الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين تتجه ليبيا 3؟

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2022 / 2 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مع تداعيات الأحداث والمواقف والمشاهدات المتشابكة التي تعصف بليبيا لا يزال هناك سؤال يتردد بقوة وسط زحام الكوارث التي منيت بها ليبيا، ألا وهو إلى أين تتجه ليبيا؟
وهذا يعني بالضرورة بأن الأوضاع والوقائع والمشاهدات لا تزال بحاجة لمزيد من التشخيص والكشف، حتى قيل في ليبيا وكأنها فقدت الحياة، وسأحاول في هذه المقالة – قدر ما تسمح به المعلومات – من كشف ذلك الغموض واخترق تلك العتمة الصامتة؛ بموضوعية ودون تحيز؛ بغية مراجعة الوقائع والمشاهدات وإعادة فهمها.
لقد برز خلال الأيام الماضية تحولًا مهمًا؛ يفتح الطريق لمرحلة جديدة، أي سقوط مرحلة وبروز مرحلة أخرى، مرحلة ملأى بالترقب والقلق والتوتر، حيث قام البرلمان الليبي بتكليف حكومة جديدة، في ظل وجود حكومة لا تزال رافضة تسليم السلطة، حيث أكد رئيس الحكومة الوطنية عبدالحميد دبيبة بأنه يرفض قيام مرحلة انتقالية جديدة ولا يقبل بسلطة "موازية لحكومته" وأن حكومته "مستمرة في عملها إلى حين التسليم إلى سلطة منتخبة"، في حين أعلن رئيس الحكومة المكلف من قبل البرلمان فتحي باشا آغا بأن حكومته ستكون للجميع وبالجميع بدون استثناء، معربا عن ثقته في احترام حكومة الوحدة الوطنية للمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، إن النتائج والتداعيات التي ستترتب على هذا التحول أجزم بأنها قد تحدث شرخا أكبر من مجرد تغيير حكومة بأخرى، كما أن آثارها أبعد وأعمق من أن تنتهي بمجرد استلام السلطة.
بادئ ذي بدء لستً ميالا إلى أن اتهم أي أحد بالعمالة أو الخيانة، ولكن ينبغي أن نعلم أن القوى الدولية، والإقليمية الفاعلة لن تسمح بوجود أيّ متغيرات أو تحولات داخل ليبيا دون حدوث تنسيق، أو تواصل، أو موافقة منها؛ حيث يُعد ذلك بلا شك شرطًا ضروريًا لبروز ذلك المتغير أو التحول على السطح المجتمع الليبي، خاصة إذا كانت بحجم تغيير حكومة وتكليف حكومة جديدة، فالتغييرات أو التحولات لم تعد وطنية بالدرجة الأولى.
كما يتوجب الإدراك والوعي بأن جل الوقائع والمتغيرات والتحولات الكبيرة المرتبطة بأي حدث أو موقف أو فعل يحدث في ليبيا لا يمكن فهمها بمعزل عن مصالح والحسابات الدولية، والتي لا تعير أيّ اهتمام للمصالح الوطنية.
أننا إذا أمعنا النظر في الوقائع والمشاهدات فسوف تتكشف لنا سريعًا إجابات السؤال المطروح آنفا، وهي :
• إن السنوات العشر الأخيرة كانت كاريثة على مختلف المستويات، حيث لا تزال جل الحكومات التي وصلت إلى العاصمة الليبية طرابلس تعتمد على بعض الجماعات المسلحة الموجودة بطرابلس ومحيطها، حيث فشلت الحكومات السابقة كافة في بناء مؤسسة عسكرية وشرطية يمكن الاعتماد عليها في خلق الوسائل الكفيلة لعمليات ضبط الأمن وفرض قوة مؤسسات الدولة، وهذا يعني ببساطة إن أي حكومة ستأتي ستكون مرهونة بقاعدة جماعات المسلحة فقط ، والتي باتت تحمي بقاء واستمرار أي حكومة تأتي إلى العاصمة.
• إن الحروب الاهلية التي توالت على ليبيا (التي لا تبق ولا تذر) أدت إلى تأكل مؤسسات الدولة (المتهالكة والمنقسمة اصلا) كما أن استمرار تلك الحروب أزح مسالة بناء الدولة إلى الهوامش، كما أنها في الوقت نفسه شطحت بأوهام بعض المدن والقبائل والشخصيات بإمكانية التفرد بحكم ليبيا، خاصة إذا علمنا بأن المجتمع الليبي لا يزال منقسم ما بين قبائل ومدن منتصرة، وأخرى منهزمة، وهذا التقسيم المجتمعي أصبح متأصل أيضًا حتى في التوزيع الحقائب الوزارية.
• أصبحت القبائل والمدن المنتصرة ما بعد 2011م تتصرف من منطق الثأر، والخلط بين المصالح القبيلة المؤقتة وبين المصالح الوطنية الإستراتيجية الدائمة ، ومع استمرار ذلك الخلط وسوء التقدير، والعبث بأقدار الوطن أصبحت النتيجة إن 99 % من مصير الوطن بأيدي أطراف خارجية.
• لقد رأينا خلال العشر سنوات الماضية أشخاص مجهولين، دون سابق خبرة تؤهلههم لتولى مهام رئاسة الحكومة، ودون سابق عمل سياسي يؤهلههم لذلك المكان، فكانت النتيجة تحمل الوطن والمواطن تكاليف باهضة لذلك التأهيل والتدريب!.
• مع تسلم الحكومة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة 2021م هبت رياح التغيير والوحدة الوطنية بعد انقسام استمر حوالي ستة سنوات، كما نشأ مناخ وطني مستعد ومهيأ لإعادة ترتيب البيت الليبي، إلا أن قيادات هذه الحكومة لم تتمكن من صنع قاعدتها الاجتماعية وتوظيف رياح التغيير لصالح بناء مؤسسات الدولة، بالرغم من المليارات المصروفة، فالوقائع والمشاهدات والسجلات الموجودة لدى النائب العام تبين فشل هذه الحكومة.
• إن تكليف البرلمان لحكومة جديدة يعني بالضرورة أن الحكومة السابقة "الرافضة لتسليم السلطة" حدث لها اهتزاز في الشرعية، وفقدانها للتوافق المجتمعي، وربما التوافق الدولي، كما أن تمسك كل طرف بموقفه من حيث الرفض أو التسليم قد يؤدي إلى تجديد الانزلاقات والشروخ المجتمعية.
• نود الإشارة إلى كون كلا الرئيسين الحكومتيان من مدينة مصراتة، وهذه ليست إشارة غامضة فهناك معادلة تاريخية قد يُدركها البعض وهي أن من يحكم طرابلس كان ولا يزال يستعين بالمحور ثلاثي وهو: قبائل مصراتة ، وقبائل أولاد سليمان ، وقبائل ورفله، فقد تحالف الملك مع ورفله وأولاد سليمان وهمش مصراتة، في حين تحالف القذافي مع ورفله ومصراتة، وهمش أولاد سليمان، وهذه الإشارة ربما هي التي دفعت البرلمان بالموافقة على حكومة باشاآغا دون غيرها، كما أن هذه الإشارة تدفعنا بالقول بأن عقلاء مصراتة لن يسمحوا لأبنائهم بالتقاتل.
والآن استأذنكم في طرح سؤال مهم وهو : أين هي مصلحة ليبيا من كل هذه الوقائع؟
عموما أجزم بأنه لن تتغير أوضاع الراهنة في ليبيا ولن تشهد تطور لصالح الوطن؛ إلا اذا تم منح مساحة أوسع وأعمق لمسألة المصالحة الوطنية، والبدء بتقييم شامل للمراحل السابقة، ليس عشرة سنوات الماضية وحسب، إنما منذ تأسيس الدولة الليبية الحديثة 1952م، فإسدال الحجب الكثيفة عن أي مرحلة من المراحل السابقة يعني تحولها إلى اطياف أو اشباح، وهذا يعني الحاجة إلى فتح حوار وطني يجيب على الأسئلة التي لا تزال معلقة، بكل وقائعها وحقائقها ووثائقها، ونتلمس من خلالها صلات الأخوية والروابط الروحية التي تجمعنا في مواجهة الأخطار الخارجية، وإلا ضاع منا الغد في السراب، كما ضاع منا الأمس في الضباب .
فعلم الطب يقول لنا بأن قفل الجرح على العفن سيؤدي لا محالة إلى حمى تضرب أطراف الجسم ثم تسرى السموم إلى كل الجسم ويصبح الحل الوحيد هو الجراحة، وهو ما يمكن تفاديه مع استجلاء الوقائع والحقائق، ولعلي لا اتجاوز إن قلت أن الشعب اللبيي لا يعرف الكثير عن تاريخه الحديث؟ لا يعرف ماذا جرى لموارده المالية والاقتصادية والنفطية؟ ولا يعرف ماذا جرى؟ ولا يعلم أين هو؟ وإلى أي غاية يُساق؟
ومهما يكن من أمر، فإن الحل في ليبيا لن يكون سياسيًا أو اقتصاديًا فقط كما يعتقد البعض، وإنما هو تربوي وثقافي ومعرفي، فالأزمة الليبية كما يقول الدكتور المنصف وناس هي في عمقها ثقافية ولذلك هي تحتاج إلى فلسفة موجهة قبل أن تحتاج إلى الموارد.
وأخيرًا فأن ليبيا تملك فعليا كل موارد القوة وإن طالت رحلة الفوضى والانقسام، وهنا أود التأكيد على أن كل أزمة باقية؛ طالما بقيت الأسباب التي أدت إلى تلك الأزمة، من ثم لابد لنا كالليبيين تحديد ماذا نريد؟ وما هي الخطة للوصول إلى المطلوب؟ "وذلك بالصبر والتدبر والتفكير والنفاذ من السطح إلى الأعماق، كما نود التأكيد بأن الحلول والمعالجات لن تأتي في قوالب جاهزة من الخارج، إنما تكون بإشراك جميع أفراد المجتمع بمستديرة وطنية لا تقصي أحدًا، وتستهدف أولاً كشف وتشخيص الأحداث والأزمات، ومن ثم النظر في أولويات العلاج تباعاً، والسعى الحثيث نحو توحيد الوطن"، عمومًا يتوجب الإدراك أيضًا بأن قرار حلّ الأزمة الليبية لم يعد قرارًا ليبيًا، إنما أصبح عند غيرها من الدول اتساعًا وعمقًا، كما أن ما يحدث ويموج بين الأطراف المتنازعة حاليًا ما يلبث وأن يطفو على السطح لتتبين آثاره النهائية. وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ


.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا




.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟