الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا لتفصيخ العراق

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


جاء معنى تفصيخ في قاموس معاجم اللغة, التغابي عن الشيء وأَنت تعلمه,ولكنه يعني في اللغة العراقية الدارجة , تفكيك الشيئ وتجزئته . وقد شاع إستعمال هذه المفردة بكثرة في العراق في عقد التسعينيات من القرن المنصرم ابان فترة إشتداد وطأة الحصار الظالم على العراق الذي كاد يكتم على أنفاس العراقيين دون رحمة , مما نجم عنه حالات إنفلات أمني وعمليات سطو مسلح واسعة وتزوير وثائق ومستمسكات رسمية, لم تكن مألوفة بهذا الشكل الواسع من قبل, وسرقات للمال العام والخاص من قبل أفراد وجماعات عصابات جريمة منظمة , وبخاصة سرقة السيارات الحكومية وبعض سيارات المواطنين , ونقلها إلى محافظات منطقة كردستان للحكم الذاتي التي أخرجتها قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية التي أخرجت القوات العراقية من الكويت عام 1991, ولم تكتف بذلك بل أمعنت بإيذاء العراق حكومة وشعبا بتدمير معظم بناه التحتية من طرق ومواصلات وجسور ومؤسسات حيوية صناعية وزراعية وتعليمية وخدمية , وحرمانه من كل مقومات الحياة الأساسية من تعليم وخدمات صحية , نجم عنها ضنك واضح في معيشة الناس وفقر مدقع وتفشى أمراض نتيجة شح الغذاء والدواء. وقد شاع في تلك الفترة القاسية إستعمال مفردة "تفصيخ" بين الناس بكثرة , ويعنون بذلك تفصيخ السيارات المسروقة التي يتعذر نقلها إلى المحافظات الكردية ,من قبل ميكانيكيي السيارات في بغداد وبيعها قطع غيار حيث كان يعاني العراق من شحتها في الأسواق, إذ لم يكن مسموحا بإستيرادها بسبب الحصار المفروض على العراق يومذاك .
دار الزمان دورة مشؤومة ليقع العراق ثانية فريسة لغزو أمريكي غاشم وإحتلال بغيض عام 2003 , ليدمر كل ما تبقى في العراق من قيم وإرث حضاري , ولم يكتف المحتل بتدمير دولة العراق الممتدة حضارته آلاف السنين كأقدم حضارة عرفتها البشرية , بل نصب حكومات مهلهلة تحت يافطة الديمقراطية في إطار نظام محاصصة طائفية وأثنية بهدف تفتيت العراق وإشاعة روح الفتنة والحقد والتباغض والإحتراب بين أبناء وطن واحد عاشوا جميعهم في كنفه وتقاسموا العيش فيما بينهم في السراء والضراء . ولا نقول أنهم جميعا عاشوا برخاء وهناء , لكننا نقول أنهم عاشوا كما عاش غيرهم في بلاد الله الواسعة , وربما أفضل من سواهم في بلدان الجوار والبلدان النامية , وكان يمكن ان تكون معيشتهم أفضل بكثير, بفضل ما حباهم الله من موارد طبيعية وفيرة , لولا مغامرات النظام السابق وحروبه العبثية وسوء تقديره للمواقف الدولية ومتغيرات النظام الدولي الجديد في أعقاب إنهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الإشتراكية التي أدت إلى بروز الولايات المتحدة الأمريكية , قطبا أوحد يتحكم بمسارات العلاقات الدولية دون منازع.
نعود إلى موضوع التفصيخ الذي شهده العراق في أعقاب غزوه وإحتلاله عام 2003 , على نطاق واسع, حيث لم يعد يقتصر على سرقة السيارات وبيعها تفصيخ قطع غيار , بل إمتهن مهنة التفصيخ بعض كبار قادته الجدد الذين جاء بهم المحتل ونصبهم حكاما على العراق , ليفصخوا العراق إلى كانتونات طائفية وأثنية بحيت لم تقم بعدها قائمة للعراق كما عرفناه وعشنا وترعرنا فيه نحن واباؤنا وأجدادا , حيث لم نعرف وطنا بديلا له, بدعاوى زائفة لا أساس لها , تارة بدعاوى رفع المظلومية عن هذه الطائفة الذي لحق بها في فترة سابقة ,وتارة برفع الإقصاء والحيف والتهميش الذي أصاب طائفة أخرى بعد إحتلال العراق, وأخرى بدعوى الخلاص من التمييز الأثني , بينما بعرف القاصي والداني أن العراق كان دوما الحضن الدافئ لجميع العراقيين بمختلف إنتماءتهم الأثنية والدينية والطائفية , وان ما لحق بأي منهم إنما يعود بالدرجة الأساس إلى تباين مواقفهم السياسية مع السلطات الحاكمة , وموقف تلك السلطات تجاه خصومها بصرف النظر أيا كانت أثنياتهم وأديانهم وطوائفهم . وهذا لا بعني بالضرورة صحة مواقف تلك السلطات أو صحة مواقف خصومها , في بلدان تنعدم فيها الحريات وتسودها نظم حكم شمولية كما هو الحال في معظم دول العالم الثالث حتى وإن كانت شعوبها من قومية واحدة أو على دين واحد.
وأيا كانت الأسباب التي يتذرع بها دعاة التفصيخ أي التفتيت والتقسيم , إلاّ أنا نرى أنها لا تبرر إطلاقا تقسيم العراق وتفتيته تحت أية ذريعة كانت , بل نرى ضرورة توحيد الكلمة وجمع الشمل وتضافر الجهود لبناء عراق حر مدني مزدهر ينعم فيه الجميع بخيرات بلاده . ويتوهم كثيرا من يتكأ على الدول الأخرى لتحقيق مشروع " الإقاليم الفيدرالية " بما فيها الدول الكبرى أو دول الجوار , بأن الطريق سالكة أمامه أبدا حتى وأن أمدته بالمال والسلاح لبعض الوقت , إذ أن هذه الدول تعمل وفق حساباتها الخاصة والتي لا تمت بصلة لمصلحة العراق , وأنها سرعان ما تتخلى عنها إذا ما إقتضت مصلحتها ذلك , والأدلة على ذلك كثيرة , يكفي أن نشير إلى إنهيار التمرد الكردي المسلح في شمال العراق الذي إستمر سنين طويلة بفضل الدعم الإيراني ,لحظة تخلي شاه إيران عن دعمهم عام 1975 في إطار إتفاقية الجزائر بين العراق وإيران في العام المذكور , حيث كان التمرد الكردي المسلح ورقة ضغط نافعة بيد الشاه مكنته من إنتزاع تنازلات غير مشروعة لإيران في شط العرب , وجد العراق فيها نفسه مضطرا لتقديمها بعد أن أصبح التمرد لا يطاق , تكبد فيها العراق خسائر مادية وبشرية جسيمة.
وأخيرا نقول أن خلاص العراق , يكمن في الحفاظ على وحدة أراضيه وتوافق شعبه على كلمة سواء , وإجتثاث بؤرالتزوير والفساد وشراء الذمم, والقضاء على أوكارعصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات , وحصر السلاح بيد الدولة والتخلص من كل أشكال السلاح المنفلت تحت أي مسمى , وضبط المنافذ الحدودية البرية والجوية والبحرية , والسعي الحثيث لإستعادة هيبة الدولة وبسط نفوذها في جميع أنحاء العراق, وإستعادة ممتلكات وعقارات الدولة من جميع مغتصبيها , ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وإسترجاع الأموال التي نهبوها بألإستعانة بمكاتب تدقيق دولية ذات صلاحيات واسعة لا يستطيع كائن من يكون التأثير عليها , وبناء قوات عسكرية نظامية قادرة على الدفاع عن العراق بوجه كل من تسول له نفسه بالعدوان عليه.
وهذا يطلب إجماع وطني وإعداد برنامج عمل لإنقاذ العراق من وضعه الحالي المزري ,عبر مراحل وخطط مبرمجة , ولن تجدي نفعا التظاهرات الصاخبة التي لا تمتلك برامج وطنية واضحة وشاملة ولا تقوده قيادات وطنية مقتدرة , وربما تحرك بعضها مصالح دول أخرى , ولعل ما شهدها العراق فيما عرف بإنتفاضة تشرين التي راح ضحيتها الكثير من الشباب دون جدوى , إذ ما زال حال العراق على ما هو عليه كما أسفرت عن ذلك الإنتخابات النيابية الأخيرة , وربما سيكون الوضع أسوء مما كان عليه في ضوء التجاذبات التي تشهدها الساحة العراقية حاليا والله أعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل