الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل السياسي الهادف والمنتظم والممنهج سلاح نجاح الفكر التقدمي

خليل اندراوس

2022 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية



مصطلح المادية التاريخية ظهر لأول مرة في كتاب فريدريك انجلز "الاشتراكية الطوباوية والعلمية" في عام 1880، ويتضح اهتمام ماركس المبدئي بالمادية في أطروحة الدكتوراه الخاصة به، التي قارنت بين الذرية الفلسفية (المذهب الذري) لديموقريطيس والفلسفة المادية لإبيقور، وكذلك قراءاته الوثيقة لآدم سميث وكتاب آخرين في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي.

ولعل أوضح صياغة قدمها ماركس للمادية التاريخية كانت في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"، لقد استطاع ماركس في مؤلفه رأس المال من وضع وصياغة الديالكتيك – الجدل – بشكل ملموس إبان تحليله للمجتمع الرأسمالي وكشف قوانينه، وكذلك هناك فضل أساسي لرفيقه انجلز في تناول الديالكتيك وقوانينه، ففي مؤلفاته ضد دوهرينغ وديالكتيك الطبيعة ولودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، تمكن انجلز من عرض المادية الجدلية والتاريخية بشكل مفصل وعميق وعلمي. فبالنسبة لماركس وانجلز الديالكتيك هو "علم القوانين العامة للحركة وتطور الطبيعة والمجتمع الانساني والفكر"، (ضد دوهرينغ ص 69).

تبحث المادية التاريخية عن أسباب التطورات والتغيرات في المجتمع البشري بالوسائل التي ينتج بها البشر عامة ضروريات الحياة، والطبقات الاجتماعية والعلاقة بينها إلى جانب الهياكل السياسية واساليب التفكير في المجتمع تكون البناء الفوقي للمجتمع بينما النشاط الاقتصادي هو البناء التحتي للمجتمع وتربط البناء الفوقي والتحتي علاقات جدلية، تحدث تطور تراكمات كمية محددة إلى أن تتراكم هذه التغييرات الكمية وتحدث القفزة الكيفية أي الثورة الاجتماعية وبالنسبة للنظام الرأسمالي هذه القفزة الكيفية الثورة الاجتماعية تقود إلى بناء مجتمع المستقبل مجتمع حرية الانسان.

والكشف عن القوانين الموضوعية للحركة في الطبيعة والمجتمع والتي تتحكم في التطور والحركة هو ما يمكن الانسان من الوعي بواقعه وتغييره، فعبر الكشف عن هذه القوانين الجدلية المادية التاريخية الموضوعية والتي تتحكم في تطور المجتمع الرأسمالي، وتحويل هذه المعرفة إلى قوة مادية عبر امتلاك الجماهير لها وخاصة الطبقة العاملة والأحزاب الشيوعية وتوجيهها نحو العمل الثوري ونحو الثورة والتغيير. وهذا لا يمكن ان يحدث إلّا إذا عملت الأحزاب الممثلة للطبقة العاملة بشكل مدروس من أجل تكوين أناس مخلصين للفكر الشيوعي وعيًا وممارسة متطورين من جميع النواحي وبصورة متناسقة ويتميزون بالإخلاص والمثابرة والحفاظ على المبادئ والقيم الانسانية العالية متبنين العقائد الشيوعية، وممارسة النشاط الاجتماعي السياسي الرامي إلى بناء مجتمع جديد – مجتمع المستقبل – مجتمع حرية الانسان المجتمع الشيوعي.

وهذا الأمر يلزم كل من ينتمي إلى الفكر الماركسي اللينيني أن يكون مخلصًا لرفاقه ولجماهير الشعب الواسعة، يمارس العمل السياسي بشكل هادف منتظم وممنهج، وبشكل صادق وأمين رافض للأنانية وحب الذات، رافض لمفاهيم التكتلات على أساس شخصي أو عائلي أو طائفي، وأن يكون مترفعًا عن العصبية كل عصبية ومنها العصبية القومية، لأن الأممي الحقيقي هو القومي الحقيقي والقومي الحقيقي هو الأممي الحقيقي. فعلى الانسان الشيوعي المتبني للفكر الماركسي والمتعمق بالفلسفة المادية الجدلية التاريخية أن يكون شخصًا متكاملًا، وعاملًا اجتماعيًا وسياسيًا نشيطًا، يرفض الانتهازية والحلقية، والغدر ويكون مكافحًا ضد كل من يخون المبادئ والقيم الشيوعية والإنسانية.

وعليه أن يتحلى بالعقيدة الماركسية اللينينية العلمية وبثقافة رفيعة وله سجايا أخلاقية راقية، كريم بكل ما لهذه الكلمة من معنى ويلازمه شعور المسؤولية العميقة أمام الطبقة العاملة والمجتمع بأسره، يعمل بأسلوب خلاق ويُطور كفاءاته وكفاءات من حوله. على الفرد المتبني للفكر الماركسي والفكر المادي الجدلي التاريخي العمل على الترقي الفكري والأخلاقي، فالجمع بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية يؤمن نجاح العمل السياسي الثوري ويعمق الثقة بين كوادر الأحزاب الشيوعية والطبقة العاملة وبين جماهير الشعب الواسعة، وهذا لا يمكن أن يكون بدون دراسة الفلسفة الماركسية اللينينية، وكل مكوناتها مثل المادية الجدلية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي والنظرية الشيوعية العلمية.

ومهم جدًا تذليل رواسب الماضي في وعي الناس وتصرفاتهم ومكافحة الأفكار والقوى الرجعية بكل أشكالها، وشن نضال هجومي لا هوادة فيه ضد هذه القوى الرجعية، وأمام الحركة العمالية في جميع البلدان وخاصة في عالمنا العربي النضال ضد الانتهازية وقوى التخريب والخيانة داخل منظمات حركات العمال وأحزابها السياسية، خدمة طبقة رأس المال، فالفاخوري وغيره ليسوا بأفراد بل هناك خطة مدروسة ومبرمجة واستراتيجية تمارسها طبقة رأس المال للتخريب ولإضعاف الدور الثوري للطبقة العاملة وأحزابها. علينا أن نذكر بان الحياة الاجتماعية متعددة الأشكال ولا يمكن إرجاعها إلى الاقتصاد وانما هي ترابط معقد من العلاقات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والحقوقية وغيرها من العلاقات بين الناس، ولا شك ان للأفكار والنظريات والآراء الاجتماعية دورًا عظيمًا في التاريخ، فهي، إذ تعكس النظام الاقتصادي، توجه نشاط الناس وتؤثر من خلاله على تطور المجتمع وعلى الاقتصاد من جملته. قال ماركس إن الأفكار تصبح قوة مادية عندما تستحوذ على الجماهير، لذلك مهم جدًا على من ينتمي إلى الأحزاب اليسارية وخاصة الأحزاب الشيوعية أن يكون دارسًا ومتمكنًا من الفكر الماركسي وخاصة الفكر المادي الجدلي التاريخي من أجل توجيه نشاط الطبقة العاملة وجماهير الشعب الواسعة، لا بل كل نشاط الناس لكي تصبح هذه الافكار قوة مادية تعمل على التغيير الثوري للمجتمع الرأسمالي.

لم تكن أفكار كارل ماركس أبدًا أكثر راهنية مما هي عليه اليوم، ويتضح هذا في التعطش الكبير للنظرية الماركسية الذي نشهده في الوقت الحاضر. فأفكار ماركس وفلسفته المادية التاريخية صمدت أمام اختبار التاريخ، وستبقى منتصرة، والآن أصبح نقاد الماركسية، وخاصة بعد أزمات الكساد والانكماش الاقتصادي الرأسمالي، مجبرين على الاعتراف بأنّ الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها، وأنها نظام فوضوي وعبثي ويتميز بالأزمات الدورية التي ترمي بالناس إلى البطالة وتسبب في الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية وقد تؤدي إلى كارثة انسانية بسبب تغير المناخ والبيئة.

لذلك ما زال شبح الماركسية ومكوناتها وخاصة المادية التاريخية والاقتصاد الماركسي يطارد طبقة رأس المال، لذلك مهم جدًّا دراسة كتابات ودراسات كارل ماركس والتسلّح بهذه الفلسفة في ممارسة النضال الطبقي الثوري ضد طبقة رأس المال بمنتهى الوعي ومكافحة الانتهازية بكل أشكالها، وأقول هذا لأنه هناك فترات وأحداث في تاريخ الأحزاب الشيوعية واليسارية، أدت إلى أن تكون الغلبة إلى جانب أكثر العناصر انتهازية وانعزالية، وحتى خيانة الأمانة وعدم الاخلاص والأكثر تأخرًا من الناحية الفكرية، وهنا أتذكّر أحد "القادة" الذي طلب من أحدهم في اجتماع لهيئة مركزية لإحدى المؤسسات اليسارية قائلاً "اترك الدياليكتيك وسجل سأحارب أنا وحدي الفقر"، وقول آخر "ألا تعلم بأنّ أغلب النشاطات عبارة عن كومبيتوت؟" وآخر يدفع رفيقه للعمل في مجال معين مثلاً الترشح لسلطة محلية، ويرافقه في الزيارات البيتية ويعود إلى نفس البيت ويدعو إلى عدم التصويت له، وآخر يقول "لا يوجد رفيق ظلم مثل هذا الرفيق" ونفسه كان شريك في ممارسة هذا الظلم، وأحداث وأمور أخرى كثيرة، بعيدة كل البعد عن الأخلاق والممارسة الثورية الماركسية الانسانية الصحيحة.

وهناك البعض يتشدقون بكلمات لا معنى لها حول "تنظيم المنظمات" بل ومطالبة أعضاء هذه المؤسسة أو هذا الحزب صراحة بأنْ يعملوا في حقل التنظيم، وفي نفس الوقت يدافعون ويعملون على تغطية كل فوضى وكل تبعثر بكلمة المؤسسة أو الحزب. ولهذا من المضحك المبكي التحدث عن هذا الفرع أو ذاك أو عن الحزب بوصفه وحدة سياسية اذا كان هذا الحزب لا يستطيع أن "يمنع" حلقة بمرسوم من أن تعتبر نفسها جزءًا من الكل!، وإلا فما الفائدة من تحديد طرائق وشروط الفصل من الحزب؟ وهناك العديد من المثقفين وحاملي الشهادات لديهم تصرفات وطروحات تتميز بالاعتراف بالتنظيم الحزبي بصورة "أفلاطونية" فقط ويمارسون أشد صور الانتهازية والذاتية واقامة الكتل، وممارسة الفوضوية، كما قال لي أحدهم "كل العمل كومبينوت"، وهذه الممارسات الانتهازية تمارس ضد أصحاب المبادئ وأصحاب الفكر الواعي الثوري والبعيدين كل البعد عن ممارسة أو تأييد أي مصلحة شخصية وبعيدين ورافضين لكل أساليب كسب المال بطرق غير شريفة، لا بل والعمل على تحييد هؤلاء الأشخاص بتوجيه من قبل مؤسسات رسمية، وحتى مخابراتية، فمثلاً في اسرائيل كل نشاط سياسي اجتماعي ثقافي يعتبر ساحة عمل (שטח פעולה)، يتم إدخال عملاء من أجل إفشال هذا العمل أو ذاك، أو تحييد الشرفاء ونظيفي الأيدي والعمل على تحييد هؤلاء بشكل مطلق عن العمل الجماهيري الايجابي، والعمل على إدخال "عناصر غير أمينة" في صفوف المؤسسات والأحزاب، خدمة لطبقة رأس المال وضد مصلحة الطبقة العاملة، "وليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة اذا كان مذهب ماركس الذي يهدف مباشرة إلى تنوير وتنظيم الطبقة المتقدمة في المجتمع المعاصر ويشير أن النظام الحالي سيستعاض عنه حتما، بأوضاع جديدة، من جراء التطور الاقتصادي، ليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة اذا اضطر هذا الشعب إلى أن يخطو كل خطوة في طريق الحياة، بعد نضال شديد" (لينين في الايديولوجية والثقافة الاشتراكية ص 38).

ولكي ننجح في هذا النضال الشديد أي الدفاع عن الماركسية ونشرها وتعميق معرفتها ودراستها كفلسفة مادية جدلية تاريخية مرتبطة بعالمنا الراهن وتعمل على تغيير المجتمع الرأسمالي من خلال إحداث الثورة الاجتماعية وإقامة مجتمع المستقبل، مجتمع حرية الانسان لا بل مملكة الحرية على الأرض، ومن أجل ذلك لا بديل عن حزب ماركسي لينيني يمارس رسالته الثورية بشكل مدروس صارم وحازم يعالج ويعمل على إحداث القفزة الاجتماعية – الثورة.



المراجع:

مدخل إلى المادية الجدلية – موريس كورنفورث.
ماركس انجلز – مختارات.
الشيوعية العلمية – معجم.
الناس والعلم والمجتمع – إعداد فريق من المؤلفين.
لينين – ضد الجمود العقائدي والانعزالية في الحركة العمالية.​








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شعار صفحتك-المنجل والمطرقه دليل تخلف وتحجر في التم
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 2 / 4 - 16:35 )
وتحجر في التمسك -في الماركسيه تطور القوى المنتجه يعتبر ساحبه لتطور كل المجتمع-المنجل والجاكوج رمز متخلف يقشعر له الابدان-ليس الان فقد بل من العصر السوري حين اخترع السومريين المحراث والعجله-فما بالك الان ونحن نعيش الثوره التكنولوجية الخامسه وبداء عهد الروبوت-في 1978 توجهت ضمن وفد من اليمن الجنوبي زيارة المانيا الشرقيه وفي برنامج لنا في احدى الايام اخذونا لزيارة مصنع للعدسات ينتج عدسات حتى للاقار الاصطناعيه واخذنا ندور والمترجم يترجم لنا ولكننا وقفنا في لحظه وساءلنا -شنو عندكم عطله اليوم نحن لانرى عمالا فابتسم المهندس وشر الى دواليب فقال العمل مبرمجفي هذه الدواليب والانتاج مستمر بلا عمال هذا كان قبل 44سنه وفي بلد اوربي متوسط التطور -المانيا الشرقيه وانت يااستاذ خليل لازلت متمسكا بما كان قبل اكثر من 5000سنه وسيلة ابنتاج بدائي-تحياتي

اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي