الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جناية العمامة

ربيع نعيم مهدي

2022 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"1"
في يومٍ من الأيام أُجبِرت من باب المجاملة على دخول الجامع لأداء صلاة الجمعة، وشاءت الصدفة أن يكون دخولي متزامناً مع إلقاء إمام الجماعة للخطبة، والتي شهدت سوءَ توزيعٍ مفرط في علامات الرفع والنصب والجر.
إلتفتُ الى صاحبي وقلت له: (ان الرجل يرفع المجرور)!!. فأجابني: (ليفعل ما يريد باللغة، وليَقُل ما يشاء.. المهم ان لا يتحدث بالسياسة).. فلجأت الى الصمت ورحت أفكر في حال بعض رجال الدين، ممن لبس العمامة وجنى عليها وعلى اتباعها، ففي تاريخنا العربي والذي يتسم بكونه اسلامياً في الغالب، نلاحظ وجود دورٍ للعمامة في أغلب الاحداث سواء أكانت سياسية أو اجتماعية، وحتى اساليب الحياة الفردية لم تكن بعيدة عن تأثيرات العمامة التي فصّلَت للمسلم افعاله العبادية والمعاشية، بدءاً من طرق الاستنجاء (النظافة الشخصية) ووصولاً الى تحديد المكاسب المشروعة والمحرمة.
واذا تفحصنا في التاريخ وتحديداً التاريخ السياسي، سنجد من الاخبار ما يشير صراحة الى ان العمامة كانت جزءاً من صراعٍ شغل الكثير من الزمن، حيث تنوعت أحداث هذا الصراع ما بين ثورةٍ ودعوةٍ وفتوى، واذا حاولنا سرد تلك الاحداث سنحتاج الى آلاف الصفحات لعرض تفاصيلها وما نتج عنها من أثر على حياة الشعوب في المنطقة، لذلك سأكتفي في هذا المقال بعرض إشكالية نقل بعض الروايات وترديدها مضامينها.
"2"
لا يخفى على أحد ان العراق بعد عام ٢٠٠٣ قد شهد نمواً مفرطاً في أعداد المعممين، ويبدو – بل بالتأكيد – ان اغلبهم إما جاهل لا يجوز له ارتقاء المنبر، وإما متعلم قاصد أن ينشر الجهل بين الناس ليصنع منه ثقافة.
والحديث هنا ليس افتراء على أحد، فبعص المعممين أثار استياء حتى اقرانه من خطباء المنابر، فعلى سبيل المثال تحدث احدهم عن فوائد اللطم على الحسين، وقال (ان في كل ضربة على الصدر تقتل سبعين كرة دمٍ بيضاء، وهذا السلوك في المحصلة سيعزز من مناعة الانسان!!). وحاله حال خطيب يعلل للناس طيران البومة ليلاً بعد ان كانت تسكن القصور، وأنها اعتزلت حياة النهار بعد قتل الحسين في عاشوراء!!.. وآخر يورد خبر الغراب الذي يحمل قطرة من دم الحسين في ذات اليوم.. وخطيب آخر يتحدث عن اقرار البطيخ بولاية علي بن ابي طالب، وآخر يروي حكماً شرعياً بجواز أكل سمكة مشهورة بسوء الأخلاق!!، وآخر يرى ان الارنب من الحشرات ولا يجوز أكله، وآخر ينقل خبراً يجزم بصحته عن إمامٍ اعاد الحياة لبقرةٍ ميتة، وآخر ينقل خبراً عن عصفور أقسم بإمامة جعفر الصادق... والقائمة طويلة. - ومن يريد التأكد من صحة ما ذكرت، فما عليه سوى إجراء بحث سريع على شبكة الانترنت وسيجد الكثير من التسجيلات المرئية-.
وهنا تجدر الاشارة الى ان هذه التسجيلات تحولت الى مفردة في الصراع والجدل الدائر بين ما يُسمى بالدعاة وحماة المذهب و.. و.. الى آخر التسميات والصفاة التي يرددها السذج من البشر.
"3"
وبغض النظر عن الموقف تجاه المنظومة الدينية، هناك علامة استفهام كبيرة تبحث عن اجابة في ظل هذه الفوضى، فالرواية والخبر في اطار الخطاب الديني ليست في حقيقتها سوى أدوات توجيه، وبالتالي نحن أمام اشكالية التوجيه، والذي للأسف يبدو في ظاهره كأنه صناعة للجهل، الجهل الذي تسعى المنظومة الدينية الى محاربته ونشر ثقافة تشجع على طلب المعرفة والعلم. وبالتالي فإن المسؤولية تجاه الخطاب الديني تفترض على اهل العمامة ان يكونوا اشد الناس حرصاً على مضمون الخطاب وتنقية مصادره من هذه الاخبار والروايات.
وبالرغم من وجود تيار من الخطباء يعتمد على النقل، إلا اننا نجد في اخبار العمامة حالات من الحرص على التأكد من مصداقية الرواية ومصدرها قبل نشرها بين الناس، ففما يُنقل عن الشيخ أحمد الوائلي انه خضع لسؤال واستجواب من قبل ابو القاسم الخوئي، كان محور الاستجواب عن رواية ذكرها الوائلي في إحدى محاضراته، حيث شدد الاستاذ على تلميذه بضرورة التحقق من صحة الرواية ومصدرها قبل ترديدها بين عامة الناس.
ومع وجود مثل هذه الحالات من الحرص على تنقية الخطاب الديني في ظل موجة من خطباء النقل وصناعة الجهل، فإننا في واقع الحال امام مشكلة كبيرة تتمثل بالعمامة المنفلتة -اذا جاز لنا القول-، ونحن أمام جناية يرتكبها بعض من ارتدى العمامة، سواء أكانت هذه الجناية مقصودة ام لا، لأنها في المحصلة ستعمل على افراغ الدين من محتواه الحقيقي، والذي من اهدافه القضاء على الجهل بأي صورة كانت.
"4"
وعند البحث ومحاولة تشخيص الاسباب التي شجعت ومهدت لبروز هؤلاء الخطباء والمعممين سنجد ان ضعف المستوى التعليمي للمستمعين، وغياب الرقابة على مضمون الخطب من قبل مرجعيات المؤسسة الدينة، وتأثيرات القوى السياسية الداخلية والخارجية – واللتان تتفقان على ضرورة الحفاظ على مستويات الجهل مرتفعة-، اضافة الى الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كلها أسباب تمثل أرضية خصبة لصناعة الجهل، وتحقيق المكاسب على حساب الخطاب الديني.
وهذه المكاسب، في حقيقتها تمثل جناية على مجمل المنظومة الدينية، ولا يمكن اعتبارها سياسة فاعلة أو صحيحة لتعزيز الواقع والاهداف السياسية لقوى الاسلام السياسي، والتي غالباً ما تلجأ الى استخدام العمامة كوسيلة لنشر ثقافتها وكسب التأييد. وإذا اعتبرنا ان ما يحدث من صناعة للجهل هو سياسة ممنهجة لتوفير قوى شعبية داعمة لقوى الاسلام السياسي، فإننا أمام واقع يُنذر بثورة فكرية من داخل القاعدة التي تسعى هذه القوى الى تجهيلها وتدجينها، وفي المحصلة ستكون الآثار المترتبة على هذه الثورة أكبر من المكاسب المحدودة التي يتم التخطيط لها، بل ان قوى الاسلام السياسي ستنجح -إن استمرت على هذا النهج- في خلق حالة من النفور الطويل الأمد لدى عامة الناس من الخطاب الديني بشكل عام. وستكون العمامة أول المتهمين بالجناية على الاسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر