الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤيدون السوريون بين قمع السلطة و حقد المعارضة

أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)

2022 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس الخوف من أجهزة القمع الوحشية وحده هو الذي يبقي المؤيدين لسلطة بشار الأسد على تأييدهم , إنما يضاف عامل خوف آخر أصبح أهم من الخوف من الأجهزة الأمنية و هو الخوف من رحيل بشار و استلام الإسلاميين زمام الحكم في سورية لعلة الأكثرية - على الأقل – إن لم نقل حلاً للمظلومية السنية التي أصبح تداولها و توريمها عمل من لا عمل له .
لقد لعبت سلطة العصابة على هذا الهدف و أسست له بدهاء منذ البدء , وبالأخص عند أحداث الإخوان المسلمين في الثمانينات , حيث أسست المقولة الأمنية " إذا صار شي لحافظ الأسد , السنة رح يدبحوكن " لرعب حقيقي وجد منفذه في قلوب الأقليات التي تستحضر مظلوميتها التاريخية عند كل نية لفعل شائن أو لتبرير إجرام معين قادم .
انتشرت هذي " الهمسة السرية " في جميع الأوساط الدينية و الاجتماعية التي تعتبر نفسها متمايزة عن الأكثرية السنية بالدين , و حتى ضمن السنة المقربين من السلطة أو المتفقين معها – لسبب ما - في أسلوب تعاطيها مع القضايا الوطنية الأساسية , و بهذا تم ربط وجود و مصير و مستقبل هذه الفئات بوجود و مصير و مستقبل " القائد الزعيم " , كما تمت أخونة غالبية المجتمع السوري , فالسني إخونجي إلى أن يثبت العكس , و كردة فعل مارست الأكثرية السنية إثبات العكس كي تبعد عن نفسها الجرم الملاصق لهويتها الفرعية و تنجو من الشبهة , أما أصحاب الدم و مناصريهم فقد اضطروا أمام هذا الإرهاب الذي لا يرحم إلى ممارسة التقية و النفاق .
عملت هذه المقولة و هذا الربط عمل النبوءة المحققة لذاتها , إذ أصبح الخوف من الانتقام القادم ( المفترَض ) قاعدة تبريرية للإمعان في القتل و التعذيب و التنكيل بالآخر المخالف أيديولوجياً , مما أدى لتكوين قهر عظيم و حقد أعمى سوف نلمس آثاره عند أول فرصة له للتعبير عن نفسه في بدايات الانتفاضة السورية .
لقد أسست مقولة الربط هذه لدمج الوطن بالقائد فأصبح الوطن هو القائد و القائد هو الوطن و من يخالف القائد أو لا يحبه – بكل بساطة – هو خائن للوطن , كما مهدت الطريق لعملية توريث الحكم بكل سهولة فيما بعد .
في هذه المرحلة بالذات تشكلت المظلومية السنية السورية , رعاها و ساندها و نماها تنظيم الإخوان و السلطة السورية معاً , التنظيم لتوسيع قاعدته الشعبية و استدرار العطف و الدعم , و السلطة لاستخدام الحقد الناتج عن المظلومية كإرهاب داخلي في المستقبل و هذا ما كان فعلاً بعد الانتفاضة السورية عام 2011 .
أعيدت التمثيلية نفسها عند بداية أحداث الثورة عام 2011 و تم نبش الحقد التاريخي للسنة على العلويين و الأقليات , و للنصيريين ( لقب العلويون المتداول عند أعدائهم ) على السنة في الثمانينات و مابعدها , و تم استحضار أرواح حكايا المجازر القديمة و المذابح و ..... إلخ , و وُجِّه كل طرف لبناء أحقيته في القتل كدفاع عن النفس وفقاً لمظلوميته التاريخية .
للأسف , لقد تمكن دهاء السلطة من جعل كل الأطراف السورية تسعى إلى ترجيح المظلومية الدينية على المظلومية الوطنية ( دهاء السلطة , و غباء و عنجهية الإسلام السياسي , و انسياق النخبة المثقفة خلف رغبة الغوغاء ) , و كان الخطأ التاريخي و الأعظم انتقال الحراك الشعبي من الحامل الوطني إلى الحامل الديني ( أسلمة الثورة ) , فتحول الحراك من ثورة للحرية و الديمقراطية إلى حرب أهلية بين أكثرية و أقليات .
كانت الأقليات حذرة جداً في التعاطي مع الحراك بدايةً , فالدهشة و الحيرة مما يحصل أقعداها دون فعل , و كي لا تندمج و تنخرط في الحدث , استبقت السلطة قطع الطريق عليها , فأعادت بث روح المقولة القديمة و مشتقات عنها , وقامت بإيقاع الحراك في فخ التسلح و ابتدأ مسلسل القتل و الدم , فتحققت الإرهاصات التي كانت تبثها السلطة و تعمل عليها لستين عاماً .
فيما بعد , لم تفهم نخبة الثورة المتأسلمة , و لم تحاول حتى أن تفهم , عقلية المؤيد أو المحايد , و من فهمها منهم و حاول تفهيمها لم تكن له الكلمة , فأقصي إما بتهمة الانحياز للنظام أو بتهمة الجبن .
و لا يزال عدم فهم الآخر أو حتى المحاولة هو المسيطر بعد أحد عشر عاماً ..
تفهم سلطة العصابة الآخر تماماً و بعمق , لكن تمسكها باستمرار بقاء السلطة في يدها يقضي بأن تمنع وصول هذا الفهم عن رعيتها بكل الوسائل , بينما لم تفهم من ادعت أنها تمثل الشعب السوري كمعارضة أياً من مخاوف الأقليات و هواجسهم , فاستمر الاحتراب على حاله .
ليس المطلوب فهم نخبة المعارضة للآخر الموالي فقط , بل المطلوب تعميم هذا الفهم على قاعدتها الشعبية , كي تستطيع كمعارضة ثورية سورية توسيع رقعتها الشعبية و الجغرافية و تقليل عدد الداعمين لعصابة السلطة قدر الإمكان .
لا يزال من اغتصبوا اسم المعارضة يدورون في فلك الانتقام بمسميات عديدة منها " العدالة الانتقالية " و لا يزالون قصيري النظر و محدودي الرؤية و يؤطرون القضية السورية بأطر محكومة بالفشل و بالتمديد الزمني المفرغ لجوهرها .
لماذا لا ندعو للمسامحة و العفو العام عن كل ماحدث و عن كل الأطراف , بدلاً من العدالة الانتقالية , خاصة و أن المسألة ليست شخصية إنما بحجم وطن ينتظر إعادة تشكيله و تأسيسه , لماذا تم ترك هذا الخيار للعصابة التي تمارسه بمكر باسم المصالحات الوطنية على أتم وجه , لماذا هذا التشبث بالغباء على هذا النحو ؟
أليس واضحاً أن غالبية من بيدهم الحل و الربط ( من الطرفين ) متورطون ؟ فكيف السبيل إذاً للخلاص من هذا البؤس ؟
هل المطلوب إطالة زمن التشرد و التهجير و التقتيل ؟ أم إنهاؤه ؟
لماذا لم يتم العمل على تفقيع البالونات التي تنفخها العصابة في صدور مؤيديها و تفشيل غاياتها ؟
لن تفلح معارضة تعتبر أن المؤيدين الموجودين في الضفة الأخرى من النهر ليسوا شعبها ولا مواطنيها , و من غير المنطقي أن تنعت المعارضة السلطة بمحاولات التقسيم و هي تمارس نفس الفعل بالنسبة للشعب .
إن معارضة لا تستطيع التسامي على جراحها , و تصر على استمرار العداء , و على اعتبار نفسها حبة في السبحة بدلاً من أن تكون هي خيط السبحة , هي معارضة فاشلة , فاقدة لهدفها , غير قادرة على الوصول حتى بمناصريها فقط إلى شاطئ أمان .
عندما نفهم أن مجرد الحديث عن الإطاحة برأس السلطة بشار الأسد يهز أركان الأمان النفسي للمؤيد و يشعره فوراً بالرعب و الضياع , نفهم لماذا يثور و يهتاج ذلك المؤيد أيما هياج .
إن القائمين على إدارة هذا الحديث و المطالبة به في المحافل و الاجتماعات لم يتوجهوا يوماً لهذه الشريحة من الناس بأي خطاب أو فعل يطمئنهم و يجعلهم أكثر استقراراً و يستبدل ذلك الربط الذي تم إيهامهم به من قبل سلطة العصابة بين مصير زعيمهم و مصيرهم و مصير أطفالهم بنموذج تعايش حضاري و إنساني , و لم يتم العمل على قطع هذا الربط أبداً أو حتى نقده , ربما كي لا يغضبوا حاضنهم التركي راعي العمشات و الحمزات و جبهة النصرة , و ربما كي لايخسروا مناصريهم المتطرفين , و ربما يكون الحقد الطائفي قد ختم على قلوبهم فهم عُميٌ لا يبصرون .
نعم كان على من يدعي حب سورية و الرغبة بالحرية و الديمقراطية فيها , البحث عن السلاح الأهم لتحقيق هدفه , و هو العمل على توحيد السوريين جميعاً على مطلب واحد و تعقيم سلاح السلطة العصابة المتمثل بالسيطرة على عقول تابعيها بالخوف و الإرعاب من السوري الآخر الذي تشيطنه , بدلاً من استجداء دعم الدول المؤثرة و التسول الوضيع , والانكفاء للتفكير بكيفية الانتقام , مما أدى إلى نقل حل القضية السورية من الأيدي السورية إلى الأيادي الإقليمية و الدولية .
إن استثمار المظلومية السنية في حكم بلد يعج بالهويات الفرعية , على قاعدة الأكثرية دستورياً , لن يغير في أمرنا شيئاً , و سيبقى استنهاض العصبيات للهويات الفرعية و العمل على إعلائها على الهوية الوطنية السورية فعالاً , إلى أن تكبر كرة الثلج و تفاجئنا بتدحرج غير محسوب .
هل نحن محكومون بأن نبقى مستثمَرين في التغول الطائفي و صراعاته اللعينة ؟
فلنتذكر إذاً أن الديكتاتورية و قهر الشعوب ليست ميزة لطائفة بعينها , و لنا في الدول العربية دلائل و عبر .
لابد لسورية جديدة من تصفير عدادات جميع مظلوميات الهويات الفرعية ( الدينية و القومية ) لصالح المظلومية الوطنية السورية , و لا بد من البدء بالعمل على نشر ثقافة تقبل الاختلاف بشكل مؤسساتي و منهجي و الاستمرار بها حتى ألف جيل سوري , عسانا نصل إلى دولة مواطنة و قانون .
لقد ابتلانا صمتنا باثنتين الأولى عصابة سلطة ديكتاتورية فاجرة , و الثانية مجموعة منتفعين حمقى أغبياء , اغتصبوا اسم المعارضة , حتى بات ديكتاتوريو العالم يحسدون عصابة السلطة عليها , فكان لزاماً علينا أن يطول ليل قهرنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س