الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 11

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 1 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إذا نبدأ من أولى اللغات المتداولة وأقدمها في عراق بعد الطوفان والذي يعتقد أنه حل تقريبا بحدود نهاية الألف السادس قبل الميلاد، فمن وجهة نظر المؤرخين فقد حصل طوفان قبل حوالي 5000 قبل الميلاد أو أكثر قليلا في منطقة وادي الرافدين والذي يُعتقد أنه طوفان نوح، ومن جهة أخرى يقول المؤرخون والأثاريون أن أحداث الطوفان تشكل الفارزة التأريخية الطبيعية ما بين عصريين مميزين فهو ينتهي بانفصال حضاري بين العصر الحجري وعصر فجر السلالات التي تلت الطوفان كما ورد في نتائج حفريات ليونارد وولي، وبالتالي فإن ما ترك الطوفان بعده من أفراد قلائل لا بد أن يحتاج إلى زمن لتكون من تلك الأفراد القليلون مجموعات بشرية قادرة على إعادة الحياة مرة أخرى إلى أرض العراق، بدأت أولا على شكل مستوطنات صغيرة تخضع لسلطة رجل واحد، ثم تتوسع لاحقا لتشكل مجموعات بشرية أكبر تحت قيادة واحدة، هذا إذا ما نظرنا إلى سعة المساحة التي غمرها الفيضان والتي تمتد من ما يعرف الآن برأس الخليج العربي وصولا إلى بداية الهضبة الوسطى الشمالية المحصورة جنوب نينوى الآن بأمتداد الجنوب الشرقي والجنوب الغربي ومحاذية لمجرى نهري دجلة والفرات.
وبالعودة إلى تأريخيات رواية الطوفان بعيدا عن المسمى والشخصية التي قادت السفينة هناك شبه أتفاق بناء على الأدلة الأركيولوجية المتوفرة الآن، ولا نقطع بها لعدم أكتمال أكتشاف كل ما يتصل بالطوفان من أدلة علمية جازمة، لكن ومن خلال التنقيبات الأثرية التي جرت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين نجد أن الطوفان وأثاره قد تركزت في مدن ثلاث رئيسية من مدن العراق القديم، وهي:.
• أور
التي شهدت أولى التنقيبات عنها عام 1854م على يد القنصل الإنجليزي "ج. تي. تايلور" Taylor. T. J ،ثم تجدّدت في سنة 1918م على يد كامبل تومبسون Thompson Campbel )) ثم انطلقت من جديد على يد الدكتور ”هال Hall )) والذي اهتم بالتل الصغير القريب في سنة 1919م )بحدود أربعة أميال ) من شمال أور والمسمى تل العبيد، وقد حقق بعض الأكتشافات الرائعة قبل استدعائه ليخلفه السير ليونارد وولي على رأس البعثة التي شارك فيها المتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأمريكية في الفترة الممتدة ما بين ( 1920- _ 1934م ) للبحث عن آثار تل العبيد، وقد حدّد موقعين للتنقيبات إلى الشمال من الزقورة وإلى الجنوب من المعبد، وكان لـ «وولي« السبق الأثري في اكتشاف المقابر الملكية في أور في خريف 1922م على عمق 20م في الموقع المذكور، ومن ثم وصل ليونارد وولي إلى الحفرة الغرينية التي تؤكد حدوث طوفان في المنطقة أُرخ له بنهاية عصر العبيد في نحو 4000 ق.م، وقد وصل سمك الطبقة الغرينية إلى 5.3 م حيث ذكر ليونارد وولي أن هذا الطين يتكون من مواد جرفتها المياه من المنطقة الوسطى لنهر الفرات، كما وجد في أسفل طبقات الطمي ثلاثة طبقات من الأواني الفخارية والأدوات الصوانية تشبه إلى حد بعيد تلك التي اكتشفت في تل العبيد وهي تعود للعصر الحجري، فقد أثبت بذلك ليونارد وولي وقوع الطوفان، وأن ارتفاعه لم يكن أقل من خمس وعشرين قدماً 5.7 م.
• كيش
المدينة الثانية التي حملت آثار الطوفان هي مدينة كيش السومرية، وحسب المصادر السومرية القديمة كانت هذه المنطقة مقراً لأول سلالة حاكمة بعد الطوفان، وكانت بداية التنقيبات في هذه المدينة في سنة 1912م على يد خبير الآشوريات (هنري دي جينوياك (Gencuillac de Henriوقد تجددت التنقيبات في كيش بعد الحرب العالمية الأولى في سنة 1923م، على يد بعثة انجليزية أمريكية ترأّسها ”النكدون“Langdon المختص في الآشوريات، وساعده في ذلك ”مكاي“Macka والأثري الفرنسي ”وايتلين “Watelin وقد أمضت هذه البعثة مدة عشر من (1923_1933)، وصرّحت البعثة الأركيولوجية بأنها عثرت على آثار للطوفان في كيش وكانت طبقات من التراب الأحمر -الذي رسبته مياه الطوفان- سمكها 8 أقدام حوالي 3 م على عمق 11 متر تقريباً، كما ذكرت البعثة أنها وجدت تحت أطلال المدينة وعلى عمق متر واحد تحت الطبقة الحمراء آنية خزفية ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ، ثم وجدت تحتها طبقة من آثار عصور فجر السلالات، وعثرت فيها على بقايا عربة، وقد وجدت تحت هذه الطبقة طبقة اخرى تعود آثارها الى عصر جمدة نصر، وكان الخندق التجريبي الذي حفرته البعثة في هذا الموقع يمتد الى عمق 17 مترا، حيث ظهر في نهايته التربة العذراء الخالية من آثار الإنسان، وقد نشر وايتلين نتائج من آثار تنقيباته سنة 1934 بعنوان "التنقيبات الأثرية في كيش".

• شوروباك
تعتبر شوروباك ثالث مدينة مهمة من المدن العراقية التي عثر فيها على أثار الطوفان، فقد بدأت التنقيبات الآثارية فيها في بداية القرن العشرين وتحديدا عام 1902 لكنها توقفت لتجدد مرة أخرى بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى،
حيث قاد الحملة الأثرية في هذه المنطقة ايريك شميديت (Eric Schmidt ) من جامعة بنسلفانيا في الفترة الممتدة ما بين (1920-1930م( وقد وصل شميديت إلى عمق ثلاثة إلى أربعة أمتار ليجد طبقة من التربة الصفراء تشكلت برأيه نتيجة الطوفان، كانت هذه الطبقة متشكلة من خليط من الطين والتراب، وعَرَفَ شميديت أن هذه الطبقة تعتبر من بقايا عهد "جمدة نصر" وربطها مع طوفان نوح، ومما يذكر أن شميديت نشر بعد انتهاء البعثة من مهمتها في شوروباك مقاله سنة 1931 م في مجلة المتحف الصادرة عن متحف جامعة بنسلفانيا، حول النتائج الكلية التي حققتها البعثة تحت عنوان الاستكشافات الأثرية في مدينة الفارا at Excavation Fara )) يصرّح فيها على دليل وقوع فيضان في مدينة شوروباك، وهو أن البقايا الأثرية لحضارة جمدة نصر (3100-2900 ق.م) كانت قد انفصلت عن بقايا حضارة السلالة الملكية المبكرة (2900-2371 ق.م) بتربة غرينية دالة على وجود ترسبات الفيضان الذي وقع في شوروباك حوالي 2850 ق.م.
نتيجة البحث
من خلال الواقع الجغرافي الذي تؤشره المدن الثلاث التي شملها الطوفان قد كشفت الدلائل التي خرجت بها الدراسات النهائية، أن حدود منطقة الطوفان قد غطت مساحة 600 كلم طولا من الشمال الى الجنوب، هذا يعني أن الطوفان قد غطى كافة سهول وادي الرافدين، وإذا تأملنا ترتيب المدن أور، شوروباك، كيش، التي تحمل أثار الطوفان نجد أنها جميعا تقع على هذا الطريق، وهكذا يكون الطوفان قد شمل هذه المدن وما حولها، إلا أن التقديرات التي قدمها الأثريون والتي تعتمد على وسائل علمية أغلبها قديم بالنظر لتأريخ الاستكشافات، ومحاولة البعض منهم ربط الأحداث والمكتشفات بالتأريخ التوراتي لأثبات قضايا عقائدية لا تتصل بحقيقة تجرد العلم من المؤثرات الخارجية، فقد تفاوتت تواريخ الطوفان أعتمادا على التقديرات الأعتباطية التي جعلت من طوفان أور قد حدث بحدود 3500 ق م، بينما أرخ في موقع كيش لحدود 2600 ق م، أما تقديرات شوروباك فتجاوزت 2850 _ 2950 ق م.
هذا التخبط والتضارب في تحديد تأريخ الطوفان يرجع في معظمه وفي وقته إلى تخلف الوسائل العلمية المستخدمة في الكشف والتحليل قياسا إلى ما هو موجود حاليا، من قدرات تقنية وعلمية بالغة الدقة من حيث يقينية النتائج التي تتوصل إليها، إضافة إلى أن المستكشفين الأوائل كانوا يبنون أراءهم ونتائجهم على فرضيات يسعون لأثباتها سواء أكانت قابلة أو غير قابلة للإثبات والنفي، وبغياب قاعدة معلومات بيئية ودراسات طقسية ومناخية وجيولوجية معتبرة تساهم وتعزز تلك الدراسات والنتائج، تبقى كل النتائج المكتشفة دائرة بين الظن والأحتمال دون أن تعطي حقائق ثابتة يمكن الركون لها والأعتماد عليها كحقائق تاريخية قاطعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة