الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تناثر المرآة و اللعب بالقصيدة .. قراءة في ديوان فوق كف امرأة ل ..فاطمة ناعوت

محمد سمير عبد السلام

2006 / 9 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في ديوان ( فوق كف امرأة ) ، لفاطمة ناعوت - هيئة الكتاب 2004- تنقل الذات الشعرية نفسها في فراغ بديل عن حضورها الأول ، يتجسد في المرآة في صفائها المجرد من انعكاس الذات ، في الوقت الذي تحضر فيه المرآة كبديل عن الذات في تعاليها الخاص ، المرآة تخشى من ظهورها الكامن في كينونتها المولدة للآخر دوما ، فتستسلم للفراغ كطاقة للوجود تستبدل الذات و المرآة معا ، في تكرار الشروخ و الانكسارات .
فاطمة ناعوت لا ترى أنوثة القصيدة ككيان أنثوي جذري ، و إنما ينخرط هذا الكيان في فضاء لا متناه من طاقات أنثوية متناثرة ، تدمر فاعلية الفاعل الواحد في النص ، و من ثم كان اللعب بعلامات القصيدة جزءا من وجود متناثر مرح في مجازاته الانشطارية ، فقد صارت القصيدة مجموعة من الفجوات الأنثوية اللاعبة بالحد القصدي لبناء القصيدة ، من هنا كان الاندفاع المبتور عن الجذر النسوي الواحد و الاختفاء بديلين عن تجسد المرايا و الذات الشاعرة ، و لكن التكرار العنيد للمرايا يقاوم سيادة التناثر في اتجاه تداخل كوني مفتوح يستعصي على الغياب الكلي ، كأنما تعاين انفجارا كونيا للمرة الأولى دون جمال أو حدود للكينونة ، إنه تكرار يناهض الحقد اللا واعي الملازم للتجسد الأنثوي المتعالي في اتجاه لا شيء ، هل هي قوة نيتشوية تناهض الحد الإنساني من التجربة؟ أم أنه إغواء الخروج من قصيدة القصيدة أو صورتها الأولية في الوعي كموضوع زائف للاكتمال ؟
البراءة الكونية للطيف قاتلة للتجسد ، و تستدعي تاريخا مملوءا بالدماء و الشروخ و الكسور المضادة للموضوع المحدد حينما يشرع في البدء ببلورة صوته الخاص في اتجاه نشيد مقطوع يبدل وجوده باندفاعات طيفية جذابة .
• الذات أثر المرآة حين تخرج الأخيرة من التجسيد إلى التجسد خارج منطق الجسد من خلاله ، فيبقى الإطار في الفراغ الذي صار بديلا لصفاء المادة الأولى الغائبة.
• المرآة أنوثة متناقضة كامنة منذ البداية في الذات ، فتحل الأساطير محل موقعها الواقعي الظاهر .
في نص ( قهوة في الصباح ) ، يصير الوجود معلقا في الأثر الخارج من علته ، من خلال اللعب بالفاعل المسبب للحدث و السخرية من العلة و علاماتها المتناقضة في تناثر مضاد للحظة البدء ، شرب قهوة في الصباح :
" لم أعد خائفة / ليس لأن اللصوص ماتوا بالأمس / ولا لأن البشر سيصمتون / حين تتسع الرؤية / لكن لأن الكف ستظل في مكانها .../ لست أعرف لماذا أكتب الشعر / و لم البشر كثيرون / لماذا لا تأتينا المعرفة / ككبسولة في المخ حين نولد ../ و كفافيس لم يزر مكتبة الإسكندرية برغم أن العجوز مازالت تنتظر كل يوم على المقهى "
القهوة معلقة في الفراغ ، تشارك الذات فرحها بخروج العلامات من الوعي في فضاء التناثر الذي يستخدم عناصر العلة لماذا و لأن بكثرة ضمن السخرية من العلة نفسها ، فقد صار الفضاء حاملا لانقطاع متحرر من القصيدة من داخل روابط السبب الباهتة ، إن بقاء الكف علة زائفة لانعدام الخوف ، فجملة لم أعد خائفة ، تتجسد فيها الذات المتكلمة ، بينما تبدو العلة إغواء للكل في يد شبحية تعبث بالقصيدة و تتمتع بتفكيك الطاقة التي يبدو أنها تحافظ عليها ، العلة سرد الآخر المستبدل للذات ، أما تساؤلها عن سبب كتابة الشعر ، يوحي بوجود شيء غائب يتطلع إليه الوعي بينما توحي الممارسة الجزئية المدمرة للذات بالسخرية من التساؤل السابق ، أما الرابط بين كفافيس و عجوز تنتظر عند المقهى يوحي بظاهرية الوجود و تعليق عمل الوعي العارف في اتجاه وصف يختلط برغبة حاقدة في الربط ، الذي يبدو أنه لا يمكن تدميره إلا من خلاله .
و بصدد تناقضات العلة يرى مارتن هيدجر فجملة لا شيء بدون علة تبدو كحكم أو مبدأ يبقى هو نفسه بدون علة ، و ما يكون متناقضا بذاته لا يمكن أن يوجد ، بل إنه يوجد و يحتجب في آن ، و يضرب على ذلك مثالا من الشاعر أنجليلوس سيليسيوس في قوله " الوردة بدون لماذا ، تتفتح لأنها تتفتح " فقد حجب الشاعر العلة بتعليق لماذا و أثبتها بحضور لأن ( راجع / هيدجر / مبدأ العلة / ترجمة د نظير جاهل / المؤسسة الجامعية ببيروت / ط1/ 1991 ص 21 و 42 ) .
إن السخرية من هيمنة السببية على الفكر التصوري من داخلها يفجر جماليات التناقض و الصيرورة الاستبدالية للدال من داخل لغة الميتافيزيقا عند دريدا في ممارساته التفكيكية ، دون نفي كامل لتاريخها ، و قد قرأت عددا كبيرا من قصائد محمد سليمان يستخدم فيها السبب ليسخر منه ، و لكن فاطمة ناعوت تمارس من خلال عناصر النص لعبا بالبدء و الانتهاء و تعليقا لطلب الوجود الكلي في اللا وعي و حماسة التصور الزائفة في رجوعها لطاقة التناثر كبديل عن الوجود في احتجابه :
" ثم إن كفافيس مات من زمان / لذلك / لن يكون بوسع البنت الطيبة / أن تعد قهوة الصباح "
لقد جاء الموت كعلة حاقدة على طاقة اللعب ، فاحتجبت الذات الكلية لتعلن سخرية كونية جزئية من الموت الذي انتقل إليه مركز العلة ليستبدله محتلا الصوت / المتكلم ليفسح للأثر دورة حياة أخرى .
وفي نص ( هكذا غنى زرادشت ) يفجر السرد روابط المدلول بالدال المرح ، الخوف من المطابقة يحول المجرد إلى خبرة مناهضة لقدرة الوعي على الإدراك ، إنه يؤول – يدمر بالمغاير ليكتمل التطهير الأسطوري بنار زرادشت المنعزلة في قوتها المناهضة للإنسان من داخل قداستها في وعيه .
المفهوم يدمر إنسانيته بالسخرية من الوعي المنتج من داخل عزلته :
" الإدراك = أن تحصي المناديل الورقية في جيبك كل يوم / فتجدها لا تتغير / بينما الملح في جسدك يزداد كثافة / بسبب تبخر الماء "
أن يكون الجسد موجودا في ذاته ، ذلك حلم المدرك بالأشياء الصغيرة بينما تناهض الصيرورة السردية وجوده كفاعل مدرك مثلما تناهض السبب المعلن كقاتل للإدراك و المنطق المؤسس له .
القوة الزردشتية تأتي كممارسة تتجاوز التدمير من خلاله ، ففي هكذا تحدث زرادشت لفريدريك نيتشه يأتي الارتفاع كقرين للتدمير و السقوط الدائري الملازم للفوقية الخيرة الإنسانية إذ يرد الشاب على زرادشت : بمعاينة دماره لحظة ارتفاعه :
Yea, Zarathustra, thou speakest the truth. My destruction I longed for, when I desired to be on the height,
( راجع :
Thus Spoke Zarathustra-on : - Friedrich Nietzsche
http://www.publicappeal.org/library/nietzsche/Nietzsche_thus_spake_zarathustra/Zarathustra_idx.htm

ففي الارتفاع تكمن جاذبية التدمير الخاص ، من هنا كان الإدراك عند فاطمة ناعوت ذوبانا في الخبرات الصغرى المدمرة لتعاليه الناري الزائف ، و المدمر بواسطة النار الزرادشتية نفسها .
و في نص للمرة العشرين يؤسس النص لحضور طيف الرجل الغائب من خلال تجدد طاقته في بدائله ، إذ صار فراغا للانتشار المختلط بذكرى إيروسية قديمة و بكارة انتشار جديدة تكشف عبث الصوت الشعري المولد من حضور يختلط دوما بأطياف الغياب ، فالغياب يحضر في سرد الكائن الآخر المستبدل ، بينما يغيب الغياب في لعبة الصوت :
" أطفالك أيضا / استبدلوا بك آخرين /.. حتى الله لن تختل دفاتره ../ الأهل لن يفتقدوك / لأنهم أراحوا و استراحوا "
لقد وصل الغياب إلى نفي للارتفاع بهذا الغائب و تأكيد فاعليته المختلطة بعدم داخلي في الصوت الشعري و رغبة في إكمال اللعبة خارج حدود الذات الكلية دائما و إن جاء هذا من داخلها .
و في نص همزة قطع تعلو نغمة التدمير الفرويدي اللا واعي ملتحمة بحدث يومي متكرر يهدد الذات بالموت ، و لكن نزعات التدمير تبدو في صيرورة الموت و ما بعده التي لم تحدث في الوقت الذي تكمن فيه على نحو أصيل في الذات في تلاشيها المتكرر في السرد بوجهه العدمي الصاخب :
" سيقولون / الأضواء الليلية تعشي السائقين / و يثبت التشريح / أني لم أعرف الخمر / و تقسم أمي فيما تبكي / أني لم أعد أقرأ أثناء القيادة / و أنهم اغتالوا أمومتها مرتين "
التشريح نبوءة الجسد الأولى تمتزج بالحكايات التي تختلط فيها الهوية المركزية بالأجزاء المقطعة المرحة في النص .
و في نص نبوءات تنمو الحكايات المؤسسة للذات في غياب الفاعلية الأولى لها ، فتتكرر التوقعات التخيلية دون أن يكتمل حضور الصوت الشعري أبدا أو يرتد إلى أصل مستبدل بالتأويل ؛ و طبقا لريكور يأتي التأويل كبديل عن الإدراك و السرد عن الهوية المطابقة :
" كنت أصغر حين قال سيد عبد الخالق قبل أن يموت / يا نادين / انتقي مصحة تناسبك / لتكتمل روايتي / قديما قال العراف لأمي / هذه العسراء ستموت بجلطة المخ "
و في نص موقف بحر تبدو المرايا متوترة بين كونها مصدرا للخروج و التدمير و خوفها اللا واعي الكامن في أنوثتها المجازية الخفية :
" فيصدق المحلفون / على قرار السيارة / برفع مؤشر الحرارة إلى الدرجة القصوى / تمهيدا لتوقف حتمي بمحاذاة البحر / لكن المرأة تخاف تصدع المرايا / و ضياع الحلم القديم من الأصابع "
و يبدو تصدع المرآة حاملا لبهجة الأنثى / الصفر و انتشارا للطيف و تهديدا للتجسد في الواحد الأبوي القديم .
و في زهرة فوق كف امرأة يبدو حلم التناثر خارج الوحدة و خارج القصيدة معا ، و لكن الأنوثة تتجرد من المدلول و تلتحم باتساع الماء في تكرار لانفجار متداخل غير محدد للأنوثة نفسها :
" ستكسرنا المرآة ذات شرود / تشظي وجوهنا المحدقة / و تبدل ملامحنا التي تدربت جيدا على النسيان " " هل تعلم أن البحر يتبعنا / لا تنظر إلى الخلف " لقد بدت المرآة أما أو إلهة في حضور مجرد من البعد الإنساني ، و لذلك فهي تسقط تعالي الكائن و تعلمه القوة في الانتشار و الاتساع غير المحدد المختلط بالبحر .
و عند لوسي إريجراي تناهض اللغة الأنثوية منطق السبب و تقبل في ذاتها التناقض و لا تسعى لتحديد ما ، إذ تبدأ و تنتهي دوما من درجة الصفر من جسدها she breaks off and starts over at "zero": her body-sex ( راجع :
- on : Luce Irigaray, from "This Sex Which Is Not One
http://social.chass.ncsu.edu/wyrick/debclass/rfour.htm )
هكذا يلتبس الثقب بالظهور ، بالكشف في نص ثقوب تشكيلية لا تغضب المرآة ، حيث تصنع المرآة فجوة اللا تحديد من داخل قطع الظهور المنسجم " لكن المرآة تعاقبني وحدي بالتكشير " ، ومن ثم تحتل الكتابة تناثر المرآة في المرح الجديد لجسد يختلط بتناقضات المرايا البديلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على