الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الداعوق: طالع لك يا عدوي طالع من كل حارة وشارع ! *

عماد ابو حطب

2022 / 1 / 7
الادب والفن


من الداعوق: طالع لك يا عدوي طالع من كل حارة وشارع ! *



أصابني منظر ساحة صبرا بالاكتئاب،قررت العودة و التدرج قليلا بعيدا عن الساحة.كنت قد قررت الجلوس في القهوة المحاذية لمحل "الحمامي"على الشارع الرئيسي في صبرا ومقابل ما كان يعرف بالكفاح المسلح أيام جمهورية الفاكهاني العتيدة،لا اعرف لماذا تذكرت أن هنا مخيما اختفى من الوجود لا بل حتى الفصائل الفلسطينية لم تعد تذكر اسمه،قررت أن أسأل عنه بعد أن اشرب فنجان قهوة.كان التلفاز مفتوحا على قناة فلسطين/لم أعرف اي فلسطين هي" تبع "السلطة ولا حماس ولا اي شي آخر ...كانت تبث أغنية "طالع لك يا عدوي طالع..من كل حارة وشارع".ضحكت وانتبه الجرسون لضحكتي ،اقترب مبتسما:شو حج بتذكرك بأيام اللولو هاي المحطة..!".فجأة قطعت الأغنية لنقل مباشر من بيروت،استغربت حيث ظهر انه مؤتمر صحفي لمسؤول فلسطيني ما ، وكان اللقاء مخصصا لجهود سفارة فلسطين في لبنان في مكافحة الكورونا.هنا فهمت ان الأغنية والعدو هو الكورونا. والطريف أن اللقاء يتم في منطقة"سبينيس" (spinneys)،وليس في صبرا أو شاتيلا وطبعا المسؤول كان " قد الحمل " ،فأطلق تصريحاً عرمرميا مدوياً: "نحن اتخذنا احتياطاتنا ولدينا خطة عمل"، ثم عادت المحطة لبث" طالع لك يا عدوي.".."ندهت" على الجرسون وقلت له :"شو رايك بهالحكي؟". نظر الي ولم يقل إلا:" هالحكي متل الضراط على البلاط ،اي ادخل نص متر من جنب هالدكانة بتلاقي الداعوق وشوف اجراءات صاحب الكرفاتة قديش فعالة". اذا انا الآن على بعد بضع خطوات من تجمع او مخيم الداعوق ،خجلت من روحي،فقد كنت ايضا قد نسيت انني اقف على مدخل زاروب الداعوق ،يا الله هل اصبحت مثل هؤلاء لأنسى ان هنا تجمعا فلسطينيا أنكره الجميع من الأونروا لمنظمة التحرير للفصائل فبقي منسيا طوال عشرات السنين،محروما من اي خدمات مثل الماء والكهرباء وإزالة القمامة من زواريبه.تذكرت زواريب الداعوق جيدا ،بعد انقطاع عنه لاكثر من اربعين عاما،كنت اسلكه من ساحة صبرا طلوعا حتى انحرف في نهايته صوب كراج درويش. .هذا المخيم نسيه الجميع وتنصل من واجباته تجاه فلسطينييه،إلا حركة امل وحلفائها لم ينسوا أن هنا يقع تجمع فلسطيني،فكان لا بد من حصاره ثم تدميره وتجريفه في حرب المخيمات. اي مرارة أن تأتي الكورونا الآن لتذكرني بالداعوق.نهضت من المقهى وقلبي يعتصر الما ،ماذا اقول لمن نسيهم الجميع وتذكرهم عزرائيل فقط مئات المرات؟ توجهت إلى الشارع محاولا تذكر مدخل الداعوق،ما أذكره انه على زاوية محل الحمامي ويفضله عن بقية المحلات ،حيث هنالك فتحة صغيرة تقودك إلى زواريبه.هالني ما شاهدته من الخطوة الأولى،كأنه كُتب على أهالي الداعوق العيش في حالة رعب دائم. لم يكفهم الوضع الإقتصادي الصعب، وأزمة البطالة الخانقة، ومنعهم كفلسطينيين من ممارسة كثير من فرص العمل بسبب قانون جائر بحجة التعامل بالمثل، وكذلك منعهم من امتلاك مسكن يأويهم أسوة بأي مواطن مقيم على أرض لبنان؛ فها هو الكورونا، الوباء، الذي يجتاح العالم، ينوء بكل ثقله فوق أكتافهم.
فقط أبناء صبرا من يستطيعون إرشاد الآخرين إلى موقع الداعوق، وذكر قصته الذي كان اصلا مخصصا كوقف لمقبرة . ومنذ تشكل تجمع الداعوق لم يتوقف الخلاف القديم /الجديد حول اخلاء الداعوق،خاصة بعدما عمدت بعض العائلات من سكانه ، الذين لم يتسنّ لهم إعادة إعمار بيوتهم بعد حرب المخيمات، الى إعادة إعمارها الآن، . مما ذكر رئيس جمعية المقاصد أمين الداعوق ان هنا مقبرة يقيم فوق ارضها احياء /اموات ،ليصرخ باعلى صوت : «عمر الداعوق (توفي عام 1949) سمح للفلسطينيين (ايام النكبة) بنصب خيم مؤقتة في مقبرة الداعوق خدمة للإنسانية (...) وأن التعدي على عقار الأوقاف الاسلامية المعروف بمقبرة الداعوق بتولي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية هو أمر مرفوض». هكذا استفاقت المقاصد، وبعد أكثر من ستين عاما على المطالبة بالوقف الذي سمح باستخدامه عمر الداعوق للفلسطينيين حتى «عودتهم الى ديارهم» .تذكرت هذه المعركة الدائرة الآن مجددا ،مما اعادني إلى حرب المخيمات حين جرف مخيم الداعوق بعد تدميره، والآن يرى بعض سكانه أن بإمكانهم العودة إلى بناء تلك المنازل التي جرفت. ولسوء حظهم يتم هذا في زمن الكورونا ،وفي ظل بؤس اوضاع الداعوق لا احد يتحدث عن اجراءات وقاية او منع انتشار الفيروس في تجمع يفتقد للماء والكهرباء وابسط وسائل العيش للبشر.الجميع بات حريصا على مقبرة لم يدفن فيها إلا ضحايا حرب الإبادة على المخيمات من سكان الداعوق... هو تذكير ان هنا مقبرة للأموات وبما انكم لم تموتوا بعد،فعلى الأحياء منكم انتظار الموت على يد الكورونا ،بعد ان نجوا من إبادات متكررة.عندها وعندها فقط يسمح لكم كجثث ان تسكنوا الداعوق .لهذا بات حديثي عن الكورونا مع الشباب المجتمعين في اول الزاروب ،كحديث سريالي،فأي كورونا واي بطيخ اهذي به ،المطلوب أن يصبح هؤلاء الاحياء/امواتا بالكورونا او بغيرهاليبقوا هنا .
* من نصوص مجموعة جديدة قيد الإعداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا