الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 15

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 1 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اللغة العراقية القديمة تعريفا
فيما سبق أكدنا ومن خلال الحقائق التأريخية المنطقية أن لغة أهل العراق لم تتبدل ولم تتغير بفعل العامل الخارجي، لكنها تطورت ونضجت وساهمت في بناء صرح الحضارات الأولى من خلال دورها الثقافي المعرفي وإنعكاسها الأجتماعي على مجمل الحياة اليومية أجتماعيا وفكريا، الفكر الإنساني حتى يتجسد في الواقع يحتاج دوما إلى أداة تعبيريه عنه تكشف تشكيلات الفكر وخطوطه بشكل مفصل وقابل للتداول، هذه الأداة التعبيرية في واحدة من صورها الرئيسية اللغة أضافة للفنون الحسية ووسائل تحريك المجتمع بأتجاه مديات جديدة، فلا بد من لغة ما للتعبير عن أفكار المجتمع وتصوراته، ولا يمكن أبدأ أن يظهر أثر الفكر في الواقع دون ترجمان يتناسب معه ويحاول أن يقدمه كحقيقية أجتماعية مهمة تتعاطى مع الإنسان والوجود الطبيعي له، في موضوع اللغة العراقية هناك الكثير من التشويش المتعمد الذي يثيره الكثيرون لأسباب لا علاقة لها بالعلم والمعرفة بقدر ما تتعلق بمشاريع مسبقة بغايات وأهداف عديدة، لكن يبقى عبء الكشف عنها وعن أصولها مهمة الباحث المتجرد المتسلح بالعلم والمعرفة الحقيقية.
لو عدنا قليلا للوراء وتحديدا من عصر فترة العبيد الأولى وثقافة سامراء وتل حلف وغيرها من المواقع الأثرية لمرحلة ما قبل الطوفان، سنجد الكثير من الدلالات الفكرية والفنية واللقى الأثرية التي تفصح هن مضمون واحد يؤكد عراقتها وأرتباطها بالأرض، لكن نادرا ما نجد كتابات أو دلائل لغوية صالحة تكشف أسرار لغة تلك المراحل إلا بعض الإضاءات البسيطة والتي يمكن من خلال الدرس والبحث العلمي عليها تكشف المزيد من النتائج المذهلة، من هذه النتائج ما قاله صموئيل كريمر بشأن أسماء المدن التي تعتبر سومرية وفق التصنيف التاريخي المعتمد فهو يقول (أن أسماء المدن السومرية لم تكن سومرية بل عبيدية، أي أن العبيديين هُم مَن أسسوا تلك المدن، على الأقل في صورة قُرى، سنة 5000 ق.م، كما وجِدت مدن سومرية أخرى هي: سيبار وشُروباك وبادتيبيرا وكرسو وأوما ونينا وكيسورا وأوروكاك، وكلها تختلف في الحجم والاتساع عن أوروك، الأكبر والأقوى في زمن ازدهارها)، هذا يعني على الأقل أن تلك المدن بأسمائها لم تتغير مع تغير النظام الأجتماعي، بل هي أمتدتد طبيعي لشعب واحد تتبدل فيه مراكز القوة والسيطرة بين جماعات مشتركة كما يحدث حتى في عالم اليوم.
النقطة الأخرى وتالتي أثارها عالم الأثار العراقي نائل حنون في حقيقة السومريين كقومية أو شعب لا سامي ولغتهم والتي قد تحطم الكثير من الأفكار التاريخية والتي تحولت لمسلمات دون فحص وتدقيق ونقد علمي جاد، فيقول الدكتور حنون (من خلال ما تقدم يتضح لنا إن الافتراض بوجود شعب سومري، يستدل على وجوده من وجود اللغة التي أطلق عليها اسم اللغة السومرية ومن أسماء الأعلام المصاغة بهذه اللغة، يثير من الأسئلة والإشكالات أكثر مما يجيب عليه. ويتضح لنا أيضاً انه لا توجد أدلة سوى اللغة على وجود السومريين باعتبارهم قوماً عاشوا مع الأكاديين أو سبقوهم على أرض جنوب بلاد الرافدين. وحتى في مجال الكتابة أصبح جلياً إن الدراسات العلمية الرصينة لا تميل إلى قبول الرأي القائل أنها من اختراع السومريين. ومن هنا فأننا نميل بدليل ما تقدم، إلى الاعتقاد بعدم وجود شعب يختلف قومياً عن الأكاديين بهذا الاسم. وأما اللغة السومرية فلدينا ما يكفي من الأسباب التي تجعلنا نذهب إلى أنها لغة وضعت من قبل الأكاديين لغرض التدوين قبل أن يتمكنوا من ابتكار وسيلة لتدوين اللغة الأكادية نفسها. ونرى أن اللغة السومرية بالشكل التي وضعت فيه لم تكن قابلة للتحدث بها، كما سنوضح لاحقاً ولكنها ساعدت الأكاديين على التوصل إلى المقطعية، بعد المرحلتين الصورية والرمزية)* .
نظرية الدكتور نائل تعتمد على حقائق تاريخية ثابتة تقوم على المنطق العقلي في التعامل مع أفتراضات قديمة لم يكن لها في الواقع سوى تخريجات وأستنتجات وقراءات أعتباطية ذات هدف محدد سلفا، من هذه الحجج الداحضة التي ساقها د نائل نقتبس القليل الذي يتعلق بموضوع البحث:.
• انه لم يعثر حتى الآن على أي أصل لغوي أو تقارب واضح مع أية لغة في العالم. رغم كل الفرضيات القائلة بأن اللغة السومرية، بما انها لغة مقطعية غير تصريفية، فأنها تشبه في بعض النواحي اللغات (الالطو ـ تركية) مثل التركية والفنلندية والهنغارية.. فهذا الشبه الجزئي لا يمكن أن يكون تعميما عاما خاصة وأن العوائل اللغوية المختلفة تشترك في جزئيات وتفترق في جزئيات دون أن يجزم أحد بوحدتها أو أنها من مصدر واحد.
• الدليل الوحيد على الوجود المفترض للسومريين هو وجود اللغة السومرية ولكن هل يمكن أن نستدل على وجود شعب من لغة خاصة بالتدوين فقط ولا تستعمل في التخاطب، ان الاختلافات بين السومرية والأكادية ليست كافية لنفي ارتباط اللغتين، ان اللغة السومرية هي البداية لما طُوِّر لاحقاً على يد الأكاديين ..(بدأ الناس بكتابة ما ينطقون به بشكل رموز بدائية ثم طوروا تلك الرموز .. أي أنه طبيعي أن تتم تلك النقلة بغض النظر عن صاحبها)..
• الحقيقة الصادمة حتى الآن لم يتم العثور على أية أصول يقينية أو علاقة واضحة ومؤكدة للغة السومرية مع أي لغة أخرى. إنها في الحقيقة لغة رمزية أو خفية منعزلة ولا تعود إلى أي عائلة لغوية قديمة أو حديثة معروفة، وبالغالب أنها لغة وضعت لتكون مستخدمة في نطاق خاص ومحدود وأولا لأغراض دينية أو طقوسية ترتبط بالمعبد والكهنة قبل شيوعها، وهذا يؤكد انها مصطنعة وليست طبيعية.
• ان العقيدة الدينية الواحدة بشكل خاص لسكان بلاد النهرين لا تدل على وجود شعبين مختلفين بديانتين مختلفتين (سومري واكدي) بل شعب واحد بعقيدة دينية واحدة، والدليل على ذلك أنه أطلق أسماء سومرية أو أكادية على عدد من الآلهة التي عبدوها في نفس الوقت، كذلك كانت مجالات الأدب باللغتين متطابقة ما يدل على تماثلها، وفي أحيان كثيرة يكون النص الأدبي نفسه مدونا ً بكلتا اللغتين، ولم تكن هناك عملية نقل بين أبواب الأدب التسعة المتطابقة في النصوص السومرية والأكادية هي : قصص الآلهة والأبطال، الترانيم، المراثي، الرسائل الأدبية، المناظرات والحوارات، أدب الحكمة، أدب السحر، الهزل والهجاء، ونصوص متفرقة، كل هذا يدل على وحدة ثقافية ومعرفية لا يمكن أن نجد بينهما لا فواصل تاريخية ولا وقائع تتعلق بالطريقة أو الوسيلة أو البناء المعرفي الذي يجعل منهما لغتين مختلفتين لشعبين بينهما فروق زمانية ومكانية وعرفية.
• كل أسماء المعابد القديمة والمشيدة منذ عهود العمارة الدينية الأولى تحمل أسماء سومرية وبقيت إلى عصر متأخر حتى بعدما عرف بأختفاء السومريين وذوبانهم الكلي في الشعب الأكادي، هذا يدل على أن الأكاديين لم يمانعوا ولم يعترضوا على تسمية معابدهم بلغة قوم أخرين.
• الطبيعة العملية للغة السومرية تغلبت على الطبيعة الصوتية المعتادة، فهي خضعت أكثر للواقع العملي منه للواقع الأستخدامي الطبيعي، فقد ظهرت في الكثير من النصوص السومرية أسماء للهجات متعددة أو تفريعات للغة السومرية، وبعد التدقيق تبين إنها ليست لهجات وإنما طرق استعمال مختلفة للغة السومرية، وبذلك يمكن التأكيد على أن السومرية لغة ابتكرت لترسم على الألواح أكثر من كونها لغة محكية أمكن اختراع الكتابة لها.
• ما يثير العجب والأستغراب ورود أسماء الأقوام القديمة النصوص المسمارية ولكنها لم تشر للسومريين، ونجد فيها ذكرا ًلهم فقد وردت أسماء للأكاديين / الآموريين والآشوريين والعيلاميين والكاشيين والآراميين وحتى العرب وكذلك المصريين، وذكرت أقوام بعيدة عنهم مثل الهنود ولكن عندما ترد كلمة "سومري" في النصوص السومرية فإنها تعني بالدلالة على (كاتب اللغة السومرية) وليس سومري القومية !.
• لاحظ الدكتور نائل في بحثه الأستقصائي المعمق حقيقية أخر تتمثل في أسماء الأعلام من ملوك وشعراء وشخصيات أكادية بالتحديد، أنها لا تخضع بالتسمية فقط للمعاني والدلالات والمسميات الأكادية ، لاحظ الباحث ان أسماء الاشخاص باللغة السومرية والتي تعني انها أسماء سومرية، لكنها استعملت لأشخاص أكديين. فمثلا ان (أنخدو ـ أنا) الأديبة التي كتبت باللغة السومرية والأكادية وهي تحمل هذا الاسم السومري، وهي ابنة سرجون الأكادي، فهل يعقل أن ينجب الأب الأكدي ابنة سومرية ؟ مثال آخر من سلالة أور الثالثة التي تألفت من خمسة ملوك خلف كل منهم أباه في الحكم. أن اسمي الملكين الأولين من هذه السلالة (أور ـ نمو وشلجي) كانا سومريين أما ابن شلجي أمار ـ سين أو بور رسين فقد حمل اسماً أكادياً ولكن حفيده (شو ـ سين) حمل اسماً سومرياً، بينما ابن الأخير (ابي ـ سين) حمل اسماً أكادياً. وليس من المعقول أن يكون الملوك من قوميتين مختلفتين وهم من نسل واحد.
كل هذه الادلة تؤكد على أن السومرية هي لغة كتابة اخترعها الأكاديون لغرض التدوين، كلغة مقدسة ومرحلة أولية حتى توصلوا فيما بعد الى تدوين لغتهم الأصلية، لاسيما وأن اللغة السومرية مرت بأطوار في الأستعمال أو في الشكل الخارجي، يمكن تمييز أربعة أدوار مهمة مرت بها اللغة السومرية وهي:
1. اللغة السومرية المماتة archaic Sumerian
2. واللغة السومرية القديمة أو الكلاسيكية (الفصحى) Old´-or-Classical
3. واللغة السومرية المحدثة New Sumerian
4. واللغة السومرية المتأخرة Post-Sumerian .
اللغة السومرية على ما يبدو لغة إلصاقية agglutinative ، وذلك يعني أنها تحتفظ بجذر الكلمة على حاله بينما تعبّر عن التغييرات النحوية المختلفة من خلال إضافة البوادئ prefixes والدواخل (أي الإضافات الوسطية) infixes واللواحق suffixes . أما الفرق بين الأسماء والأفعال، كما هو موجود حاليا في اللغات السامية مثلاً، فهو غير معروف في اللغة السومرية، فعلى سبيل المثال كلمة دَك dug حين تكون مستقلة في السومرية فهي تعني (الكلام) speech اسماً وما زال هذا اللفظ تحت الأستعمال في اللجة العراقية لليوم، وعندما يستخدم لصيغة الفعل (يتكلم) to speak فعلاً، وهذا يبين الفرق بين الاسم والفعل من خلال النحو وإضافة اللواصق affixes المختلفة كما يقال ايضا في اللهجة العراقية الحالية دك _يك ؟؟؟؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حقيقة السومريين، ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية. / الدكتور نائل حنون/ دار الزمان ـ دمشق 2007 / عدد الصفحات 422...... ص 32








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف