الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انعكاسات الاستبداد السياسي على الأمة العربية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لا نبالغ ولا نجانب الحقيقة اذا قلنا أن الاستبداد في منطقتنا العربية هو أساس كل فساد ومعظم آفاتنا الاجتماعية والاخلاقية والتأخر العلمي والنكوص الاقتصادي وصولا الى الاستبداد الديني والاجتماعي هي ناتجة عن الاستبداد السياسي منه وهو لا يقبع في رأس الهرم فقط بل يستشري في كل مستويات السلطة والإدارة فالمسئول المستبد في مصنع او معمل او المدير في مدرسة او جامعة او في إدارة ، هو نتاج هذا الاستبداد لأن هؤلاء لم يصلوا الى مواقعهم عن جدارة أو كفاءة ، بل عن طريق الولاءات والتملق وهم انفسهم يدركون أن هذا ليس مكانهم وهذا يؤدي أن لا أحدا في مكانه، وهو ما يقود لا محالة الى أمة ضعيفة مستضعفة مسلوبة الحرية والإرادة منهوبة الثروات ، تعيش عالة على ما تنتجه الأمم الأخرى التي جعلت الانسان رأسمالها الرمزي ، فتحررت من الفقر والجهل والظلم ويقيت امتنا العربية الإسلامية التي كانت خير أمة اخرجت للناس تركن اليوم في ذيل قائمة الأمم في جميع المجالات بل واصبح الإسلام ينظر إليه الآخر كمرجعية للتخلف والجهل والاستبداد والإرهاب .
من أقبح أنواع الاستبداد السياسي، استبداد الجهل على العلم. لا يحب المستبد أن يرى وجه عالم عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر إلى اللجوء إلى طبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي من أجل وظيفة منصب سامي في الدولة، فأنه يختار المتصاغر المتملق الذي لا ضمير ولا اخلاق له، الحكومة المستبدة تكون، طبعاً، مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الحاجب، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً.
المستبد يجرب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً، فيكونون له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم وخبثهم، كم من أستاذ جامعي معروف عنه الدفاع عن الحق والمظلومين، ولكن حين منحه المستبد منصبا ساميا أصبح أكثر شرا واستبدادا من سيده، ومع ذلك يبادر المستبد بإبعادهم أو يُنَكِّل بهم. ولهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز المتملق، لأن المستبد لا يثق في المتعلمين والمثقفين الاذكياء حتى ولو تملقوا له وركعوا تحت قدميه، أخطر ما يخاف منه المستبد هم المتعلمون الأذكياء، المستبدون جراثيم مجالهم الحيوي الأماكن المتعفنة، وأذرعهم القوية الجهلة والمرضى النفسيين المتعطشين للظلم والفساد.
ويشير «الكواكبي» إلى نقاط ثلاث مهمة للخلاص من الاستبداد، وهي:
1) الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية.
2) الاستبداد لا يقاوَم بالشدة، إنما يقاوَم باللين والتدرج.
3) يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد.
إن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلَّما تفيد شيئاً، لأن الثورة غالباً تكتفى بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولاً، وهذا ما حدث فعلا بعد ثورات الربيع، حيث أصبح المستبدون أكثر قوة ووحشية ضد شعوبهم، فروح الانتقام أصيلة في نفسية المستبدين، فهم لا يرون إلا أنفسهم ومصالحهم الضيقة أما شعوبهم في نظرهم مجرد غوغاء وقطيع لا يصلح له إلا الفقر والعصا.
ماذا حققت الشعوب العربية من ثورات الربيع العربي بعد مرور عقد عليه؟ الشيء الذي واضحا الان، هو ارتفاع نسبة البطالة والعنوسة والآفات الاجتماعية وانخفاض القدرة الشرائية لدى الطبقة الهشة من المجتمع وفقدان الأمل في بناء دولة القانون والمؤسسات، كنا ننتظر من تونس بعد ثورة الياسمين أن تلج باب الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، لكن حليمة عادت لعادتها القديمة بوصول الرئيس قيس السعيد الى راس السلطة
يشير الباحثون في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع إلى أن كافة مجتمعات العالم تحتوي قدراً معيناً من الفساد، وأن ظاهرة الفساد قد ازدادت في العصر الراهن بشكل مخيف في جميع البلدان، المتقدمة والنامية على حد سواء.
لكن حجم مشكلة الفساد في الدول العربية يثير رعب المتابعين حيث تبدو مشكلة الفساد بكل أنواعه (السياسي والإداري والمالي والأخلاقي) وهي تنهش في الجسد الواهن للدول العربية إذ تبدو الدول العربية دولا مريضة بالفساد وبممارسات المحاباة والمحسوبية، وبالامتيازات التي لا رقيب عليها ولا حسيب، وبتبذير الموارد العامة بنهبها بلا ناهٍ ولا رادع.
التعرف على النظريات والمفاهيم التي قاربت مسألة العلاقة بين ظاهرتي الاستبداد السياسي والفساد باهتمام كبير جداً، وتجلى ذلك، في كثرة الأبحاث والدراسات الوصفية الكمية المقارنة للظاهرة، دراسات حقّقت تراكماً نظرياً ضخماً، ووفّرت أدوات لقياس الفساد ومكافحته في بلدان العالم المختلفة. أجابت النظريات عن الكثير من الإشكاليات المطروحة في مجال فهم وتفسير ظاهرة الاستبداد السياسي والفساد، وفي المقابل، فتحت المجال لطرح أسئلة أخرى، بل وأوجدت صعوبات تتعلق بفهم الظاهرة، خاصة في الدول العربية والبلدان النامية. حيث أتاحت بعض الدراسات الحديثة المجال لفهم صحيح لموضوع الفساد في تلك البلدان، بعيداً عن القوالب النظرية والقياسات الكمية العالمية التي تضع تعريفاً واحدا ونماذج نظرية تستجيب لمتطلّبات البحث في حالة معالجة ظاهرة الفساد في المجتمعات الغربية المتقدمة، لا تلائم حالة المجتمعات الأخرى. ويصح هذا الأمر عند دراسة موضوع الفساد في البلدان العربية، ولهذا تتزايد أهمية الدراسة من كونها محاولة لمقاربة الموضوع بكيفية تتجاوب مع واقع من أبرز سماته، سيطرة الفساد، وانكشاف قضاياه التي كانت لوقت غير بعيد من المحرّمات. وعليه، يشكل تحليل الظاهرة بالاعتماد على المقاربات الجديدة في حقل علم السياسة، إضافة مهمة في مجال فهم طبيعة الحكم في الجزائر، والدور الذي يلعبه الفساد في الدولة الاستبدادية، ومدى مسؤوليته عن تلاشي فرص التنمية والإصلاح منذ استقلال البلاد، باعتباره أحد عوامل الأزمات المتلاحقة التي عرفتها الدولة، بل إنه يمثل اليوم، أزمة قائمة بذاته. ومن هذا المنطلق، ومن خلال التأطير النظري للموضوع، تضع الدراسة من بين أولوياتها، معالجة الفساد ليس كسلوك، وإنّما كنمط من أنماط ظاهرة الفساد، وكحالة ينتقل فيها الفساد من ظاهرة عرضية استثنائية إلى قاعدة، ويصبح بنية ونسق يقوّض ويعوّض بنى الدولة ومؤسساتها. فتصبح هذه الأخيرة مُقتنصة من طرف العصبة الحاكمة، ومن طرف عصابات هدفها احتكار السلطة والثروة. ومن أجل فهم الفساد، يتعيّن تجاوز المقاربات والمداخل التحليلية التفسيرية الكلاسيكية، والاعتماد على المقاربات الجديدة في حقل الدراسات السياسية والاقتصادية المقارنة. مقاربات لا تنظر إلى الفساد كفعل انعزالي، أو ظاهرة تتغذى من مجموعة عوامل ومسبّبات، ولكن كسبب ونتيجة في وقت واحد لضعف المؤسسات التي تضبط وتنظّم المشاركة في السلطة وفي الثروة. وعليه، يكون من الأجدر التفتيش عن العوامل التي جعلت الفساد ينمو بسرعة ويتحوّل إلى نظام للحكم.
الفساد يعني وجود فساد سياسي تمارسه طبقة الساسة والحكام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة (النخب الحاكمة)، حين يقومون بالتواطؤ باستغلال النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات؛ لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو أحد أطرافها أو الموالين لها، والإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أو لتمويل حملاتهم الانتخابية وغيرها من الممارسات التي تتجاوز الشفافية
غالبا ما تنجح هذه الطبقة في بناء القطاع الأمني، وتشكيله على شكل أجهزة قوية تدافع عن النظام الحاكم والمتحكم، وعن الموالين له باعتبارهم رمزا للدولة، مقابل ضمانات وامتيازات لمسؤولي هذه الأجهزة، وغالبا ما ينخرط هؤلاء في إطار هذه الطبقة كشركاء أساسيين. من النادر جدا أن تجد مدنيا مسؤولا فاسدا إلا ووراءه ضابط سامي يحميه من سلطة القانون والمحاسبة، الاستبداد السياسي في وطننا العربي من المحيط إلى الخليج، يقوم على ركائز أساسية وقوية، تاريخيا ترسخت بنيات الاستبداد في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، من خلال تحالف ثلاثي: التجريم، والتحريم، والتأثيم، أي من خلال الاستبداد السياسي والأصوليات الدينية والعصبيات القبلية. فالاستبداد السياسي يمارس التجريم من خلال أجهزته القمعية التي تحارب كل فكر حر وترهيب وسائل الإعلام الاجتماعي وتهديد الصحفيين بالاعتقال والمحاكمة والسجن، إذا خالفوا الرأي السائد. كما يتعزز هذا الاستبداد من خلال التحريم الديني الذي يسيطر على النفوس ويخضعها لسلطته بسبب رسوخ التقاليد الاجتماعية المتوارثة، وهي مجموعة من الموروثات المعطلة والحاكمة للعقل الجمعي لمجتمعاتنا. ويتكرس الاستبداد كذلك عبر حكم العصبيات العشائرية القبلية والجهوية، مقابل الحماية وتأمين المصالح. إن العلاقات الاستبدادية الناجمة عن هذا الثالوث تولد علاقات أخرى تنتشر في البيت والمدرسة والمسجد والعمل والنشاط العام تنتج لا وعيا ثقافيا يساهم بدوره في ترسيخ الاستبداد واستمراريته

للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي