الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة النصوص المقدسة واشكالية التأويل وانعكاساتهما على واقعنا

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ضوء المستجدات الأخيرة التي عرفها الوطن العربي بدءا من الاجتياح الأمريكي للعراق وثورات الربيع وفشلها وظهور دول عربية فاشلة وتوغل بعض الدول العربية التي انتصرت فيها أنظمتها على الحركات الشعبية الاحتجاجية، من حقنا أن نعيد طرح الأسئلة التالية وبإلحاح، أين يكمن الخلل؟ في الشعب، في السلطة، في الطبقة المثقفة؟ أم في النصوص المقدسة؟ أم في التأويل؟ أم في طبيعة عقل الانسان العربي المسلم؟ وأين الحل؟ في الثورة السياسية، في الانقلابات على الأنظمة القائمة، في المشاركة، في الحياد، في النضال السلمي الفكري؟ إشكالية كبيرة يجب أن يعاد طرحها بعمق وروية بعيدا عن الذاتية والحماسة والتعصب الصبياني، ويجب تحمل المسؤولية بذكاء وشجاعة إذا أردنا لمركب الوطن العربي من محيطه إلى خليجه أن يسلم من الغرق والزوال.
كثيراً ما يسأل الواحد منا نفسه، كيف وصلت الدول المتقدمة إلى هذا المستوى من التقدم والنهوض واحترام حرية الانسان والمرأة والطفل والبيئة. في كثير من مجالات الحياة؟ وما السر الذي جعلها تهيمن على أسواق التكنولوجيا العالمية؟ وتفرض قانونها على الدول النامية ومنه وطننا العربي الإسلامي ، وهل العقول التي تعتمد عليها هذه الدول في التفكير والتخطيط وإجراء التجارب والاختبارات ثم الوصول إلى ما نراه بأعيننا من منتج نهائي نتحدث عنه نحن بانبهار كبير. هل هذه العقول تختلف عن عقولنا؟ ولماذا لا تسعى بلادنا العربية للوصول إلى ما وصلت إليه هذه الدول على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تحظى بها مادياً وبشرياً؟ وهل يمكن لنا بالفعل أن نحقق ذلك وكيف؟
إذا أردنا أن نجيب عن هذا السؤال المهم علينا أن نسلّم بدايةً بأن صانع هذا التقدم هو الإنسان وأكرر الانسان وحده المسؤول عن مصيره، الله خلقنا واعطانا الحرية والمسؤولية لنحدد مصيرنا بأنفسنا، هذا الإنسان الموجود في البلاد المتقدمة لا يختلف عن الإنسان الذي فرضت عليه الظروف أن يعيش في دولة متخلفة، فكلاهما إنسان، ولكن الفرق بينهما يكمن في كيفية الاهتمام بعملية بناء وتربية وتأسيس هذا الإنسان. ذهنياً وفكرياً وبدنياً. واجتماعياً أيضاً، ومساعدته للوصول إلى هدفه وتحقيق طموحاته في المستقبل الذي يريده، فالدولة تشجعه بتوفير كل أسباب النجاح، وهو بدوره يجتهد للوصول إلى الهدف الذي رسمه لنفسه والمستقبل الذي يحلم به. يقول العالم العربي " احمد زويل ": في الغرب يشجعون الفاشل حتى ينجح، ونحن العرب نحارب الناجح حتى يفشل.
يُمثّل التراث لدى أي أمّةٍ من الأمم تواصلًا فكريًا ونفسيا وثقافيا واجتماعيّا بينَ الماضي والحاضر، ويبرز صُورة من شخصيتها الحضارية؛ بما يختزنه من تجارب ومعَارف أسهمتْ في بناءِ حضَارة الإنسَانِ.
وفى الآونة الأخيرة تعاقبت أقلام الباحثين شرقاً وغرباً على التعرض لدراسة التراث العربي، ؛ ولاسيما الدينيّ، واختلفت الآراء فيه ؛ فمنها ما جعله عبئًا على التقدّم الحضاري للأمّة العربية الاسلامية، ، وروّج لهذا جماعة من المنتسبين للعلم بقصد السعي إلى إضعاف مصدرية هذا الدين وقدارته الحضارية، ومنها ما رأى فيه الخلاص لمشكلات الأمّة المستعصيَة ؛ لأنّه يمثّل أرومتهَا، بشرط تنقيته وإعادة النظر في طرحه بمَا يتناسبُ والعصر.
لذا كان لزامًا علينا أن نتحدَّث عن غوايةِ التُّراث، وجمالياته ودوره في الانطلاق الحضاري للأمة .
لا جرم أنّ التراث العربي قد حوى شيئاً غير قليل من المعارف الثقافية والتجارب الكثيرة التي أظهرت حيويته وفعاليته في بناء الحضارة الإسلامية، في شؤون شتى في الفلك والرياضيات والجغرافية والكيمياء والطب والنقد والفن، بالإضافة إلى ما عرف به التراث من علوم اللغة والأدب والفقه والتفسير والحديث، وكلها علوم قامت حول رحى القرآن الكريم.
ويبدو لي أنّ أغلبنا ليس مع أولئك الذين نزَّهوا التراث عن كل عيبٍ ؛ فالتراث ليس صنماً للعبادة والتقديس؛ ثم ليستْ النظرة إليه نظرة الإحساس بالجامد، وإن كان الاعتقاد به اعتقادًا مرهفًا وواعيًا، فالتراث إنّما هو حركة في التاريخ لتعميق النزوع في الوجود والتأثير فيه ؛ ولهذا يصبح استلهامه استمراراً لتجديد حياة الأمة، وهذا يعنى أن التراث العربي والإسلامي ليس عائقًا أمام التّطور الحضاري للأمة ومن ثم الإنسانيّ العالمي.
نحن لا يمكننا أن نفهم تراثنا ونستفيد منه ونجعله عامل نهوض وتطور وليس عائقا معطلا للعقل والتنمية، إلا بعض وضعه على طاولة التشريح واستئصال الأورام التي لحقت به تاريخيا، الشرط التاريخي حاكم بالضرورة لكل تراثنا ونصوصنا المقدسة، ولا نستطيع مهما كان مستوانا العلمي والمعرفي والأكاديمي أن نقرأ تراثنا بمعزل عن سياقه التاريخي، فكل نص وتراث تحكمه مجموعة من العوامل التي ظهر فيها سواء كانت سياسية او اجتماعية او نفسية. الخ، مثلا نحن المسلمون لدينا نصا ـ النص القرآني ـ ولكننا مذاهب وفرق ومدارس وتيارات، لم نتفق على معنى واحد للنص القرآني، اذن هذا قرينة على أن معنى النص القرآني ليس معطى قبليا في النص وإنما يبنى، ما معنى يبنى؟ يعني نؤسسه نحن الذين نقرأ النص، ونحن حين نقرأ النص، مختلفون ثقافيا بتباعد جغرافي بين اقطارنا العربية الإسلامية مع اختلاف المناخ والتضاريس والتاريخ، ولذلك تختلف معرفتنا وتأويلنا للنصوص الدينية ولتراثنا العربي الإسلامي، إذن التأويل حاضر، نراه في علم التفسير والفقه وعلم الكلام، ناهيك على أن العلاقة بين النص والعقل في الإسلام ليست علاقة مبسطة كما يعتقد بل هي علاقة مركبة، نعم أن النص حاضر في كل العلوم الدينية.
يقترن بين هذه الصلة بين العقل والنص في تراثنا الإسلامي، صلة أخرى بين المسلمين وتراثهم عموما وثقافات غيرهم من الأمم الأخرى التي كانت تحيط بهم أو تفاعلوا معها باي شكل من اشكال التفاعل، والاعتراف بهذه الصلة يترتب حكم الاعتراف بأن تراث الإسلام حصيلة تاريخ تفاعلي وليس مجرد تراث محلي خالص، ولهذا حينما نقول بأن هذا تراث الإسلام، ينبغي ألا نعتقد بأنه خاص بالمسلمين وحدهم وبأنه لا يشاركهم فيه أحد من الأمم الأخرى فما هو إلا جزء من ذلك التفاعل بين المسلمين والآخرين.
من الصعوبة جدا على أي فرد منا قراءة النصوص الدينية وتراثنا الإسلامي قراءة موضوعية دون استحضار التاريخ والسياقات التي نشأ فيها وخاصة ما نسميه بالتراث الإسلامي الذي جاء بعد النص القرآني، وقد يكون الحديث جزءا منه ، هذا التراث له تاريخ ظهر فيه ، ومن المعروف أن تراثنا الإسلامي كٌتب في النصف الثاني من القرن الهجري وما بعده ، وذلك بعد انقسام جماعة المسلمين ، بعد اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، فكان من الطبيعي أن ينتقل الخلاف والاختلاف وتأويل النصوص المقدسة إلى الثقافة العربية الإسلامية ، نشأ ذلك الانقسام في الحديث ، حيث نجد مدونات الحديث التي دونها اهل السنة ، ومدونات الحديث الخاصة بالشيعة ، ونجد مذاهب كثيرة ، المعتزلة والاشاعرة والزيدية وفي التاريخ كذلك نجد مؤرخين ينتصرون لأهل السنة ومنهم للشيعة.
لكن ما حدث لتراثنا وتاريخنا الإسلامي هو أنه انتقلنا من النقد إلى التبخيس وفق سيرورة تطور تهم طمس المرجع الإسلامي والزج به في غياهب الاندثار والعدم الأمر الذي مكن الكثير من المثقفين أن يحظو بالتميُّز الفكري! سهمت عملية تبخيس التراث الإسلامي من طرف المثقف الراهن استكمالا لعملية التأثر والتأثير التي بدأت مع استقلال بلدان العالم العربي الإسلامي في دفع الكثير بالقبول بما هو خارجي عن ثقافتهم ورفض كل ما يمثل أصلهم الذي من دونه لن يستشرفوا المستقبل بالشكل السليم وكذلك لن يكون من السهل لهم تحديد هويتهم بعد العبثية التي سقطوا فيها كما هو الحال الآن في مجتمعاتنا. لا شك في أن هذا المد من التزييف والتبخيس الذي لحق تراث الأمة الإسلامية بفعل وسائل الإعلام وكذا الأبحاث والإنتاجات والنظريات. لم يخل من تداعيات أهمها:
التسويق للعالم على أن المكتسبات التاريخية للأمة الإسلامية لا تعدو أن تكون إما ذات طابع عنفي أو تقليدي أو ميتافيزيقي. وفي نفس الوقت تتم عملية نشر وتمرير نماذج في شتى المجالات تنهل من مبادئ النيوليبرالية، التي ترمي لِصب الأفراد في قالب واحد بغية السيطرة والهيمنة الكلية، مما أفرز انزياح هوياتي أدى إلى فقدان البوصلة التي تحدد طريقنا فأضحى التخلف والعبث سمتنا المميزة على جميع الأصعدة.
إن التراث دعامة أساسية للأمم ومكون رئيسي للهوية فبدون حضوره ضمن برامج التنشئة الاجتماعية والتعليمة بالشكل الذي يضمن الاعتزاز به لا يمكننا الحفاظ على ذواتنا وهويتنا وعندما نقول تراث لا نقصد به كل ما يقترن بالإرث الماضوي للتفاعل الإنساني مع محيطه بل نقصد تلك التراكمات الإيجابية والأساسية خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأمة الإسلامية فتراثها الرشيد هو الذي ميزها كحضارة معرفية وعلمية التي بها تستطيع استشراف المستقبل في حالة قوة واستقرار كما حدث ويحدث مع جميع المجتمعات التي اتخذت من تراثها المعقول منهلاً للإصلاح والتقدم.
صفوة القول الأمة التي تفقد تراثها تشبه الشخص الذي فقد ذاكرته لا يستطيع أن يستدل على بيته فكيف يمكن أن يصنع مستقبلاً له؟ إن الكل اليوم مُطالَب بإيجاد جواب لهذا الإشكال الذي أجده يخصنا بعد انسلاخنا من التراث وأصبحنا نحن من ننظر إليه باحتقار وتنقيص بفعل ما تم ترويجه عنه بما لا يمته بأي صلة حق، والانصهار الكلي في المنظومة الجديدة التي توحد العالم بطريقة غير مباشرة وترمي للقضاء على التعدد من خلال إدماج الأمم في نظام واحد يخضع لسيطرتها وتدبيرها الاقتصادي بالدرجة الأولى والسياسي وكذلك السوسيوـ ثقافي.

للمقال : مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س