الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدوء الكريملين يحرج واشنطن ولندن

كريم المظفر

2022 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش العالم منذ ما يقارب الشهرين، أجواء هستيرية وجنونية، وحملة من الزيف والتضليل الانغلوسكسوني " السخيفة " يعاونه بذلك الاعلام الغربي والعربي المأجور ضد روسيا، وإدارة حملة إعلامية منسقة ضدها ، تهدف إلى إحباط وتشويه صورة المطالب العادلة لروسيا في الضمانات الأمنية وتبرير المطامع الجيوسياسية الغربية والانتشار العسكري على أراضي أوكرانيا ، لم نشهد مثيلتها منذ عام 2000، عندما شن ذات الفريق ، وبذات الأساليب " الوقحة " حملته العدوانية الشعواء ضد العراق ، واتهامه بامتلاك أسلحة دمار شامل ، وأكاذيب أخرى مثل أكذوبة " الانبوبة " التي رفعها وزير الخارجية الأسبق كولن بأول ، وبدون " خجل او حياء " في مجلس الأمن ليؤكد إنها تحتوي على مادة كيمياوية لأسلحة عراقية ، ستسهم في قتل البشرية ، كشف الوزير نفسه هذه الاكذوبة وقال " أنه تعرض لخديعة كبرى من قبل أجهزة الاستخبارات الامريكية " .
وما أشبه اليوم بالباحة ، فبريطانيا تاريخيا معروفة " بخبثها وحقدها " ، وهي من ترسم السياسات الدولية للولايات المتحدة ، التي تنفذ هذه السياسات ، ومخطئ من يعتقد غير ذلك ، ولو استذكرنا جميع الازمات الدولية عبر التاريخ ذلك بوضوح ، يرى انه كلما تهدأ الأمور ومحاولة إيجاد لغة تفاهم دبلوماسية بين روسيا وأوربا ، حتى تسارع لندن الى نسف هذه الجهود بتصريحات نارية مسنودة بمعلومات تضليلية ، حتى تخرج بريطانيا بتصريحات تصعيدية مسنودة بمعلومات " كاذبة " وصور أقمار صناعية ، كتلك التي استخدمت أبان حرب الخليج ، ليتلقفها سادة البيت الأبيض وترويجها عبر وسائل اعلامه المتسيد " للأسف " على مفاصل الاعلام الدولي ، لتكتمل سلسلة حملة " التضليل الكبرى " ليس ضد روسيا وحدها ، وانما ضد أي دولة تقف أمام مصالحهم .
الجو " الهيستيري " الذي يعيشه الاعلام والدبلوماسي الانغلوسكسوني دون غيره اليوم، والتصعيد الغير مبرر ضد روسيا من قبل المسئولين وعلى أعلى المستويات، وإمكان الأخيرة أن تشن هجوما في أي لحظة على أوكرانيا، ودعوة المواطنين الامريكيين والبريطانيين والاستراليين والنيوزلنديين (دون غيرهم من الدول الاوربية) الى مغادرة الأراضي الأوكرانية خلال 24 ساعة، زاد من حدة التساؤلات للكثيرين ومنهم الاوربيين ، هل الاوربيون لا يخافون على مواطنيهم؟ ، ولماذا لم يساندوا هذه المرة من يقرع طبول الحرب في أوكرانيا؟ .
وكما قلنا قبل قليل فإن بريطانيا ، كلما رأت نوايا " تهدئة " لدى أوربا وروسيا وحتى أوكرانيا " الضحية " حتى تسارع الى نسج قصة من الخيال لإعادة الوضع للمربع الذي تريده ، فبعد أن شهد التحالف الأوربي إنقساما في الرأي والقرار بشأن التعامل مع روسيا ، بين مؤيد ومعارض للتصريحات والخطوات الامريكية البريطانية التصعيدية ، وكشف الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي ، في خطاب له ، بعدم وجود أي مؤشرات على إمكانية " الغزو الروسي المزعوم " على بلاده ، بل وطالب الاعلام الغربي بالاسم بوقف " اللهجة التصعيدية " ونشر لغة الحرب التي يمارسوها ، لأنها باتت تخيف المواطنين ، وتؤثر على الاقتصاد الاوكراني الذي خسر بسبب هذه الادعاءات حتى الان ( 12 ) مليار دولار ، وكالعادة ، وكأننا نعيش مسلسل " دالاس " الشهير ، والذي أختير ضمن قائمة أفضل 100 مسلسل تليفزيوني ، حتى أقدمت الصحافة البريطانية على نش صور ، قالت انها تظهر قوات روسية حاشدة عند الحدود الأوكرانية تتهيأ لشن ما أسمته ( بالاستفزازات ) ضد أوكرانيا ، وإنها ستشن هجومها تحت راية علم آخر ، وهنا جاء الدور الأمريكي تدويل هذه الكذبة ، و تلقفها الرئيس الأمريكي ومسئولي ادارته وعلى رأسهم وزير خارجيته لترويج هذه الأكذوبة .
ويقف الغرب وحلف شمال الأطلسي ( الناتو ) في مفارقة " غريبة " ، ففي الوقت الذي يسمح لنفسه بحرية تحريك قواته على أراضيه ( وهذا حق مشروع لأي دولة ) ، ونقل القوات في الاتجاه الذي يحمي أراضيه ومصالحه ، وروسيا كذلك تمتلك هذا الحق الشرعي لها في نقل قواتها داخل أراضيها ، واجراء المناورات التي ترى فيها مناسبة لديمومة فاعلية قواتها المسلحة ، الا انهم ( أي الغرب ) لا يسمحون لغيرهم بتحريك قواته ، وأي خطوة بهذا الاتجاه ، تعتبرها تهديدا ضدها ، فأوكرانيا أيضا حركت قواتها الى المناطق المحاذية لمناطق النزاع في دونيتسك و لوغانسك المحاذية لروسيا ، بلغ عديدها ال ( 125 ) ألف جندي ، مدججة بأسلحة غربية مختلفة ، ولازالت وحتى كتابة هذه السطور ، تتزود بالأسلحة التي تنقلها الطائرات الامريكية والبريطانية ، التي قررت أيضا إرسال قواتها الى الحدود مع روسيا ، وكل هذا لم يحرك ساكنا عند ( الناتو ) .
ومعضلة أوكرانيا أن الجغرافيا فرضت أن تكون ضحية دوامة لا متناهية، وموسكو تعتبر توسيع حلف الناتو شرقا، تهديدا لأمنها القومي على غرار تهديد الولايات المتحدة لكوبا إبان الحرب الباردة ، والاجراءت الأوكرانية تدخل في إطار التهديدات ضد روسيا ، منها تصويت البرلمان الأوكراني (الثلاثاء 14 ديسمبر/ كانون الأول) لصالح تمديد تواجد قوات حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية ، يسمح بانتشار نحو أربعة آلاف من قوات الناتو في أراضي البلاد ، ومن بينهم 2000 أمريكي، خلال عام 2022، وهو نفس العدد الذي تمت الموافقة عليه بالنسبة لعام 2021، كما سيتم زيادة عدد طائرات ومروحيات الناتو من عشرة إلى أربعين خلال العام المقبل ، ويسمح هذا القانون بزيادة عدد سفن دول الناتو في المياه الإقليمية الأوكرانية إلى عشرين سفينة ، ومن المقرر أيضا إجراء تسع مناورات عسكرية بمشاركة قوات أجنبية خلال العام المقبل.
المفارقة الثانية، هي التصريحات الغربية و الانغلوسكسونية على وجه التحديد، فإنها في الوقت الذي اجمعت هذه الدول بتهديد روسيا ، بدفع " الثمن غاليا " في حال " غزوها أوكرانيا " وإن هذا الثمن يتمثل بعقوبات اقتصادية لم تشهدها روسيا من قبل ، فإنها تشدد أيضا بأنها لن ترسل جنودها للقتال مع أوكرانيا ، ولن تشارك في الحرب ، وآخرها تصريح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ، الذي أكد أن الدول الغربية غير معنية بالمواجهة مع روسيا، لكنها ستواصل دعم أوكرانيا على خلفية الوضع على الحدود الروسية الأوكرانية ، وما أعلنه جيك ساليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي أن "الجنود الأمريكيين لن يقاتلوا روسيا"، وهنا يبرز تساؤلا مشروعا ، ألا تدعي أمريكا أنها تحمي المطالب المشروعة " للأنظمة الديمقراطية " والتي تعتبر أوكرانيا واحدة منهم ، لماذا لا تشارك في الدفاع عنها ؟ ، وتكتفي بإرسال أسلحة قال عنها بعض الخبراء ، بأن تلك الأسلحة هي قديمة ولا تستخدم في الجيش الأمريكي او البريطاني ، وعدم إرسال أسلحة حديثة ، ويقول للقيادة الأوكرانية " اذهبوا للحرب ، ونحن هنا قاعدون " .
المفارقة الثالثة، هي السخرية من تحديد مواعيد " الغزو الروسي" لأوكرانيا ، فمع اجراء روسيا مناوراتها في جنوب البلاد في نهاية نوفمبر 2021 ، كأجراء روتيني لأي قوات مسلحة في العالم ، تصاعدت الابواق الإعلامية والدبلوماسية ، بان هجوما روسيا وشيكا ضد أوكرانيا لا يتعدى الأسبوعين ، وبعد انتهاء الفترة ، خرجوا علينا بتصريحات وصور من الأقمار الاصطناعية ، بأن الهجوم سيكون قبل نهاية العام الماضي ، بعدها انتهت الفترة ولم تغزو روسيا أوكرانيا .
ومسلسل ( دلاس الأمريكي ) مستمر ، ليخرج علينا الرئيس الأمريكي بتصريحات بأن منتصف يناير هو الموعد المحدد " للهجوم المزعوم " ، وخلال الأيام القليلة الماضية ، خرج علينا مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية جيك ساليفان ، ليقول إن التصعيد العسكري و"الغزو" الروسي لأوكرانيا قد يحدث "في أي لحظة" ، واليوم ونحن نكتب هذه السطور ، قالت صحيفة "بوليتيكو"، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن حدد في مؤتمر بالفيديو مع زعماء دول الغرب والاتحاد الأوروبي والناتو، موعد "غزو" روسيا لأوكرانيا في 16 فبراير الجاري ، والجديد هذه المرة وكما نقلته الصحيفة نقلا عن مصادر أمريكية بأن محاوري بايدن شككوا بمعطيات المخابرات الأمريكية ، وقالت: "أشار الأوروبيون إلى أن لديهم معلومات مغايرة ، وشدد أحد المسؤولين الأوروبيين على أن الاتحاد الأوروبي "لن يبتلع" مثل هذه الأشياء ، في حين قالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية التي سبق وأعلنت "بالخطأ" "غزو روسيا لأوكرانيا"، عادت لتؤكد أن روسيا قد "تهاجم أوكرانيا في 15 فبراير".
وأمام هذا الكم الهائل من التصريحات والضجة الإعلامية " المستفزة " ، وتبادل مواعيد " الهجوم الروسي المزعوم " ، يبقي الكريملين على هدوءه المعهود ، والتأكيد أن ما نشرته مصادر إعلامية غربية مجددا حول "استفزاز روسي وشيك في دونباس" جنوب شرق أوكرانيا، "ادعاءات باطلة لا أساس لها" ، وحتى الآن، كل هذه التصريحات لا أساس لها من الصحة ولم يؤكدها أي شيء" ، وأكد ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين أن "روسيا لا تشكل أي خطر على أحد" ، ولم يستبعد بيسكوف احتمال وقوع استفزازات لتبرير مثل هذه التصريحات، محذرا من أن "محاولات حل الأزمة في جنوب شرق أوكرانيا بالقوة سيكون لها عواقب وخيمة" ، وهنا حري بنا القول إن هستيريا البيت الأبيض لها دلالتها أكثر من أي وقت مضى، وأن الأنغلوسكسونيين يريدون الحرب مهما كان الثمن، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ـ وان والاستفزازات والتضليل والتهديدات هي الوسيلة "المفضلة لهم لحل قضاياهم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع