الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليقاً علي عرض الحوار العلماني الإسلامي

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2022 / 1 / 24
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


قرأتُ تقريراً مُفصلاً نشره الصديق الصحفي المُمّيز الأستاذ حسن إسحق يوم الأحد، الموافق 23 يناير عن ورقة فكرية قدمها الأستاذ المحبوب عبدالسلام خلال ندوة مشتركة بين مركز أبحاث الديمقراطية والدراسات الإستراتيجية وحركة تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وأقيمت الندوة بمدينة سيدني - استراليا في العاشر من يناير الجارٍ لمناقشة المسألة السودانية وطرائق العبور نحو دولة السلام والديمقراطية والعدالة بعد سقوط نظام الإنقاذ، وتداعيات إجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر التي تعطل بموجبها النمو المُبكر للدولة الجديدة، وحسب طرح الأستاذ المحبوب عبدالسلام فان البلاد تحتاج لإجراء حوار بين الإسلاميين والعلمانيين لتقريب وجهات النظر والإتفاق علي كيفية حكم السودان؛ بينما الحوار مطلوب بين السودانيين أولاً لإخراج البلاد من رواسب عهد الإستبداد، وبرأيه أن النُخب قد فشلت في توفير منصة حوار شامل علي مدار تاريخ الدولة الحديثة لإيجاد مشروع وطني للسودان، وهذا صحيح، لكن الفشل جاء كنتاج للصراعات السياسية والثقافية حول قضايا السلطة والثروة والهوية وحرية التعبيير عن الرأي والمعتقد، وتسبب هذا الصراع في تعقيد المعادلات السياسية والفكرية دون حل، وهنالك عدة مساهمات نقدية من مفكريين وسياسيين ناقشوا هذه القضايا بجدية وشفافية أبرزهم الدكتور منصور خالد في أشهر كُتّبهِ "النُخبة السودانية وإدمان الفشل"، وشرح مسألة الديمقراطية والأنظمة الدكتاتورية وجذور الصراع بين النُخب السياسية حول السلطة والثروة والهوية السودانية مع إهدار طاقات الشعب في معارك المركز العنصري الإقصائي الذي تشكل من قوى المصالح المهيمنة علي مفاصل الدولة، وعبثت بمصائر الشعوب لعهود طويلة، ولا تهتم البتةً بقضية وحدة السودان وتطوره، وهذه الكارثة أوصلتنا لدائرة الظلام التي يتوجب علينا إيجاد وسيلة الخروج منها، وأتفق مع مبدأ الحوار الشامل والمصالحة الوطنية كما حدث بجنوب افريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري، وكذلك دولة نجيريا بعد حرب البيافرة وروندا وبورندي جميعها لم تتجاوز أزماتها إلا بحوار صادق وتصالح وقطيعة مع خطيئة حروب العنصرة وخُطب الكراهية، وهذه تجربة نحتاج لشجاعة كافية لخوضها من أجل السودان.

السبب الرئيسي الذي جعلني أهتم بموضوع هذه الندوة، وأفكر في التعليق عليها دون الإصراف في السرد؛ هو محور الندوة عن مسألة الحوار بين العلمانيين والإسلاميين، وذكرني هذا الموضوع برسالة تحمل ذات العنوان والمضمون؛ تلغيتها من الدكتورة فائزة حسن طه عبر الإيميل بتاريخ 25 فبراير - 2017م، وتزامن ذلك مع جدلية العلمانية والإسلام السياسي، وإنفجار حرب إعلامية ضارية بين الإسلاميين والعلمانيين بعد زيارة الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية للسودان آنذاك، وكتبت رداً لرسالة د. فائزة حسن؛ نشرته صحيفة الراكوبة السودانية بتاريخ 27 فبراير - 2017م، ولم ألتقي د. فائزة حسن إلا علي الإسفير، وتمنيتُ إلتقائها ذات يوم؛ وكذلك الأستاذ المحبوب عبدالسلام الذي عرفنا شخصيته من خلال مقالاته وكتبه مثل كتاب "دائرة الضوء وخيوط الظلام" الذي يحمل نقداً لتجربة الإسلاميين مع الحكم والإدارة وأسرار دقيقة حول الإنقلاب الإنقاذي، ولكن الأهم هو تجديد دعوة الحوار بين "النقيضين - التيارات الإسلامية والعلمانية"، وهذا الحوار من الناحية النظرية جيد ومفيد للسودان لكن عملياً فُرص نجاحه لم تعد كافية بالنظر لمآلات الصراعات السياسية وآثارها الكارثية كنتاج لتجربة الإسلاميين الذين نقضوا جميع الإتفاقيات والعهود التي شهد العالم عليها؛ إضافةً لتأصيلهم خطاب العنصرة والكراهية بين السودانيين علي أساس الدين واللون والإختلاف السياسي، والأفضل للإسلاميين الآن إجراء حوار صادق وصريح داخل تياراتهم لإصلاح خلل خطابهم السياسي والفكري ومصالحة الشعب قبل القفز لمحاورة العلمانيين الذين لم يحكموا السودان إلا لأيامً معدودة، وهذا ليس رفضاً للحوار الذي ينادي بإجرائه المحبوب بل نراه من مفاتيح بوابة العبور نحو سودان السلام والعدالة الإجتماعية إلا أن ذلك يحدث فقط عند توفر الشروط اللازمة للحوار الديمقراطي.

بدأت تجربة الإسلاميين بإنقلابهم علي نظام الديمقراطية بعد إنتخاب السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء، وبعدها شاهدنا بيوت الأشباح وخطاب العنصرة والتهجير القسري للسكان من مناطقهم الأصلية جراء الحروب وإنفصال جنوب السودان وإنهيار الإقتصاد لسوء الإدارة، وسقوط مؤسسات الدولة تحت قبضة مجموعات الفساد والمحسوبية وغيرها من مصائب السودان القديم، وكل ذلك بسبب سياسات بعض الإسلاميين الذين إستفردوا بالسلطة والثروة، وقادوا حرباً شعواء ضد شعوب السودان، وتصوروا أنهم مُلاك صكوك الفضيلة وغيرهم لا يستحق سوى البطش والتنكيل، ولم يسلم من بطشهم شيخهم حسن الترابي والمحبوب عبدالسلام نفسه وزملائه من الإسلاميين الذين رفضوا الإنصياع، وهذه التجربة المرير تلوح الآن علي فضاء السودان بعد رحيل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وقصص الحقبة الماضية مشهودة ومعروفة يجب مراجعتها جيداً عند التفكير في مسألة حوار مُثمِر يُعدي لمصالحة تاريخية بين السودانيين، وتقوم تلك المصالحة علي أعمدة الديمقراطية التشاركية والمواطنة المتساوية والسلام المستدام، وقد قال الدكتور جون قرنق ذات يوم " الإسلام لا يُوحد السودانيين، والمسيحية لا تُوحد السودانيين، والعروبة لا تُوحد السودانيين، والافرقانية لا تُوحد السودانيين؛ لكن السودانوية تستطيع تَوحِيد السودانيين"؛ وهذا هو عمود بناء سوان جديد يحترم الحقوق السياسية والمدنية للإنسان غض النظر عن إختلاف اللون والفكر والعقيدة؛ فالجميع هنا له حق الحياة والعيش بسلام، وهذا طريق لبناء المجتمع الإنساني التعاوني؛ فالذي يقود السودانيين الآن، وغداً لنسيان ماضٍ الحروب والإستبداد هو التخلي عن السلوك الذي أجج تلك المشكلة لمحو مسبباتها بعد مراجعة صادقة تقود لمصالحة شاملة من أجل مستقبل دولة تسع جميع الناس.

إقليم النيل الأزرق
24 يناير - 2022م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا