الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل أن تغلق الحلول أبوابها ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 1 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كل المجتمعات البشرية حتى ما يسمى منها بالبدائية نجد حراكا بنيويا وبينيا بين أفراده يعمل ضمن أطارين مهمين وضروريين، الأول الحفاظ على منظومة العمل الجمعي التي تؤمن البقاء للمجتمع ضمن دائرة الفعل والوجود، والثاني البحث عن فرصة للتأقلم من تطورات الزمن ومستحكمات ما يجب لذلك من خلال رؤى وأفكار وحلول على كل المديات، ومن الطبيعي جدا خاصة في القضية الأولى بشكل مركز يتم الأهتمام الجاد والحريص بكل تفاصيل القيم والحدود والضوابط التي تمنع أنتكاس المجتمع والرجوع به للوراء، لذا تجد المجتمع بذاته يندفع تحت غريزة البقاء لرفض كل ما يمس البنيان الأجتماعي وبكل الوسائل مدافعا عن قيمه وإرادته تلك، أما النقطة الثانية فنجد التفاوت في الأهتمام بها منصبا بدرجة أكبر على المجتمعات التي تملك وعيا حضاريا معزز بالمعرفة والعلم والرغبة في النهوض ولو على مستويات متدرجة، لكنها بالأخر موجودة وفاعلة.
هذه الحقيقية الأجتماعية واحدة من الأسس التي يدرسها هلم الأجتماع ويفهما المؤرخ والسياسي والمثقف والفنان كما يفهمها ويدركها الجميع على أنها من بديهيات التفكير الإنساني الطبيعي، وكل من خلال زاوية النظر الخاصة به يرى تفسيرا وتعليلا وفهما خاصا لها، لذا فهي مشترك جمعي مهم مدرك ومحدد وحتى قبل ظهور الدراسات الأجتماعية الحديثة بصورتها المنهجية، فالمجتمع الذب لا يتحسس مشاكله وإشكالياته لا يمكن أن يستمر ويتطور وينمو وفق السياقات التي يعيشها أو هو ضمن مدارات الفعل، فالتنظيم الأجتماعي والإنعكاس الثقافي والحضاري لروح المجتمع تظهر من خلال وعيها بتلك الإشكاليات والمشاكل، أما روح العمل والبناء والحرص على ضمان الأستقرار الإيجابي بما يعزز قيم المجتمع فتنتج عادة من خلال فعل الوعي وقدرته على التجسيد في الواقع، من هنا يبرز دور النخبة الفكرية والأجتماعية في التأثير على مسارات الوعي وإعادة صياغة روح البقاء والتطور، بالرغم من أن وجود النخبة الفاعلة دائما مرتبط أيضا بالحرية والمعرفة والرغبة في التجديد والمتابعة.
من خلال ما تقدم نرى بوضوح أن الفعل الأجتماعي عموما يبنى على ركائز عدة منها أسس البناء التي قام عليها المجتمع من مجموعة علاقات تتميز بالأحترام والتقديم، يساندها طيف واسع من الضوابط والقوانين والأعراف التي نشأت من خلال الوعي والإدراك ومتلائمة مع ثقافة وحضور عقلي لقوى المجتمع الفاعلة، بعدها طبيعة التنظيم وأسس التداول في أليات وعمل مفاصل المجتمع، وأيضا دور النخب بكل مستوياتها العاملة في أتجاه التطوير أو بأتجاه الحفاظ على البنى الأحتماعية التحتية، هناك عامل غير ملحوظ دوما وهو واحد من أليات تعزيز البناء الأجتماعي، وهي ما يعرف بالصراعات الناعمة الناشئة من حوار الأجيال أو ما يعرف بتغيرات الزمن على الإدراك البشري لأعضاء المجتمع، هذا العنصر الذي يغيب في كثير من الأحيان عن البصيرة والتبصر عند المفكرين وأصحاب المشاريع النهضوية هو من العوامل التي لا يمكن تجاهلها أو المرور عليها مرور الكرام.
إذا المجتمع من خلال ما تقدم لا يمكن بناءه أو تطويره وفقا لرؤية أحادية أو محورية دون أن نعطي لكل القوى والمتغيرات والعوامل والأسباب أهميتها، وأتاحه الفرصة لها أن تعمل وفق عمل مشترك متداخل ومتفاعل بأتجاه التغيير، فالقوانين والقرارات وحتى النظريات الأجتماعية التي لا تدرك هذه الحقيقية تفشل في قيادة المجتمع نحو التغيير المنشود والمنتظر أفتراضا، لأنها تمسكت بجانب رئيسي بنظرها وتركت جوانب عديدة أخرى ذات قدرة على الفعل، الأيديولوجيات الدينية والفكرية وحتى النظريات الفلسفية عجزت لوحدها أن تبني مجتمعات متطورة بمعزل عن الإحاطة بكل العناصر السالفة، يمكن أن يكون الدين أقرب في فهم ذلك لكن الممارسة الدينية التي حولت الدين إلى أيديولوجيا عززت من انكماشه في التعاطي مع موضوع البناء الأجتماعي وجعلته واحدا من مصادات التغير والتطور، الذنب طبعا ليس في الدين ورؤيته بالتأكيد لكن في التفصيلات التي يضعها المتدين في طريق المجتمع والدين، وهو يعكس ذاته على المجتمع بدل أن يعكس ذات المجتمع على نفسه، هذا أيضا ينطبق على الأيديولوجيات الفكرية التي تختزل المجتمع بفكرتها دون أن تعي أن الفكر متغير والمجتمعات باقية لأنها من ثوابت الوجود.
إنطلاقا من فهم طبيعة الحركة المجتمعية وبنظرة تحليلية أجتماعية محترفة وعلمية عندما يواجه مجتمع ما إنسداد تأريخي في وجوده، وعدم القدرة على تجاوز الواقع بغياب حلول جذرية وحقيقية وواقعية تنبع من طبيعة المجتمع وتفاعلاته مع ذاته، على القوى الفاعلة البحث في عناصر البناء والروابط والقيم الجمعية لا التسليم بالفشل ومحاولة تبريره أو جلد الذات في محاولة للهروب بالمشكلة إلى الأمام، بل العمل من ملاحظة السياق التاريخي الذي سبب إشكالية الإنسداد بروح النقد الإيجابي المدرك لحقيقة الأزمة ومدى خطورتها في الحفاظ على الحد الأدنى من العمل السليم، في الواقع العراقي الراهن وليس منقطعا عن جذوره وأسبابه العميقة نجد الإشكالية الأجتماعية ذات رؤوس متعددة ومنابع مختلفة بين الديني والسياسي والأقتصادي التي تتفرع جميعا من سبب رئيسي، هو غياب الفعل النخبوي الحر لصالح العمل الأيديولوجي المنظم سواء في طوره الديني أو في مجاله العرفي، الدين المهيمن على المقدرات الفكرية يفعل ككابح قوي لأي تطلعات للحرية الفردية والجمعية لأنه يرى في نفسه القدوة والقيادة، والحرية تعني له الخروج عن سياسة القطيع المؤدلج، أما الفاعل العرفي الأجتماعي فهو لا يختلف في نظرته على نفس العلة ويرى في ضعف دوره إنحسار للمكسب التأريخي الذي يؤمن له السطوة والقيادة والسلطة الأجتماعية.
المشكلة الأجتماعية العراقية إذا مشكلة مركبة يتفاعل بها التأريخي مع الحاضر الديني مع العرفي الأقتصادي مع السياسي، نتج عنها خليط من الأمراض الأجتماعية المتنوعة من المرض والفقر والتجهيل والظلم والإقصاء والديكتاتورية الفردية والجمعية، تغيب الوعي الكلي وظهور سلوكيات أجتماعية شاذة وليدة واقع متهرئ وشاذ أيضا بغياب الفعل الموجه والمسئول، أنتشار الجريمة كما ونوعا وأساليب لم يألفها المجتمع سابقا، ظهور عوارض تفكيك وانحلال في بنية المجتمع نتيجة ثقافات منحرفة عن الجذر التاريخي للشعب العراقي، والأهم من ذلك كله أن لا أحد من المستويات القادرة على صنع الوعي تتحرك وفق منهجية مدروسة لإيجاد الحلول أو حتى تعمد منعها من ذلك، السبب الرئيسي يكمن في أن المؤسستين الدينية والأجتماعية الحريصتين على بقاء مفهوم القطيع وتنمية ورمها السرطاني في المجتمع تتعاونان وتتشاركان في محاربة عوامل الوعي الحقيقي، وهي المعرفة الحرة والعمل التحرري للخلاص من سلطة قديمة تراوح مكانها وتؤمن أن كل الحلول بيدها وحدها، ترفض حتى مبدأ الشراكة أو الحوار من أجل الغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا