الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فوبيا- التكنولوجيا

حسن مدن

2022 / 1 / 29
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يحدث معي أحياناً، أثناء الكتابة، أن أنسى اسم كاتب أريد الاستشهاد برواية أو كتاب له، أو العكس أن أتذكر اسم الكاتب ويغيب عن ذهني، لحظتها، اسم الرواية أو الكتاب، فلا أجهد نفسي كثيراً في محاولة التذكر. أضع في خانة البحث على «جوجل» الكلمة التي تقودني إلى ما أريد.

وفي البداية حسبتُ أن هذا «النسيان» يحدث، بسبب أن ذاكرتنا لا تعود بنفس النشاط كلما مضى علينا العمر، قبل أن أسمع شكاوى مشابهة من شبان في مقتبل العمر، لا يكترثون كثيراً بتذكر الأسماء وتاريخ الوقائع، مطمئنين إلى الخدمة المجانية الجاهزة التي سيسديها لهم «جوجل» وقت الحاجة.

ولو قارنا ما كانت عليه ذاكرتنا قبل ظهور الهواتف النقالة، وما باتت عليه اليوم، في حفظها لأرقام هواتف الآخرين، بمن فيهم القريبون منّا، أو الذين تجمعنا بهم زمالة عمل، لاكتشفنا الفارق الكبير الذي أحدثته التكنولوجيا في نشاط ذاكرتنا، فلم تعد هذه الذاكرة بارعة في «تخزين» هذه الأرقام، لأننا ألفنا تخزينها في الذاكرة التكنولوجية الموازية، أي في هواتفنا، كل ما علينا فعله هو البحث عن اسم الشخص الذي نريد مهاتفته والضغط على زر الاتصال.

«فوبيا التكنولوجيا» هو عنوان فرعي ورد في دراسة قيّمة لستيفن بنكو، نشرت مجلة «الثقافة العالمية» الصادرة في الكويت ترجمة لها وضعها د. حسين عبدالغني إبراهيم عن «الأخلاق والتكنولوجيا ومجتمعات ما بعد الإنسانية»، حيث يرى القائلون بفوبيا التكنولوجيا أن هذه الأخيرة تمثل تهديداً، بسبب قدرتها المتأصلة على تغريب الأفراد عن إنسانيتهم المشتركة، حيث لم يعد الناس بحاجة إلى أن يتفاعلوا في ما بينهم وجهاً لوجه، ويؤدي هذا إلى التقليل من التزاماتهم ومسؤولياتهم تجاه الآخرين.

ينقل واضع الدراسة عن باحث آخر قوله إن التكنولوجيا تؤدي إلى هوس بالأشياء، يشوّه القيم الأساسية وعلاقة الفرد بالآخرين، وبالتالي إلى ما يصفه بـ «التوحيد القسري» في المجتمع، بشكل يُهدد الفردية والعفوية، ومع الوقت، سينجم عنه تغليب ما يدعى بـ«الكفاءة والعقلانية» على الخيال والإبداع، فالاعتماد على التكنولوجيا في كل شيء يُعطل الكثير من المهارات التي اكتسبها البشر على مدار القرون بفعل ملكات الإبداع والخيال.

أخطر من ذلك أن الكائن البشري نفسه، يمكن أن يتحول مع الوقت هو أيضاً إلى آلة، أو للدقة إلى مجرد مشغل للتكنولوجيا، وربما تصحّ هنا العبارة كثيرة الترداد حول أن البشر أصبحوا عبيداً للآلة، حتى لو حسبوا، واهمين، أنهم من يُسيرها، ولكن، في حقيقة الأمر، هي من تسيرهم، وبسبب انعدام التواصل المباشر فإن المعاملات بين الناس باتت كأنها تواصل بين أشباح لا ملامح واضحة لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب