الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة لمراجعة أساليب التربية الليبية بعد حادثة مدرسة طرابلس

أحمد محمد إسماعيل
طبيب وكاتب صحفي ليبي

(Ahmad Mohamad Alzaieleek)

2022 / 1 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


هل يعقل أن يعامل الإنسان كالبهيمة وأن تسمى هذه تربية؟

صور المدرسة التي تعرض فيها الطلاب للضرب بالجملة في طرابلس الليبية انتشرت خلال الساعات الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي وقوبلت كالعادة باختلاف في الآراء.

المضحك في الأمر والذي يدعو إلى الاستغراب هو تعليقات بعض الناس على الحادثة من قبيل: (صحة له المدير وخليه يساعد الأهل في تربيتهم والجيل هذا جيل متمرد ونحن زمان ضربونا وما صارلنا شيء ربي يحط يديهم الأساتذة في الجنة).

كم التعليقات الداعمة للمدير الذي جعل الطلاب في وضع الانبطاح وقام بضربهم وعقابهم بشكل جماعي كبيرة وتدعو للوقوف على مشكلة كبيرة يواجهها مجتمعنا الليبي المسكين الغارق في العقد.

كيف يرضا الإنسان لنفسه أو لابنه مثلا أن يهان ويذله أستاذ بغير وجه حق وأن يضمه لقائمة عقاب جماعي فقط لفش غليله أو تطبيق أمراضه النفسية وعقده على الطلاب؟

المثير للسخرية هو تعليقات الناس التي تقول إن الأجيال القديمة تعرضت للضرب في المدارس بمختلف الطرق ولم يحدث لها شيء وإنها أجيال جيدة وطيبة وغير ذلك من الهراء والوهم والكذب ... بعد كل ما مرت به ليبيا خلال السنوات الماضية ألا يدل ما جرى على أننا كمجتمع نعاني من مشاكل معقدة في التربية والأخلاق وحتى في المنطق والتعامل مع القانون وغير ذلك من الأمور؟

في الحقيقة عندما يقول أي شخص إن الأجيال السابقة ضربت وأهينت ولم يحدث لها شيء ... أنا أتذكر قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} (البقرة:170).

عندما يتطور الإنسان لا يكرر أخطاء آبائه وأجداده لأن ذلك من مذاهب الجاهلية ... الإنسان يتعلم ويقوم نفسه ويقوم أخطاء من سبقوه حتى يتطور.

أما تكرار الأخطاء وتقيء الأمراض النفسية والعقد على الأطفال والطلاب فهو يجعلنا في نفس الحلقة المفرغة في نفس الخانة الجاهلة.

من أين يستقي هؤلاء الذين يؤيدون الضرب والإهانات مناهج التربية؟
العلم يؤكد أن استخدام الضرب وإهانة الطلاب خطأ وله آثار نفسية ضارة.
والدين أيضا ... فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يضرب طفلا أو خادما
روي عن عروة عن عائشة أنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط ، إلا أن يجاهد في سبيل الله عز وجل ، ولا خير بين أمرين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله ، فيكون هو ينتقم لله عز وجل .

والقانون في ليبيا وفي عدد كبير من الدول أيضا يمنع الضرب ... فمن أين يستقي هؤلاء مناهجهم في التربية؟ يبدو أن الإجابة بسيطة جدا وهي أن هذه المناهج تعتمد على تجارب الآباء والمعلمين السابقين وهي مناهج خاطئة فاشلة لم تنجح في الخروج بالمجتمع من أزمته الفكرية والأخلاقية.

وأدت لظهور أجيال معقدة تقبل الإهانة وتعجز عن المطالبة بحقوقها والتغير للأفضل أو إصلاح شأنها وشأن بلدها الغارق في الفشل.

إن أساليب التربية المريضة والحمقاء في الحقيقة هي واحدة من أهم مشاكلنا في العالم العربي وفي ليبيا بشكل خاص والتي تتسبب في خلل مجتمعي كبير وميل الناس للعنف وعدم تقبل الآخر إضافة إلى الفشل والجريمة وشيوع الأمراض النفسية والإدمان والعقد بمختلف أنواعها.

أتذكر جيدا خلال طفولتنا أنني درست في مدرسة كانت تعرف بشدة أساتذتها ... وهو في الحقيقة جنون ومرض وليس شدة فقد قال صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).

كان بعض الأساتذة ينطلقون في ساحة المدرسة كالمجانين عندما يرن الجرس ليضربوا الطلبة بالعصا أو خرطوم المياه (التوبو) في كل اتجاه وبدون تمييز كأنهم رعاة غنم يريدون تحريك قطيع من الماشية.

كان هذا المشهد ولازال واحدا من أكثر المشاهد جنونا وكان يتكرر كل يوم ودون فائدة ... فهذه المدارس وحتى الجامعات لم تخرج أناسا قادرين على حل مشاكل بلدهم ولم تخرج أناسا قادرين على فهم القانون أو حتى العلوم بشكل جيد وهو ما نعيشه كل يوم من فشل التعليم والصحة وقطاعات الدولة المختلفة وانتشار الفساد الحكومي والأخلاقي.

فلا يعقل أن المدارس التي تعامل الإنسان كالبهيمة ستنجح في التربية أو غرس المفاهيم العلمية والأخلاقية بشكل جيد في الإنسان.

كانت مدرسة الرسم أو الموسيقى تضرب الطلاب وتهينهم لأنهم مثلا نسوا الكراس فهل يعقل أن يتعلم الإنسان الفن بالضرب والإهانة ؟ . وكان بعض الأساتذة يقومون بضرب عشرات الأطفال لأن أستاذهم كان غائبا ولأنهم أحدثوا بعض الضجيج. إنه في الحقيقة غياب المنطق والجنون واختلاط الأمراض النفسية والعقد في بوتقة الجاهلية الحمقاء.

أنا شخصيا مؤمن بأن التوازن في التربية شيء ضروري وهو يتطلب اللين أحيانا والحزم في أحيان أخرى قد تصل إلى العقاب على الخطأ ولكن أساليب العقاب عديدة ومختلفة ويجب أن لا تصل إلى درجة إهانة الإنسان أو ضربه بشكل مهين أو مضر.

للأسف نواجه حالة من الإنكار وهذه الحالة تتسبب في استمرار النهج الخاطئ وعدم تصحيحه وتفاقم المشاكل بعد ذلك ولذلك أقول لأي شخص دعم مدير هذه المدرسة أن يراجع مباديء التربية والمناهج الدينية المختلفة بالإضافة للقوانين ... فلا يعقل بأي حال من الأحوال أن تكون هذه المناهج خاطئة وأن يكون الآباء والأساتذة الغارقون في الخطأ على صواب ... المراجعة وتصويب الخطأ هي أولى مراحل تقدم أي مجتمع إنساني يحاول الخروج من مشاكله الضاربة في العمق أفقيا ورأسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شريعة الرعب و ثقافة الضرب
ساسين ( 2022 / 1 / 12 - 14:57 )
إذا عُرف السبب في الأصل ، يزول العجب في النتيجة
1) في نشر الدعوة : سألقي في قلوب الذين كفروا (الرعب) فـ (اضربوا) فوق الأعناق و (اضربوا) منهم كل بنان / سورة الانفال – آية 12
2) في التربية و التعليم : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، (واضربوهم) عليها وهم أبناء عشر سنين / حديث نبوي أخرجه أحمد وأبو داود
3) في (تأديب) المرأة : و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و (اضربوهن) ، سورة النساء – آية 34

فإذا كان الرجل المسلم مأمورا في الدين بضرب النساء (أمهات تلاميذ المدارس) لتاديبهن ، فما وجه الغرابة في ضرب المعلم المسلم للتلاميذ كوسيلة تربوية ؟!

و ما يحدث في مدارسكم من قِبل المعلمين ، يحدث في مدن و شوارع بلادكم من قبل رجال الميليشيات السلفية المسلحة .

اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد