الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمالي عبد الحميد مصطفى - 3-

ربيع نعيم مهدي

2022 / 2 / 4
الادب والفن


"12"
"إن عمليات تطوير وتنميق الحروف اكتسبت نوعاً من المنهجية في الرصد والتقنين على يد الوزير ابن مقلة، والذي اهتم برصد الحرف العربي لتحديد قوانين ضبطه، والتي بدأت مع محاولته لتقنين خط الثلث، وهنا أجد من الواجب توضيح نقطة مهمة قبل أن نكمل حديثنا، وهي تتعلق بالقلم الذي كان يستخدم في الكتابة، إذ كان الأقدمون يحددون صفة قياسية للقلم مقدارها اثنتا عشر "شعرة حصان"، بمعنى أن اصطفافها يمثل المقياس الأمثل لعرض القلم.
وعندما جاء ابن مقلة عمل على استغلال ما أنتجه التبادل الثقافي للشعوب التي دخلت في دائرة الحاضرة الإسلامية، والتي كما أشرنا سابقاً أثرت على الحرف العربي وتأثرت به، فسعى ابن مقلة إلى المزج بين الأشكال والأنساق الخطيّة الوافدة على الثقافة الإسلامية مع الحرف العربي، لإنتاج أشكال جديدة للحرف، ولتحقيق هذا الهدف بدأ ابن مقلة بتغيير مقاييس القلم، فكانت أول خطوة له في هذا الشأن هي بتقليل سمك القلم، وأوجد ما يُعرف بقلم الثُلُثيّن، أيّ أنه استخدم قلماً مقياسه "ثمانِ شعرات"، والذي نشأ عنه مقياس آخر للقلم هو "الثُلُث"، والذي عُرِفَ به خط الثلث، وهذه المحاولات أنتجت نمطاً وشكلاً جديداً لكتابة المصحف والتي تغيرت عما كانت في السابق.
"13"
إن التغيير الذي نتحدث عنه لم يكن اعتباطياً أو نتاج لعملية عشوائية، بل كان خاضعاً لقواعد تستند على فلسفة، وهذه الفلسفة سمحت للثقافات الوافدة أن تدخل في رحابها دون أن تتأثر بها، فالانفتاح الذي شهدته الثقافة الإسلامية كانت له تأثيرات واضحة على الفن المعماري في الدول الإسلامية، لكن هذا التأثير كان محدوداً ومحدد بأُطر وثوابت إسلامية، والتي منعت استخدام الصور سواء أكانت بشرية أو حيوانية، في عمليات التزيين لإزالة معالم وثقافة الوثن التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل الإسلام، والحفاظ على عقيدة المجتمع المسلم، لأن الصورة قد تتحول إلى "افتراضٍ يحدد اللا محدود"، وهذا أمرٌ مرفوض برمّته.
"14"
ولأجل إثراء مفردات الفن الإسلامي جاءت ضرورة البحث عن بديل للصورة، وهذا البديل تمثل في الحرف والزخرفة، وعند الحديث عن الزخرفة يجب علينا أن نشير إلى أنها ليست فناً ابتكره العرب أو المسلمين، فالزخرفة كوسيلة إثراء جمالي ارتبطت بالحضارة، وعُرفت في آثار العديد من الحضارات كالفرعونية والبابلية والسومرية والإغريقية والرومانية وغيرها، لكن الزخرفة التي ارتبطت بالحضارة الإسلامية اتخذت طابعاً وشكلاً يتلاءم مع المنظومة الفلسفية الدينة التي أشرنا إليها فيما سبق، فعلى سبيل المثال كان صانع الزخرفة الإسلامية يأخذ فرع النبتة الحامل للورق ويحاول أن يبتعد عن الزهرة لأنها تحتاج إلى تصوير، بمعنى أن الفنان المسلم حاول أن يمتنع عن تجسيد الطبيعة في منظومة العمل الزخرفي بشكل واضح، وهذا ما دفع أرباب الفن والصنعة إلى إنتاج أشكال جديدة، سواء باستثمار قواعد الرسم الهندسي أو اقتباس شكل معين من النباتات والذي يُعرف بفن التوريق، أو استثمار الحرف العربي ذاته وإنتاج الزخرفة الكتابية.
وفي المحصلة، خرج الفنان المسلم بعدد لا يحصى من الأدوات والمفردات التي شكلت وحدات أساسية في عملية صنع الأنساق الزخرفية، سواء أكانت باستخدام التماثل أو التقابل أو التكرار ، وبالتالي تم إنتاج أشكال كثيرة جداً لكل واحدة منها معالم جمالية خاصة به.
"15"
وهنا أجد من اللازم الوقوف عند نقطة مهمة تتعلق بالتطوير الوظيفي للحرف، فكلنا نعرف أن الحرف العربي في الأصل كان خالياً من علامات التشكيل والتنقيط، وللتوضيح.. التشكيل يشمل الحركات الإعرابية كالفتحة والضمة والكسرة والتنوين والسكون، أما التنقيط فهو تلك النقاط التي أضيفت لبعض الحروف للتمييز فيما بينها، كالنقاط التي تميز لنا ما بين الباء والتاء والثاء، وهكذا باقي الحروف.
وإذا بحثنا في أصل عمليات التشكيل والتنقيط سنجد أنها في الحقيقة تمثل نوعاً من الاستجابة للواقع الذي فرضه انتشار الإسلام بين الأمم، فبسبب اللحن عند قراءة الأعاجم للقرآن وضع "أبو الأسود الدؤلي" علامات التشكيل التي ذكرناها، وبسبب تغيير الأحرف الناتج عن عدم المعرفة في قراءة الأعاجم أيضاً للقرآن وضع "الحجاج الثقفي" نظام تنقيط الحروف المعمول به إلى يومنا هذا.
"16"
وبالعودة إلى موضوعنا حول تطوير أشكال الحرف العربي، من الناحية التاريخية كانت الخطوة الثانية للتطوير على يد "ابن البواب"، الذي استكمل جهد سلفه "ابن مقلة"، من خلال تقنين رسم الحرف، ووضع المقاييس المناسبة للكتابة، وضبط النسق والشكل الكتابي في منظومة السطر ككل، وهذه المقاييس والمعايير شملت إرتفاع الحرف عن السطر، ونسبة اتساعه أو امتداده من الداخل على السطر، إضافة إلى طبيعة العلاقة بين الحروف وموقعها في الكلمة... إلخ، وكل هذا لأجل إيجاد نوع من التوافق والانسجام المرئي عند تكرار هذه الأحرف في جملة واحدة.
وهنا أيضاً لنا وقفة مع هذه المعايير والمقاييس، هل هي فرض أم استجابة؟.. وفي الحقيقة هي استجابة، لأن طبيعة العين البشرية تتفاعل مع الجمال بالفطرة، وتميل لتأمل التوازن ما بين الأشياء المنظورة، فالعلاقة الجمالية ما بين العين والخط ترتكز على البعد البصري...
وهذا ما سيكون محور الموضوع القادم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما