويجي أبسن كان أقرب إلى الثورية بفكره، فقد كان ضد الزيف الاجتماعي والظلم والاستغلال، ومسرحياته كلها موجهة ضد ذلك الزيف الاجتماعي، لكن فكره كان عاجزاً عن إدراك التحول الاجتماعي، وبقي أسير الطبقة البورجوازية الصغيرة التي عاش فيها، والتي فضح نفاقها بحيث كانت ثورته أقرب إلى الفوضوية لأنه لم يدرك الهدف الذي يسعى إليه من خلف تلك الثورة، حتى أن مسرحياته وجدت نفسها تناصر ما تسعى إلى هدمه، وعلى رأي بليخانوف في مسرحية عدو الشعب " إن الدكتور بالطبع، لم يتمن الشر للشعب إطلاقاً عندما طالب بعملية القلب الجذري لمستشفى المعالجة المائية. كلا أبداً. ففي هذه الحالة لم يكن عدواً للشعب بل لمستغليه. غير أنه بانغماسه في الصراع ضد هؤلاء المستغلين، نراه يطرح ضدهم، عن سوء فهم، تلك الحجج التي كان قد أوجدها الناس الذين كانوا يخشون سلطة الشعب. فهو يبدأ بالتكلم دون أن يرغب ولا أن يلحظ هذا، كعدو للشعب وكمدافع عن الرجعية السياسية ". وهكذا فإن بلزاك الرجعي أنتج أدباً ثورياً، وابسن الثوري أنتج أدباً أقرب إلى الفوضوية حتى لا نقول رجعياً. لقد كان ابسن يركز بشكل أساسي على " تمرد النفس البشرية " وليس على البنية الاجتماعية. موقف ابسن يذكر بموقف أدباء " الفن للفن "، فرغم أنهم كانوا ضد البورجوازية، ولكنهم لم يكونوا ضد النظام البورجوازي، وبالتالي يمكن القول عنهم أن أدبهم يحتوي على " بعض الصدق "، لكنه لا يحتوي على " كل الصدق ".
عظمة بلزاك أنه سجل تاريخ فرنسا كسكرتير للتاريخ وليس كمؤرخ، رغم أنه كان يرغب أن يدعى كمؤرخ أكثر منه كروائي فقد كان يعتبر نفسه أقرب إلى المؤرخ منه إلى الروائي، أي أنه أبعد أيديولوجيته عن حقيقة التاريخ، ولاحظ بمقدرة فائقة حركة المجتمع الفرنسي وسجلها في جدليتها الاجتماعية، فهو لم يسيطر على شخصيات رواياته كخالق أدبي ويسيرها وفق قناعاته الاجتماعية_ السياسية، بل جعلها تتحرك داخل مجتمع الرواية وفق حركيتها الواقعية داخل المجتمع الروائي، والتي انعكست في الرواية كما هي في المجتمع، بحيث أنها انسجمت مع حركية الرواية، حتى أنه كان يستغرب أحياناً تصرف بعض شخصيات وكأنه تفاجأ بها.
لقد درس بلزاك المجتمع الفرنسي بكافة أبعاد بنيته الاجتماعية، وخاض تجربة حياتية جعلت النقاد يقولون إنه كان يعرف كل شيء عن المجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر من البورصة إلى المعارك الفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية، إلى مناقشات الموضة وحالة العمارة، وجمع بلزاك هذه الحالات الاجتماعية في حوالي مائة رواية أطلق عليها " الكوميديا الإنسانية "، والتي تضم حوالي ألفي شخصية روائية غطت المجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر.
وحسب لوكاتش فإن " سكوت يرقى إلى مصاف أولئك المحافظين المخلصين في إنجلترا عصره، الذين لا يبرؤن أي شيء في تطور الرأسمالية، والذين لا يرون بوضوح فحسب، بل يتعاطفون بعمق أيضاً مع شقاء الناس المستمر الذي يجلبه انهيار إنجلترا القديمة في أعقابه ". ولقد تعلم الروائي بلزاك من الروائي ولتر سكوت أن يضع شخصيات اجتماعية، شخصيات لها أصولها الاجتماعية، فهو قد انطلق من الاقتصاد وأدرك النتائج المترتبة على صعود الطبقة البورجوازية، وبالتالي كانت شخصياته معبرة عن الوضع الاجتماعي، فقد سعى كما يقول إلى " قراءة لوحة المجتمع والتاريخ، ونقد المجتمع، وتحليل علله، ومناقشة مبادئه.. وبما أن المجتمع الفرنسي سيكون هو المؤرخ، فلن أكون سوى سكرتيره ". حتى أن ماركس كان يرغب بكتابة كتاب عن بلزاك، وقال أنجلس عنه: إنه استفاد من قراءة بلزاك بموضوع إعادة تنظيم الملكية الخاصة وحقيقة أوضاع فرنسا بعد الثورة الفرنسية أكثر مما استفاد من المؤرخين والاقتصاديين. وكذلك فإن غيزو الناقد التاريخي عرف التاريخ عبر روايات والتر سكوت التاريخية، واعتبر نفسه تلميذاً للروائي المعلم. وفي العالم العربي كثيراً ما يحاول النقاد الربط بين الروائي نجيب محفوظ والروائي بلزاك باعتبار أن نجيب محفوظ رسم صورة المجتمع المصري وأعطى صورة صادقة عن تطور ذلك المجتمع، من خلال الطبقة البورجوازية الصغيرة، وخاصة مثقف تلك الطبقة، في جانبه الاجتماعي والسياسي وليس الاقتصادي، حتى أنه كتب روائياً وضع المجتمع المصري من خلال الطبقة البورجوازية الصغيرة قبل الثورة وخلال الثورة وبعد الثورة من الناحية الفكرية والسياسية والاجتماعية. وكما يقول تورغينيف " إن إعادة خلق الحقيقة وواقعية الحياة بدقة وقوة هي أسمى سعادة للكاتب حتى وإن لم تتفق هذه الحقيقة مع ميوله الخاصة ".
يقول بول هاوزر: " إن هناك نوعاً من التوازن بين الصدق الفني وفكرة العدالة الاجتماعية، وهكذا نشأ ذلك التحالف الذي أصبح مألوفاً في القرن التاسع عشر بين النزعة الثورية ونزعة مطابقة الطبيعة "، ونضيف وكذلك في القرن العشرين، فقد مجد الثوريون في القرن العشرين بلزاك لصدقه الفني. يقول هيمنجواي " إن مشكلة الأديب لا تتغير. فهي دائماً كيف يكتب بصدق، وإذا وجد ما هو صدق كيف يعرضه على نحو يجعله جزءاً من تجربة القارئ ". إنها أهمية الرواية، أن تجعل الصدق من تجربة القارئ. وتشيخوف من جهته يرى أنه " لا حاجة للفكرة، قال تشيخوف، أتوسل إليك، لا حاجة، ما لزومها؟ عليك أن تكتب ما تراه، ما تشعر به بصدق، من القلب.. فالصور الحية الصادقة تخلق أفكاراً، أما الأفكار فلا تخلق صورة ".
لكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك من النقاد من يعتبر أن الرواية غير صادقة، ففاليري يرى " أن الرواية كذب من الأساس.. وذلك لأن الروائي هو مخادع قبل كل شيء، فهو يقول إنه يصور الواقع غير أنه لا يصور إلا عالم الخيال ". ويكتب موريس بلانشو " الرواية عمل فني غير صادق، فهو غير صادق بالنسبة للروائي الذي يصدق شخوصه، ومع ذلك فهو يرى نفسه خلفهم، ويجملهم، ويحقق وجودهم بعدهم مجهولين.. وهي غير صادقة بالنسبة للقارئ الذي يلعب مع عالم الخيال ويلعب دور ذلك البطل الذي لم يكنه في الواقع ".
يقول الروائي ماريو فارغاس يوسا " أن قضية الصدق واللاصدق في الأدب ليست أخلاقية بل جمالية "، بمعنى أن الأسلوب هو وحده الذي يجعل القصص قابلة للتصديق، وهذا الأسلوب الذي يولد لدى القارئ الاقتناع بالرواية، ويجعل الصدق الفني هو أهم ركائز الرواية. لكن ما أعتقده أن الصدق في الرواية هو قيمة أخلاقية (اجتماعية) وفنية (جمالية)، وهو الذي يعطي للروايات قيمتها الأدبية والتاريخية، وليس معنى هذا أن تتحول الرواية إلى درس في الأخلاق أو في الأسلوب، رغم أنه من حق الرواية أن تنتج أخلاقها وأسلوبها، وفي النهاية يجب القول، بشكل عام، إنه ليس بالضرورة أن كل رواية صادقة اجتماعياً هي رواية عظيمة جمالياً (فنياً)، كما أنه ليس بالضرورة أن كل رواية عظيمة جمالياً (فنياً) هي رواية صادقة اجتماعياً _ فهناك روايات تمجيد الإمبريالية تكلم عنها إدوار سعيد في كتاب: الثقافة والإمبريالية. ومن المعروف أن الكثير من الأدب السوفييتي قد زيف الواقع اجتماعياً بحيث أنتج روايات تجمل الواقع الاجتماعي، أي روايات لا تتميز بالصدق الاجتماعي ولا حتى بالصدق الأدبي، وظهر أنها كانت روايات سياسية _ أيديولوجية، أي أن هدفها تجميل النظام السياسي الشيوعي، حتى أنه كتبت روايات تمجد الخطط الخمسية التي اهتمت بالمصانع والمزارع ولكنها لم تهتم بالإنسان لأنه لم يكن ضمن الخطط الخمسية، وهذه الروايات أصبحت بعد انهيار المجتمع الشيوعي من خارج الأدب الروسي.
لكن هناك مقولة متداولة في النقد الأدبي تقول " أن كل أدب عظيم هو أدب صادق "، وأحياناً قد تعكس " إن كل أدب صادق هو أدب عظيم ". لكن النقد الأدبي الحديث لم يعد يؤمن بالجبرية، إن كان بين الأدب العظيم وخير المجتمع، أو بين الأدب الصادق والعظمة، ذلك أن الأدب يكاد يصبح مؤسسة مستقلة قائماً بذاته، وحتى عندما يربط بالأوضاع الاقتصادية وعلاقات الإنتاج فإنه يحظى بنوع من الاستقلالية تمنحه حرية الصدق والكذب، ولكنها لا تمنحه العظمة. وكما هناك روايات عظيمة تزيف الواقع الموضوعي، فإن هناك روايات صادقة اجتماعياً ولكنها ليست روايات عظيمة. وإن الشاعر نوفاليس مثل ممتاز للتجريب المتطرف والتجديد في الشكل الأدبي، واتخاذ الموقف الرجعي فيما يتعلق بالمجتمع والناحية الاجتماعية.
وللروائي إيتالو كالفينو رأيه في قضية الصدق والكذب، يقول " الروائيون يحكون عن ذلك الجزء من الحقيقة القابع في قاع كل كذبة، وبالنسبة للروائي كما للمحلل النفسي ليس بالأمر المهم إذا ما كنت تقول صدقاً أو كذباً، لأن الأكاذيب يمكن لها أن تكون ممتعة وبليغة وكاشفة شأنها شأن أية حقيقة ندعي قولها بصدق ". وفي هذا السياق يتابع الدكتور محمد شكري عياد في كتابه " المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين ": " لم تعد القضية في القصص إذاً قضية تبرير للكذب بما يدس في ثناياه من عظات أخلاقية أو معلومات تاريخية أو تدريبات لغوية. لقد أصبح الاختراع في القصص شيئاً مسلماً به، بل شيئاً مطلوباً، ولكن كان على الناقد الرومانسي أن يميز بين اختراع يقوم على الخيال، واختراع يقوم على الايهام. الأول صادق كما يكون الفن الكبير صادقاً، والثاني مذنب، لا بمعنى أنه مخترع، بل بمعنى أنه لا يجلو حقيقة ما.. لذلك نصاب بشيء من الدهشة عندما نطالع حواراً حول الصدق والكذب.. الذي يجعل الصدق مرادفاً للأمانة في نقل الوقائع والكذب مرادفاً للاختراع ". ولأن الأدب فعالية اجتماعية أيضاً، فإنه يمكن القول بالاعتماد على ماركس " إن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، لكن المهمة تتقوم في تغييره "، وعلى كتاب الرواية أيضاً أن يساهموا في تغيير هذا العالم، وربما يكون أهم ما يملكونه هو الصدق، أي الوعي بحركية الواقع الاجتماعي الجدلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما