الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الاشبال، رواية لفاضل يونس

مهند طلال الاخرس

2022 / 2 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


عودة الاشبال.. رواية لفاضل يونس- المناضل والاسير والكاتب- وهذا ما يُكسب الرواية جمالية واهمية اخرى بالاضافة الى جمالية الرواية كنص ادبي مشوق يحبس الانفاس، وكشهادة ووثيقة وطنية تعبوية من الطراز الرفيع.

والرواية موجودة بطبعتين ورقيتين: الاولى صادرة عن دار ابن رشد في الاردن سنة ١٩٨٦ وبعدد صفحات ١٩٢، والثانية صادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينية في رام الله سنة ٢٠١٤ وبعدد صفحات ١٣٦.

والرواية تسجيل حي لاحداث واقعية تجسد بالكامل قصة عملية الساحل، او عملية كمال عدوان، والتي قامت بها مجموعة دير ياسين الفدائية والتي اشتهرت باسم عملية دلال المغربي ..

وهذه الرواية تجسيد حقيقي لهذه العملية وابطالها، والتي وقعت احداثها في ١١ اذار ١٩٧٨، والتي خطط لها أبو جهاد خليل الوزير، حيث انطلق الفدائيون في سفينة من لبنان، ومعهم زورقين مطاطيين، وأنزلتهم السفينة الام قبالة الشاطيء الفلسطيني في المياه الاقليمية، واستقل الفدائيون بعدها الزورقين، وهم مدججون بالسلاح والذخيرة، وكان هدف العملية المركزي أخذ رهائن، والتفاوض لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيون والعرب والاجانب المعتقلين في السجون الاسرائيلية، غير أن نتيجة العملية لم تحقق تلك الغاية، فلم يجر تفاوض مع المجموعة التي قاومت وابدعت، وقاتلت لساعات طوال، متنقلة من منطقة إلى منطقة بين حيفا وتل أبيب، فهزت الكيان الصهيوني، وزعزعت اركانه.

لكن وقبل وصول الزورقين إلى الشاطيء، عانى الفدائيون من شدة الأمواج، لساعات طويلة وشاقة ليلا قبل الوصول إلى الشاطيء عندما نزل اثنان منهم، واستطلعا المكان، فعثرا على شابة تجلس في سيارتها قرب شاطيء البحر، فاستدعيا دلال، فحاورتها، وعلمت أنها صحفية أميركية.

وعندما سألتها إن كانت كصحفية التقت بأي من الفدائيين في الأرض المحتلة، ضحكت الفتاة وقالت: فدائيون! مخربون! بالطبع لا، فأنتم لهم بالمرصاد"، ظنا منها أن من تحاورهم هم من الشرطة الاسرائيلية.

بادرتها دلال سابقة دهشتها: "إعلمي إذن أننا فدائيون، وأعرف أنك لم تتوقعي أن تلتقي بفدائيين، فدعاية الصهاينة أعمت أعينكم في الغرب عن حقيقة الوضع هنا.. ثقي تماما أننا نهز كيانهم يوميا بضرباتنا، ولن نتوقف عن قتالهم حتى تحرير فلسطين، مهما ضاعفت بلادكم أميركا من دعمها لهذا الكيان الغاصب".

استدركت دلال كشف أمرها، فالصحفية ستنقل خبر وجود فدائيين لسلطات الاحتلال. استبعدت بثقافتها الثورية فكرة تصفية انسان بريء، فعمدت المجموعة إلى ربطها على جذع شجرة، وتابعوا محاولين أسر حافلة للركاب ليتفاوضوا عبرها لإطلاق سراح الأسرى.

تمكنت المجموعة من أسر حافلتين، وضموا ركابهما في حافلة واحدة، وكانت الشهيدة دلال تشرح للركاب أن أحدا لا يريد أذيتهم، بل تحرير الأسرى، طالبة تعاونهم حفاظا على سلامتهم.

وانطلقت الحافلة بين حيفا وتل أبيب، في لعبة الصراع حتى الموت، والجرأة بكل صلابة، وإسقاط الاحتلال ولو لساعات، واستعادة فلسطين يوما كاملا على أيدي مجموعة من الفدائيين.

وبدأت عمليات الكر والفر. لاحقت قوات الاحتلال الناقلة، وهي تتبادل النيران مع المجموعة الفدائية من داخل الباص أثناء تقدمها من نقطة إلى أخرى من حيفا باتجاه تل أبيب، إلى أن تمكنت قوات الاحتلال من إيقافها، بعد أن تسببت بأعطال في إطارات الحافلة، فلم تعد الحافلة قادرة على التقدم.

تواصلت المجابهة العسكرية بين المجموعة المتمترسة بالحافلة، وقوات الاحتلال، التي استدعت قوات كبيرة لمواجهة الموقف الحرج الذي وضعهم الفدائيون فيه، واستمرت المواجهات العنيفة طوال النهار، وأبدت المجموعة صلابة، وجرأة منقطعة النظير، وألحقوا بالجنود الاسرائيليين الخسائر الفادحة، وظل الوضع على ما هو عليه من مواجهات حتى هبوط الليل، وخلال المجابهات، كان افراد المجموعة يتساقطون.

استشهدت غالبية عناصر المجموعة، ووقع اسيران بعد نفاذ ذخيرتهما (خالد وفياض). أما الحافلة، فقد أصيبت بقذائف إسرائيلية أدت إلى تفجرها، ومقتل كل ركابها الذين ناهزوا الثمانين.

هذه الرواية قصة ابطالها حقيقيون واسماؤهم حقيقية.. استشهدوا جميعهم وبقي منهم على قيد الحياة اخوين اعزاء هما البطل خالد ابو اصبع وحسين فياض..لك ان تقراها وتستمتع بتفاصيلها، وتفاني ابطالها، وقدرتهم على مواجهة الاحداث الغير مالوفة.. ولك ان تسمعها مباشرة وتعيش اجواءها كانك جزء منها، وتعرف ادق التفاصيل عنها من افواه ابطالها، وذلك عن طريق حلقات تلفزيونية مسجلة ومحفوظة على اليوتيوب.

وقد استطاع الكاتب تهريب نسخة من داخل السجن عام 1981م الا انها لم تنشر، الى أن أفرج عنه عام 1985م واستطاع الوصول والجلوس مع الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد ليطلع عليها ويعطي الموافقة بالنشر، وبدا نشر الرواية وتوزيعها عام 1986م خاصة في الاردن.

وفي مقدمة الرواية اشار الكاتب الى ظروف ومصاعب كتابتها حيث يقول:" منذ أن سمعت أنباء المعركة التي خاضها أبطال مجموعة دير ياسين على ساحل فلسطين في الطريق بين حيفا وتل أبيب، قررت أن اكتب أحداث المعركة في قصة... تخليدا لذكرى الأبطال الذين نفذوا العملية وصنعوا الأسطورة بدمائهم الزكية التي روت تراب فلسطين .

لكن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة لي كوني لن اكتب قصة من الخيال، أصنع أبطالها وأحداثها بنفسي، متصرفا بالأحداث ومصائر ونفسيات الأشخاص كيفما أريد وحسبما تسمح به إمكاناتي الأدبية والفنية، لأن الأحداث قد وقعت بالفعل.... ولا أستطيع أن اكتب غيرها من الخيال، والأشخاص حقيقيون، لكل منهم ميزته ونفسيته وصفاته الخاصة به، ولا أستطيع أن أتجنى على أحدهم بما لم يكن فيه فعلاً. فأنا ككاتب واقعي ملتزم، لن أحيد عن الواقعية والموضوعية .

وظل الأمل يراودني بلقاء البطلين اللذين بقيا على قيد الحياة من بين أفراد المجموعة.. أو أحدهما على الأقل، وجمدت الفكرة إلى حين يتم هذا اللقاء أن لم يكن في المعتقل ففي خارجه. وكنت واثقا أن أية قوة في الأرض لن تمنعني من تحقيق هذا الهدف وتجسيد الفكرة إلى واقع.

وبعد سنة ونصف حكمت المحكمة العسكرية الصهيونية على الأخوين حسين فياض وخالد إبراهيم بالسجن المؤبد، ونقلا بعد ذلك إلى معتقل بئر السبع، وأدخلا إلى القسم الذي أعيش فيه. كانت مفاجأة مذهلة لي وللأخوة الذين كانوا يتحرقون لرؤية هذين البطلين.

وجلست والأخوة الموجودين في القسم حولهما نستمع لأحداث العملية، وكنت أصغي إليهما باهتمام شديد مشدوداً إليهما بكليتي .

وحصلت على المرام عندما وافق الأخ حسين على استضافتي له في زنزانتي ليوم واحد، فسرد على مسامعي أحداث العملية ثانية، وأجاب على كل الأسئلة التي وجهتها إليه، وأعطاني أوصاف الأخوة أبطال العملية وما يعرفه عن طباعهم .

وحينما شرعت بوضع الخطوط العريضة للرواية وجدتني بحاجة لمزيد من المعلومات، لكن إدارة السجون أخذت من بيننا الأخوين حسينا وخالدا بعد أسبوع واحد من إقامتهما بيننا. فقد عز على النازيين الذين يديرون السجون أن نستقبل أخوينا استقبال الأبطال، وأن تحتفي بهما كما لم يحدث من قبل في المعتقلات. وتم نقلهما إلى زنازين سجن الرملة من أجل إنزال مزيد من التعذيب والإهانات بهما.

لم تكن كتابة القصة عملية سهلة، لأن أشخاص القصة كانوا موجودين على أرض الواقع، وأنا لا أعرف عنهم إلا القليل. واقتصرت عملي على صياغة العملية في قالب قصصي بعد أن سمحت لنفسي بالتحكم بهذه الأحداث فنياً حسبما تتيحه لي إمكاناتي والشروط القاسية التي فرضتها علي طبيعة الأحداث.

وأهم العوامل التي أربكتني وكادت تحبط عملي من ناحية فنية هو إن للقصة ثلاثة عشر بطلاً من نفس المستوى، لا يوجد بينهم من يتصدر الأحداث أو ينفرد دون غيره ببطولة القصة ... وكلهم واجهوا نفس المصاعب وعانوا نفس المعاناة، وخاضوا معركة واحدة وقاتلوا بنفس المستوى تقريبا. وبما أن إبراز شخصية البطل تأتي من خلال تأثير الأحداث عليه وتفاعله معها، فكيف سأبرز شخصية ودور كل منهم إذا كنت لا أريد إعادة سرد نفس الأحداث ثلاث عشر مرة؟

ومع ذلك حاولت، وأرجو أن أكون قد نجحت في محاولتي" .

رواية مشوقة واحداث حقيقية تحبس الانفاس، تشعرك بالفخر والانفة، وبعلو كعب الشعب الفلسطيني في التخطيط والنضال والتضحية، فهو كاسطورته؛ ما ان يتوقع الجميع موته، حتى تراه ينهض من تحت اكوام الرماد، كحاله في هذه العملية -الرواية- حيث ينبعث من البحر ويحرر الساحل ويرفع علم فلسطين فوق ارض فلسطين، ويقيم دولته ولو لبضع ساعات...

ينجح الفلسطيني وبكل جرأة واقتدار في كل مكان تطأه اقدامه، او تداعبه احلامه، او تصبه اقلامه، وهذه الرواية دليل كاف على كل ذلك.

هذا الشعب يعطي ما يفوق السؤال، كانت هذه كلمات الراحل الكبير ياسر عرفات عند سؤاله عن العملية ووتوقيتها واهدافها.

هذا الشعب وثورته وقيادته وعبر هذه الرواية ، يؤكد قدرته الفائقة دوما على كتابة حكايته بمداد من دم وروح، وبدون كذب او تحريف، وفي تجسيد دائم لمقصد شاعرنا الكبير محمود درويش حين قال:" من يكتب حكايته يرث ارض الكلام، ويملك المعنى تماما".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة