الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضد التنخب

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2022 / 1 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يكافح هذا النص مرض تنخب السياسة، وتحول قيادة شؤونها إلى حالة نخبوية توجه فيها القيادة الجمهور أكثر مما يوجه جمهور كل مجال قيادته، بمقاومة مرض النخبوية بعرض بعض جذورها وحالاتها يهدف هذا النص إلى وقاية الفكر والنشاط الثوري من خطر هذا المرض.



1- المشترك النخبوي في السودان والعالم:
بحكم ظروف تاريخية ومجتمعية وسياسية صارت قمم حزب الكادحين في المناطق والعاصمة عرضاً وطولاً مليئة بأفضل عناصر فئات المهنيين وهي الفئات التي تركز فيها نشاط السياسة السودانية منذ عام 1907 وبإنحصارها فيهم نوعاً ما صارت الحالة السياسية في السودان شبه لحالة السياسة في غالبية دول العالم، حالة نخبوية سواء في الحكم أو في الأحزاب المعارضة لبعض سياساته أو قراراته، وحتى في بعض تحالفات الأحزاب الثورية وفي حركات التمرد العسكري.



2- نظام واحد بأشكال سياسية مختلفة:
(أ) بحكم أسباب مختلفة تُعرض لاحقاً، أخذت الهيئات السياسية والمنظمات الإجتماعية التقدمية والأحزاب الثورية في العالم شكلاً تقدمياً تتذبذبه سمات من المنشفيك وسمات من البلشفيك في نضال تجمعي أو تجمع نضال مطلبي يشبه "نقابة المنشأة" التي تجمع الوزير والغفير.


(ب) في بعض الأحيان تتشابه أحوال هيئة تقدمية ونقابة المنشأة بحكم الوضع الخاص المميز لأعضائهما -كل في هيئته- في سياق حالة حرمان عام. فنقابة المنشأة توفر لغالبية أعضاءها المتوسطين والفقراء حقوقاً أصيلة لهم ولأسرهم لاتتوفر بسهولة لباقي المجتمع (روضة أطفال، تموين، مشفى، ترحيل، محاماة، دعم، رحلات وإحتفالات، إلخ)، كذلك توفر الأحزاب التقدمية فرصاً سياسية لأعضاءها لمداولة الأمور العامة ومناقشتها لا توفرها بسهولة طبيعة الهيئات العامة أو الحكومية أو لا تسمح بها.


(ج) الهيئات التقدمية ذات التمثيل الفئوي المتساوي الأصوات بين كتلة العمال وكتلة المهنيين وكتلة الرأسمالية الوطنية إلخ تبقى أقرب لبنية "الإتحاد الإشتراكي"، و"الجبهة التقدمية" (التي انتشرت ثقافتها في مجتمعات العالم بداية منذ أواخر عشرينيات إلى أواخر سبعينيات القرن العشرين) وقد إرتبط ظهور الهيئات التقدمية بظهور أنشطة وفكرة "البرجوازية الوطنية" ضد أنشطة الرأسمالية الأجنبية) ومن ثم تكونت هذه الهيئات التقدمية بشكل يغيب في تنظيمها الداخلي عامل الفيتو والحسم البروليتاري حيث تم تأخيره لصالح التركيز على "التوافق الوطني" في القمة السياسية/النخبوية لتحسين وضع المجتمع، أو سعياً لتحقيق توافق مجتمعي يبعد الدولة من (((خطر))) الإنقسام الطبقي.



3- التنخبات الأشهر:
حدثت اشهر التنخبات في الثورة البرجوازية في فرنسا (1789) وفي ثورة البروليتاريا في روسيا (1917) بفعل تمييز نخب الثورتين النسبي بين الشأن الطبقي والشأن الوطني.

(أ) تنخب الثورة البرجوازية في فرنسا:
بداية بإهدار الجزء الشعبي من الثورة الفرنسية لصالح النوع البرجوازي الليبرالي من فكرة "الوطنية" ما حصر شعارات "الحرية الإخاء المساواة" وجعل وجودها شكلياً بحكم أنانية حرية التملك والتجارة البرجوازية/الرأسمالية وسيطرة نخبها على معيشة وعمل الكادحين، بل صارت دول الثورات البرجوازية القيادة بحرية رأس المال أكثر إستعمارية من نظم الملوك والاقطاع التي حدثت ضدها بل امبريالية.

بفشل الثورات البرجوازية في تحقيق الحرية والعدالة والسلام لمجتمعاتها والعالم احتاج العالم ولم يزل محتاجاً إلى ثورة من نوع جديد متكاملة تحقق الحرية للكادحين في مجال العمل والانتاج من ثم تهيأت الظروف والنفوس لحدوث ثورة جديدة سرعان ما حدثت في بلاد الروسيا عام 1917 .


(ب) تنخب الثورة البروليتارية في الروسيا:
إن كانت أول ثورة من النوع الشمولي المتكامل قد نجحت في روسيا نجاحاً نسبياً قبل أكثر من مائة عام، إلا إنها تنخبت بالتدريج بحكم نموء الفصل النخبوي بين نظام ديكتاتورية البروليتاريا ونظام الديموقراطية الشعبية لكل المواطنين السوفييت، حيث سيطرت نخبة المجتمع السوفييتي على كادحيه بزعوم محاربة الإستالينية وتقوية التخصص التقني وتقوية الديموقراطية!!

آنذاك ارتبط النشاط المضاد للتحريك البروليتاري للاقتصاد وللدولة بفكرة مثالية هي فكرة المساواة السياسية بين كل المواطنين غض النظر عن فئاتهم (طبقاتهم)، وهي فكرة برجوازية غيرت فعلياً شكل تقييم وتحريك مهمات الإقتصاد والدولة من إجتماعي إلى نقودي تجاري ومن بروليتاري إلى نخبوي. لعل بداية ذلك التحول حدثت بشكل تلقائي فرضته متطلبات اكمال مرحلة التأسيس والاستعداد للحرب العالمية الثانية، ثم متطلبات آلة الحرب ثم متطلبات اعادة التعمير لروسيا وكل اوروبا الشرقية وتدعيم تأسيس الصين.

تشكلت ذروة الأسلوب النخبوي في الثلاثين عاماً التي تلت إغتيال الزعيم يوسف إستالين عام 1953 بالضبط في الفترة الممتدة منذ عام 1956 إلى ما بعد عام 1977 فبشكل وئيد استولت لجان الخبراء البيروقراط والتكنوقراط في كل وزارة ومشروع وفي جهاز الحزب على كثير من الأمور وصارت سوفيتات العمال وسوفيتات المزارعين أقل تأثيراً من السوفيتات العامة للمناطق والمدن والجمهوريات. في السوفيتات/المجالس غير البروليتارية ترتفع أصوات وشؤون وقرارات وتفاصيل تأخذ أي قرار بروليتاري تريده إلى مستوى تنفيذ قائم على إبقاء اقتصادية العمل بعيدة عن إجتماعية الإنتاج، وتجديده بانهماك في بناء الانجازات الضخمة وإهمال تطور الاستهلاك الأساسي وابتعاد عن تلبية تطور الإستهلاك الكمالي.

من ذلك الفرق المتزايد بين أهداف السياسة وفلسفة الإدارة أو بين إجتماعية الانتاج والشح النقودي في تنمية الاستهلاك، أو بين ثقافة المنظم وثقافة الكادح، نمت وزادت أنواع من التفاوت بين المجموعات المنتجة والمجموعات المنظمة للانتاج والمجموعة الضابطة والحاكمة لأمور الدولة، وصار المجتمع ثلاثة طبقات في داخل نظام تكون ونمى بهدف إلغاء سبب التفاوت الطبقي.



4- النخبوية في عالمنا:
(أ) حاضراً في الدول الليبرالية المناصرة لنظام تملك بعض الأفراد لموارد المجتمع ووسائل معيشة كادحيه يتفاقم التفاوت الطبقي والإقليمي والجندري بشكل جعل صفوة المدن ونخبها هم مراكز الحياة، وإزاء قضية عدالة المعيشة تنقسم هذه النخب إلى قوتين قوة قليلة العدد طليعية ذات خلق وضمير ووعي مضاد للأنانية الطبقية والاقليمية والجندرية وترفض ان تكون هذه الأنانية وانفراداتها أساساً للمعيشة، وقوة أكثر عدداً وأشد قوة مرتبطة بالنخب التقليدية في قمم أجهزة وهيئات الدولة والمجتمع (نخب حكومية، نخبة عسكرية، نخبة طائفية وقبيلية، ونخبة تماسيح التجارة والبنوك).

(ب) في ظل مدينية وتجارية تمركز الحياة تنتشر وتتركز شرائح المهنيين ذوي الوعي الإشتراكي داخل الوحدات الأساسية وفي هيئات قيادة الأحزاب الثورية، وبشكل وئيد تنمو داخل هذه الأحزاب ألتي نشأت مقاومة لجبروت الاستعمار وشبه الاقطاع ثقافة الصراع الناعم ضد العدو والتعاون مع خصومه في النخب الأخرى.

(ج) بفعل ثقافة التعاون الطبقي يسود التفكير الخطي والفوقي بدلاً للتفكير الجدلي ومع التفكير الفوقي أو النخبوي تسود فكرة التغيير السياسي المحدود ومعه يتكرر بل يستدام تأجيل التغيير الطبقي مرة بزعم انتظار (((إكتمال))) التغيير السياسي! ومرة بزعم انتظار (((إكتمال))) الوعي الديمقراطي ! أو (((إكتمال))) اقتناع الأحزاب الرأسمالية الزعامات بفكرة التغيير الطبقي ! ومرة بزعم إنتظار (((تحسن))) الظروف العالمية أو الإقليمية ! ومرة بزعم انتظار حل أو إنتظار (((إكتمال))) حل أزمات المعيشة ! ومرة بزعم (((إكتمال))) تطور الإقتصاد!

(د) مع كل هذه المزاعم والانتظارات ترفع القيادة الفعلية لجماهير المدن فكرة التحالف مع النخب المعادية للنخب الحاكمة لإحداث تغيير ضمن نفس النظام النخبوي ! من ثم ينصرف كادحي الريف وقادتهم عن هذا التحالف المديني النخبوي وفي جهة موازية تقوم نفس الأحزاب ذات التحالف النخبوي في المدن باقامة تناغم مع بعض القوى المتمردة في الريف (سواء كان تمرد ثقافي حزبي أو تمرد عسكري) النتيجة الإجمالية للحزب الثوري المضحي بمشروعه المبدئي لأجل تحقيق إنتصار تكتيكي هي خسارته عواطف الكادحين في المدينة وخسارته النخب الرجعية في المدينة والريف. الى حد ما لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقى بل انتصارات اعلامية تبقيه خارج العدم لكن ليس في مركز قيادة التغيير.

(هـ) من ثم يدور الزمان في شكل تغييرات سطحية في شكل رئاسة الدولة (شكل حزبي طائفي وشكل عسكري طائفي وشكل مزيج) دون تغيير المضمون المعيشي للدولة في حياة الناس حيث يستمر الاستعمار الداخلي ويستمر إدمان تسول الحكومات لتمويل خارجي. ويستمر تدهور المعيشة ومعه يستمر تدهور ثقافة التغيير في النخب إنحطاطاً من "تجمع أهل القبلة" إلى "الهبوط الناعم" إلى "شراكة الدم" إلى "إتفاق جوبا" إلى "إتفاق نوفمبر"



5- تنخب الهيئات التقدمية:
(أ) يتسرب جزء بسيط جداً من تدهور ثقافة النخب إلى داخل الحياة الفكرية والتنظيمية في الحزب الثوري، لكنه رغم قلة التسرب وحجمه الصغير جداً فإنه تسرب كالسم كاف لتعطيل جزء مهم من حيوية الحزب الثوري وتحويل جزء مهم من نقاشاته من التنمية الموضوعية لأنشطته إلى حالة "جلد الذات" بكلام عن تغيير الفكرة، وتغيير الفلسفة، وتغيير الآيديولوجيا، وتغيير النظرية، وتغيير البرنامج العام وتغيير الإسم لتتماشى مع أفكار وفلسفات ونظريات وبرامج وفهم أحزاب القوى الطبقية المعادية لمصالح الكادحين، بدعوى "التماشي مع ثقافة المجتمع" وزيادة فعالية الحزب المنوي الغاءه !

(ب) هذا التماشي مع نخبة ضد نخبة يجعل معالم وأدوات الحزب الثوري أقل ديموقراطية وأكثر نشاطاً ضد الشعب بحكم إن الكادحين هم غالبية الشعب، ومن ثم فإن أي تغيير لمعالم الحزب ليتماشى مع تحكم النخب في الجماهير هو تجديد ودعم نظري لعمليات وأنشطة الإستغلال والإستعمار الداخلي والدولي. ولو كان ذلك الدعم بزعوم وتبريرات من نوع "الفاعلية" و"حرية الفكر" و"اكتساب شعبية أكبر" في مجتمع تقليدي السياسة!



6- العزلة عن البروليتاريا تولد النخبوية والنخبوية تزيد العزلة عن البروليتاريا:
(أ) بحكم تكوينها الفكري والنظري وبحكم طبيعة تنظيمها وبحكم أنشطتها تتجدد الأحزاب الثورية في نطاق الفكر الثوري البروليتاري لكن تبقى عناصر المهنيين الوطنية والتقدمية غالبة في تكوين ناشطي كل حزب من الأحزاب وتبقى الجماهير الكادحة في الريف والمدن بعيدة عن النشاط التنظيمي للأحزاب الرجعية وعن الأنشطة التنظيمية للأحزاب الحداثوية وعن الأنشطة التنظيمية للأحزاب الاشتراكية والثورية وعن الحركات.

(ب) عزلة قمم التغيير السياسى مرتبطة بعزلة النظام النخبوي عن حياة الناس بحكم انه لعبة كراسي ضيقة في التعليم وفي الثقافة النظرية وفي العمل وفي المعيشة. لافرق كبير في هذه العزلة التنظيمية بين الحزب الشعبوي المترهل الكثير الأصوات والكثير التذبذب والخلافات والحزب الحداثوي الموضوعي الشكل والحزب الموضوعي الذهبي الجماهير.



7- الحل الموضوعي:
الحل الموضوعي للتخلص من الإرث العالمي ومن الإرث الوطني في سيطرة المهنيين على غالبية الأنشطة الحزبية هو تغيير طبيعة تنظيم الوحدات الأساسية في الأحزاب الثورية وذلك باعتماد أسلوب التمثيل الفئوي لفئات الكادحين في كل تكوينات القاعدة وكل هيئات التنسيق المتوسطة والعليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين


.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب




.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا