الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضائيات الاخبارية بين الرصانة المهنية والمبالغة والتهويل

محمد رياض حمزة

2022 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يوجد المئات من الفضائيات الاخبارية التلفزيونية التي تبث باللغة العربية على مدار الساعة . منها ما تخصصت بالسجال الطائفي التكفيري البغيض ، ومنها ما تنطوي برامجها على الموضوعية والرصانة المهنية وأيضا على المبالغة والتهويل . يُلاحظ أن تلك الفضائيات تستضيف "الغَثَّ والسمين" من المحدثين في برامجها الحوارية فيتقولوا بمعلومات وكأن كل واحد منهم مؤسسة استخبارية تغطي العالم في تقصي الاحداث والوقائع بالتهويل والمبالغة وحتى بالتلفيق والكذب . التهويل والمبالغة يُسئان للحقائق ويُشوّهان الواقع وقد يحفّزان العنف. إجابات وتعليقات بعض من يُستضافوا ثرثرة. منهم من يكرر عبارة " في الحقيقه " ، أو أنهم يدلون بمعلومة فيقولون.." أليك المعلوة التالية .. وخذها منّي .. أو سجلها عليّ". كم شاهدنا برامج حوارية تنتهي بما سمعنا وما لم نسمع به من العبارات في قاموس الشتائم والسباب بين المُستضافين .. وقد تتطور إلى العراك بالايدي . حدث ذلك كثيرا ويحدث في معظم فضائيات دول الشرق الاوسط . ومن النادر حدوث مثلها في الفضائيات الغربية .
ــــــــ الاعلام الهادف الموضوعي في التناول والطرح ، سواء في النشرات الاخبارية أو التقارير أو البرامج الحوارية ، يُسهم في التوعية والتنوير. التحليلات الموضوعية تُيسّر فهم ما قد تخفيه السياسة وتكشف أكاذيب الساسة.
من بين تلك الفضائيات التي تتناول الشأن العراقي قناة (التغيير ). كُتب في موقع للبحث عن القناة : إنها «قناة إخبارية عربية مستقلة تهتم بالشؤون العربية ومنها الشأن العراقي . تعتمد في عملها على كوادر تحريرية وفنّية عربية إضافة إلى شبكة مراسلين في عدد من الدول العربية والعالمية. أُسست سنة 2011 . مقرها عَمّان ــ الأردن . يديرها د. علي عجام . إشترى القناة أكرم زنكنه وخميس الخنجر من مالكها الاصلي الشيخ طارق الحلبوسي بمبلغ ( 15 مليون دولار)" . ثم ذُكر التفصيل التالي في موقع آخرعن صفقة بيع القناة وشرائها كما يلي:
باع المليونير العراقي الشيخ طارق الحلبوسي صاحب قناة التغيير الفضائية قناته الفضائية الى الملياردريين الكردي اكرم زنكنه وخميس الخنجر بمبلغ 15)) مليون دولار )). وتشمل الصفقة التي وقعها الاطراف الثلاثة في العاصمة الاردنية عمان البناية ذات الاربعة طوابع التي تضم القناة الفضائية وجميع المعدات التكنولوجية والفنية واجازة البث الفضائي. نص العقد على بقاء اسم القناة كما هو اضافة الى بقاء القناة مسجلة باسم الشيخ طارق الحلبوسي. يُذكر ان رجل الاعمال العراقي خميس الخنجر له قناة فضائية اخرى اسمها الفلوجة يديرها الاعلامي والشاعر العراقي المعروف غدير الشمري. وكان الخنجر قد حاول في البداية تأسيس قناة فضائية باسم (العراق اليوم) في الاردن ، الا ان طلبه رفض من الجهات المختصة في الاردن وهو امر دفعه لمفاتحة الحلبوسي لشراء قناة التغيير. ويهدف شراء القناة الجديدة الى التهيؤ للانتخابات المقبلة حيث ان هنالك شخصيات اعلامية تنوي الترشيح لانتخابات 2014لمنافسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على منصب رئيس الوزراء . المصدر: ( وكالة أنباء بيا منير ــ 12 نوفمبر 2014)
ــــــ لم يكن القصد من نشر المعلومات اعلاه الخوض في موضوع حيثيات تأسيس القناة أو صفقة بيعها وشرائها ، أوما ورد في التعريف بالقناة و ماذُكر عن السادة الذوات كما ورد نصا في المواقع الالكترونية. إلّا أن ما ورد عن الذوات الّذين ذُكرت اسماؤهم جاء مقروناً بصفات ثرائهم أنهم "مليارديرات"... إنَّ من غير المعروف أن مليارديرات ثروتهم بالدينار العراقي أم بالدولار؟، وبما أن المال العام العراقي إستُبيح بعد عام 2003 فالأرجح إنها بالدولارات.. والله أعلم.
ـــــــ من متابعة قناة التغيير في بثها على مدار الساعة .. نشرات أخبارية وتقارير وبرامج حوارية منها الموضوعية الرصينة . يتضح أن القناة في تناولها الشأن السياسي العراقي تعلن حرصها على تأكيد هوية العراق الوطنية المستقلة . ومع ذلك فإن من الحكمة الابتعاد عن التهويل والايغال في الكيد كما تنطوي عليه صياغة أخبار القناة وتقاريرها بشأن التدخّل الايراني في العراق.
ـــــــ نعم التدخل الايراني في شؤون العراق السياسية مرفوض ومصنّف طائفي إنتقامي منذ إحتلال العراق عام 2003. وما إنتفاضة تشرين 2019 وما اعلنته من الاهداف إلا تجسيدا لذلك الرفض الشعبي لكافة اساليب واشكال التدخل في العراق . ومع ذلك فإن جمهورية إيران الإسلامية الجار الشرقي الازلي للعراق. ولا يصح أن تبقى العلاقة بين البلدين على ما سارت عليه منذ 2003. تلك العلاقة اسهمت بإيجاد خلل أمني ساهم في تصدع الاقتصاد العراقي. ولابد ان يصحح المسار ويتمكن العراقيون من طي أسوأ صفحات تأريخهم السياسي الحديث . ويزاح ساسة الفساد والطائفية والمحاصصة ويدرك العراقيون شيعة وسنة " أن الدين لله والوطن للجميع".
ــــــــ المحفّز لكتابة هذا المقال برنامج " راس السطر" الذي تبثه قناة التغيير. مقدم البرنامج إعلامي كُفْءُ ولا شك. ذو خبرة في برمجة تقارير البرنامج عبر ( الشاشة الذكية ــ Smart Board) والرجل لا تكاد تلحق سماع حديثه عن موضوع التقرير المرئي الذي يقدمه. في العراق يُسمى من يتكلم بسرعة لا تلحق الاذن سماع حديثه ( يحجي صلي ). من استعراض عناوين مواضيع البرنامج فإن معظمها موجه ضد أيران ، ومنها " ضربات مدوية تصدم عمق إيران " ، " واشنطن تطارد إيران لإنهاء مليشياتها " ، " مليشيات إيران تتحرك لضرب واشنطن" ، " إنفجارات صادمة تجتاح إيران وأذرعها " ، " إسرائيل تعلنها وتضرب قلب إيران " ، " البنتاغون يندفع لضرب الفصائل في العراق " وغيرها . ومن خلال الشاشة الذكية العملاقة المبرمجة يتواصل تقديم البرنامج بضخ " أدق ؟!؟ " المعلومات وتفاصيل موضوع حلقة البرنامج بالخطوط المستقيمة والاقواس لربط الاحداث بالصور للمواقع والاشخاص والاسلحة والانفجارات ، حتى ليشعر المشاهد أن القيامة قامت في إيران . ذلك التهويل والمبالغة السمجة في تصوير الاحداث والوقائع تكذبها التغطيات الاخبارية الواقعية التي تنقلها فضائيات اخرى تبث بكل لغات العالم ، وحتى الامريكية منها. مادة هذا البرنامج تهويل ومبالغة " Propaganda ". ضخ المعلومات التي تُقدّم توحي وكأنَّ مُعد ومقدم برنامج " راس السطر" يأخذ فطوره على مائدة ال " سي آي أيَ " .. و " ويتناول غداءه في " البنتاغون" و عشاءه في " البيت الابيض بواشنطن " وفي اليوم التالي يحل ضيفا في " تل أبيب" .
ــــــــ العلاقة بين جمهورية ايران الاسلامية والعراق علاقة شائكة وتغييرها لعلاقة حسن جوارٍ متكافئة مع العراق يحتاج لنظام حكم رموزه غير الشخصيات التي كان لإيران الفضل عليها إيوءً وتمويلا قبل 2003.ومعظمهم مازال حاضرا ينشط سياسيا ، أحزابا وتنظيمات. هذه رؤية مختصرة للتدخل الايراني في العراق:
ـــــــــ عندما إحتُلّ العراق ‘عام 2003 وإنهارت أركان الدولة كافة أُتيح لإيران التدخل بالقدر الذي مكنها من تحقيق مصالحها في وقت كانت تعاني من العقوبات وإقتصادها بأحوج ما يكون للدولار . ولكن عندما إحتل تنظيم داعش ثلث العراق عام 2014 واقترب أنفاره من بغداد تضاعف التدخل الايراني ليأخذ سمة "الفزعة" بالسلاح والرجال من قوات الحرس الثوري بحجة مساعدة العراق في الحرب ضد داعش . ثم أستكمل التدخل الايراني ليأخذ شكلا مؤسسيا بتشكيل " الحشد الشعبي " فتغلغلت فصائل موالية لطهران بذرائع عقائدية قتلت وتقتل وخطفت وتهدد كل من جاهر برفض تدخلها . بل أن خطرها على السلم الامني تجاوز تصديها لانتفاضة تشرين 2019 وقتل وخطف نشطائها ، تمثل ذلك باستعراض للقوة وتحدي الحكومة في شوارع المنطقة الخضراء في مناسبات عدّة.
ــــــــ هذا الواقع المتصوّر للتدخل الايراني في العراق ، ومع ذلك يخطئ من يسعى للرد بإثارة النعرات الطائفية والتكفير وإبقاء حالة التوتر بديلا عن الحوار مع ايران. الجهد الاعلامي الرصين يُسهم بمساندة العراق في إنجاز استقلاله والتخلص من التدخل الخارجي أياً كان مصدره. من هذا المنطلق يأتي دور الاعلام بالمضي في رصد ومتابعة تطور الاحداث وتقييمها موضوعيا بعيدا عن التهويل والمبالغة ، سواءً في النشرات الاخبارية أو البرامج الحوارية أو التقارير.
ــــــــ من المسلمات المتعارفة أن الاعلام ، المكتوب والمسموع والمرئي ، إعلام ربحي يعتمد على بث الاعلانات التجارية خلال برامجه بفواصل تبث الاعلانات التجارية . فيمول منتسبيه من العاملين ويحقق الارباح لمالكيه. وهذا ما دأبت عليه كبريات الشركات الاعلامية في "الديمقراطيات" الغربية.
غير أن الملاحظ في المؤسسات الاعلامية التي تركز على متابعة تطورات السياسة في العراق ، صحفا أو إذاعات أو محطات التلفزة ، أنها تخلو من الاعلانات التجارية . كأنها مؤسسات غير ربحية. ولكنها مؤسسات تكتب أوتذيع أو تعرض ملتزمة بفكر وأهداف مالكيها ، مؤسسيها ، وتخضع لتوجيهاتهم فيما تنشروهذا ينال من نزاهتها وموضوعيتها إن كان مالكوها .. ممولوها من تجار السياسة وتحوم حولهم شبهات الفساد.
في الختام أقول : إذا إمتلك تجار السياسة الإعلام .. ضاعت الحقائق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك