الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور التفكير الشمولي في نبذ الرأي الآخر

رضي السماك

2022 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في السادس من نوفمبر الماضي نشر الحوار المتمدن مقالاً لي تحت عنوان " قرداحي والتعايش السلمي بين الأقطار العربية " ثم نشرته صحيفة "البلاد " البحرينية بعد ما قمت باختصاره مع إضافة معلومات اخرى جديدة وتوسع محدود في التحليل، وللتذكير فإن المقال تناولت فيه كيف تؤدي المعارك الإعلامية المثارة حول قضايا هامشية تافهة إلى توتير العلاقات بين الدول العربية مما يفضي في كثير من الأحيان إلى قطع العلاقات بين دولة واخرى، أو أكثر من دولة، وأبرز نموذج في هذا الصدد ما شاهدناه على سبيل المثال في الحالة الخليجية قبيل سنوات حينما بادرت ثلاث دول هي السعودية والإمارات والبحرين بقطع علاقاتها مع قطر . وبطبيعة الحال فإن المتضرر الأول من قطع العلاقات بين الدول هي الشعوب العربية التي تحكمها أنظمة أستبدادية، وهذه الشعوب العربية غني عن القول عما يربطها من أواصر علاقات حميمة عميقةالجذور على أصعدة مختلفة، وهي أعمق وأقوى من علاقات الأنظمة فيما بينها والمبنية على المصالح الانتهازية والتملق المتبادل، ومن ثم فإن هذه الشعوب تتضرر بشدة كل أشكال وسُبل التواصل القائمة فيما بين بينها ؛ ومنها المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وخلافها. وفي الحالة الخليجية كان لافتاً أن تضررت عوائل كبيرة عديدة موزعة بين أكثر من قطر خليجيي، وفقدت لم الشمل وأنشطرت فعلياً جراء القطع .
أما في الحالة اللبنانية؛ فعلاوة على ما يربط شعوبنا العربية الخليجية بالشعب العربي اللبناني من علاقات قوية، وبخاصة على الصعيدين الثقافي والسياحي، فقد كان هذا البلد العزيز على قلوب كل الخليجيين العرب هو المتضرر الأول من مقاطعته اقتصاديا، وهنا يفرض السؤال نفسه : هل كان لبنان الصغير ذي التركيبة السياسية الهشة لحكوماته المتعاقبة والذي يُعد أكثر الدول العربية انهاكاً بأحداث تاريخه المأساوية المتواصلة طوال تاريخه السياسي المعاصر منذ نشوب الحرب الأهلية (1975 - 1990) حتى يومنا هذا، نقول : هل كان بحاجة لإضرار علاقته مع أي دولة عربية؟ دع عنك ما يترتب على تلك المقاطعة التعسفية من أضرار بليغة تلحق بالاقتصاد اللبناني ويدفع ثمنها في المقام الأول شعبه المثخن بالجراح وليس طبقته السياسية الحاكمةالمنعّمة بكل تشكيلاتها المتعاقبة ببحبوحة الفساد بفضل نظام المحاصصة السياسية الفاسد ! أليس من واجب حكوماته ذات التركيبة الهشة أن تبذل المستحيل للحفاظ على مصالح الدولة الدائمة؟ وهل طاقة لبنان المعروف بتعدديته السياسية والطائفية يتحمل تحويله إلى دولة ثورية انتحارية مزنرة بحيث تتبنى بالكامل سياسة إيران الإسلاموية الثورية الفاشلة التي جلبت على شعبها الوبال ؟
فما بالنا والحال كذلك إن من يختلق تلك الأزمات ويفتعلها بشكل متواصل -وبمناسبة ومن غير مناسبة- هو طرف سياسي داخلي " ثوري " متمثلا في "حزب الله" تنفيذا لأجندة ومصالح طرف أقليمي يدين له بالولاء التام المقدس والتبعية العمياء ! فلئن كان مبدأ التعايش السلمي تحتاجه القوى الدولية الكبرى المتعادية والمتصارعة في حروبها الباردة لمنع أنزلاقها إلى حروب عسكرية فمن باب أولى أن تبرز الحاجة الموضوعية والتفكير العقلاني لاعتماد هذا المبدأ بين الدول العربية.
على إنني بعد إعادة نشر المقال مختصراً في صحيفة "البلاد" فوجئت بحملة شرسة تطعن في وطنيتي وتوصمني بالخيانة والارتزاق من قِبل المزايدين بوطنيتهم، وكنت حينها أقضي إجازة سياحية في الخارج، فاجتاحتني على إثر ذلك صاعقة من الذهول ليس لتلك النعوت التي قيلت بحقي ، بل لما بلغتها تلك الردود من مستوى سطحي هابط لا يليق بكون من يمثلون شريحة من النخبة السياسية البحرينية، وجلها من المعارضة الوطنية المنافحة عن الديمقراطية واحترام الرأي الآخر الوطنية !
ومع أنه ليس من عادتي منذ أن أحترفت الكتابة الصحفية قبل أكثر من 30 أن أنشغل بالردود على القراء أو حتى الكتّاب، إلا أنني وجدتني هذه المرة بعد مخاض طويل من التأمل والتفكير بأننا هذه المرة أزاء مسألة موضوعية ذاتية ملتبسة خطيرة ومعقدة لا بد من الوقوف عندها؛ باعتبارها تشكل عينة ممتازة للباحثين لدراسة ظاهرة الشمولية في عالمنا العربي وما يتصل بها من تفكير شمولي يستحوذ على نفوس وعقول شرائح من واسعة من مثقفينا العرب، ذلك لأن أغلب الدراسات العالمية والعربية إذ تناولت ظاهرة الشمولية في الأنظمة، فإن القليل منها تطرق إلى جذور نشأتها التي تبدأ في العقول قبل تبنيها نهجاً سياسيا لدى الحكام ، سواء في الإنظمة الاستبدادية أم في الأنظمة الديمقراطية وعدد من أحزابها اليمينية قِبلاً .
ولعل هذا التفكير الشمولي المديد ولّد رواسب أتوماتيكية -غالباً لا شعورية- تتحكم في عقولنا وتشله عن التفكير الحر السليم عند بناء المواقف والقرارات السياسية إنما جاء وليد ملابسات قضايا التحرر الوطني وعلى رأسها "القضية الفلسطينية" وهي بلا شك قضيتنا العربية المشتركة التي لا ريب في مكانتها المقدسة في قلوبنا . لكن هذه الإشكالية بحاجة لشرح مفصل أوسع لايتسع المقام هنا لبسطها، لكن نأمل في تناولها في المستقبل القريب، ولعلي أجد في الفيلم الوثائقي القيّم الذي بثته قناة DW الألمانية بمناسبة الذكرى الثلاثين لانهيار الاتحاد السوفياتي قبيل نهاية العام المنصرم تحت عنوان: " الشخصية السوفييتية .. آثار الأتحاد السوفييتي في العقول" ما يقرّب كثيراً المعنى الذي أقصده في حالتنا الشمولية المرضية العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران