الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاشية الأوكرانية، والإمبريالية الأمريكية، والطموح الإمبراطوري الروسي، والخطر المُحْدِق بالعالم (3/3)

منذر علي

2022 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في مطلع يناير من هذا العام، انعقدت ثلاث جولات من المحادثات بين الوفدين الروسي والأمريكي بشأن الأوضاع في أوكرانيا، الأولى كانت في جنيف يوم الاثنين، العاشر من يناير، والثانية في بروكسل يوم الأربعاء، الثاني عشر من يناير، والثالثة كانت في فيينا يوم الخميس، الثالث عشر من يناير. وكل هذه المحادثات الطويلة لم تثمر عن نتائج ملموسة، تخفف من حالة التوتر بين الطرفين، وعليه فالوضع القائم بين أوكرانيا، المدعومة من الغرب، وبين روسيا مازال ينذر بالخطر. تُرى ما الذي يسعى إليه الغرب وما الأهداف الأمريكية، وما المطالب الروسية المُلِحَّة، وما المسارات المحتملة للصراع بين القوتين النوويتين الكبيرتين؟

أهداف الغرب الإمبريالي

الغرب الإمبريالي لا يتحرك ضمن المساعي السلمية للوصول إلى حل مُرْضي للمسألة الأوكرانية، فالقضية أكبر من أوكرانيا والدبلوماسية من وجهة نظر الغرب، هي حربٌ بوسائل ناعمة، ذلك لأنَّ ما يحرك الغرب هدف واحد، وهو التوسع والسيطرة على العالم ومضاعفة أرباحه السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. وفي هذا الإطار يأتي هدف الغرب في السيطرة على أوكرانيا، وإقامة قواعد عسكرية فيها، واستهداف روسيا الاتحادية، بغية إكمال المهمة التي فشل فيها الرئيس السكران بوريس يلتسن في إنجازها عقب سقوط الاتحاد السوفيتي. وهذا الهدف يتلخص في تفكيك روسيا الاتحادية، وتحويلها إلى كيانات سياسية متنافرة، كما عمل الغرب في يوغسلافيا ، و كما عملت الإمبريالية في كثير من البلدان، وكما عملت دول التحالف العربي في اليمن، أي خلق كيانات متنافرة تحت أمرة الغرب الإمبريالي، وبالتالي التفرغ لمواجهة الصين باعتبارها آخر معاقل "الاشتراكية"، ثم الهيمنة المطلقة على العالم وإدخاله عَنْوَةً في عصر البربرية. ولابد أنَّ روسيا، وقد غدتْ هي الأخرى رأسمالية عاتية، تدرك الخطر المحدق بها من قبل الغرب الأمبريالي ولذلك طرحت على الولايات المتحدة وعلى حلف الناتو جملة من المطالب السياسية والعسكرية.

المطالب الروسية المُلِحَّة.

في الوقت الذي تحشد فيه روسيا قوات عسكرية ضاربة على الحدود الشرقية والجنوبية لأوكرانيا وتجري مناورات عسكرية، وتحذر الغرب من التمادي، طرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 21 ديسمبر 2021، وبلغة تهديدية واضحة، جملة من المطالب في محاولة للحيلولة دون الصدام المسلح مع أوكرانيا وحلفائها الغربيين. ومن بين أهم هذه المطالب: أنْ يتعهد حلف شمال الأطلسي، الناتو، لروسيا بعدم القيام بأي نشاط عسكري في شرق أوروبا، ووقف تصعيد التوترات بشأن أوكرانيا، وعدم قبول أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا في حلف الناتو، وينبغي على الناتو أن ينهي نشاطه العسكري في شرق أوربا ، وأن يسحب قواته من بولندا ورمانيا وبلغاريا ودول البلطيق، مثل إستونيا ولاتفيا، وليتوانيا . وعلى حلف الناتو ألا ينشر الصواريخ في دول قريبة من روسيا أو لها حدود معها، وعدم نشر قواعد عسكرية في دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتقديم ضمانات مستقبلية بعدم التوسع شرقًا وتهديد الوجود الجيوسياسي لروسيا الإتحادية.

الخطر المرتقب

وكما أشرنا في المقدمة فأنَّ اللقاءات الدبلوماسية بين روسيا والطرف الغربي لم تسفر عن نتائج إيجابية، والمطالب الروسية، حتى الآن لم تُلَبَّ، فالغرب حتى الآن يماطل، وروسيا تصر على مطالبها والخطر يَلُوْح في الأفق، بسبب التناقضات الحادة بين الأطراف المختلفة. هناك خطر حقيقي على العالم، بسبب النزعة الفاشية والانتقامية للسلطة الأوكرانية، والجموح التوسعي للإمبريالية الأمريكية، والطموح القومي الإمبراطوري الروسي. والسؤال هو: هل الحرب العالمية الثالثة وشيكة الوقوع لا محالة؟
لا شك أنَّ الخطر كبير للغاية، ولكن من غير المرجح أن تَنشب الحرب العالمية الثالثة، التي من شأنها أنْ تعصف بالعالم، وهناك جملة من الاحتمالات الأخرى:

الاحتمال الأول، هو أنْ تحل الخلافات بشكل دبلوماسي عن طريق تطبيق اتفاقية مينسك بين ممثلي دونباس والحكومة الأوكرانية التي تمت تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوربي، والقاضية بوقف الحرب في دونباس، ومنح تلك المنطقة نوع من الحكم الذاتي ، Autonomy ، وتحسين العلاقات بين سكان المناطق الشرقية الأوكرانية المدعومين من الحكومة الروسية وبين الحكومة الأوكرانية المدعومة من الغرب ، ومن ثم تطبيع العلاقات بين الدولة الأوكرانية والدولة الروسية، على النحو الذي كانت عليه العلاقات بين الدولتين قبل الانقلاب الفاشي في كييف سنة 2014، وبالتالي تجنب الصدام العسكري وإفساح المجال للحوار الدبلوماسي بينهما بشأن المسائل الخلافية.

الاحتمال الثاني: أن يُقَدِم الغرب بعض الضمانات المؤقتة لروسيا الاتحادية تحول دون توسع حلف الأطلسي، الناتو، ودون دمج جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا ، وغيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق، ضمن قوامه على الأقل على المدى القصير والمتوسط بغرض نزع فتيل التوتر القائم، وترك الأمور العالقة للمستقبل.

الاحتمال الثالث: أن تقوم روسيا الاتحادية بعملية عسكرية خاطفة، وتسيطر على المناطق الشرقية، دونباس، وتجري خلال العملية العسكرية صدامات محدودة بين الجيش الروسي والأوكراني المدعوم من الناتو، ولكن الحكومة الأوكرانية تتجنب الانخراط في الحرب على نطاق واسع، تفاديا للتورط في حرب شاملة مع الجبروت العسكري الروسي، وبالتالي تنحصر الحرب في عملية موضعية محدودة، في المناطق الشرقية من أوكرانيا، دون غيرها، وتسيطر روسيا خلالها على تلك المناطق، ويتخذ الغرب بعض الإجراءات الاقتصادية القاسية على روسيا.

العقوبات الغربية المُحتملة ضد روسيا.

إذا صح الاحتمال الثالث، فمن المتوقع أن يتخذ الغرب بعض الإجراءات السياسية والاقتصادية القاسية ضد روسيا الاتحادية، و التي يمكن حصرها في خمس مجالات على الأقل، على النحو التالي:

المجال الأول: فرض بعض العقوبات على الرئيس الروسي وعلى الدائرة الضيقة المقربة منه.

المجال الثاني، مواصلة الحرب السببرانية ضد روسيا ، وتكثيف المساعدات الغربية وخاصة الأمريكية للمعارضة الروسية اليمينية، المناهضة لليسار وللرئيس بوتين ولحزبه الحاكم.

المجال الثالث، زيادة دعم الغرب، الاقتصادي والعسكري، للحكومة الأوكرانية اليمينية في كييف، وتعزيز وجود حلف الاطلسي، الناتو، في الدول القريبة من روسيا أو المحيطة بها، مثل مولدافيا و دول البلطيق، وبولندا، ورومانيا وبلغاريا، وغيرها.

المجال الرابع، إخراج روسيا من النظام المالي العالمي " سويفت" SWIFT”، وبالتالي حرمانها من التعامل بالدولار واليورو، وإغلاق الأسواق الغربية أمام المنتجات الروسية.
المجال الخامس، منع روسيا من تصدير الغاز، بواسطة نورد استريم2، عبر بحر البلطيق، إلى ألمانيا، ومنها إلى الدول الغربية الأخرى.

الإجراءات الروسية المضادة للغرب

من الواضح أنَّ روسيا الاتحادية لن تقف موقفًا سلبيًا إزاء الإجراءات الغربية ضدها. ولا بد لروسيا أن تتخذ جملة من الإجراءات الرادعة، على الصعيدين العسكري والاقتصادي والسياسي، ضد القوى الغربية المناوئه لها.

وفي هذا الإطار، ستسعى روسيا إلى مواصلة حربها السبرانية ضد الغرب ، وإلى تعزيز وجودها النووي في إقليم كلينينغراد أوبلاست الروسية القريبة من دول البلطيق وبولندا وألمانيا والدنمارك والنرويج، ومن المتوقع أن تنقل روسيا الصواريخ النووية، متوسطة المدى، إلى بيلاروسيا، ومن ثم تهديد دول حلف الناتو مثل بولندا والدول الغربية الأخرى القريبة منها المنضوية في الحلف. ومن المُرجح كذلك أن تنقل روسيا الصواريخ النووية، متوسطة المدى، إلى الأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في جمهورية مولدافيا، مثل شريط ترانسنيستريا، ، وتهديد دول حلف الناتو مثل رومانيا وبلغاريا والدول الغربية القريبة منها، وإكمال محاصرة أوكرانيا من الشمال و الجنوب والجنوب الشرقي، فضلًا عن حصارها القائم من الجهة الشرقية، وربما نقل بعض الأسلحة استراتيجية إلى البحر الكاريبي قرب السواحل الكوبية والفنزويلية وإلى المحيط الهادي، قرب السواحل المكسيكية، المحاذية للولايات المتحدة الأمريكية.
كما أنَّ روسيا ستسعى إلى تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون التي تشمل الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وسيتم هذا الإجراء بالتناغم مع تقوية علاقاتها في إطار مجموعة البريكس التي تضم البرازيل والهند وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى روسيا والصين. كما أنَّ روسيا ستعزز علاقاتها بدول أخرى كثيرة متحررة من النفوذ الأمريكي، مثل كوريا الشمالية وإيران والجزائر وسوريا وغيرها من الدول في أسيا، وأفريقيا، وأمريكا الوسطى، والجنوبية.
لا شك أنَّ الخطوات العقابية الغربية ضد روسيا سيكون لها تأثير كبير، غير أنَّ تداعياتها السلبية لن تنحصر على الاقتصاد الروسي وحده، ولكن تأثراتها السلبية ستمتد إلى ألمانيا وغيرها من الدول الغربية التي هي في حاجة ماسة إلى الغاز الروسي. وهذا يعني أنَّ ألمانيا وكثير من الدول الغربية ستضطر، بعد وقتٍ وجيز من التقشف والعنت ، إلى استيراد الغاز الروسي الرخيص مقارنة بالغاز الأمريكي أو الغاز النرويجي أو القطري.
وعلى صعيد التعامل المالي، لا بد أن تتمكن روسيا بالتعاون مع الصين وبعض الدول الأخرى، من إيجاد بدائل لنظام التعامل المالي العالمي، سويفت، من خلال التحول إلى النظام الرقمي.
و في الأخير ، فأنَّ مجمل هذه الإجراءات ستُحْبِط العقوبات الغربية ضد روسيا، ولكن التوتر بين روسيا، التي تتطلع إلى استعادة تطلعاتها الإمبراطورية، وبين الغرب، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه الإمبريالي، لن يزول.

العلاقات الغربية الروسية والأفق المسدود

إنَّ التوتر بين روسيا والغرب سيظل قائمًا، فلا الغرب سيتخلى عن تطلعاته الإمبريالية التوسعية، ولا روسيا ستتنازل عن حقوقها الوطنية وعن طموحاتها الإمبراطورية. الغرب قد يضطر للانتظار إلى مرحلة ما بعد بوتين، وروسيا قد تنتظر، بفارغ الصبر، إلى تغيير الأوضاع في أوكرانيا لصالحها. وروسيا تراهن بقوة على التناقضات بين الدول الغربية وتفكك حلف الناتو التي بدأت بوادره تظهر بقوة ، بسبب تشدد أمريكا وبريطانيا وبولندا ودول البلطيق ضد روسيا من جهة ، و تساهل ألمانيا وبعض الدول الإسكندنافية من جهة ثانية ، وارتباك دول أخرى ، مثل فرنسا وغيرها من جهة ثالثة ، وخاصة بعد أن تجاهلت أمريكا وبريطانيا فرنسا وشكلتا تحالفًا أمنيًا استراتيجيًا مع أستراليا ، أوكوس، AUKUS ، في 15 سبتمبر 2021 ، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في مشروع استراتيجي أنجلوسكسوني ، منفصل عن الناتو، يُهدد بتقويض الطموحات الفرنسية في ذلك الفضاء الجغرافي البعيد . ويسعى الحلف الجديد ، بشكل حثيث، لمواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي، و الحيلولة دون توسع الصين السريع شرقًا و جنوبًا و غربًا، عبر طريق الحرير ، وتعطيل سعيها للوحدة الوطنية مع تايوان ، و بالتالي تقييدها وحصارها والضغط عليها من الخارج وتحريك الأوضاع السياسية من الداخل من خلال خلق الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في هونكونج، وشنغهاي وبيكين ويوهان وغيرها من المراكز الاقتصادية المهمة بغرض تفجير الصين من الداخل على النحو الذي تم في الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي الأخرى في مطلع التسعينيات من القرن الماضي .

احتمالات متشائمة

كل ما سبق الإشارة إليه في الفقرات السابقة، هي احتمالات متفائلة، ولكن ماذا لو رفض الغرب الاستجابة لمطالب الرئيس الروسي، بوتين، وقررت روسيا اكتساح أوكرانيا وتغير النظام في كييف، ونصبت صواريخها النووية في الجزء الغربي من أوكرانيا وتهديد حلف الناتو من أقرب نقطة استراتيجية في الخريطة الأوربية؟

الغرب قد لا يستجيب لكل المطالب، وروسيا قد لا تغامر باحتلال كامل الأراضي الأوكرانية، ولكن لو حدث المكروه، ونشبت الحرب بين روسيا وحلف الناتو هل سينجح الغرب في كسر تطلعات روسيا الاتحادية والحيلولة دون استعادة أمجادها، ثم إخضاعها وتمزيقها كما نجح الغرب الاستعماري في الماضي في تمزيق الصين والهند والإمبراطورية العثمانية، وكما نجح في تمزيق يوغسلافيا والعراق وليبيا وسوريا، وكما نجحت دول الخليج العربي الموالية للغرب في إخضاع وتمزيق اليمن في العصر الحديث؟
والجواب هو من غير المحتمل أن ينجح الغرب لأنَّ روسيا ليست الصين أو الهند الإقطاعيتين المتخلفتين في الزمن البعيد، وليست الإمبراطورية العثمانية المنهكة عقب الحرب العالمية الأولى، وروسيا ليست يوغسلافيا أو العراق أو سوريا أو ليبيا، وروسيا ليست اليمن، وفلاديمير بوتين ليس معمر القذافي أو صدام حسين أو بشار الأسد، وليس عبد ربه منصور هادي، ومع ذلك فأن التطورات في أوكرانيا والعلاقة المتوترة بين الغرب وروسيا تنذر بالخطر. وإذا نشبت الحرب بين روسيا والناتو فلن تكون كحرب العراق وليبيا، وسوريا، وأفغانستان، واليمن. ذلك أنَّ الحرب هنا لن ينتصر فيها الطرف الروسي على الطرف الغربي أو العكس. فالحرب إن نشبت بين القطبين النوويين الكبيرين من شأنها أن تغيِّر مسار التاريخ و قد تفضي إلى فَنَاء العالم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254