الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الأكاديمي والمفكر العربي د. عبد الحسين شعبان

عبد الحسين شعبان

2022 / 1 / 8
الادب والفن


أجرى الحوار زينب زعيتر

مفكر وباحث عراقي متخصص في القضايا الاستراتيجية العربية والدولية درس وتعلّم في النجف وبغداد وتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد واستكمل دراسته العليا في براغ حين نال درجتي الماجستير والدكتوراه (مرشح علوم) في القانون (دكتوراه فلسفة في العلوم القانونية).
خبير في ميدان حقوق الانسان ومختص في القانون الدولي، وتعكس مؤلفاته وكتبه ومساهماته المتنوعة انشغالات خاصة واهتمامات فكرية لتطوير الفهم المتجدد لقضايا حقوق الانسان.
عضو في اتحاد الكتاب العرب وعضو في اتحاد المحامين العرب وممثل اتحاد الحقوقيين العرب في اليونسكو وعضو “شرف” في اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين وعضو منتدى الفكر العربي وعضو اللجنة العلمية للمعهد العربي لحقوق الانسان، اضافة الى إشغاله منصب عضو مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الانسان، ورئيسها السابق في بريطانيا.
أمين عام منظمة العدالة الدولية وأمين عام مركز الدراسات العربي – الاوربي، وأمين عام منتدى حقوق الانسان. واستشاري في عدد من المنظمات الحقوقية والثقافية والدوريات العربية.
حائز على وسام وجائزة أبرز مناضل لحقوق الانسان في العالم العربي للعام 2003 في القاهرة. وحائز على وسام الصداقة العربية – الكردية 2004. ومنح جائزة دار القصة العراقية للثقافة وحقوق الانسان 2005.
الحوار مع شخصية تنضح بالثقافة والفكر، تتسم بالثقل في المعنى والوضوح بالأفكار، وبالسلامة في اللغة، ورقيّ المعاني، وحسن التعبير، وتعطي رؤية من زاوية المعرفة بكل القضايا والأحداث السياسية في منطقتنا العربية، وخاصة لبنان والعراق، حيث القلب والمسكن والمولد، أما القلب فينبض حبًا لبيروت التي اعتبرها بيتًا ثانيًا بعد بغداد الحبيبة إلى قلبه، وهو العراقي القادم من تجارب بلاده السياسية العصيبة، وثقافة مولده المتشعبة.
يقول شعبان “بيروت بالنسبة لي ذكرى وذاكرة وحاضر ومستقبل، بيروت تمثل قبلة المثقفين العرب، والمنفيين العرب، والصعاليك العرب، وكل باحث عن الحرية والجمال والثقافة”. هكذا بدت العاطفة الخاصة نحو بيروت من مثقف عربي عاش في كنفها ولا يزال رغم كل ما لحق بها من أذى.
وعن سبب اختياره وبقائه الدائم فيها رغم أسفاره العديدة، ورغم قرب الموطن الأول العراق يجيب الدكتور شعبان بأنه “اختيار واعٍ لأن بيروت مدينة منفتحة تتقبل الآخر، فيها تنوع وتعددية حريات وخصوصًا حرية تعبير واسعة وحريات شخصية، لذلك هذا الاختيار ينم عن رغبة في الحصول على ما هو مفقود في بلدان الأصل، وعندما تفتقد الحرية تبحث عنها وتجدها في بيروت التي تفتح ذراعيها للغريب بألفة.
الثقافة ظاهرة باهرة، وهي جزء من نسيج المدينة وموزاييكها، والحياة العامة مدنية وراقية. وتتميز بيروت بموقعها الوسطي في العالم العربي بين بغداد ودمشق والقاهرة، فهي ملتقى ثقافي وفكري وجغرافي وملتقى روحي للأديان وثقافات الشعوب المختلفة”.
وعن تأثير انفجار مرفأ بيروت وما تبعه من أزمات على الدور الريادي لبيروت في المجالات كافة يؤكد د. شعبان أن “التراجع واضح ولا يستطيع أحدٌ أن يخفيه”، واصفًا الأمر بالانتكاسة الكبرى، “وذلك لثلاثة أسباب أولها الأزمة الاقتصادية وثانيها الانسداد السياسي وثالثها عدم التوافق الداخلي حول مستقبل البلاد وخصوصًا تعارض أجندات وبرامج القوى المختلفة، وانفجار بيروت الذي فتح الأزمة على مصراعيها، وهي أزمة مركبة من ناحية التأثير الإقليمي والدولي والضغوط “الإسرائيلية” المستمرة والعدوان المتكرر. كل ذلك جعل دور بيروت يتراجع، وجعل الوضع المعيشي ينهار ويتراجع في ظل تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار والذي بات أشبه بالبئر العميقة التي لا قرار لها، إضافة إلى التراجع في الميدان الطبي بعد جائحة كورونا، بعد أن كانت بيروت ملجأ للطبابة في الوطن العربي. وزادت معاناة الناس بسبب نقص الأدوية، والتراجع في الخدمات الطبية، وارتفاع أسعار المازوت والبنزين على نحو جنوني، وتدهور الخدمات العامة التعليمية والبلدية. كل هذا جعل من بيروت مدينة كئيبة مظلمة حزينة، وإن كانت تمتلك إرادة قوية على النهوض مثل طائر العنقاء من تحت الرماد، ولو كان مكبلًا جريحًا”.
وحول آخر الأحداث السياسية والأزمة مع دول الخليج وتأثير ذلك على الحريات، أكد الدكتور شعبان أن بيروت أيقونة الحرية في العالم العربي، ولطالما كانت واحة للحرية والتغيير، لذلك ينبغي أن تنأى بنفسها عن الاحترابات العربية، وهذا لا يعني أن تكون خارج دائرة الصراع لأنها لا يمكن أن تكون خارجها، وإنما أن تلعب دورًا توحيديًا كما كانت دائمًا تستوعب الاختلافات وتؤخر الخلافات مما يدفع على التقريب لا التشتيت.
يشهد العراق ولبنان أزمات متتابعة وتكاد تكون متطابقة أحيانًا، كمفكر عربي عراقي مقيم في بيروت كيف تقيّم الوضع السياسي والاقتصادي في البلدين؟
لبنان والعراق مشكلتهما تكمن في النظام الطائفي، والعراق أكثر من لبنان، لأن نظامه ليس طائفيًا فحسب بل إثنيّ، وللأسف فإن الذين خططوا للدولة بعد الاحتلال حاولوا استنساخ التجربة اللبنانية على الرغم من فشلها التاريخي، وهكذا صار البلدان فاشلبن حسب المواصفات الدولية.
وأضاف الحكام الجدد في العراق إلى التجربة اللبنانية مساوئ جديدة، وهكذا نشأت طبقة سياسية مستفيدة من استمرار هذا النظام ومتقاسمة امتيازاته فيما بينها، وهي الأكثر فسادًا وترهلًا في تاريخ العراق منذ التأسيس، وعليه فإن العراق لا يستطيع الخروج من أزماته السياسية والاقتصادية إلا بإلغاء النظام السياسي الطائفي وإصلاح الأنظمة القانونية ووضع حد لانتشار السلاح المتفلت سواء باسم التيارات الدينية أو المرجعيات الحزبية. الأمر كذلك في لبنان لا يمكن أن يستمر هذا النظام الطائفي إلى ما لا نهاية، سواء دستور ١٩٤٣ أو اتفاق الطائف ١٩٩٠ حتى ولو كان صحيحًا أن الوضع اللبناني أكثر حرية وتقدمًا، لكن هذه الحريات لا تعني الديمقراطية مثلما لا تعني الانتخابات ديمقراطية، فما بالك إذا كان الكثير من الحريات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا يزال ضعيفًا، بل غائبًا أحيانًا، بما فيها حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، فضلًا عن استمرار الإقطاعات السياسية وهشاشة مفهوم المواطنة التي تقوم على الحريات والمساواة والعدالة ولا سيما الاجتماعية والشراكة والمشاركة. كذلك دستور العراق هو جيد في مجال الحقوق والحريات ولكنه دستور مُعطِل وهو دستور تقسيمي إذ ينص على اعتماد مبدأ المكونات، الذي يعني في ما يعنيه اعتماد الطوائف والقوميات والأديان أساسًا لعلاقة المواطن بالدولة، وليس المواطنة، وجاء ذكر مبدأ المكونات في مواد عدة من الدستور، كما جاء مرتين في المقدمة. وهكذا تمت قوننة التقاسم الطائفي والإثني. وإذا ما أرادت التغيير فلا بدّ من جرأة وشجاعة تتجاوز ذلك، وتغيير دستوري البلدين والعرف غير القانوني الذي أقيم عليه التقسيم. ومع وصول الأزمة إلى نهايتها، فإما أن ينتهي البلدان ويتقسما أو أن يستعيدا نهوضهما ويتوجها بإرادة صلبة لاحترام حقوق الإنسان عبر سنّ دستور جديد ينسجم مع التطور الإنساني والعصري.
عارضتم الاحتلال الأميركي للعراق بشدة منذ اليوم الأول، ونحن اليوم في مطلع العام ٢٠٢٢ حيث حدد البرلمان العراقي تاريخًا للانسحاب العسكري في 31/12/2021 من العراق، هل ستنسحب القوات الأميركية تنفيذًا لقرار البرلمان، أم سيستمر الوجود العسكري على الأرض العراقية؟
لاحظي أن هذا النظام الذي أقيم في العراق بعد الاحتلال كان نتاج نظام ديكتاتوري سابق حرم العراق من الحقوق وأوصل البلاد إلى ما وصلت إليه، إضافة إلى الضغوط والإرادات الدولية عبر استغلال نتائج الحرب الإيرانية-العراقية وغزو الكويت ثم مرحلة فرض الحصار الجائر وصولًا إلى الاحتلال الذي جاء بدستور مشوه ومليء بالألغام وضعه الأميركي المتعاطف مع الصهيونية ليصبح الدستور أداة للتعطيل أكثر منه لتسهيل مهمات التشريع والرقابة والمساءلة. لهذه الأسباب لا يزال الاحتلال باقيًا إلى الآن حتى ولو انسحبت قواته شكليًا في العام ٢٠١١ لكنها من الناحية العملية لا تزال حاضرة على الأرض العراقية من خلال أكبر سفارة أميركية في العالم والقواعد العسكرية، إضافة إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تربط العراق بالولايات المتحدة سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا، وعادت القوات الأميركية تحت عنوان التحالف الدولي لمحاربة داعش عام ٢٠١٤ على إثر احتلال الموصل.
والعراقيون أنفسهم ينقسمون حول الدعوة للانسحاب من عدمه؛ ففي الوقت الذي تطالب جماعة الحشد الشعبي بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية، خاصة بعد صدور قرار البرلمان العراقي الداعي للانسحاب من العراق، إلا أن التحالف الكردستاني ليس مع هذا التوجه، والدليل أن الكتلة الكردية لم تحضر جلسة التصويت على قرار الانسحاب، إضافة إلى السنية السياسية التي لا ترغب بتحقق ذلك، فهي تخشى من الانسحاب الأميركي كي لا يتعاظم النفوذ الإيراني، وذلك لشعورها بالاستلاب، كما يعتقد التحالف الكردستاني بذلك، وبالتالي فإن صيغة التوافق معطلة وسلبية واستمرارها يعني استمرار التعطيل، وعليه فإن القوات الأميركية باقية في ظل غياب التوافق الداخلي الضروري لإجراء تغييرات دستورية، ولأن وجود اتفاقية الإطار الاستراتيجي يعني الإشراف الأميركي على السياسة والاقتصاد والنفط وكل شؤون النظام خاصة في السياسات العامة. وحتى الحشد الشعبي فهو جزء من كيان الدولة، والدولة مقيدة في قدرتها على اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن لإخراج القوات واستعادة العراق لسيادته كاملة واستقلاله غير المنقوص، وتحتاج إلى برنامج سياسي واقتصادي يحظى بدعم شعبي كبير، لأن العراقيين اليوم يعيشون بين نارين نار الاحتلال، ونار النظام الطائفي الإثني الذي لم يقدم للشعب أدنى مقومات الحياة الكريمة، وبالتالي تحتاج المقاومة إلى برنامج إصلاحي متكامل يلتف الشعب حوله في مواجهة الاحتلال من جهة والفساد من جهة أخرى.
في ظل غياب أو تغييب دور المثقف سواء في لبنان أو العراق، كيف ترون مستقبل الحكم السياسي في البلدين؟ وهل سيستمر الانهيار السياسي والاقتصادي، أم أن هناك سبلًا للنجاة؟
جزء من التغيير يقع على عاتق المثقف، علمًا أن دور المثقف تراجع منذ الستينيات لأن الحكومات حاولت ترويض المثقف وتطويعه وإلحاقه بها، وإذا كانت تمارس مهمة القمع الإيديولوجي فقد أوكلت لمثقفيها ممارسة قمع أيديولوجي. وللأسف فإن هذا النكوص لم يكن بمعزل عن مشاركة بعض المثقفين الذين ارتضوا دور تابع للسياسي ويجملون خطابه ويفلسفون سياسته، لذلك أصبح حضوره في كثير من الأحيان باهتًا وغير مؤثر دون أن يعني ذلك عدم وجود حالات تمرد واعتراض واحتجاج ساهم بها مثقفون سواء ضد الديكتاتوريات أو ضد الاحتلال أو لدعم المقاومة.
أول جزء من المسؤولية يقع على عاتق المثقف، وجزء على الحكومات، وجزء على المجتمع المدني بنقاباته واتحاداته وجمعياته وإعلامه الحر.
من جهة أخرى أصبح المثقف يمارس قمعًا أيديولوجيًا، وقَبِل أن يلعب دورًا ثانويًا في السياسة، لذلك تبدد صوته لدرجة الضياع في ظل صخب التوجهات الطائفية والإثنية والشحن المستمر للكراهية وتجريم الآخر. فجزء يقع على عاتق المثقف وجزء على عاتق الحكومات. ومن جهة أخرى هناك إقطاعات سياسية في لبنان تحاول ترويض المثقف، لذلك تلاحظين في لبنان مثقفًا شيعيًا ومثقفًا مسيحيا ً ومثقفًا سنيًا ومثقفًا درزيًا، وغيرهم من المثقفين الذي ينضوون تحت لواء الطوائف لأنهم لا يمكنهم الحصول على ما يريدون دون عباءة الطائفة. كذلك في العراق في السابق كان هناك معارض منفي أو مهاجر أصبح اليوم يدور في فلك النظام الطائفي تحت مسميات البيت الشيعي أو المكون السني والتحالف الكردي، لذلك أصبح تابعًا لإرادة الحاكم. والغالبية الساحقة شاركت في هذا الاتجاه باستثناء بعض الأصوات، إلا أنها تحتاج إلى حامل اجتماعي غير موجود حاليًّا.
في الأفق المنظور لا توجد حلول، لكن لا ينفي هذا كون الساحتين اللبنانية والعراقية حبليين بالأحداث والتغيرات لأن فيهما حيوية غير معهودة وحراكًا، وأعتقد أنهما لن تستكينا إلى فترة طويلة.
وبالنسبة لي الرؤية لا تزال ضبابية ومعتمة. أقول ذلك من باب التشاؤم وليس اليأس، لأني أثق ثقة مطلقة بأن المستقبل سيكون لصالح الثقافة والمدنية والتنمية في العراق ولبنان، حيث عانى البلدان من حروب وصراعات وعذابات وطائفية، لكن يبقى الإنسان اللبناني والعراقي أكثر قدرة على المواجهة لأنه يمتلك طاقات كامنة وغزيرة، وهذه يمكن أن تنفجر في أية لحظة. إنّ هذين المجتمعين يزخران بحضارة متميزة هي الأغنى في العالم ولديهما تراكم وتلاحم وتواصل ثقافات غذت البشرية وأطعمت العقول على مدى قرون من الزمن، لهذا فإن نهوضهما أمرٌ قائمٌ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في


.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة




.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد