الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدين لدى جوستاف لوُبون(2)

داود السلمان

2022 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإيمان الديني بحسب لوبون، كما ذكرنا آنفا، يأتي تلقيني أو تقليدي، أي يقلد الأبن ابيه ويأخذ عنه معتقده. وبهذا يؤكد لوبون بأن الايمان لا يمكن أن يكون عقلي، لأن قضايا الدين لا تنسجم و العقل.
لذلك يتساءل لوبون في كتابه "فلسفة التاريخ" يتساءل تساؤل نفي بقوله: هل يستطيع معتقدٌ دينيٌّ أوهنه الزمن أن يتحوَّل إلى معتقدٍ عقلي؟.
يقول ولا يأتي التاريخ بغير مثالٍ على مثل هذا التحوُّل، وهذا هو الذي أتمَّته البروتستانيَّة عندما اتخذت الطور العقلي كما يُسمَّى، فقد رُفِضَ في تطوُّر النصرانية الأخير هذا مبدأ وجود إلهٍ يدع ابنه يهلك في الآلام تكفيرًا عن خطايا مخلوقاته، وقد أضاع يسوع أصله الإلهي وعاد لا يُعَدُّ غير معلِّمٍ بَشَّرَ بحقائق نافعة. والنصرانية بعد أن تحوَّلَتْ على هذا الوجه عادت لا تكون دينًا في الحقيقة، وصارت لا تلائم الرغائب الوجدية في النفوس التي تُقلقها الحاجة إلى الإيمان بعالمٍ قادمٍ أكثر صلاحًا.
ومع ذلك كما يرى لوبون، فأنّ المعتقدات الدينية لا يمكن أن تهزها اكبر الزلازل والصواعق العنفية والاضطهادية، أن تزلزلها، بل على العكس من ذلك تمامًا، إنها ظلت شامخة تناطح جميع القوى التي وقفت ازاءها.
ويضيف وما كان أشدُّ الاضطهادات ليزلزل المعتقدات، وما كانت الاضطهادات لتؤدي إلى غير تقويتها، وقد أتيتُ "أي لوبون" بأمثلةٍ بارزةٍ على أوائل الإصلاح الديني. ولو دُعِيَ الشيوعيُّون في بُقعةٍ ما من بقاع العالم إلى مكابدة العذاب الذي فرضه نِيرون على النصارى لاتَّسع نِطاق الإيمان الشيوعي بأسرع مما يتَّفق له اليوم لا ريب. ولوبون لا يدري أنّ الشيوعية اليوم منتشرة بكثير من بلدان العالم، منها كوريا الشمالية والصين وروسيا، على سبيل المثال.
وقد لخصّ لنا لوبون المبادئ النفسية التي تُسيطر على نشوء المعتقدات، سواء أدينيةً كانت أم سياسية أم اجتماعية:
(١) إن الحاجة إلى معتقدٍ لتوجيه الأفكار والسَّيْر هو من التجبُّر والقوة، كالجوع والحب.
(٢) إن الإنسان وإن كان يُغيِّر اسم آلهته أحيانًا، يستمر على السيطرة عليه ما سيطر عليه دائمًا من العوامل الوجدية.
(٣) يميل الإنسان العصري إلى استبداله بالألوهيَّات الشخصية السابقة عقائد وصِيَغًا عُزِيَ إليها ما لهذه الألوهيَّات من قدرةٍ سحرية، وما تنطوي عليه هذه العقائد الجديدة من صحةٍ ليس أعظم مما تنطوي عليه المعتقدات القديمة على العموم.
(٤) لا تقوم المعتقدات الدينية والمعتقدات السياسية ذات الشكل الديني على العقل، ولا يمكن أن تزول بالعقل.
(٥) تقوم المعتقدات بالتلقين المشتق من النفوذ والتوكيد والتكرار، وتُعَدُّ العدوى النفسية أهمَّ وسيلةٍ لانتشارها.
ويختم بقوله: ويمكن أن يُقال كنتيجةٍ إن نفوذ الأشباح الإلهية التي عَمَرَت السماء، وإن نفوذ الأوهام التي تميل اليوم إلى القيام مقامها، مما يدلُّ على كَون غير الحقيقي يُمثِّل في التاريخ دورًا له من الأهمية ما للحقيقي، فبتأثير غير الحقيقي ظهرت حضاراتٌ عظيمة من العدم وآلت أخرى إلى العدم، فغير الحقيقي أنعم على الإنسان بوهمٍ في السعادة الأبدية التي لا تمنحه الطبيعة القاسية إيَّاها، ولولا قدرته لظلَّت البشرية غائصة في وحشيةٍ خالدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة


.. #shorts - 49- Baqarah




.. #shorts - 50-Baqarah


.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا




.. #shorts -21- Baqarah