الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثالث)

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 1 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ضم الجزء الثاني من ملف النخبة المغاربية (الأسبوع المغاربي، العدد 93)، أربعة مقالات. المقال الأول حول مفهوم الانتلجنسيا استعرض فيه كاتب هذه السطور مفهوم النخبة الفكرية (Intellectuelle)، وقراءة جورج طرابيشي للنخبة العربية في خطابها الحديث والمعاصر، أما المقال الثاني للباحث المغربي ياسر بلهيبة والثالث للمفكر الجزائري محمد شوقي الزين، والرابع للكاتب المغربي بشير ميقاتي.

سعيد هادف: الأنتلجنسيا أو نُّخبة الفكر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن القول بأن مفهوم نخبة المثقفين/المفكرين يدل في أبسط تعريفاته على هؤلاء الذين يمارسون تأثيرا أكبر في مجال الرأي والإبداع والتواصل الجماهيري في مجتمعاتهم ووفي حقول تخصصاتهم الفكرية، ولاسيما الوعاظ والخطباء وكتاب الرأي من أدباء ومفكرين وإعلاميين وأكاديميين ومنظرين في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ولتمييز هذه النخبة عن غيرها، هناك عدة مفاهيم، أبرزها: مصطلح «الأنتلجنسيا» بصيغته الماركسية، ومصطلح «المثقف العضوي» وفقا لنظرية غرامشي، ومصطلح «المفكر الرسولي» وفقا لمصطلح إدوارد سعيد، ومصطلح «المفكر النقدي» وفقا لمنظور نيتشة وسارتر. أما «المثقفون المحترفون» حسب تعبير كارل مانهايم هم أولئك الذين يكرسون كل وقتهم لمهنة الكتابة والتأليف والانتاج المعرفي. ويمكن توصيف نخبة المثقفين بـ«الأنتلجنسيا»، نظرا لما ينطوي عليه هذا المفهوم من المعاني الدالة على الذكاء والفكر من جهة، ومن جهة أخرى، ارتباط هذه الشريحة بمحيطها الاجتماعي والبشري ارتباطا نبيلا على الصعيدين، الإنساني والحقوقي، سواء في علاقتها العضوية بالمجتمع وقيم الحق والخير والجمال، أوعلاقتها النقدية بالسلطة، وهي"ضمير البشرية" وفق جوليان بندا (Julien Benda) الذي رأى أن المثقفين "هم الذين يجدون متعتهم في ممارسة الفن أو العلم أو التأمل (...) والمثقف لا يكون مثقفًا حقيقيًا إلا حين يعارض الفساد ويدافع عن المستضعفين". و"إن مسؤولية المثقفين، يقول تشومسكي، هي قول الحقيقة وفضح الأكاذيب وأن المثقف هو من يشهر الحقيقة في وجه القوة". ومن يتأمل هذا التداول الفكري والأيديولوجي لمفهوم النّخبة سيجد بأن هذا المفهوم يعاني كثيرا من الضبابية والغموض والتشويه، ويترافق هذا الأمر مع غياب واضح للدراسات السوسيولوجية حول هذا المفهوم.
لقد بدا واضحا، عبر النظريات السوسيولوجية البنيوية، وغيرها أن النُّخب ليست وضعية عارضة في طبيعة المجتمعات البشرية، بل حالة جوهرية أساسية راسخة في صلب التكوين الفطري للمجتمعات منذ بدء الحياة البشرية حتى اللحظة الراهنة، وقد بين واقع الحال كما بينت الدراسات والأبحاث أنه يصعب على المجتمعات البشرية أن تتحرك وتنمو دون فعالية النُّخب التي تمتلك القدرة على توجيه مجتمعاتها وتحديد منطلقات تحركها في الحاضر والمستقبل.
وفي مسار الأحداث الدامية التي تشهدها المنطقة العربية اليوم أصبح مفهوم النّخب من أكثر المفاهيم الاجتماعية والسياسية حضورا وتداولا في الفكر السياسي والاجتماعي والإعلامي العربي المعاصر. ويحتاج مفهوم "النخبة" في الوسط العربي و/أو الناطق باللسان العربي، إلى وقفة فحص وتدقيق، كما تحتاج "إنجازات" النخب العربية و"ميراث" أسلافها، السياسي والديني ولاسيما الفكري إلى مراجعات عميقة. ولأنه (المفهوم) يتمتع بمقام مرموق في الأوساط الاجتماعية والسياسية والأكاديمية فهو يحتاج إلى توضيح وتأصيل وضبط، وهي عملية تحتاج إلى ورشة علمية مستمرة ودائمة اليقظة.
إن النخبة بوصفها لسان حال الشعب أو المجتمع أو قطاع من المجتمع، يكمن دورها في تنوير وتأهيل الجماعة التي تتحدث باسمها، وحمل أعضاء تلك الجماعة على الانخراط في قضايا الشأن العمومي، فالنخبة التي لا ترتقي بأعضاء جماعتها إلى هذا الوعي، هذا يعني أنها نخبة جاهلة أو متواطئة ضد مصالح من تتحدث باسمهم ما دامت جعلت منهم قطيعا من الحمقى والبلهاء (فقد أطلق الإغريق صفة (Idiot/الأحمق) على الشخص الذي لا يهتم بالشأن العمومي)، ولو أن كل نخبة في المجتمعات العربية أوفت بالتزاماتها إزاء من تتحدث باسمهم لاتسعت رقعة المهتمين بالشأن العمومي ولتقلصت رقعة العازفين عن الشأن السياسي.
ينتقد ميلز تقسيم القدرة والسلطة في النسق الاجتماعي الأمريكي. ويفرّق بين الطبقة العليا أو الغنية وبين النخبة الحاكمة؛ فالثانية، بالإضافة إلى ثرائها تتمتع بقدرة سياسية واقتصادية، كما ميز بين الطبقة الحاكمة والصفوة الحاكمة؛ فالطبقة الحاكمة تشمل من يحكم البلاد كريجيم سياسي لكن يضاف لها في مفهوم النخبة بقية القوى الاقتصادية والعسكرية. خلاصة الفصل الأول "الدوائر العليا"، تدور فكرتها حول كون السلطة في النسق الأمريكي تتمركز غالبًا في ثلاث حلقات لا تخرج عنها هي: القوة العسكرية – الشركات الخاصة- النخبة السياسية. هذه الفئة التي يصفها تشارلز بالنُّخبة، هي شبكات مترابطة المصالح والعلاقات، وفي ذات الوقت تتنافس في ما بينها، و تخوض صراعا ضد بعضها البعض، وهي مبثوثة في أكثر من مجال، وأكثر من موقع، الأمر الذي يجعل تحديدها متعذرا، وبالتالي هي جماعات مصالح وجماعات ضغط (لوبيات)، لها نخبها التي ترعى مصالحها.
يُقرّ إبراهيم أبراش أن هناك التباسا يعتري تعريف النخبة السياسية، حيث تعددت المقاربات حول "الأسس التي بمقتضاها يتموقع أفراد النخبة السياسية في موقع القرار أو موقع التأثير على متخذي القرار... وفي واقع الأمر تباينت المقاربات من مفكر إلى آخر". وإن تعدد التعريفات والتسميات المدرجة في إطار تعريف التحليل النخبوي بدلا من أن تساعد على مداناة المصطلح وضبط دلالته، فإنها تزيد في تعقيد الأمور".
ويبدو لي أنه من الضرورة المنهجية أن نميز اصطلاحيا بين النخبة وغيرها من جماعات الامتياز وجماعات الضغط، وجماعات المصالح. بناء على أن النخبة هي مجموعة من الأفراد الذين يشـكلون أقليـة نافذة، فالنخبة، والحالة هذه، لا تتحدد في ماهيتها، بل في علاقتها بمحيطها (نخبة الحزب مثلا، النخبة الثقافية، نخبة المال والأعمال..)، وقد تكون معروفة (مرئية) كما قد تكون غير مرئية.
في سياق انشاغالاتي واشتغالاتي الفكرية، وفي ضوء الأعمال السوسيولوجية وغيرها التي حاولت سبر الظواهر الاجتماعية وفهم ميكانزماتها، اجتهدت في صياغة مصطلح يعبر عن القوى المبثوثة في ثنايا المجتمع، والمتنكرة في أقنعة أيديولوجية وتعمل بشكل غير مرئي من أجل مصالحها الضيقة، وتخوض حروبا ضد بعضها البعض، ولكن عبر آخرين يخوضونها عنها بالوكالة، مستغلة المجتمع في حروبها القذرة. والمصطلح هو: شبكة الذكاء الأسود، للتعبير عن القوى المحترفة والمعادية لمحيطها الاجتماعي والبشري، وتنتظم هذه الشبكة داخل نسق يشبه جبل الجليد (عُشره مرئي وتسعة أعشاره يغمرها بحر الأيديولوجيات والخرافات والأباطيل والخطابات السحرية والأكاذيب…).
هذه الشبكة/الشبكات لا هوية لها (محلية وعالمية، متعددة القوميات)، وهي تعمل على تأجيج نار الهويات وتجهيل الشعوب من أجل افتراسها، شبكة أنانية محترفة تستمد قوتها من جهل النخب التي تدعي الدفاع عن الهويات والخصوصيات. لذلك نجد هذه الشبكة لا تتورع في استثمار كل الهويات لتستعملها كوقود في معركتها المعادية للبشرية وللقيم الإنسانية، كما تستميت في فرض المقاربات الأمنية على الحكومات (حكومات بلدانها بشكل خاص).
والنخبة التي تعنينا، هنا، هي النخبة التي تحمي مجتمعها، وتدافع عن حقوقه من داخل مؤسسات الدولة ومن خارجها، وكيف تنجح هذه النخبة في تأسيس ذاتها بشكل علمي، وتخلق شروط تماسكها، ومد جسور الثقة والتواصل بينها وبين محيطها المجتمعي المحلي والعالمي، عبر جمعياته وهيئاته المدنية. ولأن الواقع الذي نريد لن يتحقق إلا بفهم الواقع الذي نعيش(ميلز)، فإن هذه النخبة، في هذا السياق، هي تلك التي تستحضر التاريخ كما هو، دون آلهة، دون قديسين ودون أبطال أسطوريين؛ من منطلق أن لدراسة التاريخ العلمي وظيفة أخرى، إنها تساعد المواطن على تبين النسيج الذي نسجته العملية التاريخية في الماضي بحيث يستطيع أن يتبين طريق امتدادها في المستقبل القريب (انظر كتابنا: كيف نفهم وضعنا السياسي في ضوء الأكنوتولوجيا).

الانتلجنسيا العربية و/أو الناطقة باللسان العربي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند استقراء السياقات والظروف التي حملت جورج طرابيشي على تحليل الإنتلجنسيا العربية في علاقتها بالتراث، والكيفية التي اعتمدها في مقاربته التحليلية ولاسيما منهج التحليل النفسي، نجده قد أسس مشروعه التفكيكي انطلاقا من سؤال متعدد الأبعاد: متى؟ ولماذا لجأت الانتلجنسيا العربية إلى التراث؟ وكيف؟ وإن كان أسس مشروعه البحثي ردا على مشروع الجابري، فإن قراءاته قد طالت عددا من الأسماء التي لمعت في سماء الفكر العربي. وبدْء بكتابه “المثقفون العرب والتراث” (1991) إلى آخر كتبه “من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث” (2010)، مرورا بكتبه الأخرى التي نذرها لنفس الثيمة، لم يتوقف جورج عن فضح تهافت الأطروحة التي ظلت هذه الانتلجنسيا تروج لها، ومن ثمة كشف زيف البرادگغما التي من خلالها كرست تمثلاتها اللّاتاريخية للذات وللآخر، وهي التمثّلات التي حرمت الشعوب كما حرمت أصحاب القرار السياسي من التفاعل الخلاق مع عصرهم. ولم يكتف جورج بنقد متون هذه الانتلجنسيا، بل أخذ على عاتقه مهمة لا يقوى على تحملها إلا أولي العزم، وهي ارتياد التاريخ العربي الإسلامي من الزمن المعاصر إلى غاية عهده المؤسس، قراءة وفحصا وتشخيصا وتفكيكا، بل، وتحت إغراءات المغامرة البحثية وضغط السؤال الفلسفي صمم على مواصلة الرحلة إلى غاية القرن الأول الميلادي متفحصا طبيعة العلاقة بين الفلسفة والمسيحية ومتحريا عن حيثيات اضمحلال الأولى وازدهار الثانية.
لقد كانت مقاربة طرابيشي للأنتلجنسيا، إلى حد كبير، مقاربة أگنوتولوجية، مع أنه لم يستعمل هذا المفهوم. غير أنه أقرّ بتغيير منهجه في القراءة، حيث انتقل من مرحلة كان يقرأ فيها ليصدر حكما “مع أو ضد”، ليرد ما يقرأه إلى ما يعرفه، إلى مرحلة بدأ يقرأ فيها ليعرف، “بعيدا عن همّ المع أو الضد”، لينطلق مما يقرؤه إلى ما لا يعرفه.
إن السياق التاريخي الذي كان طرابيشي منتوجَهُ ومُنتِجاً فيه في ذات الوقت، هذا السياق، بحيثياته السياسية والأيديولوجية والنفسية، حمله على البحث عن براديگما تسمح له بأن يتمثل عصره بشكل مختلف بعيدا “عن استراتيجية البدائل” التي، أنهكت الانتلجنسيا العربية في محاولاتها الرامية إلى تجاوز فشلها المتجدد، “فشل تلك الرهانات”. ومع مطلع القرن الجديد، ازداد يقينه أن ذلك “الفشل بالذات هو ما ينبغي أن يحدو بنا إلى التخلي عن استراتيجية البدائل” والتركيز على توجيه الاهتمام “إلى آليات النهضة بالذات. وهي آليات عقلية بقدر ما هي آليات مادية. إذ ليس يتبدل ما في الأعيان إلا إذا تبدل أيضا ما في الأذهان. ومن هنا خطورة دور المثقف في الآلية النهضوية”. وبقدر ما ظلت النهضة هاجسا مركزيا لديه، فقد ظل لديه، بالتوازي، المثقف في صدارة لائحة المتهمين، إن لم يكن المتهم الرئيسي بحرمان شعبه من أسباب التقدم بعد أن حرمه من خيرات التفكير العقلاني. وإن حرصه على تغيير البراديگما وإن لم يسمّها ظل هاجسا مهيمنا على مشروعه البحثي (وهذا ما تناولناه في دراستنا: جورج طرابيشي ورحلة البحث عن برديگما جديدة).

سؤال النّهضة: الأنتلجنسيا، من قفص الاتهام إلى المصحّة النفسيّة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدْء بكتابه “المثقفون العرب والتراث” إلى “هرطقات” مرورا بـ”مذبحة التراث” و”العقل المستقيل” و”من النهضة إلى الردة”، تتمحور الأطروحة المركزية لدى طرابيشي حول انقلاب النهضة إلى ضدها. إن النهضة انقلبت إلى حالة من التنويم والتخدير. أما الصدمة فقد تحولت إلى رضّة.
وفي تفسيره لهذا الانقلاب، في القسم الأول من كتابه “المثقفون والتراث”، استند في تحليله على ثلاث عينات تمثل ثلاثة تيارات من الأنتلجنسيا العربية المعاصرة: محمد عمارة ممثلا للتيار السلفي المتنور، وراشد الغنوشي ممثلا للتيار السلفي الخالص، ومحمد عابد الجابري ممثلا للتيار العقلاني المعتدل. وكلهم من شمال أفريقيا (مصري ومغاربيان). وفي صدد تحليله للخطاب المعاصر في علاقته بعصر النهضة، استشهد بعلماء الأزهر وبعض رواد النهضة: رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي (وهؤلاء أيضا من شمال أفريقيا). كما حاول رصد أبرز المفكرين وتحليل خطاباتهم ذات المظهر النكوصي: منير شفيق، عبد العزيز الحُبابي، أنور الجندي، عفيف البوني، جلال أحمد أمين… أما القسم الثاني، الذي يشكل حوالي ثلثي الكتاب، فقد أفرده للمفكر المصري حسن حنفي. وأسس منطلقات بحثه على لائحة من الأسئلة، لعل أبرزها:
– ما الفارق بين الصدمة والرضّة؟ – ما هي، في تاريخ الحالة المرضية العربية، التجربة التي كان لها مفعول الرضّة وأدت إلى تمخض عُصاب جماعي تظاهرت أولى أعراضه، ولا تزال، في شكل وعي مدمر أو ملغى في أوساط عين الشريحة الاجتماعية المتخصصة في إنتاج الوعي، أي الانتلجنسيا؟، وإذا كان واضحا على هذا النحو أن النكوص هو المفهوم المركزي الذي نتعقل على أساسه الردّة التي شهدتها الساحة الفكرية العربية في السبعينات، فقد آن لنا أن نتساءل: ما الأشكال النوعية التي تتظاهر بها سيرورة النكوص على صعيد الخطاب العربي المعاصر حول التراث؟ وما الانعكاسات الخاصة على صعيد الأيديولوجيا التراثية لاشتغال هذه الآلية الفاعلة أساسا في الحياة النفسية؟.
وهذه الانتلجنسيا بوصفها المسئول الرئيسي عن الوضع الذي آلت إليه بلدانها، لم يكتف بوضعها في قفص الاتهام، بل أدخلها إلى مصحة نفسية بسبب ما عانته من رضوض. فهي «أنتلجنسيا» تعاني من حالة نكوص، غير ناضجة، مضربة عن النمو ومنسحبة من سيرورة التطور والتقدم. ولم يتوقف عن قراءة جرحها النرجسي في أغلب كتبه. هذا الجرح ذو الطبيعة الأنتروبولوجية اشترك فيه العرب وسواهم من الشعوب غير الغربية، “وهو جرح ناجم في الأساس عن السبق الحضاري المنقطع النظير في التاريخ العالمي الذي حققه الشطر الغربي” كما أكد في كتابه “مذبحة التراث”.
من هذا الجرح انبثق عصر النهضة العربي الذي لم يستمد اسمه إلا بالإحالة إلى عصر النهضة الأوروبي. وخلافا لهذا الأخير لم يشكل (عصر النهضة العربي) في التحقيب العربي للتاريخ تلك القطيعة مع عصر الانحطاط إلا بحافز خارجي: صدمة اللقاء مع الغرب. ولم يكن معنيا بالقطيعة مع عصر الانحطاط، بقدر ما كان معنيا بالرد على الجرح الأنتروبولوجي. على عكس النهضة الأوروبية التي أحدث عصرُها “بالأصالة لا بالوكالة، قطيعةً ذاتية المنشأ مع القرون الوسطى”. كان الخطاب العربي الحديث برمته، أي الخطاب العربي الذي ساد الساحة الفكرية العربية منذ مطالع عصر النهضة في أواسط القرن التاسع عشر إلى الثمانينات من القرن العشرين، كان، وفق الجابري، مجرد تعبير “عن أحوال نفسية وليس عن حقائق موضوعية ولا عن تطلعات خاضعة للرقابة العقلية”، وبالتالي كان خطابا عاجزا عن “استيعاب الحقيقة استيعابا عقلانيا”. وكانت مقولات هذا الخطاب فارغة، من منظور الجابري دائما، وكانت ككل مقولات خطاب معصوب تجهل التاريخية والتطور وتخضع لمبدأ التكرار اللازمني. فزمن الفكر العربي الحديث والمعاصر زمن ميت، وفق رأي الجابري، حيث لم يحدث أي تطور في أية قضية من القضايا النهضوية التي عالجها ذلك الخطاب، ولم يسجل أي تقدم في أية قضية من قضاياه.
وفي قراءة مختلفة، يرى جورج أن زمن الفكر النهضوي لم يكن ميتا ولم يخضع لآلية التكرار العصابية. الخطاب العربي المعاصر لم يكرر الخطاب العربي الحديث، ذلك “أن الخطاب العربي المعاصر هو من إفراز الرضّة”؛ بينما “الخطاب العربي الحديث أو النهضوي هو من إفراز الصدمة النابليونية”. وبالتالي فالعلاقة بينهما “ليست علاقة وصل وتكرار، بل علاقة قطع ونكوص”. و”إذا كانت الصدمة تستنفر الوعي، وتشحذه وتجعله أكثر حساسية بالواقع الداخلي والخارجي”، فالرضّة، على العكس من ذلك، “تستنفر اللاشعور، ويكون من شأنها بالتالي أن تثلم الوعي وأن تخدر حساسيته وأن تفتح أمامه المسارب للهرب من الواقع بدل مواجهته” و”ما كان مع الصدمة مهمازا، يستحيل مع الرضّة لجاما”.
هذا الارتداد، في نظره، لم يكن “من قبيل التكرار و الدوران في حلقة مفرغة” بل كان “نكوصا”. الخطاب العربي المعاصر الناجم عن الرضّة الحزيرانية طرح نفس قضايا النهضة لكن ليس بنفس الإجابات، بل بإجابات أكثر تأخرا. الخطاب “لم يرتد إلى عصر النهضة بل عنها”، لا لينضوي تحت لوائها بل لينسحب منها، إنه مضاد للنهضة، ينحاز إلى الأفغاني ضد الكواكبي، وفي انحيازه إلى الأفغاني فإنما إلى السلفي ضدا على الأفغاني النهضوي ويحدث أن يرتد إلى ابن تيمية وإلى ابن حنبل. إن هذا الإلغاء لعصر النهضة مظهر تدمير الوعي الذاتي لدوافع نفسية. فالانتلجنسيا العربية “رافضة لأداء وظيفتها، أي أنتلجنسيا في حال إضراب عن التفكير”.

الأنتجلنسيا العربية: من خطاب الصدمة/الّنهضة إلى خطاب الرضة/الردّة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن الخطاب، وفق طرابيشي، يصدر عن أحوال نفسية ويشف بالأَوْلى عن مواقف ذاتية. وبحكم انتمائه إلى عالم (اللوغوس) الشفهي، فإنه بالضرورة يكون أكثر خضوعا لمقتضيات اللحظة الآنية من النص “المكتوب”، وأكثر انفعالية وقابلية للتقلب، وأكثر تنوعا في تضاريسه صعودا وهبوطا، اندفاعا واتئادا، من الاستوائية الرتيبة للنص الذي ينزع، بحكم التدخل الواعي لآلية الكتابة، إلى أن يتشكل مورفولوجياً بشكل السهل المنبسط من وجهة نظر نفسية تحديدا. “الخطاب العربي، كما تنتجه وتستهلكه شريحة واسعة من الأنتلجنسيا العربية، خطاب مريض بالغرب. أو بالأحرى بتقدم الغرب. وأعراض المرض، أو ما أسميناه بالعصاب الجماعي العربي، تكاد لا تحصى.وإذا كان أول ما يميز العرَض المرضي هو عناديته”. إنه خطاب جريح.
إذا كان طرابيشي كرس أبحاثه في تحليل “أزمة الخطاب”، فهل كان خطابه هو “خطاب أزمة”؟
الخطاب الذي أخضعه للتحليل هو الخطاب الذي بدأ ينتج نفسه ويعيد إنتاجها منذ الهزيمة الحزيرانية وقد سماه بـ"المعاصر" تمييزا له عن "الخطاب الحديث" الذي رأى النور غداة الحرب العالمية الثانية، وتمييزا عن "الخطاب النهضوي" (1798-1939)، وهذا الخطاب ترجم عُصاباً عربيا جماعيا نجم عن عقدة نفسية (عقدة التثبيت على الماضي)، وهي “عقدة من طبيعة نكوصية”.
كانت الاستقلالات بمثابة تضميد لهذا الجرح، ولكن في حال الإزاحة كما في حال الاستبدال، فإن اللحظة الطاغية في التعاطي مع هذا التراث تبقى هي اللحظة الأيديولوجية بكل مسبقاتها وتحيزاتها وإسقاطاتها ومسكوتاتها وعماءاتها، مثلما تبقى اللحظة الغائبة أو الواهنة الحضور هي اللحظة المعرفية، بأداتها التي هي التحليل العلمي الموضوعي، وبغايتها التي هي الحقيقة التاريخية. إن التراث المؤدلج هو تراث بلا حقيقة تاريخية.
نستنتج من قراءته لعصر النهضة أن خطابها كان خطاب أزمة، أي كان خطابا أفرزته النهضة الناجمة عن الصدمة، بينما خطاب الردة الناجم عن الرضّة هو خطاب مأزوم/نكوصي، مريض ومهيمن على تيارات متعددة من الانتلجنسيا ماركسية كانت أو قومية بشقيها العلماني والإسلامي، أو علمية بشقيها الابستيمولوجي والبرغمائي.
هذه الانتلجنسيا حاولت أن تتعافى من جرحها بفضل ما راكمته من النضالات التحررية التي أسفرت عن الاستقلالات التي كانت بمثابة تضميد لهذا الجرح. تلك الاستقلالات، التي أنتجت، في طور أول، تضخما في أيديولوجيات الثورة بخلفياتها القومية، الماركسية والناصرية، وفي طور ثان، بعد الهزيمة الحزيرانية التي ترجمت فشل الأيديولوجيات السالفة الذكر، أدت إلى نقل الصراع الأيديولوجي إلى ساحة التراث، ومن ثمة تحويل التراث ذاته إلى أيديولوجيا بديلة عن كل الأيديولوجيات المستوردة. فاللجوء إلى التراث جاء في سياق فشل الأيديولوجيات المستوردة، ذلك الفشل الذي تجلى في هزيمة حزيران 1967. لقد كانت هذه الهزيمة رضة في نفوس هذه الانتلجنسيا، فكانت ردود أفعالها متطابقة “حيث تبدو الجماعة وكأنها تسلك سلوك الفرد الواحد”. هنا حدد جورج “اللحظة التاريخية التي أتاحت المناسبة لاشتغال آلية النكوص، والارتداد إلى الوراء. إنها رضة الهزيمة الحزيرانية التي كان لها مفعول مُمْرِض على الشخصية العربية. المقاربة فضلت التخصيص على التعميم، حيث استهدفت شريحة من الانتلجنسيا التي أنتجت خطابا معصوبا، خطاب التراث أو الخطاب التراثي في نتاج الانتلجنسيا العربية المعاصرة، أي خطاب الأصالة. النكوص نحو الماضي يجد مبرراته ودوافعه اللاشعورية، في الغالب، في إحباط الحاضر (حاضر محبط ومنحط ومُثبّط للعزائم). والخطاب يعكس موقفا من الحاضر ومن العصر، وبالتالي من حضارة العصر (خطاب حصر التراث في وضع واحد، موقفٌ مُواجِهٌ للعصر ومُضادٌ له، ومُجبِراً الأصالة بشكل تعسفي على التموقع ضد الحداثة)، وبالتالي فإن المرض بالماضي هو مرض من العصر. الخطاب وظيفة إنتاجية للانتليجينسيا؛ والتحول الخطير الذي عاشته الانتلجنسيا في تيار من تياراتها، وبعد أن كانت تمثل عامل نهضة، أصبحت جزء من معادلة التخلف وعاملا من عوامله. ولكي يضيء ذلك العائق النفسي الذي حرم الانتلجنسيا العربية من معانقة الحضارة الغربية، فقد استدعى نصيحة طه حسين الداعية إلى الإقبال على حضارة الغرب واحتضانها بثغر باسم بدل التبرم منها بوجه عابس. ذلك العائق النفسي استفحل إلى درجة أصبح فيها مستعصيا على العلاج، بل أصبح عامل انهيار. وتأكد مع الزمن أن موقف الأنتلجنسيا العربية من الغرب كان موقفا لاتاريخيا، وكان أكثر ضررا من الاستعمار على مصائر الشعوب.

ياسير بلهيبة: أزمة النخب وانفراط العقد التحرري ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ياسر بلهيبة، باحث وكاتب متخصص في سوسيولوجيا الجسد، ورئيس مركز الدراسات والتثقيف الذاتي بالمغرب، قارب مفهوم النخبة في سياقه التاريخي (القرن التاسع عشر والعشرين)، وارتباطه" بشريحتين أساسيتين تعملان على قيادة المجتمع عبر الصراع على التموقع أو على موقف معين. ارتبطت الأولى بشرط تاريخي ديناميكي يعكس الحراك الاجتماعي والصراع الطبقي، حيث كل طبقة وفئة اجتماعية تحاول أن تمتلك أدوات الانتاج، وسلطة القرار السياسي والاقتصادي، والثانية تشكلت بناء على موقف ثقافي فكري اجتماعي، يرتبط بإنتاج المعرفة، حيث تنتظم حولها وخلفهما مختلف الفئات الاجتماعية، والتي تخضع بدورها لمعطى الانتخاب الاجتماعي لترتقي الى مصاف النخب".
بينما في قرننا الحالي (القرن الواحد والعشرين)، عصر العولمة، يرى الكاتب أن "النخب الكلاسيكية اتخذت مسارات جديدة، ... في حين تشكلت نخب جديدة ترتبط بالشبكات التسويقية/ الميديا. فإلى أي حد يمكن اعتبار النخب المرتبطة بمشروعيتها التاريخية لا تزال قادرة على القيام بأدوارها الطلائعية؟ وإلى أي حد يهدد نظام التفاهة التماسك الوظيفي للمجتمعات المشوهة حداثيا أو المستلبة حضاريا في جغرافية مجالية عربية، وأمازيغية"؟
وبعد سرد شديد الاقتضاب لمفهوم النخبة عبر التاريخ وفي ضوء جملة من النظريات والأطاريح حول القدرة والسلطة (Autorité et Pouvoir) وجدلية التغيير الاجتماعي، يخلص الكاتب إلى أن الارتباط الإيديولوجي للنخبة بما هو علمي جعلها تساهم في التأسيس المنهجي للفلسفة السياسية وللعلوم الاجتماعية، ومن ثم ظهور تيارات كبرى (مثالية، ليبرالية وماركسية وفوضوية، قومية دينية، فاشية...الخ) ثم انتصار النموذج النيوليبرالي. وفي غمار هذه التحولات "تاه المثقف العربي في انفجارات التحولات الضخمة والمدوية، وتسارعت الأحداث والتكتلات، ... وتحول المشروع السلمي للجماعات الإسلامية إلى فعل ارهابي، كما فشل المشروع القومي في ارساء وضمان استمراريته، وتوقف تأسيس مشروع تنويري حداثي مع المد التحرري الذي ارتبط بأسماء لامعة، نذكر منها ليس على سبيل الحصر (الطيب التيزيني، حسين مروة، مهدي عامل، سمير امين، محمد اركون، ادوارد سعيد، محمد عابد الجابري، فرج فودة...الخ)".
ويرى الكاتب "أن النخب اليوم هي نفسها عاجزة عن بلورة مشروع تاريخي، فكيف لها أن تقود حراكا اجتماعيا أو شعبيا، وفق بوصلة رؤى وتصورات واضحة، أو بالأحرى كيف لها أن تقوم بهندسة نوعية تثقيفية شعبية، في غياب مشروعها التاريخي غير المكتمل البناء"؟.
ويضيف "يبدو أنه ثم مرحلة تاريخية انتقالية مفتوحة على احتمالات عدة، محكومة بحتمية المرور بمرحلة الانحطاط لتبلور قفزة تاريخية نحو التحرر من نموذج اختزال الانسان في الآلة والتقنية. بما سيلزم المجتمعات ضرورة الانتقال الى مرحلة إعادة ترتيب الأولويات".

محمد شوقي الزين: أوهام النخبة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد شوقي الزين، أستاذ بجامعة تلمسان، مفكر نقدي وباحث في الحقل الثقافي، وفي قراءته لكتاب (أوهام النخبة) للمفكر اللبناني علي حرب. الكتاب بتعبير ال
كتور شوقي "كتاب معقول، عقلاني، واقعي، يُفكِّك عدَّة أوهام لدى المثقف؛ الذي هو أقرب لأن يكون "صنو" الإمبراطور، له نزوع توسُّعي، أحياناً استبدادي، ومرَّة شمولي. أقولها صراحةً لا يمكن للمثقف أن يكون "كل شيء"، لأن هذا ينتهي به لأن يصبح "لا شيء". لا يمكنه أن يتلبَّس أدوار الرئيس والنائب في البرلمان والفقيه والجنرال والداعية والصحفي؛ ولا يمكن للفيلسوف أن يكون دفعة واحدة عالم اجتماع وعالم نفس وعالم أنثروبولوجيا وعالم اقتصاد كي يكون له في كل وادٍ صيحة، وفي كل إقليم ضيعة. أو يمكن له ذلك إذا شيَّد صرحاً منسجماً بخيوط هادية على شاكلة ريكور أو دريدا. لكن، ليس على حساب المجال الذي يلعب فيه أصلاً، بأدواته ومعاجمه"!
حول أدوار المثقف ومهامه، يقول الكاتب "إذا أراد المثقف أن يؤدِّي أدواراً غير التحليل الذي يجريه حول الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، فإن الأدوار تقتضي ارتداء ملابس أخرى، لباس المقاومة الثقافية بالانخراط في العمل الجمعوي إذا آثر أن يكون بعيداً عن السياسة الرسمية، أو الترشُّح للانتخابات مثلاً إذا كان يظنُّ أنه يحمل قيماً ومثالات تعجز الإدارة البيروقراطية عن إنجازها لأنها آلة مؤكسدة ومتواطئة مع المصالح الضيّقة. لكن لا يمكن بحال البقاء في "وهم" دور المثقف في مجتمعٍ يؤمن بأدوارٍ "حقيقية" لا "مجازية" من قبيل الطبيب والمهندس والمحامي والمعلم والنواب والولاة، أي من يملكون سلطة حقيقية لا رمزية، سلطة فاعلة لا وهمية. يمكن الرد على ذلك بالقول بأن المثقف يمكنه أن يكون أيَّ فردٍ يقوم بأدوار مهنية: الطبيب والمهندس والمحامي والصحفي. لكن أن يقوم "المثقف" بهذا الدور "الريادي"، فهذا في صيغة "الجمع" (مثقفون)، لا في صيغة "المفرد". لا يمكن للواحد أن يتقمص جميع الشخصيات وأن يقوم بكل الأدوار. المطالب التعجيزية التي تدفع الأفراد لأن يكونوا "كل شيء" وفي نهاية المطاف "لا شيء"، مردودة على أصحابها".
يستعرض الكاتب لائحة من الممنوعات التي يجب على المثقف أن يربأ بنفسه عنها كحب الشهرة وكثرة الأتباع والمعجبين، واللعب على حبل العواطف وشد العصا من الوسط والسقوط في الشعبوية. وحتى يبقى وفيا لمهامه، فهو مدعو إلى "الالتزام بالحدود المعلومة بين الأقاليم. الفيلسوف أمام أخلاقيات (أو إيتيقا) القراءة والفهم، فهو يُحلل ويُفكك ويُحسن التمييز بين المعقَّد والمركَّب".
وينهي مقاله بالقول "غالباً ما نقرأ في هذا الفضاء الأزرق أقوالاً رنانة لمشاعر ملتهبة (pathos) من لدُن من يريد الإفحام والتأثير والبطولة (ethos)، ونادراً ما نقرأ أشياءً معقولة وهادئة (logos) تُبيِّن لنا خريطة الإمكان في مشاهد الواقع المنعرجة والملتبسة".

دور "النخبة الجاهزة" في المغرب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البشير المتاقي (كاتب وباحث من المغرب): حول مسألة النخبة وعلاقتها بالحقل السياسي، يرجع ذلك، وفق الكاتب، "لطبيعة المقتضيات الدستورية التي أكدت على توزيعٍ جديد للسلطة، بتعزيز مؤسسة الوزير الأول ارتقاءً لكونه رئيسًا للحكومة، وهو تطور هام على مستوى الممارسة، نظرًا للاختصاصات والصلاحيات التي أصبح يتمتع بها كرئيس للسلطة التنفيذية".
هذه المعطيات التي شكلت أحد العناوين البارزة في مسار التحولات المؤسساتية والتراكم القانوني الذي دشنته المملكة مند عقود، وبناء عليها، يرى الكاتب أن "التساؤلات لازالت تطرح بحدة حول الحكامة والشفافية والمردودية ومؤشرات التنمية في عديد الميادين، التي تهم المواطن في معيشه اليومي". وهي فكرة اختزالها الكاتب في براديغما الديمقراطيا والتنمية أو العلاقة الجدلية بينهما. وهما عنصران متلازمان في صيرورة بناء الدولة الوطنية الحديثة وجوهر الحراك المجتمعي في أغلب بلدان الربيع العربي.
وحول الواقع المغربي، وفي قراءته المستندة على النص الدستوري والممارسة السياسية "فإن الإشكال، في نظر الكاتب، يكمن في التنزيل والتفعيل على مستوى الممارسة، وهو أحد التحديات التي تجابه نخبنا السياسية بشكل أساسي، والمواطن كذلك باعتباره العنصر الأساس في هذه المعادلة، فانتظاراته تراكمت بشكل لافت وتجاوزت خطاب ووعود الفاعل السياسي أحيانًا".
وفي سرده لبعض الأمثلة التي تترجم اختلال علاقة النص بالممارسة، وحول إذا ما كان النص يفتقد إلى قابلية التحقق أو افتقار المُنَفّذ للمهارة والكفاءة، يقول "نعتقد أن ما يُعطي النص قيمته الحقيقية، هو ترجمة مضمونه وتطبيقه تطبيقًا سليمًا، لتعزيز مكانة المؤسسات الدستورية، واحترام منطق توزيع السلطة، وفصلها وتوازنها. وما لم يتم الاجتهاد في تأويل المقتضيات بما يخدم مسار البناء الديمقراطي للمؤسسات، فسيبقى الصراع بين النخب يحكمه الطابع الشخصاني لا البرامج، ولن يسمح بالمزيد من الدفع في تعزيز أسس الديمقراطية وثقة المواطن في السياسة والفاعلين والمؤسسات". وإن الزمن السياسي واللحظة السياسية حاليًا، لم تعد تسمح بنفس الممارسة السابقة في التدبير، فالأمر يدعوا إلى إعطاء الأولوية لـ"النخب الجاهزة" والمؤهلة، وهو ما ينبغي أن تعمل عليها الأحزاب السياسية من خلال الاستقطاب وإفساح المجال لبروز قيادات جديدة محليًا ومركزيًا، فالنخبة الجاهزة تستطيع بمؤهلاتها التدبيرية وقدرتها على التسيير وامتلاك رؤية واقعية، تُمكّن من اختصار المسافة والاقتصاد في الزمن، وعليه الإجابة على متطلبات المجتمع الراهنة".

النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الأول) https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=743852
النخبة المغاربية: ملف خاص (الجزء الثاني) https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744268








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد