الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضارية الحوارات/اسئلة في صيانة الانسان والدولة

علي حسن الفواز

2006 / 9 / 5
المجتمع المدني


هل يمكن للعرب ان يؤسسوا دولة مثل سويسرا لا تشتري السلاح بقدر ما تشتري بالونات الهواء وكاسيتات اغاني البوب ؟ وهل يمكن للعرب ان يفتحوا حدودهم وقلوبهم على بعضهم البعض على طريقة دول الاتحاد الاوربي دون عقد داحس والغبراء وتخريجات نظرية المؤامرة !!؟ وهل يمكن لهم ان يحلّوا مشاكلهم السياسية والعقائدية والطائفية مع معارضاتهم المأزومة دائما !!! على طريقة ما أنجزه الايرلنديون البروتستانت مع خصومهم الكاثوليك وميليشيات الجيش الجمهوري الايرلندي السري ؟
هذه الاسئلة ليست نزوعا أوتشريحا في فنطازيا السياسة !! وليست محاولة في اثارة اسئلة غرائبية في فن اللامعقول !! لكنها وببساطة شديدة تداعيات او احلام ما بعد المحنة دائما !! اذ يتحول اصحاب المحنة وبعد سقوط الفاس على الرأس!! الى حالمين بامتياز والى باحثين عن حلول طهرانية وشمولية تنقذهم من مصائبهم ، وربما تحرضهم على قراءة كل مرجعيات المحن في التاريخ والثقافة والسياسة الفقهية والتأويلية ومفهومات الحاكم والمحكوم والمواطن وحقوقه وتاريخ حرماناته الطويل ازاء أحكام اولي الامر !!
الحديث عن علاقة العرب بدولة مثل سويسرا هو حديث في اصلاح ذات الشأن ،،فسويسرا دولة ليست نفطية لكن كل اموال نفوط العالم تذهب اليها !! وهي ليست في منتصف الكرة الارضية لكن العالم كله يضبط وقته على الساعات السويسرية ،،، وهذه المفارقات العجيبة تدعونا للتساؤل !! هل ان سويسرا هي دولة خالصة للبنوك العالمية ؟ وهل انها دولة لضبط الوقت الكوني في ساعاتها الشهيرة فقط ؟ وهل هي دولة اتفق العالم ومحاربوه على جعلها موطن الثقة لكي تكون ارصدتهم المعلنة والسرية في حاضنة هذه الدولة دون خشية من قراصنة او سرّاق بنوك او تزوير عملات او تبييض اموال !!؟ انها كذلك !! لكنها اصلا دولة (انسانية ) كل ما فيها دقيق ومنظم وحضاري ومسالم بدءا من الانسان ذاته وصولا الى طبائع النظم والقوانين والاعراف والحسابات ،، وهذ ما يجعلها لاتحتاج الى جيش عرمرم !! ولا الى اجهزة مخابراتية بحجم KGB ,CIA لمراقبة كل شاردة وواردة وحبس انفاس في ذهابهم وايابهم ونومهم ومعرفة مافي جيوبهم ورؤسهم !!! لانها تملك نظاما داخليا واخلاقيا للرقابة!! ان سويسرا دولة لم تنزل من السماء! ولم يدخل المقدس الكنائسي في صناعتها بقدر ما صنعها الانسان ذاته ،، الانسان الحضاري الذي آمن وادرك ان الحياة تؤسس على التعاون والحوار والاحترام والشراكة والصدق والمسؤولية والارادة ، وليس على الكراهية وتعقيم افكار الاخرين بالمطهرات وكبس انفاسهم وطردهم من الحراك السياسي والانساني ،لان الحياة المتحركة والافكار المتحركة وحدها الصالحة للري والوضوء والغسول وماعداها فهو راكد وفاسد ...لذا نحن بحاجة حقا الى الدرس السويسري في انشاء الدولة وتوظيف الاشياء الصالحة في الاماكن الصالحة !!!
وبصدد التجربة الاوربية وبرنامج اتحادها الاوربي وانجازاتها خلال سنوات قليلة في صناعة استثنائية لمفاهيم الشراكة والتوحد والحوار الحضاري ،، فضلا عن اصدار عملة مشتركة له هوية ولها قيمة يمكنها من السيطرة والمنافسة مع العملة ( الامبريالية) الدولار صانع الاوهام والغوايات العتيد !! نحن نقول دائما اننا عرب واننا امة ذو جغرافيا طوبوغرافية وروحية ،واننا امة ذو لغة باهية ساحرة ، لكننا لم نزل نمارس القهر الاقتصادي والقهر السياسي ،ولم نشرعن اتفاقية واحدة من اتفاقيات و برامج جامعتنا العربية العتيدة منذ عام 1945 والى اليوم لا في الحرب ومحنها الكثيرة !!! و لا في الثقافة ولا في السياسة ولا في الاسواق ولا حتى في اخلاقيات المطارات ،ندخل اغرابا ومراقبين بالكاميرات اامنية شديدة الحساسية! ونخرج دون وداع وربما بشيء من التشفي كما يحدث الان في المطارات والحدود العربية !!! لم نحوّل اية اتفاقية الى برامج عمل والى تنمية حية ، الملفات كثيرة والرفوف عامرة ، لكن مهنية التنفيذ عاطلة والحمد لله !!!، نعاني من عقدة الخواجة دائما كما يقول الاخوة المصريين ومن هيمنة اللكنات وهيمنة الشعر الاشقر والثقافة الصفراء ،عصابيون حدّ الهوس في امور الذاتوية !! لكننا شرهون جدا في امور العامة العربية !!! نصف عمالتنا المستوردة من شرق اسيا وخبراتنا المستوردة من غرب اوربا ،وما بين هذا الشرق والغرب ، تسقط العمالة العربية وتعاني الفقر وتدني الخبرات وسقوط برامج السوق العربية المشتركة ،وتكافل الارادات والمسؤوليات !!! لان النخب العربية والحكومات العربية مازالت تنظر بريبة الى عروبتها اولا !! وما زالت تخشى هيمنة السيد والاخ الكبير صاحب الوصايا الغربي والامريكي من ان تؤثر التنمية العربية والسوق العربية المشتركة والتكافل العربي عل خلق قوة اقتصادية وسياسية اقليمية تؤثر على برامج التسويق العالمي ونظام التجارة الحرة ، وحركة البضائع الغرب امريكية في الاسواق العربية التي مازلت لحد الان اكبر سوق استهلاكي للبضائع الغربية واليابانية والاسلحة الامريكية والفرنسية والبريطانية والروسية ...فضلا عن طبيعة التوازنات الصراعية في المنطقة بين العرب واسرائيل !!
ان الاتحاد الاوربي رغم (تبلبل) اللغات والمرجعيات القومية بين حواضنه ،، هو اتحاد مهني وسياسي وعملياتي ،اسهم في انجاع النشاط الاقتصادي والمالي بين دول الاتحاد في التجارة البينية وفي البرامج المشتركة بمعدلات فاقت التصور ، وتمكنت العملة الاوربية ( اليورو) من ان تضع الدولار في حرج شديد ،،،نجحت برامجه وتطبيقاته في خلق بيئة ثقافية وسياسية وسياحية واسعة وفاعلة ،فتحت الابواب للاوربيين دون رقابات او فيزات ودون اسئلة امنية بائسة ومريرة !! حتى بات المواطن الاوربي يضع هذه الاسئلة ان مارسها احمق ما!! بمابة تجاوز على حقوقه الشخصية والدستورية ... السؤال الذي نطرحه هنا كيف يمكن لنا ان نستفاد من تجارب الاخرين ونتخلص من عقدنا الامنية ونظرية المؤامرة الساكنة تحت جلد رجل الامن في المطار وعند الحدود وعند رئيس الدولة في آن معا !! كيف نلتقي بشفافية وبمواسم هادئة دون ان نلتقي فقط عن المحن !!!؟ كيف نؤسس لثقافات مدنية ولحقوق مدنية تنبذ فكرة الضغائن وازمات الحدود المفتعلة والخوف من الجيران دائما ،وان نورط ميزانياتنا المسكينة والمنتفخة من اسعار نفط الازمات والذاهبة حتما الى تنميات مغشوشة وربما تنميات استهلاكية ،ولم تذهب يوما وبشكل برامجي الى تنميات ثقافية تؤسس لبرنامج طويل الامد لثقافة الحوار والحداثة والتحضر العميق وبناء المواطن (العمدة) الذي يشبه المثقف العمدة كما يقول المعاصرون ،لان هذا المواطن/ المثقف العمدة هو الجين المتحرك في صيروة الفعل الحضاري ،اذ لانفع من السياسيين الجاهزين والثوار الجاهزين ،لانهم اشبه بالعطارين الذي يعرفون جاهزية الوصفات وثبات جرعاتها للمكان والجسد العليلين ...
ان هذه الثقافة هي الطريق السحري والواقعي والعلمي لكسر حلقات الوهم العالق في الذاكرة العربية منذ ارخبيلات الرمل الى دول المدن الاستعارية والفارغة من الروح .. وهي الفعل الذي يمكن ان يصنع لنا اجيالا من المفكرين والعلماء والثوار الذين يمكنهم ان يضعوا المكان والجسد العربي خارج ازمته السريرية باتجاه ازمة السؤال الحضاري والمعرفي المشرعن للحراك النبيل ....
ولنا في حديث المشاكل والصراعات العربية العربية في نسخها الطافية والقومية خير دليل على عمق ازمة الوعي وعمق ازمة الهوية وعمق ازمة المرجعيات ،ولعل دروس ماتركته الحروب الثانوية في اوربا وداخل حاضنة العقل المسيحي أثر كبير ليس في المزيد من اراقة الدماء ،وانما في المزيد من تدمير فكرة الدولة الحضارية التي يمكن تكفل الحقوق الانسانية والدستورية للانسان، مع اعطاء المجال للحوار لكي يكون هو الفيصل في كشف الغاز وتعقيدات الصراع !! فالازمة هي ازمة صراعية بين قوى كان لها سياقها التاريخي واشكالاتها في الزمن والمكان ، ومثال الازمة الايرلندية هو صورة اشكالية لهذا الصراع ،اذ اقترنت اصلا بالاستعمار الانكليزي للشعوب من عقود طويلة مع الشعوب في اوربا وافريقيا وامريكا ومنها الشعوب العربية والشعوب البريطانية في اسكتلندا وايرلندا وويلز ،، لكن الكاثوليك الايرلنديين كانوا اكثر شراسة في مواجهة الاستعمار الانكليزي وحملوا السلاح لسنوات طويلة حتى بروز ما سمي بالجيش الجمهوري الايرلندي السري وحزب الشين فين والذي احرج الدولة الانكليزية كثيرا واوقع في جنودها ورجالاتها الخسائر الكبيرة ،،لكن ادراك معطيات الواقع وتحولاتها وشروطه اعطى للعقل السياسي الايرلندي دفعا باتجاه تبني النضال السياسي والفكري لنيل الحقوق المشروعة والتخلي عن الصراع المسلح الذي لا يترك سوى الخسائر البشرية والمعنوية ويضيع اية فرصة لبيان جوهر هذا الصراع واليات معالجاته .. وبالفعل ترك المحاربون طريقتهم ( الواحدية) في فرض شروطهم واتجهوا الى الحوار الجاد وبضمانة دولية انكشفت من خلالها الكثير من الاشكالات والاسرار والحقوق المغموطة ، ونال الجمهوريون الايرلنديون الكثير من حقوقهم وكسبوا استحسان العالم بهم ، فضلا عن خطوتهم اسهمت بشكل كبير في خلق هوامش واسعة للتنميات الكبيرة داخل المجتمع الايرلندي والاوربي عموما ،والتعاطي مع ازمات التاريخ في ضوء اشكالاتها وسياقاتها وربما يرى البعض ان يضعها في ( ثقافة المتحف )
ازاء هذا ما الذي يمكن للعرب وللعراقيين ان يصنعوه كبرامج وطموحات في معالجة الكثير من الاشكالات الصراعية في اطار سياقي موضوعي وعلمي بحثا عن حلول تؤكد حقيقة ان الارادة والمسؤولية هما الاساسان في بيان اهمية تحديد مرجعيات هذه الاشكالات الصراعية والبحث عن معالجات ناجعة لها بعيدا عن حساسيات وعقد الماضي ودون شروط مسبقة !! اي انها تخضع لحوارات الفضاءات المفتوحة التي تشرعن للقانون وللوعي وللدولة الحضارية التي تكفل الحقوق وتحمي الهويات ، لان الصراع وشيوع ثقافة المحنة ،وتعطيل مناطق الحوار هي التي تؤجج كل الثقافات النكوصية والعنفية باعتبارها ثقافات الدفاع عن النوع...
ان قراءة التجربة الايرلندية ليست لازمة لاحد ، وقد يعترض عيها البعض لهذا السبب اوذاك لكنها تجربة حية كان الدم والخراب هو فضاؤها المباح ،وحين ادرك المحاربون واصحاب الخنادق ان حربهم هي دوامة لاتنتهي وانها تورث البغضاء للاجيال القادمة ، ادركوا ن الحوارالحضاري والانساني والتفاهم وفتح الابواب والشبابيك والاجندات هو الاصوب في غسل القلوب والشوارع قبل نزع الاسلحة التي انتجها الانسان لحمايته ولادامة وجوده لكنها جعلته الصانع الاستثنائي لحروبها الكونية ،،فضلا عن كون هذا الحوار الحضاري هو الاساس في صنع ضرورات صيانة الانسان ذاته وبناء الدولة الجديدة ..
ان الدرس السويسري والدرس الاوربي والدرس الايرلندي هي دروس قد تحتاج بعض النخب السياسية لوضعها على منضدة الكلام وليست منضدة الرمل على طريق المحاربين !! ،لقراءة ما فيها من دروس وعبر تعزز الكثير من دروس تاريخنا القديم الجليل في ادراك ان الايثار والتضحية والوعي باهمية الجماعة في بناء حياة صالحة للمعيش والرفاهية تمثل جوهرا ينبغي الكشف عن لمعانه بعد ان دفنته الحروب والنزاعات والصراعات في طين الامكنة القريبة ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre


.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين




.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر