الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يولد الزعماء وفي يدهم “عصا الطاعة”؟!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2022 / 1 / 16
المجتمع المدني


قضيت الليلة الماضية وأنا أتابع فيلماً وثائقياً على شكل حلقات عن الألماني “بول شيفر” الذي أنضم في بداية شبابه ل”شباب هتلر” ولاحقاً شكل جماعة دينية ومعسكراً خاصاً بجماعته، أولاً في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ولحين هروبه من بلده عام 1961م وذلك بعد اتهامه بالتحرش والاعتداء على الأطفال في المعسكر، ليقوم بعدها بجولة في عدد من الدول الأوربية والعربية بدأها من إيطاليا وليستقر به المقام بالأخير في تشيلي ويستقبل من قبل الحكومة التشيلية نتيجة توصية من السفير التشيلي في ألمانيا حيث كان على صداقة شخصية مع “شيفر” ولتساعده الحكومة بإنشاء معسكر على مساحة شاسعة على أراضيها، ستصبح لاحقاً دويلة داخل الدولة التشيلية ويصبح “شيفر” هذا ليس فقط داعية ومتحرشاً معتدياً، بل أحد من يقرر مصير تشيلي سياسياُ حيث كان له ولمعسكره وطائفته دور بارز في سقوط حكومة سلفادور أليندي اليسارية الشيوعية.

وهكذا ولعقود ثلاث سيكون للمعسكر والجمعية دورها الكبير في الحياة التشيلية، سياسياً ومجتمعياً، وسيمارس ذاك الدعي كل أنواع السادية من خلال الاعتداءات الجنسية على الأطفال؛ إن كانوا الأطفال الألمان الذين ألتحقوا به مع عوائلهم كأتباع ل”الطائفة الشريرة” -وهو اسم الفيلم- أو الأطفال التشيليين الذين أرسلوا للجمعية نتيجة العوز والفقر، فقد كان الكثيرين يرسلون ابنائهم للتعلم والمعالجة لديها حيث كان لها مدرستها ومشفاها الخاص بالطائفة، بل التخلي عنهم لصالحها ليمارس عليهم غسل المخ ويقوم “الزعيم الروحي” بالاعتداء الجنسي عليهم، وسوف يستمر هذا الأمر إلى أن يهرب بعض الأطفال منها وذلك بعد أن اصبحوا شباباً وتتدخل الحكومة الجديدة -الديمقراطية- بعد إسقاط حكومة الديكتاتور بينوشيه في استفتاء شعبي عام 1988 وليهرب “شيفر” منها إلى الأرجنتين إلى أن يقبض عليه هناك عام 2005 ويودع السجن ليموت فيها عام 2010م.. هذا باختصار أحداث الفيلم مع تهميش الكثير من التفاصيل التي تجعل المرء يتقزز من أي زعيم روحي وسياسي.

إن مشاهد الفيلم المقززة بأحداثها وشخوصها وأتباعها من المريدين -وهم بالمئات، إن لم نقل بالآلاف- ومن مختلف الأعمار والمهن، وهم يساعدون هذا الزعيم على ارتكاب جرائمه بحق الأطفال، رغم إدعاء البعض بعدم معرفته مع أن الأحداث والوقائع والسنوات الطوال تكذبهم- جعلني أتساءل بيني وبين نفسي؛ هل يولد الزعيم وفي يده عصا الطاعة والولاء والاستبداد ليصبح ديكتاتوراً بحكم الواقع القمعي التاريخي، أم يولد ويولد معه بعض الأدعياء والوكلاء والأنبياء ويضعون بين يديه نصوصاً تقر بأحقيته بالحكم ليدعي إنه يحكم ب”أمر الله”، كما الفراعنة الأقدمون والمتأخرون من الأنبياء وصولاً للزعماء السياسيين وأصحاب الأيدويولجيات والمقولات والشعارات الفلسفية.. أم إننا نحن الجماهير الغبية والرعاع من الحمقى المريدين والأتباع لا نعرف إلا التصفيق، فيولد هؤلاء الزعماء من خلال ضرب الكفوف ليشكل هديراً من الزعيق الهادر في رفع بعض المرضى النفسيين إلى مراتب الزعيم المطلق ليقودنا كما يقاد الدواب إلى المسلخ.. نعم وللأسف جعلني على قناعة بأن لا زعيم يديه بيضاء، كما يقال للذين يراد جعلهم خالين من الأخطاء وإرتكاب أي جرم بحق الآخرين حيث يمكن القول؛ بأن الزعامة والقيادة مشترطة حكماً بالجريمة والخيانة، فلا يمكن لأحد أن يقود ويتزعم دون أن يتورط بهذا أو ذاك الشكل بإرتكاب جريمة ما بحق من يخالفه ويعارضه بالرأي.

ربما البعض ينفي تلك الحقيقة، بل بقناعتي الكثيرين والغالبية المطلقة من عموم شعوبنا الشرقية -وضمناً الكرد طبعاً، بل وعلى رأسهم نحن الكرد وبمختلف تياراتنا الحزبية- سيرفض المقولات السابقة عن الزعماء وحتمية ارتكابهم للجرائم والفظائع والاستبداد بحق الآخرين المخالفين وهذه ليست مكان استغراب ومفاجأة لنا، كون كل الأتباع والمريدين يجدون في زعيمهم الديني أو السياسي نقياً مخلصاً وطنياً يعمل لصالح القضية -قضيتهم هم- بينما الآخرين هم الأعداء الخونة المجرمون، وإلا لما أصبحوا أتباعاً ومريدين لهذه الطائفة أو ذاك الحزب، لكن لو تابعنا مسيرة أي زعيم وطائفته أو حزبه لوجدنا بأنه لا يختلف عن الآخر كثيراً من حيث ممارسة الاستبداد والعنف والجريمة بحق كل من يخالفهم في قناعاتهم الفكرية، فمثلاً ها نحن وبعد أن كنا نصلي للبارزانيين سنوات وجعلنا من البارزاني الأب رمزاً تاريخياً خالداً لشعبنا -وهو كذلك حقاً وأنا شخصياً كتبت عدد من المقالات بهذا الخصوص وأكدت عليه لعلمي كل الشعوب وفي مرحلة النهوض تحتاج لزعماء لقيادته، لكن ألم يرتكب البارزاني الجرائم والاستبداد والديكتاتورية؟ للأسف لا أيادي بيضاء، كما قلنا- وها هم أبنائه وعلى غرار زعماء الخليج يتحولون لأمراء فوق رؤوس شعبنا!

وبالمقابل ولدى الطرف الآخر -جماعة الآبوجية- فهل لو بقي أوجلان خارج السجن وشكل إدارة ذاتية في شمال كردستان (تركيا) بدل روجآفا وكان هو حاكمها المطلق، كما كان يقود حزبه وطائفته السياسية، ألم يكن تحولت تلك الدويلة أو الإدارة إلى ما يشبه حكم ستالين أو كوريا الشمالية؟ ربما يتفاجأ، كما قلت قبل قليل الكثير من المريدين لدى الطرفين الكرديين، لكن القضية أعمق وأعقد من أن نقرر أي زعيم “أياديه بيضاء” والآخر مجرم حرب حيث الزعامة لا تأتي من خلال الأعمال الخيرية، بل من خلال الحروب والصراعات للأسف.. بالمناسبة وبخصوص أوجلان فإن سنوات السجن وكتاباته ونتاجه الفكري داخله أنقذه من تلك النهاية الحتمية حيث شخصيته ومنهجيته الفكرية السياسية كانت شبيهة بمنهجية وسلوكية أي مستبد عقائدي وأقربهم إليه هو ستالين، ربما هذا التصنيف يفاجأ الكثيرين وخاصةً هناك من قرأ خطأً مقالتي عنه بخصوص قضية النبوة وقولني؛ بأنني “أريد جعله نبياً” مع أن الطرح جاء في إطار السؤال: هل سيكون هو آخر الأنبياء الكرد؟ وذلك عندما ينجح في تجربته وتصبح فلسفته ديناً جديداً للكثيرين على غرار من سبقه وأعتقد من هو مطلع على مواقفي بخصوص الأدعياء والأنبياء، سوف يعلم بأن القول؛ هل يصبح أوجلان نبياً جديداً هو إدانة له وليس دعاية مجانية، كما حاول اتهامي به بعض المتذاكين.

ما نريد قوله وبعبارة واحدة؛ نحن من نصنع الزعماء والقادة والمستبدين والديكتاتوريين وأقصد تخلفنا وبدائيتنا وحماقاتنا وتصفيقنا لهم يجعلهم قادة وزعماء فوق رؤوسنا حيث لا نجد لهذه الظاهرة من مفاعيل ووجود في المجتمعات المتنورة المتقدمة فكرياً ثقافياً حضارياً.. نعم؛ تخلفنا هي من تصنع مستبدينا الديكتاتوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين


.. رياض أطفال بمبادرات شخصية بمدينة رفح تسعى لإنقاذ صغار النازح




.. مندوب السعودية بمجلس الأمن: حصول فلسطين على عضوية كاملة في ا


.. فيتو أمريكي يسقط مشروع قرارا بمجلس الأمن لمنح فلسطين العضوية




.. السلطات الإسرائيلية تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من سجن