الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 1 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثنائية الصوت والدلالة
لا شك أن اللغة مهما كانت ملتصقة بالمكان وخاضعة لمفهوم الزمن التطوري تبقى بالأخر محمل إنعكاس لهوية للمجتمع، وهذه الحقيقية التأريخية تبين لنا أن التكوين اللغوي في سياقات التطور والتكوين هو تراث تراكمي ومعطى خاضع للتبدلات المعرفية التي بدورها تخضع للكثير من العوامل المؤسسة أو المطورة أو المؤثرة في بناء الذهنية المجموعية المعرفية والأجتماعية الثقافية لأي وحدة أو مركب ديموغرافي محدد، هذا يعني أن اللغة لا يمكن أن تفرض بعوامل خارجية وإن تم ذلك تحت مسميات القوة والأمر العراقي، سرعان ما تتبدل في الملامح الصغرى وصولا إلى دمج الهوية القديمة بالهوية المفروضة في زحام غير متكافئ لكن الهوية الأصلية تبقى المعبر الحقيقي عن روج المجتمع، وقد تؤثر بشكل أو بأخر على الهوية الوافدة مهما طال زمانها تبقى هوية وافدة غريبة لا تعكس أي خصيصة محلية مما يجعلها في حرج دائم.
فحتى تكون اللغة تعبيرا حقيقيا عن الذات الناطقة وتعكس مزاجية نفسية خاصة لا بد لها أن تترجم إحساس هذه الذات بشكل حقيقي، فلا يمكن الأعتماد على الأحاسيس وتعبيراتها الظرفية، كما لا يمك أعتبار التأثيرات الوقتية أيضا معيارا للقياس، هناك نسق كامل تعبيري عام يشترك فيه الإنسان بعنوانه العام، ولكي لا نذهب بعيدا بالتأويلات النفسية علينا ملاحظة الطبيعة من حولنا بأعتبارها القالب العام الذي يساهم في تشكيل وجودنا من خلال إملاءاته أو ضرورياته، عندما ننظر لكل مجموعة من الكائنات الحية أيا كان صنفها الجنسي أو النوع نلاحظ أنها تشترك بطريقة مماثلة للتواصل من خلال الصوت أو الإيماءات الحركية أو من خلال لغة الرائحة أو اللون، هذه حقيقة علمية تكتسب وجودها من دوام وثبات مفعولها التواصلي أو التخاطري فيما بينها.
في عالم الإنسان القضية تختلف ليس خروجا من الطبيعية الوجودية بل لأن الإنسان يتميز بعلامتين فارقتين، الأولى عدم قدرته على الثبات في الأشياء وفي أستمرارية عملها، النقطة الأخرى قدرته على تغيير التعبير وتبدله وفقا لتطور حجم مدركاته وتطور طريقة التعقل، الحيوان والنبات وحتى الحشرات لها لغة تواصلية ثابتة مشتقة من ضرورات البقاء أو ضرورات الحتمية التكوينية فيما بينها وبين العالم، هذه الضرورات والحتميات باقية لا تتغير لأن دواعيها ثابتة أيضا، وحتى لو تغيرت جزئيا فهي لا تستجيب للتغيرات إلا بطيئا وقد تأخذ زمننا طويلا قد تنتفي فيه تلك المبررات أو تتغير، في الحالة الإنسانية نجد أن المبررات والضروريات تخضع دوما لمبدأ الإدراك الذهني والفهم العقلي والأستجابة الحسية المنفعلة، هنا بوجود العقل سيتغير الإنسان سريعا، منها تغيرات وقتية ومنها تغيرات أسية تتراكم لتشكل نسق جديد أو متطور محدث.
فالضحك مثلا بقي لغة للتعبير عن السعادة الفرح والموافقة الإيجابية عند كل البشر، أما الحزن والبكاء والتعبس فهي لغة مشتركة عند جميع الأجناس البشرية، لا تتغير بتغيرات الزمن لكنها بالتأكيد تأخذ أطورا تجسيدية مختلفة تبعا لمقدار الفرح والألم، أو لكيفية توصيل هذا التعريف للأخر، من القضايا الأهم هنا ما نريده أن يكون واضحا ومدخلا لفهم اللغة، أن بعض التعبيرات النفسية يصاحبها دوما صوت سواء عند المجموعية الحية بكاملها أو عند الإنسان، وتسمى بالأصوات التعبيرية الفطرية، كلمة أخ أو أه أو أوي يمكن أن تكون مشترك طبيعي بين الجنس البشري وحسب القدرة على نطق حرف أو تكوين كلمة، من هنا بدأت اللغة من التعبيرات الأولية تلك، ومن إنعكاس الأحاسيس وإيصالها للأخر تشكلت أول مفاهيم اللغة، هذا طبعا لو سلمنا بعدم وجود آدم الذي تعلم الأسماء كلها.
من تلك البداية بدأت اللغة تأخذ شكلا أخر مع تعدد التعابير المشتركة والمفهومة من الأخر دون حاجة لترجمة وتوضيح، وتأست على ذلك الكثير من المفردات اللاحقة التي أتخذت من التعابير الأولى أساسها اللفظي، حتى في علم اللسانيات عندما نعود لجذر أي كلمة نجد أن طريقة نطقها أو مفهومها يعتمد على شكلية ونوعية التعبير، فمثلا كلمات (طرق، برق، زرق، شرق) كلها تنضم تحت مفهوم حركي مصاحب لصفة سمعوصوتية، هذا يدل ولو من ناحية تقريبية أن منشأ الكلمة الأولى كان يبنى على ظاهرة الفعل المعبر عنه ليس في الشكل أيضا في تركيب الحروف ومخارجه، طرق تعطي جرسا سمعيا عند المتلقي يعكس في ذهنه صوتا متخيلا، وبرق تعكس جرسا صوريا من خلال تصور ذهني لمشهد الضوء من البرق وهكذا.
عندما تكاثرت المفردات التي توافق عليها المجتمع بصورة طبيعية كونها تعبير مشترك وليس أختراعا أو أكتشافا فرديا، أنطلقت هذه المفردات بعفويتها إلى خارج المجموعة ثم توسع أنتشارها بدون عوائق أو حاجة للفهم، فتأسست بذلك أول نواة اللغة التي يمكن عدها لغة كونية، لغة يشترك بها الجميع ويفهمها ويستجيب لها وبها الجميع، هذا المبرر الوحيد الذي يفسر تشابه الكثير من اللغات مع المفردات الكونية ومع بعدها وتفرقها على مفردات متشابه ومتقاربة (مام، ميمي، أوم، أم، إيمي)، المشترك هنا أنها جميعا تبني الكلمة في لفظ "الميم" أساسا ومنفردا، الذي هو تعبير حقيقي عن بداية عملية الإرضاع عند الأم، أو ما ينطقه الطفل حينما يريد أن يلفت أنتباه أمه، فاللغة الكونية هي الغة الحسية التعبيرية الفطرية المتشابهة بين كل الجنس البشري بعيدا عن الأصول الجنسية أو الواقع البيئي.
من اللغة الكونية المشتركة كانت البدايات المؤسسة للغات واللهجات تتوالد طبقا للمؤثرات الحولية بين الناطق والسامه والسائل والمجيب والطالب والمطلوب، قد تظهر الحاجة في مجتمع ما أو بين مجموعة ما لتشكيل كلمة أو لفظ يعبر عن حاجة مستجدة أو لا يمكن فهمها من خلال اللفة الكونية التعبيرية، فتضطر المجموعة وبناء على الأدوات المعرفية أن تخترع نطقا صوتيا معبرا عن ما تفهمه هي من حقيقة الموضوع الذي بحاجة لتوضيح، فمثلا لو أعطى شخص حاجة لشخص أخر فالمعطي بحاجة لكلمة يفهما المعطى له والعكس صحيح، فلو قال الأول تجسيدا ومحاكاة لعملية الاخذ والأستلام وتعبيرا عن الحركة الفعلية فسيقول له "هك أو هاك"، هذه المحاكات تشير لعملية تواصل مادي بحاجة لجواب من المستلم، فيقول له "هت أو هات" اولا توازنا مع الجرس الصوتي بين الكلمة الأولى والثانية، وثانيا تعكس صورة الفعل ورد الفعل بوجود حرف مشترك وحرف متغير، الاول الثابت يشير للموضوع والمتغير يشير للأنتقال بين الأثنين، قثنائية الصوت والدلالة تتضمن ثنائية مزدوجو أخرى بين الثابت والمحترك، لذل فكل أبجدية صوتية في العالم كله هناك أصوات ساكنة وهناك أصوات متنحركة، أصوات ذات جرس صوتي واضح وهناك ما يعرف بالحروف الخرساء التي تساعد في إبراز قوة الجرس عند الأولى وتبين طرق الكلمة على مسامع الغير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست