الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن اليسار الماركسي المغربي و-قطب الرحى المزعوم-!

وديع السرغيني

2022 / 2 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كثر الحديث والدعوات لغاية توحيد صفوف اليسار وتقوية كفاحيته في الساحة النضالية، وهي فكرة حسنة وطموح محمود، يستحق الإشادة والتنويه.. الشيء الذي دفع بمجموع فصائل هذا اليسار للإدلاء برأيها في الموضوع حسب الطريقة التي رأتها مناسبة.. إذ لم يتأخر حزب "النهج الديمقراطي" كمكون من صلب هذا اليسار، عن طرح وجهة نظره في شكل تقييم لأوضاع هذا اليسار في مناسبات شتى، تميز في أهم ملاحظاته وتقديراته بالذاتية والأستاذية المقيتة، التي لا يمكن أن تليق بفصيل يساري مناضل يطمح بمغالاة، للعب دور قطب الرحى في صفوف هذا اليسار، والعهدة على الراوي..!
فعلى هذا المنوال لخص أحد الرفاق من صفوف الحزب، رأيه بخصوص يسار هذا اليسار، أو قطب الرحى وسط اليسار الماركسي كما ادعى "الرفيق" بهذه الصيغة التي لا تخلو من اعتبارات تلميعية صبيانية وليس إلاّ.. والحال أن الحزب المعني لا يعدو سوى تجمعا مناضلا ديمقراطيا في اللحظة الحالية، يسعى بكل جهده للمساهمة في الثورة الاجتماعية المنشودة، لا أقل ولا أكثر.
وللمزيد من الوضوح والتفاعل الإيجابي مع مثل هذه التصريحات ومع جميع وجهات النظر المناضلة سنحاول الإدلاء برأينا في الموضوع، تجنبا للخلط والتمييع الذي لحق بهكذا مفاهيم وانتماءات. ونحن منذ البداية معترفين أشد الاعتراف بواقع اليسار المعروف باختلالاته وتشردمه، لدى الجميع العام والخاص، الصديق والعدو.. وهو واقع مريض لا يؤهل هذا المسمى يسارا بأن يلعب أي دور ريادي في مجرى التغيير الذي تنشده وتتطلع له جماهير الشعب الكادح المغربي.
فاليسار، ومنذ ولادته وتشكله تاريخيا، كان معارضا مبدئيا ومناهضا للبرجوازية واختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. على عكس هذا اليسار الذي يعيش بيننا دون أن نعرف بالضبط آفاقه وماذا يريد.. فعدا تشبثه المخزي بالمَلكية التي ظل يناشدها بـ"أن تسود ولا تحكم" فلا نشتم منه أية نفحة يمكن أن تموقعه إلى جانب المناهضين للرأسمالية والملكية والتملك.. فحسب وجهة نظرنا إما أن يكون هذا اليسار ثوريا، وجمهوريا، واشتراكيا أو لا يكون.
على هذا الأساس ومن أجل إصلاح أوضاع اليسار الحقيقي الذي نتشرف بالانتماء لصفوفه، يعني اليسار الاشتراكي المناضل، لا بد من معالجة أوضاعه التنظيمية فورا والتي تعاني بوضوح من التشردم والتفتت القاتل. ومن أجل هذه المعالجة لا بد من المراجعة والتأكيد من جديد على المبادئ والمرجعية الماركسية حتى لا نزيغ عن السكة الصحيحة.
إذ لا غرابة ان يتقدم رفيقنا بهكذا تقييم لحالة اليسار "هناك اليسار الماركسي الذي يشكل فيه النهج الديمقراطي قطب الرحى بحث، وهو الأكثر تنظيما وقدرة على إدارة الصراع السياسي وقيادته، إلى جانبه هناك ماركسيين ويساريين غير منظمين تقتلهم الانتظارية يوميا، رغم مبادرات النهج تجاههم للعمل سويا في اتجاه بناء حزب العمال وعموم الكادحين".. إنها النرجسية في أسطع مظاهرها، نرجسية متعالية تقزم وتحتقر مختلف فعاليات اليسار المناضل، وهي بالتالي لا تساعد على الوحدة والعمل المشترك من أجل إنجاح مشروع التغيير الاجتماعي المنشود.. بل تدفع عموم الفصائل الوحدوية المناضلة للتريث وأخذ المسافة اللازمة تجاه هذا المكون اليساري الذي اعتد نفسه دائما قطب الرحى والقائد الطليعي الذي لا يشق له غبار خلال هذه المرحلة وفي مراحل سابقة.. أما الحزب "حزب العمال وعموم الكادحين" فتلك قصة أخرى تحتاج للتحليل والنقاش والتفاعل مع مختلف وجهات النظر اليسارية في الساحة.
فمعالجة الموضوع لا تحتاج للمزايدة والتباهي الذي يذكرنا بتصريحات زعيم الاتحاد الاشتراكي الذي لا يتوانى عن وصف حزبه بأنه اليسار نفسه، حيث يصبح واجبا على جميع اليساريين الذين هم خارج الحزب الالتحاق به للمساهمة في "المسلسل الديمقراطي" لإنجاح مشاريع التنمية والسلم الاجتماعي..الخ
وللمزيد من التوضيح والتذكير، فقد سبق أن انخرطنا في هذا النقاش حول مواصفات الحزب الثوري من منظور الماركسية والتصور اللينيني العملي، للمساهمة في تشييد الحزب استنادا على هذا المنظور المتميز، في عدة مناسبات. وهو نقاش مشروع يحاول رصد مسار هذا الحزب وتحديد طبيعته ومحدودية تأثيره في الصراع السياسي الدائر ببلادنا، علاقة بمشروع التغيير المنشود. فالحزب المعني صراحة ينتمي للصف الديمقراطي الراديكالي المعارض، له وجوده في الساحة ويتميز بحضوره الميداني الدائم وسط الحركة الاحتجاجية بجانب العديد من الإطارات الجمعوية وبعض الاتحادات الممثلة لرجال التعليم وموظفي الجماعات ومختلف المصالح والإدارات..الخ له من المواقف المتميزة بجذريتها وحزمها تجاه النظام القائم باعتباره نظاما لا وطنيا، ولا ديمقراطيا، ولا شعبيا.. عميلا للامبريالية، وخادما لمصالحها وحليفا للرجعية العربية في المنطقة ومتآمرا على الشعب الفلسطيني وخائنا لقضيته الوطنية ولمشروعه التحرري الهادف للانتصار على الصهيونية وشطب كيانها من كامل التراب الفلسطيني.. الشيء الذي يعرضه باستمرار للمضايقات والمتابعات والاعتقالات حتى.. إنه حزب مناضل بدون شك، تربت قيادته أو أغلبها في منظمة "إلى الأمام" التي تم تطعيمها بقاعدة لا بأس بها من المناضلين الديمقراطيين الذين خبروا النضال في الجامعات وسط الحركة الطلابية وفي صفوف "النهج الديمقراطي القاعدي"، بالإضافة لتجربة البعض وسط الاتحادات المهنية المناضلة وسط رجال التعليم والصحة وموظفي الجماعات.. بمرجعية جديدة وبشعارات جديدة سمحت للحزب باقتحام الشرعية القانونية وبالنضال تحت عباءتها والتكيف مع مستلزماتها.
لكن وبالرغم من هذه المراجعة البينة والانحراف عن خط منظمة "إلى الأمام" ما زال الحزب يحافظ على بعض العلاقات وسط البعض من فصائل حركات التحرر العربية والعالمية، والبعض من الأحزاب التقدمية والشيوعية داخل بعض البلدان، من ضمن ما ورثه عن المنظمة الثورية "إلى الأمام".. وهو الشيء الذي يلزم جميع التيارات التقدمية على كسب هذا الفصل لمصلحة التغيير والثورة عبر انتشاله من تحالفاته التاكتيكية المتهورة والانتهازية مع قوى الغدر والظلام الرجعية.
فالفصيل، وبالرغم من ادعاءه والجزم بانتماءه لصفوف الحركة الماركسية اللينينية المغربية، وبأنه تيار ماركسي يسعى بكل جهده لتشييد حزب "الطبقة العاملة وعموم الكادحين" في المغرب، إلاّ أن ممارساته ومواقفه المعلنة وتحالفاته المشبوهة وغير المحسوبة، أفضت وما زالت لعكس هذا الطموح.. إذ ظل الحزب حبيس النظريات البرجوازية الصغيرة المنغلقة والمكتفية بقاعدة اجتماعية من المتعلمين، من مهندسين وموظفين ورجال التعليم وأساتذة جامعيين، أثبتت محدودية نضالها وضيق أفقها...الشيء الذي لا يؤهلها لاحتلال وكسب موقع "قطب الرحى" وسط حركة اليسار الماركسي بهكذا قاعدة اجتماعية.
صحيح أن هناك في المقابل قاعدة مهمة في صفوف الحركة الماركسية تعاني فعلا من الانتظارية وتعيش واقع اللاتنظيم والشتات، الذي عطـّل ومازال دينامية هذه الحركة وعمق من أزمتها، لكن ما هكذا تعالج الأزمة، يعني أزمة الحزب وغياب الأداة الثورية المعبرة فعلا عن هموم ومطامح الكادحين غير المالكين...الشيء الذي يحتاج "لوصفة" مغايرة، وحدوية ومتفاعلة مع أجود العناصر الماركسية وأخلصها للمشروع الثوري الاشتراكي، لأن تصور الحركة لبناء الحزب ليس موحدا في صفوف اليسار الماركسي، واستراتيجيته ليست موحدة، وكذلك تكتيكاته التي تبدو في بعض الأحيان متناقضة، وعدوانية لحد التنافر..
فكثرة المبادرات التي قام بها الحزب وغيره في هذا الاتجاه الذي يطمح للمّ شتات اليسار لن تجدي في شيء، إذا لم تتبرم من النرجسية والتعالي وكسب السبق والتجريبية في غالب الأحيان..الخ، إذ لا يخفى على أحد أن الحزب المذكور انخرط في كذا مبادرات في هذا الاتجاه ومن أجل هذه المهمة بدءا بمحاولات لمّ شمل اليسار أواسط التسعينات، ثم الانخراط في بناء وهيكلة "تجمع اليسار الديمقراطي" وانتهاء بنسج العلاقات وتوطيدها مع القوى الظلامية، من جماعة "العدل والاحسان" و"الحركة من أجل الأمة" و"البديل الحضاري"..الخ بعد فشل محاولاته مع تجمع اليسار في مهمة الوحدة والاصطفاف.. فليس عبر هذا النهج الأحول والانتهازي في نهاية المطاف، يمكننا الخوض في مهمة بناء حزب ثوري مناضل، قادر على الصمود والانغراس وسط جمهور الكادحين المحرومين وغير المالكين، في النضال من أجل الإطاحة بالرأسمالية وبناء الاشتراكية على أنقاضها...
فأن يخوض الحزب في هكذا تكتيكات دون استشارة أحد، ودون التوقف عن التباهي بها، مستمرا في التنسيق مع هذه القوى الصريحة بمعاداتها للاشتراكية والدمقراطية وحرية التعبير، قوى ظلامية متشبعة بفكر الاستبداد دون أن تخفي احتقارها وتشييئها للمرأة.. قوى مشرعنة للاستغلال والتربح والتفاوتات الطبقية "بما يرزق الله وينعم به"، مقدسة للملكية لأبعد الحدود.. فإنه العجب العجاب أن يستمر هذا الحزب في الإعلان عن انتماءه "لليسار الماركسي" منتظرا وملتمسا من الماركسيين واليساريين غير المنظمين "الالتحاق بجوقته هذه، وأن تكون هدايتهم للطريق الصحيح على يده وعبر مبادراته الثاقبة والمتبصرة...
إنها مبادرات حولاء ومشوشة، بل وانتهازية إلى حد كبير، مبادرات لا تكف عن خلط الرايات وتعطيل المشروع التحرري الاشتراكي.. إنها مبادرات غير مقبولة، لا تشرف أي ديمقراطي بالخوض في خطواتها وبرامجها.. حتى لو بنيت زيفا على شعار هذه المهمة النبيلة، التي هي المساهمة في بناء حزب عمالي يصون مصالح عموم الكادحين والمحرومين في المدن والأرياف سواء بسواء...هذه المهمة التي لا يمكن أن ينجح فيها أو يتقدم في خطواتها عموم الماركسيين واليساريين غير المنظمين "إلا عبر الوضوح والحوار الديمقراطي والتنسيق والانخراط في بناء مشاريع تنظيمية أولية تتغلب على أوضاع الفراغ التنظيمي القاتل، غير بناء تنظيم في المستوى المطلوب الذي يراعي مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين، تكتيكيا واستراتيجيا دون التنازل، ولو لقيد أنملة، عن الخيار الاشتراكي النبيل".
فاليسار الماركسي كتيار، لا تنكر مكوناته وفعالياته هذا الوضع التنظيمي المتردي، الذي يعبر بصدق عن عجزنا وتخلفنا عن مهمة الارتباط بالطبقة العاملة، وعن الانغراس في صفوف الفئات الشعبية الكادحة ذات المصلحة في الثورة والتغيير.. وهو وضع مهما كانت قساوته فلا يبرر بأي شكل من الأشكال والذرائع خطوات ملغومة من هذا الشكل، فإيّاكم والتنازل عن المبادئ، في جميع المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية، لأن التنازلات والمواطآت مع قوى سياسية مغرقة في الظلامية، عدوة للحرية والديمقراطية والاشتراكية، يخرب المشروع ولا يساهم في بناء سوى المسخ من التنظيمات البرجوازية الصغيرة المائلة دوما للاعوجاج والانبطاح وخيانة القضية والشهداء منذ خطواتها الأولى.
فكفانا من اتخاذ هذا الفراغ مشجبا ومبررا يدعى الخروج من هذه الأزمة التنظيمية والانتصار عليها.. إنه "البريكول" القاتل والعاجز نظريا وعمليا عن التقدم في مشروع بناء الحزب الاشتراكي المناضل، حزب الطبقة العاملة المستقل نظريا وسياسيا وتنظيميا عن باقي الفئات والطبقات الاجتماعية المتضررة من وجود الرأسمالية وهيمنتها على الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية ببلادنا، يعني أن المعركة هي معركة طبقية، معركة نكون أو لا نكون كحركة اشتراكية مناضلة، واضحة في انتماءها وشعاراتها وبرامجها ومشروعها المجتمعي...الخ.
فعلى هذا الأساس يتم وضع اللبنات الأولى للحزب من المنظور الماركسي القويم، الذي سيضمن فعلا استقلالية الطبقة العاملة عن جميع الفئات والطبقات التي لها مصلحة في التغيير، وفي تعارض تام مع البورجوازية وحلفها كنقيض ثابت لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة