الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اساطير:1) اسطورة اوديپ Oedipus

مالوم ابو رغيف

2022 / 1 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لعل اشهر شخصية اسطورية من موروث الاساطير اليونانية هي شخصية اوديپ ذلك ان سيگمنت فرويد استخدمها للإشارة الى غريزة الطفل الميال الى التعلق بحب امه وبغض ابيه، مع ان اوديپ بريء من هذه العقدة براءة الذئب من دم يوسف كما سنرى من احداث هذه الأسطورة الأكثر تراجيديا في الادب الاغريقي.
اللعنة الاولى
تبدأ التراجيديا عندما تحط اللعنة على الاب لايوس والام جوكاستا وهي من احفاد الرجال المزروعين
(قتل كادموس التنين المسؤول عن حراسة الماء والذي يملكه الاله ارس Ares فنصحته الالهة أثينا ان يأخذ انياب التنين ويبذرها حوله وما ان فعل حتى نبتت الاسنان على هيئة محاربين وما الاسپارطيون الا احفاد هؤلاء المحاربين المزروعين)
نزل أبو اوديپ لايوس Liaos ضيفا عند پيلو پس Pelops ملك كورنث، فاحسن ضيافته واكرمه وقربه اليه، لكن لايوس وكان مولعا بحب الصبيان، وقع بحب ابن الملك من ِAnxiothe الصبي الجميل كريسپوس Chrisppos( الحصان الذهبي) فخطفه واتى به الى مدينته ومركز حكمه ثيبيا Theben ,ولا اعرف لماذا ترجم العرب الكلمة الى طيبة مع ان حرف الثاء موجود باللغة العربية!
لقد حنق وغضب Pelops من Liaos بعد ان خطف ابنه ودعى الالهة ان تنزل لعنتها عليه بان لا يخلف ولدا وان خلف فعسى ان يلقي حتفه على يد ابنه.
. الذي حدث ان جوكاستا لاحظت زوجها لايوس توله بحب الصبي الجميل كريسبوس، قد هجر فراشها واصبح يقضي اغلب اوقاته مع الصبي فتوجهت بالدعاء الى ام الالهة هيرا Hera وطلبت منها علامة تدل اعتراضها على هجر زوجها لها فأرسلت هيرا السفنكس Sphinx. وهو وحش بوجه امرأة وجسد اسد وذيل ثعبان واجنحة عقاب، جثم عند بوابة المدينة فبث في قلوب سكانها الرعب والهلع وما من داخل او خارج الا وطرح السفنكس عليه لغزا لا يعرف احد جوابا صحيحا له فيفترسه الوحش في الحال، فامتنع الناس من الدخول او الخروج من المدينة، وساءت حالة الناس المعيشية. الوحش أيضا طلب من لايوس ان يعيد حبيبه الصبي الى ابيه الملك پيلوبس Pelops وان يعود الى مضاجعة زوجته.
( لم تكن الالهة هيرا ضد المثلية الجنسية، اذ ان المثلية الجنسية في الادب الاغريق تعتبر نوعا من الاعجاب بالجمال وهي شائعة حتى بين الالهة، لقد كانت هيرا وهي الهة المرأة والزواج والأسرة والولادة، منزعجة من لايوس لأنه ترك زوجته وتوقف عن مضاجعتها)
أعاد لايوس حبيبه الصبي الى ابيه، لكن سكان ثيبياس طلبوا تحقيق الشرط الثاني وهو رؤية طفلا من علاقة زوجية بين لايوس وجوكاستا لاثبات تحقيق الشرط الثاني ليرحل الـسفنكس عن بوابة المدينة ويعود الناس الى ممارسة حياتهم الطبيعة.
ورغم عودة العلاقات الزوجية بينهما الا ان البيت بقي خال من ضحكة او صوت بكاء طفل، لذلك طلبت جوكاستا من زوجها التوجه الى دلفي حيث توجد الاوراكل Orakel للاستفهام عن سبب عدم انجابهم للأطفال.
وما ان يسأل لايوس حتى تجيبه پيثيا pythia بان عليه ان يكون فرحا مسرورا وليس كئيبا متحسرا، اذ لو انجب ولدا لكان مقتله على يد ابنه!!
وعندما عاد لايوس الى زوجته أخبرها بانه لن يشاطرها الفراش ابدأ لان الالهة اخبرته ان ولده سوف يقتله. ورغم اقتناع الزوجة جوكاستا في باديء الامر بعذر زوجها عن مشاطردتها الفراش، الا ان الشكوك بدأت تساورها، فقد يكون عذرا مختلقا للابتعاد عنها خاصة وهي تعلم بولع وحب زوجها للغلمان.
وبدأت الزوجة وقد عزلت نفسها عن فراش زوجها وعن غرفتهما المشتركة، تعاني وتقاسي وتضطرم نيران الرغبة في جسدها حتى لم تعد تطيق الصبر. ومثلما فعلت بنات لوط، اسكرت جوكاستا زوجها ومارست معه الجنس فحبلت منه.
بالطبع لم تفد ثورة لايوس على زوجته بعد علمه بحبلها، فيقررا كلاهمها التخلص من الطفل والخلاص من نبؤه الاوراكل.
وكما في الاساطير غالبا ما يتم التخلص من الطفل بتكليف احد الخدام لقتله في الغابة وغالبا ما يحن قلب الخادم عليه ولا يقتله، واما بوضعه في سلة ودفعه على سطح مياه الأنهار فيجده صيادو الأسماك فيتبنونه( كما هي اسطورة موسى المستوحاة من اسطورة سرجون)، كذلك كان مصير اوديپوس ، اذ قرر ابوه بعد ان خزق قدميه وربطهما مع بعضهما بخيط ( لا احد يعرف سبب هذا الفعل لكنها الأسطورة، كذلك قارن صلب المسيح على الصليب وخزق قدميه بالمسامير لتثبيته على الصليب) ثم اعطاءه الى احد الخدام ليقتله، لكن الخادم وقد حن ولان قلبه على الطفل مثقوب الاقدام، عدل عن قتله واعطاه الى احد الرعاة ليتبناه فيكون له ولدا او خادما، لكن الراعي اخذه معه الى مدينة كورنث واعطاه للملك Peplos مخبرا إياه بكل التفاصيل ، وكان الملك في توق للأنجاب، لذلك أوصيا الراعي بان لا يتفوه بكلمة واحدة عن الطفل، بينما تصنعت الام merope الحمل لتوهم الناس انها ستصبح اما. ويوما ما نزلت عند النهر وتصنعت المخاض لتلد الطفل.
اسموه اوديپوس أي القدم المتورمة وهذا الاسم من كلمتنين Odi وتعني متورم او منتفخ و pus وتعني قدم (قارن الكلمة الألمانية Fuss او الانلجلزية Foot). وهكذا اصبح اوديپوس ابنا ووريثا شرعيا لملك كورنث.
لم يشك اوديپوس يوما بانه ابنا لهذه العائلة لكن في يوم ما، اثناء وليمة أقامها الملك جلس اوديپوس بين امه وابيه مرحا فرحا فاتى له احد اصدقاءه وهمس بإثنه بانه بلا شك يبدو قويا ذكيا لكن ليس فيه أية صفة شبه من ابيه او من امه.
لم يكن السؤال خبيثا او تشكيكا بـ اوديپوس لكنه كان ملاحظة عابرة الا انها زرعت بذرة الشك في نفس بطلنا اوديپوس الذي انتبه الى ان الملاحظة صحيحة جدا فلا يوجد أي سيمياء لا بوجهه ولا بجسده ولا بصوته ولا بشعره تربطه بابيه ولا بأمه.
اللعنة الثانية
بالطبع استفسر اوديپوس من ابيه وامه لكنه لم يحصل منهما الا على تأكيد وإصرار بانه ولدهم. لكن بذرة الشك لا تهدا ولا تستقر الا بمعرفة الحقيقة. ولم يكن للحقيقة من تأكيد الا بالسفر الى دلفي Delphi حيث مقر الاوراكل ليحصل على جواب قاطع. لكن ما ان وصل الى هناك حتى اصطدم بما لم يحدث سابقا ابدا في دلفي، اذ لم ترفض الاوراكل قبله أحدا ولم تحجم عن جواب لسؤال! لكن ما ان فتح فمه ليسأل حتى صاحت به رئيسة الاوراكل القسيسة بيثيا:
اخرج أيها البائس فورا من هنا
اخرج لقد حلت عليك اللعنة
ستقتل ابيك وتتزوج أمك
انقلع سريعا
اذهب ومت
فان موتك خير للإنسانية.
ارتعب اوديپوس من نبوءة الالهة في دلفي فهو يحب ابيه ويحب امه ولا يمكن ان يتمنى لهم الأذى لكنه لا يتمنى الموت لنفسه ايضا. لذلك قرر الرحيل وعدم الرجوع الى كورنث حتى لا تتحقق نبوءة الالهة.
في الطريق الى ثيبيا Theben وكان يسير على طريق ضيق جدا لا يسمح بمرور اكثر من عربة، تصادف بموكب قادم، عربة ملوكية وخمسة حراس، ورجل متقدم في السن بعض الشيء، يجلس في العربة على كرسي مذهّب، كان يبدو عليهم نية الوصول بسرعة الى مكان ما. طلبوا من اوديپوس التنحي عن الطريق بنبرة آمرة ليس فيها شيء من التهذيب، كانت نبرة سيد يأمر عبدا بالتنحي، وهذا ما لم يعتد عليه اوديپوس الذي تربى في بيت ملك. في العراك الذي نشأ بينهم، وكان اوديپوس فارسا شجاعا وقويا، قتل الجنود والرجل الذي كان في العربة ولم يبق الا خادما هرب فارا من المعركة لا يلوذ على شيء. علينا ان نيشر الى ان الرجل الذي كان في العربة هو لايوس الاب الحقيقي لـ اوديپوس وقد كان في طريقه الى دلفي ليجد جوابا عن عدم الانجاب. وهكذا تحققت نبوءة الالهة الأولى.
عند وصول اوديپوس الى ثيبيا سد عليه الـسفنكس البوابة وطلب منه جوابا على اللغز الذي لم يستطع أحد ان يجد جوابا صحيحا له:
من هو الكائن الذي له صوت واحد لكن بعض الأحيان له أربعة سيقان وبعض الأحيان ساقان وبعض الأحيان ثلاثة سيقان، ويكون اضعف كلما كثرت قوائمه والاقوى عندما تقل قوائمه؟
أجاب اوديپوس بدون تردد بانه الانسان فعندما يكون رضيعا فانه يحبو على اربع(يديه ورجليه) ويكون في اضعف أيام عمره وعدما ينمو ويقوى يمشي على اثنين ويكون في اقوى أيام عمره وعندما يشيخ يمشي على ثلاثة، على ساقين وعكازة.
وكان هو الجواب الصحيح الذي افزع السفنكس فطار الى اعلى قمة جبل ثم القى نفسه من شاهقها ليلقى حتفه وتتحرر المدينة من الرعب والهلع التي كانت تعيش فيه. احتفل الناس بخلاص من السفنكس وأطلقوا على اوديپوس لقب المحرر ونادوا بان يكون ملكا عليهم خلفا للملك لايوس الذي وصل نبأ مقتله الى المدينة بان عصابة من قطاع الطرق هجمت عليه وقتلته وقتلت كل الحراس الذي كانوا معه حسب ما اخبرهم الذي هرب من الواقعة ليبرر لفراره.
ولكي يضمن كرويون وهو اخ الملكة جوكستا، استمرار الاحتفاظ بالعرش اقترح ان تتزوج من اوديپوس الملك الجديد الذي توجه الشعب ملكا عليهم.
اوديپوس لم يرَ امه جوكستا من قبل فلا عتب عليه ان تزوجها، لكن جوكاستا لابد وقد لاحظت الشبه بينه وبين ابيه ولا بد انها لاحظت اقدامه المنتفخة التي سببت لها الهنزلة أي العرج الخفيف عند المشي لا سيما هي وزوجها لايوس قد ثقبا اقدام اوديپوس وربطاها مع بعضها بالخيوط.!
لقد تحققت النبوءة كاملة، والنبوءة هنا هي ما يعرف بالقدر في الدين الإسلامي، فالقدر المخطوط مسبقا لا بد وانه نازل على الانسان مهما حاول الإفلات ويقول المثل المصري في هذا الصدد
المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
ورغم ان اوديپوس كان عادلا وكريما ومحبوبا من الشعب، الا ان حكمه تصادف من حلول وباء الطاعون الذي اهلك الناس وكذلك خسارة الاغريق في الحرب.
لقد كان القدماء مثلما تعتقد الشعوب المتدينة هذه الأيام، بان الأوبئة والامراض والكوارث ما هي الا عقاب ينزل من السماء على البشر لانهم اقترفوا ما لا يستطيع الله او الالهه تحمله وتقبله، لذلك راح سكان ثيبيا يطرحون الأسئلة ماذا فعلنا وماذا اؤتكبنا حتى تعاقبنا الالهة بالطاعون او بالخسارات المستمرة؟
ارسل اوديپوس مجموعة من السكان على رأسهم كريون Creon شقيق الملكة جوكاستا الى دلفي لمعرفة سبب غضب الالهة فردت الالهة پبيثيا Pythia
اطردوا قاتل الملك لايوس من المدينة سيزول عنكم الطاعون!
لكن هل يمكن تحميل اوديپوس غير المذنب الذنب؟ فهو عندما قتل ابيه لم يكن يعرفه وعندما تزوج امه لم يكن يعرفها وحتى بعد مرور هذه السنوات مازال الانسان يقرن حب الابن لامه بعقدة اوديپ الذي لا يحمل ذنب اوأية عقدة!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جعفر الميرغني يوضح موقف حزبه من الحرب في السودان ودور الجيش


.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة




.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي


.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد




.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟