الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدين لدى جوستاف لوبون(1)

داود السلمان

2022 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صاحب الدين الإنسان منذ وُجد هذا الإنسان على كوكب الأرض، ومنذ أن أدرك ما المصير الذي ينتظره بعد الموت؟، وكيف السبيل الى تصدي للمخاطر والمخاوف؟، التي باتت تغض مضجعه، فأوجد الدين كملاذ آمن يلوذ به من تلك المخاطر، وهكذا، ثُم لم يبق الدين على حاله حتى تطوَّر إلى أن وصل الينا بهذا الشكل، من تعدد للأديان، وكل هذه الأديان تقرّ بأن ثمة إلهً للكون يسيّر الوجود، لكن هذا الإله يختلف من دين إلى دين.
يرى جوستاف لوبون في كتابه "الآراء والمعتقدات" إنّ ثمة عوامل خارجية مؤثر تقف وراء جميع المعتقدات، ولا تفتأ أن تنفك عنه، ومنها المعتقد الديني، والذي هو أقوى نزعة تسري في دم الإنسان، ويحصر لوبون هذه العوامل، بست عوامل رئيسة، وهي على التوالي:
(1)التلقين: ويعرفه لوبون بأنه عبارة عن "كناية عن قوة الإقناع ليس بالأفكار وحدها، بل بأي عامل آخر؛ كالتوكيد والنفوذ، ولو نظرنا إلى الأفكار دون غيرها لرأيناها ذات تأثير ضعيف"؛ لكن ميزة التلقين تظل راسخة في مخيال الفرد.
(2) الانطباعات الأولى: ويقول هي أول ما يشعر به المرء عند مصادفته أول مرّة ما جهله سابقًا من رجل، أو حادثة، أو شيء آخر، وحيث إن التدقيق في الأمر متعب شاق فإن الناس يكتفون على العموم بالانطباعات الأولى. وعليه يقتضي اعتبار الانطباعات الأولى دلائل مبهمة، وعلائم غير صحيحة يجب نقدها، والبحث عن حقيقتها على الدوام، وإلا فإن عدم تمحيصها، يؤدي إلى وقوع المرء في الضلال مدة حياته؛ ذلك لأنه ليس لها دعامة تستند إليها سوى العواطف والكراهة الغريزية التي لا يرشدها أي عقل، ولأن مبادئنا في العدل والظلم، والخير والشر، والصواب والخطأ، تقوم في أكثر الأحيان على هذه الأسس الواهية؛ ويعود ذلك أما لجهل الإنسان وأما لعدم مقدرة التمييز بين السليم والسقيم.
(٣) الاحتياج إلى التفسير: الاحتياج إلى التفسير كالاحتياج إلى الاعتقاد يلازم الإنسان من المهد إلى اللحد، وقد ساعد على تكوين الآلهة، ويساعد على ظهور عدد غير قليل من الآراء، ويسهل قضاؤه، فأبسط الأجوبة تكفيه، وهذه السهولة هي مصدر كثير من الأغلاط، فيقع ضحيتها الإنسان دون أن يعي ذلك.
(٤) الألفاظ والصيغ والصور: الألفاظ والصيغ يعُدهُا لوبون من أكثر العوامل توليدًا للآراء والمعتقدات، وهي لما فيها من قدرة رهيبة قد أوجبت هلاك أناس أكثر من الذين قتلتهم المدافع، وما في الألفاظ من قدرة فناشئ عن أنها توقظ في المرء مشاعر دالة عليها.
(٥) الأوهام: تكتنفنا الأوهام منذ عهد الطفولة حتى الموت، فنحن لا نعيش إلا بالأوهام، ولا نتبع سوى الأوهام، وبأوهام الحب والحقد والحرص والفخر نحافظ على قوة السير والحركة فينا غافلين عن قسوة المصير، فلو تأنينا قليلا لربما سنتحاشى الوهم، وسندرك إننا نسير في طريق غير لاحِب.
(٦) الضرورة: يوجد فوق أهواء المشترعين الذين لا يفتأون يسنُّون القوانين في سبيل إصلاح المجتمع سيد قاهر؛ يعني: الضرورة، فالضرورة تمثل القدر القديم الذي كانت الآلهة نفسها مكرهة على الخضوع له.
ويشير لوبون، في مكان آخر من كتابه المذكور إلى إنّ الواقع يثبت أن المعتقد، سياسيًّا كان أم دينيًّا أم فنيًّا أم اجتماعيًّا لا يثبت منه سوى اسمه. وعلى هذا فإن المعتقدات تضطر إلى التحوّل لتلتئم بالتقلب الذي يطرأ على نفسية أتباعها والبيئات التي تتسرب فيها، والتحوّل المذكور يقع ببطء، ولكن متى تراكم هذا التحول بتعاقب الأزمنة بدا للعين أنه لا صلة بين نصوص الكتب أيام وضعها وبين تطبيقها على العمل عند تمام ذلك التراكم. يعني هناك فجوة وتباين بين النظريات، التي جاءت في تلك الكتب، وبين الواقع الحالي الذي يعيشه المجتمع اليوم، وبتعبير آخر إنّ تلك النظريات ما عادت تجدي نفعًا نتيجة لتطور الزمن، وبقاء تلك النصوص على حالها، لأنها كُتبت في زمن غير زماننا، وأوان غير أواننا، نحن البشر. بالضبط كما يوجد اليوم في تراثنا الإسلامي الذي مضى عليه أربعة عشر قرنا، فهو لا يصلح لمتطلبات عصرنا هذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و