الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ما مبرر نبش جثة الأديب بعد موته؟!
عبدالكريم البليخ
2022 / 1 / 15الادب والفن
الكثير من الكتب صارت تكتب وتنزل إلى الأسواق، فتنبشُ أسرار الأديب بعد موته، وتُشرِّح تصرّفاته الخاصة وتضعها أمام عيون القراء متسترة وراء الكلمات، ولقد عثر الباحثون بين آثار الأديبة والكاتبة الفلسطينية مي زيادة "1886 ــ 1941" على مئة رسالة غرامية أرسلت إليها من أدباء تعْشَقُوها، عرباً وأجانب، وسرّوا بما عثروا عليه لأنه يؤلف كتاباً يجذب القراء ويضمن إيراداً جيداً، ولكنهم فضّلوا يومئذ استشارة فيلسوف الجيل المرحوم أحمد لطفي السيد الذي أكد بدوره إنَّ أسرار "مي" هي أسرار خاصة بها، وهذه مؤامرة على سرّ امرأة وكفى، وحتى من كتبوا هذه الرسائل لها لم يعد لهم حق التصرف بها.
إنّ أصحاب الرأي القائل إنّ الأديب مِلكُ الأمة، أو مِلكُ قرائه يستندون إلى حجّة أخرى هي أنَّ الكاتب إنّما يتأثّر إنتاجه بحياته الخاصة. أي أنّه يُنتج عنيفاً أو رقيقاً، عاطفياً أو عقلياً حسب الملابسات التي يكون فيها وقت الإنتاج ومن حق من يقرؤون أن يعرفوا كيف كانت حياته عندما أنتجت هذا الكتاب أو ذاك.
وأصحاب هذا الرأي يريدون أن يتأثر القارئ لا بالكتاب، ولكن بمن كتبه. إنهم ينسون الحكمة القائلة "انظر إلى ما قيل لا إلى من قال"، أو طالع ما بين يديك مجرداً من كل المؤثرات ليكون تأثّرك أنت بمقدار ما قرأت من حكمة أو عاطفة، ولا تدع حياة صاحب القول، حياً أو ميتاً، تؤثر فيك.
ولست أدري من أين جاءت هذه البدعة. بدعة نَبْش جثّة الميت من قبرها ثم وضعها على المشرحة وغرز السكاكين فيها، بينما نحن لم نغرز هذه السكاكين وصاحب الجثّة حي يستطيع الدفاع عن نفسه؟ لعلها جاءتنا من الغرب.
إنّ المألوف في الغرب أن يكتب الكتّاب عن حياة الأديب ما يشاءون، وسبق أن أخرجوا قبل أعوام مُبعدة كتاباً عن مدام "دوستايل" وعشاقها الذين تمرّغت في أحضانهم.
ولكن من يحذون حذو الغرب في هذا المضمار ينسون فرق ما بين غرب وشرق. إنّ الأديب الذي يعيش حياته مكشوفة هناك لا يخجل من مبتذلة حيّاً، فهو لا يضيره أيّ شيء يُقال عنه ميتاً.
فمدام "دوستايل" مثلاً عاشت حياتها مكشوفة لا تتورع. كانت في الأربعين من عمرها تعايش على رؤوس الأشهاد شاباً في الثانية والعشرين من عمره، إلى غير ذلك مما هو معروف عنها.
و"فكتور هوجو"، صاحب البؤساء، ترك زوجته وأولاده وعاش مع مدام دوريه، ولما ماتت سار في جنازتها حاسر الرأس يتلاعب الهواء بشعره الأبيض ووقف يتقبل التعازي عند ضريحها.
إنّ أدباء كهولاً لم يبالوا ما يقوله الناس عنهم وهم أحياء، فحريّ بهم ألا يبالون ذلك وهم أموات. إنهم ليسوا لهم أسرار تفشى عندما يكتب الكتاب عنهم، لأن كل معاصريهم يعرفون كيف عاشوا.
ولقد عرفنا نحن العرب في فترة من التاريخ شيئاً كهذا. كان عندنا أدباء وشعراء يفاخرون بحماقاتهم.
فبشار بن برد، كان في معظم أشعاره يُفاخر بالفسق والفجور، وهو قتل تلك القتلة العظيمة بسبب فجوره. وعمر بن أبي ربيعة عاش في غزليات وفاخر بها.
هؤلاء وأمثالهم لم يثنهم ما كتب الناس عنهم إذ ليس في حياتهم أسرار أو فضائح لم يفاخروا بها.
ولكن حالنا اليوم غير حال ذلك الزمان، فمحيطنا العربي الآن في دور البناء، ونحن بحاجة إلى كل ذلك ليساعدنا على النهوض، وليس من الخير أن نحكي الفضائح والمخازي، ونخلق الدسائس عن أدبائنا على مسمع من نشئنا ليستسيغها ويقلدها، ولا أحد يدري أي حرب قامت بين عقل الأديبات، وأي جهاد جاهدت، وتضحيات ضحّت لتُبقي على احترام الناس لها حيةً، ثم هي تموت فيجيء من يعتدي عليها غير راعٍ للموت حُرمة.
وقالوا أيضاً أنَّ الأديب مِلكُ التاريخ، و لا أعلم من ذا الذي قالها أيضاً ولكنها تبدو غريبة على مسمعي. ترى ماذا يهم التاريخ من حياة أديب.. حياته الخاصة؟
غي دي موباسان الروائي الفرنسي وأحد أباء القصة القصة القصيرة، و قد كان يقول: "إنَّ هناك من الحقائق ما يساوي الناس عداً. فكل منا يكون لنفسه صورة خادعة عن العالم. وهو خداع شعري أو عاطفي أو بهيج أو مقبض أو قذر أو كئيب حسبما تكون طبيعته.. كخداع الجمال وهو تقليد إنساني، وخداع الدمامة وهو فكرة متغيرة، وخداع النذالة الذي يستهوي الكثيرين. وكبار الفنانين هم أولئك الذين يستطيعون حمل الإنسانية على قبول انخداعاتهم الخاصة". وكان الرسام الأكبر للعبوس البشري ودوماً ما كان يُصاب بصداع، وكان يتلوى ساعات من الألم حتى أصيب بالجنون سنة 1891 ومات في إحدى المصحات.
وهول كين توماس، حامل وسام الإمبراطورية البريطانية لرفقاء الشرف (1853 - 1931)، والمعروف عادة باسم هول كاين، الروائي البريطاني والمسرحي وكاتب للقصة القصيرة مضطرب الأعصاب حقاً، وآخر مصاب بالصرع إلى غير ذلك. ماذا يَضرّ التاريخ أن لا تنكشف حياتهم الخاصة مادام إنتاجهم بين يدي التاريخ يضيف إلى خزائن الأدب ثروات ثمينة؟
أقول الذي قالوه، وهو أن الأديب هو ملك التاريخ، فهل كل من حمل قلمٌ ليكتب عن أديب ميت هو مؤرخ؟
إنَّ للمؤرخين صفات خاصة بهم وحدهم أولها وأهمها التدقيق، وفي كل ما قرأته عن غي دي موباسان، أو مي أو غيرهما لم أجد كاتباً واحداً قابل أطباء هذا الأديب المريض، أو ذاك في المَصَحّ وعلم منهم بدقّة نوع المرض وأعراضه، واستقصى عن شؤون الكاتب ما خفي منها وما ظهر. فأين دقّة المؤرخ الباحث في هؤلاء؟.
ثم أن التجرّد عن كل هوى هو الصفة الثانية التي تلازم المؤرخ، وأغلب ظني أن هذه الصفات وأمثالها التي أعوزت النبّاشين كانت أمام عيني لطفي السيد، عندما جاءوه، وقد وجدو لميٍ مائة رسالة حب فأسرعوا ليستغلوها، وعندما قال لهم ومن جعلهم أوصياء على التاريخ في مثل هذا..
إنَّ ياقوت الحموي، صاحب المعاجم الثلاثة الشهيرة: معجم البلدان، ومعجم الشعراء، ومعجم الأدباء، وكل معجم من هذه مكوّن من عشرة مجلدات.. قضى حياته يسير من بلد إلى آخر على حماره.. وينام في خان بكل مدينة ينزلها ويبحث ويدقّق في كل كلمة قبل أن يكتبها في معاجمه.
وهيرودوتس أبو التاريخ كان أيام الفراعنة يتنقل من قطر إلى آخر على جواده براً، وفي المراكب الشراعية بحراً، وبعد البحث والاستقصاء يكتب: "هذا لم أره ولكن قيل لي عنه"، فتصور نزاهة المؤرخ وتدقيقه.
صحافي سوري
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية