الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم نظرية الوجود عند الصوفية

حبطيش وعلي
كاتب وشاعر و باحث في مجال الفلسفة العامة و تعليمياتها

(Habtiche Ouali)

2022 / 1 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عنوان المقال : مفهوم نظرية الوجود عند الصوفية
تأليف الأستاذ : حبطيش وعلي

أن الدارس و الباحث الأكاديمي لابد له أن يضبط في البداية بعض المفاهيم المفتاحية في بحثه بهدف إماطة الحجب و الالتباس الفكري لهذه المصطلحات وعليه فإن البداية ستكون بتبيان الدلالة اللغوية لمفهوم " وحدة الوجود" .
والمنقب عن المعاني اللغوية " لوحدة الوجود" سيجد أن "ابن فارس" (1) (الواو و الحاء و الدال أصل واحد يدل على الإنفراد ) (2) . ووحد الشيء أي جعله وحدا ,و الواحد هو القائم بذاته في عدم المثل و النظير .(3) و هنا نلاحظ أن الواحد هو الشيء المنفرد و القائم بصفاته الجوهرية عن باقي الأشياء و الواحد له ماهيته و شكل متميز عن الأشياء الأخرى.
و أما " الوجود " فهو الثبوت و الحصول, مصدر من وجد الشيء, و يطلق الوجود بالظفر بالضالة و وإدراك المطلوب. ويطلق أيضا عن الوصف الذي تشترك به الكائنات فيميزها عن المعدومات.(4) ويقول ابن منظور وجد الشيء من العدم أي هو موجود.(5)
ما يمكن قوله هو أن " وحدة الوجود" من الناحية الغوية هي الإنفراد بجملة من الخصائص الجوهرية النوعية التي تجعك ماهية قائمة بذاتها متعالية حققت كينونتها وتنتفي فيها صفة العدمية. وستكتمل صورة المفهوم بعد التعرض للدلالة الاصطلاحية "لنظرية وحدة الوجود".
و أما الجانب الاصطلاحي فإن الصوفية ترفض نظرية الوجود الثنائي أي أن هنالك نوعين من الوجود هما :(واجب الوجود وممكن الوجود). فتصورهم للوجود ينطلق من فكرة الواحد المطلق القائم بذاته (1).وهذا يتلخص في قول النابلسي (2):
ليس الوجود كما يقال اثنان === حق و خلق وهما شيئان
هذا المقال عليه قبح عقيدة === عند المحقق ظاهر البطلان
وفي هذين البيتين نتلمس طبيعة حقيقة الاعتقاد الصوفي فيما يخص الوجود إذ أنهم كما ذكر سلفا أنهم يقولن بوحدة الوجود وينكرون الثنائية .و هذا هو الرأي العام لكل أقطاب الفلسفة الصوفية و تجدهم يوظفون اللغة الشعرية من أجل ترجمة هذا التصور الفلسفي و العقائدي و في الكثير من المحطات تجد الصوفي أديب فيلسوف أو رجل دين يعاني الغربة الروحية . وهذا إن دل على شيء إنما يدل على عمق التجربة الصوفية. ولهم اعتقاد آخر في الكائنات إذ يرون أنها معدومة أبدا و أزلا وتتجرد من صفة الكينونة و أن الوجود الكامل المطلق هو لله عز وجل فقط وترى أن عقول المحجوبين أي الناس العادين والعوام ( الغير الصوفية) تتوهم وجود الكائنات (3)..يقول شيخ الصوفية الأكبر "ابن عرابي" :" الكون خيال".(4)وهنا نلاحظ أيضا وفكرة الوجود المطلق و الوحدة الوجودية الكلية للإله و أن هذا اليقين لا يدركه إلا صفوة العباد وهم أهل العرفان و الإشراق الصوفي و أما العوام فإنهم يعشون مظاهر الوهم و الخيال.و نجد نفس المفهوم عند حديثهم عن الله إذا قالوا أنه في كل مكان الله في السماء في الأرض هو داخل الموجودات و المخلوقات (الله حل في الإنسان و البحر و الشجر و الجبل ).هنا تظهر لنا وحدة الوجود في النسق الصوفي ولقد نفوا صفة الوجود للمخلوقات جملة و تفصيل . ويقول النابلسي في كتابه "حكم شطح الولي " :"وما هما أي:الخالق و المخلوق ,اثنان ,بل عين واحد".(5)و هذا ترجمان خالص على ما يعرف بالحلول و توحد الذات الإلهية مع الذات الإنسانية ويكون هذا وليد الرياضة الروحية و التعبدية التي يمارسها الصوفي و هذا نلحظه في تراجم أهل هذا الاعتقاد أمثال الحلاج و ابن الفارض و ذو نون المصري و رابعة العدوية ....هنالك طائفة كبيرة حملت هذا المبدأ التعبدي و تمدوا به إلى حد الغلو و التعصب.
بعد عرض التعريف اللغوية و الاصطلاحية يمكن نستنتج ما يلي:
• الوحدة هو أن يستقل الشيء بصفاته الجوهرية التي تحدد ماهيته النوعية عن سائر الأشياء الأخرى و بالنسبة للوجود هو كون الشيء و حصوله على أرض الواقع و انتفاء صفه العدمية و الغيبية فيه.
• الوجود في الاصطلاح الصوفي مقترن بنظرية "وحدة الوجود " القائمة على فكرة أن الوجود واحد ومطلق يكمن في الله و هو يتجلى في كل الأشياء.
• صفة الوجود تنفرد بها الذات الإلهية لا يرتقي لمعرفتها إلا أهل العرفان و الوجدان الذين أذا وصل هذا المقام انكشف لهم الحجب و أدركوا الله وحل فيهم وحدث ما يسمونه " بالإتحاد ".
• نظرية وحدة الوجود في النسق الصوفي لها قراءات تأويلية متعددة بحكم تركيبتيها الفكرية والدينية و الفلسفية و الوجدانية و هذا يبرز لنا في التعبير الرمزي الإيحائي الذي يوظفه الصوفي عندما يعبر عن مكنوناته الداخلية .
(1) عقيدة الصوفية ووحدة الوجود الخفية :بن عبد العزيز القصير,ط 1,مكتبة الرشد ,2003,ص29.
(2) ديوان الحقائق :لعبد الغني النابلسي ,دار الجيل , بيروت , سنة 1270ه ,ص 170.
(3) عقيدة الصوفية :نفس المرجع ,ص 29.
(4) فصوص الحكم :ابن عرابي , بشرح القاشاني ,مكتبة مصطفى البابي الحلبي , مصر , الطبعة الثانية ,1387,ص243 .
(5) حكم شطح الولي: لعبد الغني النابلسي , وكالة الكويت ,الطبعة الثانية , سنة 1976, ص 196.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة