الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمنحك الدكتوراه

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2022 / 1 / 17
الادب والفن


ما إن توطدت أقدامي بهيئة كهرباء مصر أول التحاقي بها في مستهل عام 1980 - لأجل إنجازي "استراتيجية الطاقة الكهربية لمصر 1980 - 2000" - حتي صرت منوطا بكتابة الكثير من البيانات الصحفية ، التي تقدمها الوزارة والهيئة لجمع غفير من صحفيي الطاقة بالجرائد والمجلات .

وصارت كتابتي الصحفية - إلي جانب عملي التخصصي - في كل ما يتعلق بأحداث وأخبار ومشروعات الكهرباء والطاقة عماد ما يصدر عن الوزارة وإنجازاتها من نشرات ، كما صارت في الوقت ذاته مثار اهتمام كبير لدي الصحافة المصرية تنهل منها ما تنشر عن قطاع الكهرباء بمصر.

لكنني كنت أطمح في إنشاء مجلة خاصة بالكهرباء والطاقة في مصر ، بعدما حققت مجلة اتحاد المهندسين العرب التي أسستها عام 1978 - أثناء عملي بالأمانة الفنية للاتحاد - نجاحا ضخما في الدول العربية .. فأعددت مقترحا مكتملا لإنشاء مجلة " الكهرباء والطاقة " ، بأبعاده القانونية والإدارية والفنية والمالية ، وقدمته لرئيسي العظيم الدكتور عماد الشرقاوي ، الذي كان قد ترقي آنذاك الي "رئيس هيئة كهرباء مصر" عام 1985 .. ولأجل سعادته القصوي بهذه المبادرة صحبني الي مقر الشهر العقاري بالعباسية ، ليوقع بنفسه التسجيل الرسمي لإصدار المجلة ..

صدر العدد الأول من "مجلة الكهرباء والطاقة " في منتصف عام 1986 يزدان باسم الدكتور عماد الشرقاوي رئيسا لمجلس الادارة ورئيسا للتحرير ، ويختال بحوار شامل أجريته - بوصفي رئيس التحرير التنفيذي - مع وزير الكهرباء والطاقة معالي المهندس ماهر أباظة ، ويحفل في الوقت ذاته بأبواب مهمة في العلم والتكنولوجيا والهندسة الكهربية ، فضلا عن المستوي الصحفي الاحترافي الذي تمتع به نظرا لاختياري مطابع الأهرام التجارية لطباعة المجلة ، التي توفر فنان الأهرام المبدع آنذاك كمال درويش علي ابتكار غلافها وإخراجها الفني الراقي ، فتلقفها جمهور الصحفيين كمصدر موثوق ينهلون منه علي صفحات جرائدهم ، كما احتفي بها أصحاب الاهتمام داخل قطاع الطاقة وخارجه ، واعتبرها معالي الوزير لسان حاله لدي كل المسئولين في الدولة ..

ومنذ ذلك الوقت صارت مجلة الكهرباء والطاقة مطلبا أساسيا للوزير والرؤساء جميعا ؛ ورأوا فيها وجها مشرقا لقطاع الكهرباء لدي الجهات الأخري في الدولة ، فكانت عبئا إضافيا "جميلا" ولعت به ، يتقدم كل أعبائي الأخري في عملي الذي توزع بين الدراسات والبحوث بهيئة كهرباء مصر ، والكتابات الحرجة العاجلة للسيد الوزير ، والجهود الأخري اللازمة لعديد من اللجان النوعية المختصة بواجبات محددة ، فضلا عن الأوراق العلمية التي ارتبطت بالعديد من المؤتمرات والندوات وموائد النقاش المستديرة علي المستوي الوطني والإقليمي والدولي !!! .

علي أن مجلة الكهرباء والطاقة التي ولدت عملاقة سرعان ما صارت مطلبا مرموقا لنخبة من الكتاب ، الذين شرفوا المجلة بكتاباتهم الموصولة ، وجمعوا فيما بينهم أساتذة بالجامعات ، ووزراء سابقين ، ورؤساء الشركات بقطاع الطاقة ..

وكان علي رأس كتاب المجلة جميعا معالي المهندس القدير مصطفي كمال صبري وزير الكهرباء الأسبق مباشرة قبل معالي ماهر بك أباظة ، والأستاذ الدكتور سعد عوض فرج أستاذ كرسي هندسة الاحتراق بقسم الهندسة الميكانيكية-كلية الهندسة-جامعة القاهرة ، حيث كانا معا نجما " شعبة الطاقة والكهرباء والبترول " "بالمجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية" " بالمجالس القومية المتخصصة " التي تتبع مباشرة " رئاسة الجمهورية " : معالي المهندس مصطفي كمال صبري رئيسا للشعبة ، والأستاذ الدكتور سعد عوض فرج مقررا فيها للعديد من لجان وضع التقارير التخصصية .. وقد حدث عام 1989 أن دعاني معالي المهندس مصطفي كمال صبري الي منزله ليسلمني مقاله الدوري للمجلة، في سلسلة خصصت له بقلمه تحت باب "تبسيط العلوم" ، وإذا به يفاجئني بخبر قبوله ترشيح الأستاذ الدكتور سعد عوض فرج لي لعضوية " شعبة الطاقة والكهرباء والبترول " بالمجالس القومية المتخصصة ؛ وكان هذا الترشيح فاتحة لنهوضي بحوالي عشرة تقارير قومية ، قدمت لرئيس الجمهورية ، بحسب الغرض من تأسيس المجالس القومية المتخصصة ، التي شيدت علي الأخص لتكون الظهير الفكري والعلمي لرئيس الجمهورية ، حيث ترفع تقاريرها مباشرة إلي فخامته !!!

ولقد أتممت إنجاز أول تقاريري للمجالس القومية المتخصصة عام 1990 ؛ من خلال عضويتي في لجنة علمية شكلت لهذا الغرض ، برئاسة الأستاذ الدكتور سعد عوض فرج ؛ عن " التدهور البيئي الناتج عن الصناعة في مصر والإجراءات الضرورية لمواجهته " ، وقد كان تقريرا محكما لم يتجاوز الستين صفحة - علي نحو ما نصحني أستاذي الدكتور سعد عوض فرج بالتركيز والايجاز ، حين قال لي إن رسالته للدكتوراه ، التي قدمها في شبابه للكلية الأمبراطورية في لندن ، وقعت في ستين صفحة فقط ... كان تقريرا محكما انتهي بتوصيات محورية مرفوعة للسيد رئيس الجمهورية ، أهمها إصدار قانون موحد لحماية البيئة في مصر ، وتقوية جهاز شئون البيئة بإنشاء وزارة للبيئة يكون جهاز البيئة ذراعها التنفيذي القوي ..

ولقد اهتم السيد الرئيس بهذه التوصيات علي الخصوص ، فأصدر توجيهه السامي بوضع "القانون الموحد لحماية البيئة" دون إبطاء ، ليصدر القانون رقم 4 لسنة 1994 " في شأن البيئة " ، الذي كان لي شرف حضور جلسات مناقشته بمجلس الشعب ( مجلس النواب حينها ) ، وتجلية أية مداخلات بشأنه للسادة الأعضاء ، والدفاع عنه ، الذي صدرت لائحته التنفيذية عام 1996 ، وأعقبها عام 1997 انشاء وزارة البيئة ، التي اختيرت لتكون أول وزرائها السيدة الرقيقة القديرة نادية مكرم عبيد ، التي بهرت المصريين بجمالها ورقيها وحسن ظهورها العام وكفاءتها العالية وحضورها المتواصل في كل المواقع الحرجة التي تنادي الجهود البيئية المخلصة للقضاء علي مشكلاتها المزمنة .. وبقيت لأجل جهودها الوفيرة الصادقة حاضرة حضورا قويا في أفئدة المصريين حتي صارت علما علي البيئة يذكرها الناس بالإعجاب والخير كلما سمعوا عن البيئة حتي يومنا هذا !!!

وتوالت بعد ذلك التقارير الوطنية التي كتبتها للمجالس القومية المتخصصة في "شعبة الطاقة والكهرباء والبترول" ، فشملت : تقرير " التأثيرات البيئية لنظم الطاقة في مصر في ظل الاستراتيجية المنظورة للطاقة عام 2020 " (1996) ؛ وتقرير " موارد الطفلة البترولية في مصر " ( 1997 ) ؛ وتقرير " خلايا الوقود : أحدث خيار تكنولوجي لتوليد الكهرباء وحماية البيئة " ( 1998 ) [ حيث كان أول نداء لاستدخال الهيدروجين الأخضر في قطاع النقل والتوليد الكهربي في مصر ] ؛ وتقرير " استخدام الطاقة النووية لتوليد القوي الكهربية في مصر " ( 1999 ) ؛ إلي آخر عشرة تقارير أنجزتها بمفردي للمجالس المتخصصة تحت رئاسة الدكتور سعد عوض فرج ؛ فضلا عن تقارير أخري عديدة تم إنجازها ضمن جهد جماعي شارك فيه عدد كبير من أعضاء الشعبة .

ومنذ اللحظة الأولي التي أنجزت فيها تقريري الأول للمجالس القومية المتخصصة ، دأب أستاذي الجليل الدكتور سعد عوض فرج ؛ بعد مراجعته لكل تقرير علي حدة ؛ يدفعني دفعا - وسط أعباء العمل الجسام - للحصول علي درجة الدكتوراه ، وهو يشهد لي بمنتهي الجدية - في أربعة من عيون التقارير التي كتبتها في ظله - بطريقته الجادة القوية الحاسمة : " أمنحك الدكتوراه لإبداعك في هذا التقرير " .. فكان أكبر الدوافع التي هزتني للدخول إلي عالم عسير شاق من الدراسة والبحث المؤلم خلال العمل ، حتي الحصول علي الدكتوراه حقا ، كدرجة أكاديمية لها نهجها ومعاييرها الخاصة ، أكثر من كونها شهادة أستاذ عظيم مهما قال يمنحها بمنتهي الجدية والصدق .

علي أن أكثر المواقف التي أخذني فيها الذهول من جميع أقطاري كان في اليوم الذي دعاني فيه الأستاذ الدكتور سعد عوض فرج إلي منزله خلف شارع البطل احمد عبد العزيز بالمهندسين بالقاهرة ، لأتعرف علي ابنه الأستاذ الدكتور سليم سعد عوض فرج القادم من الولايات المتحدة الأميركية في زيارة قصيرة لبلده مصر .. فإذا به يقدمني لابنه بصوت جهوري جاد قائلا : " أقدم لك إبني الأسطوري ماهر عزيز ".. فأخجلني وأخجلني في قمة ذهولي ، لأن الأسطورة الحقيقية كانت هي إبنه الأستاذ الدكتور سليم سعد عوض فرج ، الذي جاء الي مصر عقب فوزه مباشرة في تحكيم عالمي بمنصب أستاذ كرسي الهندسة الكهربية بكلية الهندسة جامعة ميتشجان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه