الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فداحة المشهد السّياسيّ في تونس / جريمة قتل الفعل السّياسيّ

الطايع الهراغي

2022 / 2 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"فظيع جهل ما يجري، وأفظع منه أن تدري".
(عبد الله البردوني)
"الثّورة هي شكل الحرب الوحيد الذي لا يأتي النّصر فيه إلاّ عبر سلسلة من الهزائم".
(روزا لوكسمبورغ )
"لا يزال الأغبياء يتصوّرون أنّ الثّورة قابلة للهزيمة".
(ارنستو تشي غيفارا)

*** تهجين الثّورة وسحل السّياسة
بعد أحد عشر سنة على ثورة 14جانفي تونس "المريضة حسّا ومعنى" حسب العبارة الرّشيقة لابن أبي الضّيّاف، المنكوبة في/ وبثورة كان يجب أن تكون إيذانا بميلاد عهد جديد، تجد نفسها في وضعيّة "الرّجل المريض" الذي يتناهش الورثة ثركته –إن كان له بعض من ثروة- حتى قبل التّأكّد من موته. التّسطيح المقصود والممنهج للفعل السّياسيّ في تونس، من قبل جحافل من الماغول، هدفه نصف المعلن طمس الذّاكرة وتشكيك الشّعب التّونسيّ في ما أقدم عليه ذات يوم وقدّم من أجله جحافل من الشّهداء وجملة من التّضحيات.هو إساءة واعية ومدروسة لثورة 14جانفي بترذيلها والتّشنيع بها وبمن آمن بها وتحميلها كلّ الشّرور والفظاعات التي راكمتها الحكومات المتناسلة . تصوير الثّورة في قالب فعل همجيّ بريريّ مجانيّ لتشريع إحياء منظومة ما قبل 14جانفي بفاعلين جدد، هم لعنة وعقاب لكلّ الثورات التي تتوقّف في منتصف الطّريق. شعارهم هو الشّعار العزيز على كلّ الانتهازيّين في كلّ الأمصار والعصور" ما كان يجب حمل السّلاح". تهويل الانفلاتات المصاحبة لكلّ الثورات وتقديمها على أنّها أشنع ممّا كان سائدا في عهد بن علي ليس فعلا بريئا بل هو جريمة في حقّ الثّورة والفاعلين السّياسيّين الذين لم ينخرطوا في عكاظيّات ومنادب تكديس المثالب والأهاجي والمراثي.

*** السّطو على الذّاكرة
اللّوحة السّياسيّة التي ارتسمت بعد 25 جوياية هي النّتاج الطّبيعيّ لعشريّة من التّصحير والهجوم الثّأريّ على ما راكمته أجيال طيلة عقود من نضالات وعذابات بها تشحذ الذّاكرة لكي لا يصيبها الصّدأ. عشرية من السّحل الفكريّ والقيميّ لترويض العقول وحملها على قبول الأمر الواقع واحتضان الأوهام والانتعاش بها وإنعاشها وتسويقها على أنّها الحلول السّحريّة .
مشهد صادم، فاجعيّ،مخجل،مربك، تُداس فيه الحدود الدّنيا لقونين اللّعبة، أقرب إلى عالم النّوادر التي لا يستصيغها عقل عاقل، من سماتها فظاعة الاعتداء على الفكر ومراكمة الخرافيّ وامّحاء الحدود بين العادي والعجيب الغرائبيّ، بين اليمين واليسار، بين التّفكير والتّنجيم، مشهد مجاف لأيّ تفكير عقلانيّ، لا يليق ببلد افتتح ذات يوم عهد ثورات المجتمعات المتخلّفة على حكّامها.
السّاحة السّياسيّة تعيش فعلا خريفها ،في ما هو أقرب إلى تحويل وجهة ، يُوسم الفعل السّياسيّ من قبل جوقة المنادب المفتعلة بالجريمة باعتباره ساحة التفنّن في حبك المؤامرات ، الحاسم فيها الشّطارة ونصب الفخاخ وطرد المنافسين من جمهوريّة الحقّ والحقيقة ونفيهم إلى زريبة المناوئين والمارقين والشّراذم الضّالّة. الكلّ مدان. بموجب ذلك تصبح السّياسة لعنة، خطيئة، والتّبرّؤ منها وتهجينها قارب النّجاة لتدبّر بطاقة مواطن. الهدف المعلن وغير المعلن تشكيل وتنميط جمهور يجاهر برجم السّياسة – ناهيك عن السّياسيّين- وتطليقها طلاقا بائنا، ويتباهى باعتناق الفوضى والاعتداء على القيم وتمييعها واستعداء كلّ نمط تفكير ليعبّد الطّريق - سالكة- إلى تكديس الأوهام وتسويقها والإشادة بمن يشرّعها ويقنّنها في مراسيم يهزّها الحنين إلى عالم الخلافة العثمانيّة، عالم الباب العالي على عهد السّلاطين بإحياء الفرمانات السّلطانيّة سيّئة الذّكر وإعادة الاعتبار للأوامر العليّة للبايات.
حرّيّة التّظاهر- الذي في غيابه تحال حريّة التّعبيرعلى التّقاعد الوجوبيّ وتُفرغ من محتواها- تصبح مخالفة للمراسيم ،خرقا للقانون،عصيانا وتهديدا للسّلم الأهليّ، خطرا داهما يشرّع كلّ تجاوزات السّلطة ويبرّرها استئناسا واستبطنا ب/ وتطبيقا للقاعدة الفقهيّة "الضّرورات تبيح المحظورات".

يمّحي كلّ التّاريخ، تُطمس كلّ ذاكرة، يُهجّن كلّ حدث. التّاريخ- ذاكرة الشّعوب وهوّيّتها وسجلّ أيّامها- يبدأ ساعة تهاطل الوحي في ليلة القدر، ليلة خير من ألف شهر، يوم أقبل البدر علينا وناجت الأمّة فارسها وتوسّلت إليه أن يخلّصها ممّا هي فيه
من ظنك. ولسان حال المريدين يبتهل "ألا ليت للبرّاق عينا فترى // ما ألاقي من بلاء وعناء". انبلج فجر التّاريخ .لا تاريخ قبل.كلّ التّاريخ ينبعث في قراءة جديدة معاصرة محيّنة وممهورة مطلع يوم الفاتح من 25جويلية اليوم الأغرّ الذي حُدّد فيه الخطر الدّاهم، تماما كما فعلت النّهضة في 2011 عندما أوقفت عجلة التّاريخ وعطّلت العدّاد واعتبرت ما قبل المجلس التّأسيسيّ جهالة، ما قبل التّاريخ، تاريخ الضّلال والأزلام ومريدي الأزلام وعرّابيهم.

***من مهازل المشهد السّياسي
المشهد السّياسيّ ما بعد 25جويلية يستعصي على التّمثّل، استعداء صارخ لكلّ فعل عقلانيّ، خرق لأبجديّات قواعد المنطق حتّى في بعده الصّوريّ الشّكلانيّ، استهتار بالتّاريخ، بقوانينه،باتّجاهاته وبإكراهاته بالمعنيين السّلبيّ والإيجابيّ.
هل هو مكر التّاريخ المجسّد في جملة من المهازل؟؟:
***المهزلة الأولى: أن يشكّل حدث 25جويلية عصب الحياة السّياسيّة وقيس سعيّد محور الأحداث وأن يقبر حدث وطنيّ في حجم واعتباريّة 14 جانفي .
*** المهزلة الثّانية: أن تتقاسم السّاحة السّياسيّة منظومة ما قبل 25جويلية التي تعايشت تعايش الضّرائر. فكانت على تونس خطرا أشدّ وبالا وفتكا من جائحة الكورونا التي حصدت الملايين.
يمين يحتكر الحكم في ما يشبه الاغتصاب للسّلطة ، يكيّف المشهد السّياسيّ ويطوّعه على هواه، يجاهد لإرساء حكم بونابارتي يعود إلى 170 سنة خلت، فيه يستفرد الحاكم بأمره بكلّ السّلط، يسوّق الأوهام في إخراج رديئ وبخطب هجينة تخلط بين عالم الأدب وعالم السّياسة، ويكرّس عمليّا ما تلكّأ سلفه في تمريره في انتظار اقتناص اللّحظة المناسبة. ويمينه الجنيس أزيح من الحكم فبات يتربّع على "عرش" المعارضة. كان مفسدة في الحكم - ككلّ إسلام سياسيّ-، حوّل مؤسّسات الدّولة إلى غنيمة بعقليّة مخزنيّة تبرّأ منها التّاريخ وأحالها إلى أتعس ركن في متحف الكائنات المنقرضة، فبات كارثة في المعارضة، يسعى إلى تأثيثها في صورة مقرفة كاريكاتوريّة تبخس الفعل السّياسيّ وترذّله بتوهّم إحياء الموتى ونفخ الرّوح فيهم ليحكموا من قبورهه الأحياء ويتحكّمون في مصائرهم.
*** المهزلة الثّالثة : أن يتزعّم مشروع الإنقاذ من تقاسم السّلطة مع منظومة عشريّة الضّياع والتّيه،عشريّة النّحس وساهم في التّعفين والتّرذيل،فكانت النّتيجة تفريخ حلّ قسريّ كارثيّ من داخلها بإرساء بديلها التّوأم وجنينها المشوّه مع فارق جوهريّ: الهيام بالكرسيّ والزّهو بتجميع السّلطات.
*** المهزلة الرّابعة أن يتطوّع جيش من المريدين لإحياء ذهنيّة وعّاظ السّلاطين ويرهقون عقولهم في شرح الأوهام وتفسير الأحاجي وتأويل نوايا الصّدر الأعظم، قائد ثورة الفاتح من 25 جويلية (مع خالص الاعتذار للعقيد االقذافي).)

*** المهزلة الخامسة: أن تتفتّق عبقريّة بعض الحداثيّين والتّقدّميّين على عجيبة من عجائب العصر ونادرة من نوادر كلّ مصر ومصر،طريق الحقّ لاسترجاع دولة الحقّ:إزالة التّضادّ بين الأضداد وإبطال قانون الثّالث المرفوع وتحقيق معجزة التقاء الخطوط المتوازية مترجما في زواج المتعة بين مكوّنات سياسيّة وفعاليات فكريّة ما يجمع بينها أكثر نكدا ممّا يجمع بين الضّرائر.

*** المهزلة السّادسة:أن يتحوّل إقصاء النّهضة من المشهد والتّخلّص من الإسلام السّياسيّ إلى غاية الغايات بموجبه تُقبل وتُبايع كلّ سياسات تهميش الحياة السّياسيّة وإعادة تشكيلها طبقا لما يخدم نزوع الرّئيس والتغاضي عن المعضلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة.في هذا الإطار تتنزّل المناشدات المتكرّرة للرّئيس بأن يفعل ما يريد ما دام يقاوم فساد النّهضة أيّا كان شكل المقاومة وجدّيّتها ومآلاتها.
حصر هذه الأوهام، تمثّلها وتبيّن مخاطرها، فضحها وعدم الانخراط فيها هو حجر الأساس لأيّ فعل معارض مقاوم جادّ ومسؤول.وما عدا ذلك توهّم وأيهام وزرع للألغام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز