الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصومال

داليا سعدالدين
باحثة فى التاريخ

(Dahlia M. Saad El-din)

2022 / 2 / 11
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


هذا المقال جزء معدل من بحث محكم كنت قدت شاركت به فى المؤتمر الأول لتفاعل الثقافات الأفريقية، الذى تم عقده بالمجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر 2010، وكان البحث المقدم بعنوان: "القبلية وأزمة الإنتماء الوطنى فى الصومال".
ذلك أن الأزمة الصومالية تكمن فيما تم تصديره لنا كأفارقة، بأن شعوبنا هى مجرد قبائل بدائية متناحرة فيما بينها. إذ كانت البداية الحقيقية لفكرة كوننا قبائل تكمن مع بدايات علم الإنثروبولوجى؛ فقد ذكرنا بذلك أستاذنا الجليل/ حلمى شعراوى، حين قال لنا خلال ندوة أكاديمية مصغرة، أنه خلال مراحل التكالب الاستعمارى الأوروبى على قارتنا الأفريقية؛ كان لابد للاستعمار الأوروبى من دعم فكرة التشرزم والتناحر بين الشعوب الأفريقية، بتأصيل مبدأ "فرق تسد". ومن هنا تأتى أهمية العلم الذى كانوا هم أول المستفيدين منه؛ ألا وهو علم الإنثروبولوجى. ذلك أنهم من خلال ذلك العلم الهام جدا فيما تعلق بالدراسات الإنسانية؛ رسخوا قواعد وانماط أصبحنا كأفارقة نعتمد عليها بشكل كامل دون أى تفنيد أو إعادة قراءة علمية لتلك الأنماط؛ فكان أهمها وأخطرها جميعا فكرة تقسيم الشعوب الأفريقية إلى قبائل بدائية متناحرة.
وعليه، فقد تم اعتماد تقسيم الشعب الصومالى نفسه إلى قبائل متناحرة، وهو ما تم تداوله أكاديميا ومن ثم عالميا. ذلك أنه غالبا فى الدراسات الأكاديمية – فى التاريخ أو السياسة – ما يتم وصف المجتمع الصومالى بالقبلية والعشائرية، فى حين أنه خلال فترة الحكم الاستعمارى للصومال لم تكن العصبية القبلية واضحة إلى ذلك الحد، حيث أن قضية التحرير من الاستعمار كانت عاملاً من عوامل وحدة الصف الصومالى. ورغم مع ذكرناه أنفا؛ إلا أننا سوف نعتمد كلمة "قبيلة" حيث أنها الأكثر تأثيرا أكاديميا حتى وقتنا الحال، وذلك حتى لا نحدث خللا فى متابعة القارىء الكريم للأحداث.
و
مع افتراض فكرة القبلية الصومالية، نجد أنها كانت قد لعبت دوراً حيوياً للتلاحم الوطنى فى مواجهة كلاً من الاستعمار الأوروبى والإثيوبى معاً، الأمر الذى أدى إلى احتواء أى آثار سلبية لفكرة القبيلة تلك خلال مراحل النضال الصومالى، وذلك رغم ما كان يعمل عليه الاستعمار من إزكاء لروح الخلافات والعصبية بين العائلات الصومالية الكبرى. أما بعد الاستقلال من الاستعمار الأوروبى، دون الإثيوبى، لعبت العائلات الصومالية الكبرى – والتى يتم إزكاء وصفها بالقبائل؛ دوراً رئيسياً فى الحياة السياسية الصومالية خاصة فى نواح أربع:
- خلال فترة الحكم النيابى ونشأة الأحزاب والكيانات السياسية فى الصومال، حيث عبر كل كيان سياسى عن إنتماءاته القبلية والعشائرية، إذ سيطرت فكرة النزعة القبلية على نظام الحكم فى الصومال، حيث هناك دوماً عائلات كبرى/ قبائل بعينها مسيطرة على مقاليد الحكم والسلطة.
- قبيل مرحلة الحرب الأهلية فى الصومال تحولت العائلة/ القبيلة إلى مؤسسة وسيطة فى العلاقة بين الدولة والفرد.
- وخلال فترة الحرب الأهلية، وهى مرحلة فارقة جدا فى التاريخ الصومالى المعاصر، تم ترسيخ فكرة القبيلة محل فكرة الدولة الموحدة؛ فكانت القبيلة هى التى تدير شئون أفرادها، إذ تتولى الشئون المعيشية والأمنية والسياسية.
- مع الوقت تحول القبيلة إلى كونها الأداة الرئيسية فى إدارة الصراع خلال فترة الحرب الأهلية سواءً من حيث العمل على حماية مناطق نفوذ القبيلة أو التعبير عن مصالحها.
هذا من حيث ترسيخ وتأثير فكرة القبيلة فى أساسا وأصل تكوين المجتمع الصومالى سياسياً. أما من حيث التوزيع الجغرافى والاجتماعى لهذه القبائل؛ فإن شعب الصومال يشغل مساحة تقدر بنحو ("400 آلف ميل) فى منطقة القرن الأفريقى، بما يعنى أن هذه المساحة تدخل ضمن أراضى دول أخرى مجاورة، فنسبة الصوماليين فى دولة "چيبوتى" تبلغ نحو (60%) من نسبة السكان، أما فى إقليم "أوجادين" الواقع فى الشرق من دولة "إثيوبيا" فيقطنه نحو (2 مليون نسمة) أى بنسبة 100% من سكان الإقليم صومالين، كما أنهم يمثلون غالبية سكان الإقليم الشمالى لدولة "كينيا"، حيث أن سكان ذلك الإقليم يتكونون من شعبى الصومال والأورومو. وينقسم المجتمع الصومالى إلى ثلاث قبائل كبرى، يتفرع من كل قبيلة عشائر متعددة، وهذه القبائل على ترتيبها:
قبيلة الدارود:
تعتبر أكبر القبائل الصومالية حجما من حيث التركيب الإجتماعى، وتنتشر فيما بين مناطق الشمال والشمال الشرقى، كما أنها الأكثر انتشاراً عبر الحدود السياسية للصومال فى مناطق شرق "إثيوبيا" وشمال "كينيا"، وتضم القبيلة خمس عشائر رئيسية:
*الماريحان *الأوجادين *الماجرتين *الأورسنجلى *الدوليهانتى
والعشائر الخمس الرئيسية التى تكون قبيلة "الدارود" عشائر تحترف الرعى وتسعى وراء الكلأ، فلا تستقر فى منطقة بعينها لفترات طويلة، إذ تنتشر عشائر "الماريحان" و "الماجرتين" فى منطقتى الغرب والجنوب الصومالى وصولاً إلى الإقليم الشمالى الشرقى لدولة "كينيا"، كما أن بعضها ينتشر فى مناطق الشمال الشرقى للصومال، أما عشيرة "أوجادين" فإن مناطق إنتشارها تدخل فى حدود دولة "إثيوبيا"، إذ أنها تنتشر فى الإقليم المعروف بإسمها فى شرقى "إثيوبيا" وهو إقليم "أوجادين"، الذى وقع تحت الإحتلال الإثيوبى منذ ثمانينات القرن التاسع عشر الميلادى. وقد تقاسمت عشيرة "الماجرتين" من قبيلة "الدارود" مع عشيرتى "الهاوية والإسحاق" من قبيلة "الآيرير" السلطة فى البلاد معظم فترات الحكم النيابى وحتى إنقلاب "سياديرى" عام 1979.
قبيلة الآيرير:
تضم أيضا عشائر رعوية رحالة لا تتمركز فى منطقة واحدة، وغيرها من قبائل الصومال تضم عدة عشائر رئيسية:
*الهاوية *الإسحاق *الدر
وتنتشر عشيرة "الهاوية" فى مناطق جنوب الصومال، خاصة حول العاصمة "مقديشو" وحول نهر "وبى شبيلى"، وأيضا حول مناطق الحدود الشمالية الشرقية عبر دولة "كينيا"، أما عشيرة "الإسحاق" فتنتشر فى مناطق شمال الصومال، وشمال شرق دولة "إثيوبيا"، ومنطقة الجنوب لدولة "چيبوتى"، فى حين تنتشر عشيرة "الدر" فى مناطق الشمال الغربى الصومالى، وشرق دولة "إثيوبيا" فى مدينة "هرر".
قبيلة الساب:
تعد قبيلة "الساب" القبيلة الأقل عدداً بين قبائل المجتمع الصومالى، وتضم عشيرتى "الرحانوين" و "الديجل"، وتستوطن تلك العشائر القسم الجنوبى للصومال، حيث المنطقة الخصبة بين نهرى "جوبا" و "وبى شبيلى" مستفيدين من وفرة مصادر المياة وخصوبة التربة، ذلك أن قبيلة "الساب" تعتمد أساساً فى أسلوب حياتها على إحتراف الزراعة وما تتطلبه تلك الحرفة من الإستقرار والإستيطان، وعليه فقد كان الجزء الجنوبى للبلاد أنسب مناطق الإستقرار لتلك القبيلة.

ولا يعتمد تقسيم المجتمع فى الصومال على الهيكل القبلى وحده، ذلك أن معيار النشاط الإقتصادى الذى تمارسه كل قبيلة يدخل أيضا فى هذا التنقسيم، فالمجتمع الصومالى يفرق بين البدو الرحل الذين يحترفون الرعى، وبين العشائر المتوطنة التى تعتمد فى أسلوب حياتها على حرفة الزراعة، فالاختلاف هنا يعتمد على أسلوب الحياة الإجتماعية ونوع النشاط الاقتصادى.
فالبدو الرحل يطلق عليه إسم "الصومال"، وهم فى أغلبهم من قبائل "الآيرير" و"الدارود" والعشائر المتفرعة عنهم، إذ يعتمدون فى حياتهم على حياة الرعى والسعى وراء الكلأ، وعليه فهؤلاء "الصومال" لا يعترفون بحدود سياسية من شأنها تقيد حركتهم المستمرة، وهم بذلك عكس "الساب" القبيلة التى تعتمد فى أسلوب حياة أفرادها على الزراعة والإستقرار فى القسم الجنوبى للبلاد.
كما أنه يتضح لنا من هذا التقسيم الصومالى للقبائل أن البدو الرحل "الصومال" ينظرون إلى "الساب" نظرة إستعلائية مفداها أن "الصومال" هم الأمراء الأحرار فى حين أن "الساب" هم أقنان الأرض، وهو الأمر الذى يؤدى إلى شرخ فى بنيان الأمة الواحدة.
هكذا، ومن خلال مراحل تاريخية مدروسة بعناية فائقة، تم تكريس وترسيخ فكرة القبلية والنظرة الاسعلائية فى المجتمع الصومالى، وبالتالى أصبح من السهل السيطرة وتفتيت الدولة الصومالية.

وللحدث بقية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو