الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس دفاعا عن طالبان

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2022 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



نشرت لي المدى بتاريخ 06-09-21 مقال بعنوان "تقييمات حذرة لتغير نهج طالبان" رأيت فيه، بالاعتماد على وقائع محددة، أن نأخذ بعين الاعتبار تلك الوقائع ونتابع متغيراتها على الأرض لكيلا نطلق جزافا أحكامنا على الطريقة التي تدير بها حركة طالبان الدولة الأفغانية ولكيلا نساهم في تعبيد الطريق لما هو أسوأ في خيارات تطور أفغانستان تحت حكم طالبان.
واليوم مازلت متمسكا باستنتاجي الذي أكدت عليه في مقالي السابق، وهو أن على الرغم من كل التوقعات السوداوية التي يطلقها المراقبون عما سيؤول اليه الوضع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في أفغانستان تحت حكم طالبان، فانه من المبكر إطلاق أحكام نهائية، خاصة بوجود إشارات تغير في سلوك طالبان، قد لا تكون حاسمة ومستقرة، ولكنها محسوسة.
انتهت الحرب في أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، لكن معاناة الشعب الأفغاني، الذي وجد نفسه تحت حكم حركة طالبان الراديكالية، قد تضاعفت فقط. لا يوجد بلد اليوم في خطر كبير بفقدان نصف سكانه بسبب المجاعة مثل أفغانستان. في هذا الصدد، قد يكون من المفيد أن نسأل من المسؤول عن هذا الوضع.
تلقي طالبان اللوم في هذا الوضع على الحكومة السابقة، التي حظيت بدعم المجتمع الدولي، لكونها كانت غير كفؤة وفاسدة وهيأت لظروف الانهيار الاقتصادي بعد الانسحاب المنفذ بشكل سيئ للقوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان. ومع ذلك، هذا صحيح جزئيا فقط. المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق من قرر أن يستفيد من معاناة الشعب الافغاني، بتحديد مسارات نموه الاقتصادي وحصرها بزراعة وتصدير الحشيشة والافيون الى الدول المجاورة، التي يعتبرها الغرب دول غير صديقة، إضافة الى دفعها للاستفادة من السلاح الذي راكمته أمريكا على أراضيها من أجل زعزعة استقرار المنطقة بإيعاز وتمويل غربيين. هذا بعد أن قررت حكومة طالبان مكافحة انتاج والاتجار بالمخدرات، وتأمين الوضع على حدودها بالتعاون مع الدول المجاورة من أجل محاربة عصابات الإرهاب المنفلتة، كما حصل على الحدود مع إيران.
الغرب مستمر بضغطه على حكومة طالبان بدعوى ضرورة تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع شرائح الشعب الأفغاني، وقد يكون في ذلك ايحاء بإقامة نظام مستنسخ عن التجربة العراقية بعد 2003. إضافة الى ذلك، يدعو الغرب الى احترام حقوق الإنسان، لا سيما حقوق النساء والفتيات اللائي استبعدوهن من الحياة العامة. ومهما اختلفت معاييرنا في فهم حقوق الانسان وحقوق المرأة، الا انها حقيقة لابد من الاعتراف بها، والاقرار بأن جميع حركات الإسلام السياسي تتجاوز على حقوق الانسان وتضطهد المرأة، الا أن مستوى تلك التجاوزات يعتمد على المستوى الحضاري للمجتمع ومدى قدرته على التصدي لقوننة الاضطهاد.
الا ان الضغط الغربي على أفغانستان بغض النظر عن ادعاءاته يهدف لشل الاقتصاد الافغاني وتضييق خياراته. فبسبب انخفاض المساعدات الخارجية وتجميد الأصول المالية لأفغانستان، وخاصة في البنوك الأمريكية، انهار الاقتصاد الأفغاني، وانهارت الموارد المالية، وكذلك أنظمة الصحة والتعليم. أفلست العديد من الشركات وتوقفت مشاريع التنمية. ارتفعت معدلات البطالة والتضخم بشكل كبير. 90 في المائة من السكان الأفغان يعانون من نقص في الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى، ويواجه الكثير منهم موتًا مؤلمًا. وصل سوء تغذية الأطفال ووفياتهم إلى مستويات لا يمكن تصورها، بينما تنفد المستشفيات من الأدوية الأكثر احتياجًا، في ظروف تفشي جائحة COVID-19 في جميع أنحاء البلاد.
ومما زاد الطين بلة، أن طالبان، رغم إعلانها للعفو العام، استمرت في قمع المعارضة بكل اشكالها. وذكر تقرير للأمم المتحدة قدم مؤخرا إلى مجلس الأمن أن المنظمة "لا تزال تتلقى تقارير موثوقة عن عمليات قتل واختفاء قسري وجرائم أخرى" ضد مسؤولين سابقين وأفراد من قوات الأمن وأفغان عملوا مع القوات والبعثات الأجنبية. كما تزعم أن المدافعين عن حقوق الإنسان (بمن فيهم النساء) والعاملين في وسائل الإعلام ما زالوا يتعرضون "للهجوم والترهيب والمضايقة والاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والقتل". الا أن الممثل الرسمي لحركة طالبان رفض الاستنتاجات الواردة في هذه الوثيقة ووصفها بأنها لا تتفق مع الواقع على الأرض وفيها خلط بين قمع حركات الإرهاب المنفلتة والمضايقات التي يتعرض لها سياسيون معادون للنظام القائم.
وتجدر الإشارة الى انه في الوقت الذي أعرب فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن استيائه من انهيار الاقتصاد الأفغاني، ودعا إلى تقديم مساعدات مالية لأفغانستان. وحذر من أنه بدون تحرك فوري "ستزهق الأرواح وسيتصاعد اليأس والتطرف". وفي الوقت الذي، دعت فيه باكستان، إلى جانب روسيا والصين، مرارًا وتكرارًا إلى الإفراج عن نحو 9 مليارات دولار من أموال البنك المركزي الأفغاني، معظمها في البنوك الأمريكية، قامت أمريكا في الأيام القليلة الماضية بمصادرة 7 مليار دولار مودعة من قبل أفغانستان في البنوك الامريكية.
في الوضع الحالي، يشير كل شيء إلى أن حركة طالبان تعاني من عزلتها الدولية. من خلال هذا، يمكن لإسلام أباد تحقيق هدفها الطويل الأمد المتمثل في "العمق الاستراتيجي" حيث يمكنها استخدام أفغانستان ضد منافستها الإقليمية الرئيسية الهند، وكذلك من أجل نفوذ أوسع في المنطقة المجاورة. ويجب ألا ننسى إن باكستان، التي تسعى إلى جني ثمار دعمها لطالبان، بحاجة إلى أفغانستان ضعيفة يسهل حكمها.
لإنقاذ أفغانستان، من الأهمية بمكان أن يفي المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه أفغانستان بتقديم المساعدات الإنسانية لها، ومن أولويات هذه الإجراءات إعادة الأموال المودعة في البنوك الغربية والمسروقة من أفغانستان من قبل قادة النظام السابق ضمن برنامج يأخذ بنظر الاعتبار الاحتياجات الأساسية لسكان أفغانستان، كذلك الذي نفذ في العراق فترة حكم الطاغية صدام حسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك