الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس، بعيدًا عن الحَماسة والردود العاطفية

الطاهر المعز

2022 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الحاضِر مُؤشِّر على المُسْتقبل
الطاهر المُعز

أعلن "جيري رايس" المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، خلال مؤتمر صحفي (الخميس 10 شباط/فبراير 2022) تنظيم بعثة "افتراضية" إلى تونس في الفترة من 14 إلى 22 شباط/فبراير 2022 "لمواصلة النقاشات مع السلطات التونسية التي طلبت المساعدة من الصندوق"... بدأت المفاوضات، بين الطّرَفَيْن غير المُتكافِئَيْن، بعد تشكيل الحكومة التونسية (11 تشرين الأول/اكتوبر 2021)، وطلبت الحكومة التونسية، رسميا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قرضًا جديدًا من صندوق النقد الدّولي، الذي وصَفَ مَسْؤُولوهُ هذه المناقشات ب"التّقنية"، رغم تركيزها على جوانب اقتصادية وسياسية واجتماعية هامة، مثل "التحديات الاقتصادية العاجلة وأولويات البلاد والإصلاحات التي سيتم تنفيذها لإخراج البلاد من الأزمة..." وتُشكّل هذه "الإصلاحات" شرطًا مُسبقًا لكي يوافق الصندوق، ومن ورائه المُقرِضُون الآخرون، على القَرْض الجديد الذي طلبتْهُ الحكومة التونسية وتحاول الحصول عليه، قبل نهاية شهر آذار/مارس 2022، وهو القَرْض الرابع، خلال عشر سنوات، ما يزيد من تفاقم الأزمة التي تتمثل أهم مظاهرها في اختلالات كبيرة أهمها نقص الإستثمارات وارتفاع عجز الميزانية، الذي "عالجته" كافة الحكومات السابقة والحالية بخفض الإنفاق وبارتفاع حجم الدّيْن العام، كَنِسْبَة من الناتج الإجمالي المَحَلِّي، وارتفاع العجز التجاري (ارتفاع قيمة الواردات وانخفاض قيمة الصّادرات). أما تأثيرات انتشار وباء "كوفيد -19"، فقد أدّت إلى انكماش (تراجع الإقتصاد ليُصْبِح النُّمُوُّ سَلْبِيًّا) يقارب 9% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020، ولم تبلغ نسبة النّمو نسبة 3% التي كانت مُسْتَهْدَفَة، سنة 2021، ولا يتوقَّعُ صندوق النقد الدولي، ولا البنك العالمي، تَحسُّنًا في نَسَق النمو، سنة 2022...
يُؤَدِّي اللجُوء للإقتراض الخارجي إلى فقدان استقلالية القرار الإقتصادي والسّياسي، لأن المُقْرِض يشترط تنفيذ برنامج اقتصادي يدعم الأثرياء ويَسْحَقُ الفُقراء، في الثاني من شباط/فبراير 2022، ولا تَشُذُّ تونس عن هذه القاعدة، حيث لا تزال التّبعية للقوة الإستعمارية السابقة مُسْتَمِرّة، فضلا عن التبعية لقوى أخرى، من دول الإتحاد الأوروبي، أو من خارجه كالولايات المتحدة، وتمثل العلاقات مع فرنسا نُمُوذَجًا للعلاقات بين "المركز" و "المُحيط"، حيث أرسل الرئيس الفرنسي يوم الثلاثاء 01 شباط/فبراير 2022، مُدير الخزانة الفرنسية (المصرف المركزي) وهو بالمناسبة رئيس "نادي باريس" الذي تُعرّفُهُ وكالة الصحافة الفرنسية بأنه "مجموعة مالية دولية مختصة في إعادة جدولة ديون البلدان المفلسة"، لِيُمْلِيَ على الرئيس التّونسي الشروط المُسْبَقَة (وهي شُرُوط صندوق النّقد الدّولي) لكي تَدْعَمَ حكومة فرنسا حصول حكومة تونس على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، ولم تُصْدِر الحكومة التونسية أي بيان عن الزيارة، لكن إحدى الإذاعات الخاصّة أعلنت إن المبعوث الفرنسي (إيمانويل مولان) التقى بتونس مع وزيرة المالية ومحافظ المصرف المركزي التونسي، وبعد شُيُوع الخبر، أعلنت وزارة المالية "إن هذه الزيارة أمر مألوف وعادي، فهي زيارة تقنية أو استشارية، روتينية، تندرج ضمن التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف..."، رغم إدْراج مواضيع اقتصادية وسياسية في برنامج الزيارة، بذريعة "دعم ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي"
أدّى عدم الإعلان عن الزيارة، رغم أهمّيتها، تَبَعًا لأهمّية مرتبة "الضَّيْف" (الذي فَرَضَ "واجب الضّيافة")، الذي يشغل منصب المُستشار الإقتصادي للرئيسيْن اليَمِنِيّيْن الفرنسِيَّيْن نيكولا ساركوزي (2007 - 2012) وإيمانويل ماكرون، منذ 2017، إلى إطلاق جَدَلٍ بشأن التّكتّم عن الزيارة وموضوعها، وعلاقتها بالسياق العام الذي تعيشه البلاد أولا، وبسبب رواج أخبار عن احتمال طلب حكومة تونس إعادة جدولة الديون الخارجية للبلاد...
سبق أن كتَبَتْ وكالة الصحافة الفرنسية، يوم الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير 2022، نقلاً عن بيان للرئاسة الفرنسية، إثر مكالمة هاتفية بين الرئيسَيْن الفرنسي والتُّونسي: "دعا الرئيس الفرنسي نظيره التونسي إلى إعلان جَدْوَل زَمَنِي، لتنفيذ مرحلة انتقالية جامعة، وإلى وضع برنامج إصلاحات ضرورية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس، واحترام دولة القانون والحريات الديموقراطية"، وأثار نَشْرُ الخبر ردود فعل رافضة للتدخّل الفرنسي في الشؤون الداخلية للبلاد، فيما اقتصر تعليق رئاسة الجمهورية التونسية على رد بمواقع التواصل المُسَمّى "اجتماعي"، مُلخّصُهُ "أن ما يُشاع في بعض وسائل الإعلام وفي عدد من وسائل التواصل الاجتماعي لا علاقة له إطلاقا بالواقع..." واعتبرت رئاسة الجمهورية إن هذه إشاعات صادرة عن "الأطراف المناوئة للديمقراطية وللحرية وللعدالة، تُرَوِّجُ الأكاذيب والمغالطات، مقابل مبالغ مالية كبيرة هدفها الإساءة لتونس وللشعب التونسي"، واتَّهَمَ الرئيس التونسي خصومَهُ "بالمتآمرين على وطنهم بالتعاون مع من لا هدف لهم إلا المال وضرب الأوطان والدول من الداخل..."
...
أطْلَقَ الكادحون والفُقَراء والمُعَطَّلُون عن العمل، في المناطق والأحياء المَحْرُومة، ثم في بقية مناطق البلاد، انتفاضة 17/12 - 14/01، من أجل تحسين الوَضْع الإقتصادي للأغلبية المَسْحُوقة من الشعب، ومن أجل وضع حدّ لنظام الحُكم الدكتاتوري، المُتواصل منذ 1956، لكن استولت القُوى الأكثر تنظيما والأكثر ثراءً، والأكثر رِجْعِيّةً على السُّلْطة، بوسائل "ديمقراطية"، أي بقُوّة الإعلام والدّعاية السياسية وبشراء الأصوات، وبفضل الدّعم الإعلامي والسياسي والمالي، الخارجي، وغير ذلك من الأساليب التي تُمَكّن الأثرياء، وأتباعهم من الإنتهازيين، من السّيْطَرَة على المؤسسات "الديمقراطية"...
بعد أكثر من عشر سنوات تراجعَ الوضع المادّي لأغلبية سكّان البلاد، وارتفع عدد الفَارّين من البلاد، رغم مخاطر رحلات المَوْت نحو أوروبا، وارتفع عدد ونسبة العاطلين والفُقراء، فيما أصبحت مؤسسات الدّولة مَرْتَعًا للّصُوص، باسم الدّين أو باسم القانون أو باسم "الشّرعية"...
تُظْهِرُ الأرقام والبيانات انهيار الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2020، بنسبة 9% وارتفاع عجز الميزانية، حيث بلغ حجم الدَّيْن العام حوالى 100 % من إجمالي الناتج المحلي بنهاية العام 2021، وزاد معدّل البطالة عن 18% من القادرين على العمل (قُوّة العَمَل)، ويُؤَدِّي تطبيق شُرُوط "المانحين" أي المُقْرِضِين المُرابِين، إلى تفاقم الوضع وزيادة عدد المُعطّلين عن العمل والفُقراء، وإلى ارتفاع أسعار السّلع والخدمات الأساسية، وانهيار قطاع الفلاحة، إذ أصبحت البلاد تستورد الحُبُوب وعددا من المواد الغذائية من الخارج، بالعملات الأجنبية التي تقترضها الدّولة، وارتفعت أسعار القمح ومشتقاته من منتصف سنة 2020 إلى نهاية سنة 2021، بنسبة 47% تقريبًا، وقد ترتفع أسعار الحبوب ومشتقاتها بنسبة كبيرة، سنة 2022، وفق شُرُوط صندوق النّقد الدّولي التي تتضمّن إلغاء دعم المواد الغذائية الرئيسية التي تُشكّل الغذاء الأساسي لُقراء وعُمّال وكادحي البلاد، ويمثل الدّيْن الخارجي 61,9 مليار دينارًا، أو ما نسبته 49,3% من القيمة الإجمالية لدُيُون الدّولة، وبلغت قيمة خدمة الدّيْن 11,3 مليار دينارًا، وبلغ عجز الموازنة 8,2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سنة 2021، وتسعى الحكومة إلى التّوصّل إلى اتفاق مالي مع صندوق النقد الدّولي، واقتراض ما لا يقل عن أربعة مليارات دولار، لتمويل ميزانية 2022، ولِسَدّ العجز بواسطة قُرُوض جديدة، قدّرتها وزارة المالية بنحو 23 مليار دينارا، لسنة 2022، نصفها تقريبًا (12,6 مليار دينارً) من الخارج بالعملات الأجنبية، أو ما يُعادل 4,2 مليار دولارا، ليزيد بذلك حجم الدّين عن نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي، وقررت الحكومة تنفيذ شُرُوط الدّائنين، وأهمها خَفْضَ الإنفاق العام، وزيادة الضرائب ورَفْع أسعار الطاقة والغذاء والسلع والخدمات التي لا تزال مَدعومة، وخفض أو تجميد "كُتلة الرواتب" وعدم تعويض الموظفين المُتقاعدين...
أشارت بعض وسائل الإعلام التونسية (منها صحيفة "لابريس" الحكومية) في بداية سنة 2022، إلى مُعاناة المواطنين من ارتفاع أسعار السّلع الغذائية بالتوازي مع تراجع القيمة الحقيقية للدّخل (بسبب انهيار العملة المحلية وارتفاع الأسعار) ومن اختفاء بعض المواد الغذائية الأساسية من الأسواق المحلية بنهاية سنة 2021، كالبيض والزيوت النباتية المدعمة، ويؤدّي تنفيذ مشروع ميزانية 2022 إلى زيادة مُعاناة الفُقراء والكادحين والأُجَراء، حيث واصلت الحكومات اللاحقة للإنتفاضة تنفيذ نفس السياسات الإقتصادية المُتَّبَعَة منذ ثمانينيات القرن العشرين، وبعد 11 سنة من انتفاضة 2010/2011، لا يزال الإستقلال منقوصًا، ولا يزال الرئيس الفرنسي والمُمثّل الدّائم لصندوق النّقد الدّولي ("جيروم فيشر"، حاليا) يُمْلِي على الحكومة التونسية شروطًا (يُسمِّيها "إصلاحات واسعة وعميقة" ) تضر بالفُقراء وبالعاملين، ومنذ 1985، وربما قبل تلك السّنة، يدرُسُ صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والإتحاد الأوروبي وغيرهم من الدّائنين كافة الوثائق الحكومية، ويُصْدِرُ الدّائنون العديد من التّقارير والتوصيات (أي أوامر ) تُؤَثِّرُ سلبًا، وبشكل مُباشر في حياة المواطنين، ومنها القضاء على القطاع العام، وتخصيص جزء هام من ميزانية الدّولة، ومن القُرُوض لتمويل القطاع الخاص في قطاعات حيوية كالتعليم والرعاية الصحية والنقل والسّكن والطاقة والإتصالات وغيرها باسم "الشراكة بين القطاعيْن العام والخاص"، ما رَفَع حجم وقيمة الدّيْن العام، من حوالي ست مليارات دولارا، سنة 1990، إلى 25,6 مليار دولارا، بنهاية سنة 2010، وإلى 35,6 مليار دولارا، سنة 2021 ، وتُواصل حكومة قَيْس سعيّد نفس السياسات، بنفس الشروط، ومنها خفض الإنفاق الحكومي، وتسريح موظفي القطاع العام (عشرة آلاف سنويا) وتجميد الرواتب، وزيادة حجم الضرائب، رغم ارتفاع الأسعار، خصوصًا بعد إلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية، وتضمّن مشروع موازنة 2022، الزيادة في الرسوم السنوية على معلوم جولان السيارات، بنسبة 10%، وزيادة الرسوم الجمركية على المواد الموردة التي لها مثيل مصنوع محليا، وتسريح موظفي القطاع الحكومي الذين تجاوزت سنّهم 57 عامًا...
لن تُؤَدِّي هذه السياسات سوى لنفس النتائج
دولار أمريكي واحد يُساوي 2,9 دينارًا في المتوسّط

يرجى مراجعة بعض المقالات السابقة، ومنها:
تونس في السنة الحادية عشر بعد الإنتفاضة بتاريخ 14/01/2022
بإيجاز - 17/01/2022
تونس ، ما ينتظر الأُجراء والفُقراء، سنة 2022 ، بتاريخ 20/01/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر