الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدُّيُون العُمُومية أغلال تُكبل الوطن والمواطن

الطاهر المعز

2022 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


أي برنامج اقتصادي للحركات التقدمية العربية؟

تابعتُ العديد من مُداخلات المناضلات والمناضلين التّقدّميين بمصر وتونس، من خلال وثائق مكتوبة أو سمعية ومرئية، بشأن الوضع بعد 2011، وتركز معظمها على جوانب هامة، منها القانوني والحُقُوقي والدّستوري والسياسي، وبودّي المساهمة بهذا النّص المُخْتَصَر، الذي يتطرق إلى جانب واحد من موضوع تبعية الدّول المُقْتَرِضَة وخضوعها للشروط المُجحفة للدّائنين، وتكتفي الفقرات التالية بمُؤَسَّسَتَيْن مالِيَّتَيْن، هما البنك العالمي، وصندوق النّقد الدّولي، لِدَوْرِهما في توجيه السياسات الحالية لحكومات تونس ومصر، ودول أخرى...
...
نشأت المؤسسات المالية "البنك العالمي" و "صندوق النقد الدولي" بواشنطن، حيث مَقَرُّهُما، كأدوات اقتصادية ومالية بيد جزء من المُنتصِرِين في الحرب العالمية الثانية، كالولايات المتحدة أساسا، وأوروبا التي انتهى دورها كقوة مُهيْمنة على العالم، وأصبحت مَدِينة للولايات المتحدة، وكان هدف إنشاء هذه المؤسسات المالية، ضخ الأموال لإعادة إعمار أوروبا الغربية التي دَمّرتها الحرب، وساهمت الطائرات الحربية الأمريكية في تدميرها، بهدف زيادة حجم الخراب، والسيطرة على أوروبا، من خلال زيادة الإستثمارات الأمريكية في إعادة الإعمار، وتصدير المواد المُصنّعة، فضلاً عن الهيمنة الإيديولوجية، مع التّذكير بضغط الولايات المتحدة على الدّول الأوروبية لكي تتنازل عن دُيُون ألمانيا، وعن الغرامات التي فرضتها "عُصْبَة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى، لكن ألمانيا والولايات المتحدة رفضتا التنازل عن دُيُون اليونان، خلال أزمة 2008 - 2018، وهي ديون كريهة، استفادت منها الدكتاتورية العسكري 1967 - 1974، والشركات والمصارف الألمانية، التي أنجزت ومَوّلت أشْغال البنية التحتية للألعاب الأولمبية بأثينا سنة 2004، وكذلك المصارف الأمريكية التي مولت (من خلال القروض) صفقات اليونان الضخمة لشراء الأسلحة الأمريكية...
أما الهدف الأبْعَد لهاتَيْن المُؤسّسَتَيْن الدّوليّتَيْن فكان فرض نظام اقتصادي عالمي جديد تهيمن عليه الإمبريالية الأمريكية، واستَمَرَّ الأمرُ طيلة أكثر من ثلاثة عُقُود، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية، خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حيث تمكّنت الإمبريالية الأمريكية، عبْرَ البنك العالمي وصندوق النقد الدولي (بالإضافة إلى منظمة التجارة العالمية) من فَرْضِ "النيوليبرالية" (الليبرالية الإقتصادية الجديدة ) على كوكب الأرض كله.
...
يتم تعيين مدير البنك العالمي من قبل الولايات المتحدة ويتم تعيين مدير صندوق النقد الدولي من قبل أوروبا، ما يجعل من هاتَيْن المؤسستيْن الماليتيْن اللتيْن تأسّسَتا في واشنطن سنة 1944، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، مجرّد أدوات هيمنة للقوى التي أسّسَتها، خلال ما عرف باتفاقيات بريتون وودز ( 1944) التي تم تَحْيِينُها خلال "وفاق واشنطن" سنة 1989، قبل نحو أربعة أشهر من سقوط جدار برلين.
تتحكّم الولايات المتحدة، ومعها الدّول الإمبريالية الأخرى، بالمؤسسات المالية الدّولية، من خلال وزنها أثناء التصويت على القرارات الهامة التي يتخذها مجلس إدارة صندوق النقد الدّولي، والتي تتطلب الحصول على 85% من الأصوات، بينما تمتلك الولايات المتحدة (بعد إصلاحات 2015 و 2016) نسبة 16,53% من حقوق التصويت، أي أنها قادرة على تعطيل أي قرار يتطلب الحصول على نسبة 85% ويمتلك الإتحاد الأوروبي (ككيان موحّد) نسبة 29,61%، ولا تمتلك الصين، ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وفق احتساب إجمالي الناتج المَحَلِّي، سوى 6% بعد الإصلاحات.
قام البنك العالمي بتمويل الأنظمة الديكتاتورية في أوروبا (البرتغال وإسبانيا) وأمريكا الجنوبية (البرازيل والأرجنتين وتشيلي)، وآسيا (كويا الجنوبية وإندونيسيا والفلبين) والعسكريين الذين نفذوا انقلاب تركيا سنة 1980، بشروط مُيسّرة، بينما رفض منح طلبات القروض التي قَدّمتها الأنظمة التقدمية في تشيلي (تحت رئاسة سلفادور أليندي)، ونيكاراغوا بعد سقوط دكتاتورية سوموزا ، وفنزويلا، رغم الشروط المُجحفة التي تُرافق القُروض، ورغم الإجراءات النيوليبرالية التي تزيد من تبعية البلدان الفقيرة، وتزيد من تعميق التفاوتات الاجتماعية داخل كل بلد، منها التخفيضات في الإنفاق الحكومي، وخصخصة الخدمات العامة والتعليم والصحة والنّقل، وإلغاء دعم السّلع والخدمات الأساسية كالغذاء والطاقة، بالتّوازي مع التخفيضات الضريبية للأثرياء وغيرها من الإجراءات التي يفرضها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ويُؤَدِّي سوء التغذية الذي أنتَجَتْهُ هذه الإجراءات إلى قتْل 2,5 مليون طفل سنويا، كما أدّت إلى نسف المكتسبات الإجتماعية وإضعاف دور نقابات الأُجَراء وبزيادة حَجْم الإقتصاد المُوازي والوظائف الهَشّة...
ينتقي البنك العالمي المشاريع المُربحة حيث رفض تمويل بناء المدارس والمستشفيات، وتمت الموافقة لأول مرة على تمويل أول مدرسة سنة 1962، وتتميز قروضه بارتفاع فاتورة "الخَدَمات"، أي متابعة تطبيق الشّرُوط، وهي مبالغ تُضاف إلى فوائد الدّيون التي تعادل نسبة الفائدة في الأسواق المالية، فضلا عن الشروط التي وَرَدَ ذكرُها، منها فَرْض استخدام القروض في إنتاج سلع مُعَدَّة للتصدير، لِيتم إيداع أكثر من 95% من عائدات صادرات الدول الفقيرة في مصارف الدّول الغنية، واستخدامها في توريد مواد أخرى، وبذلك لا تستفيد منها سوى الدّول الغنية...
لقد شوهت الولايات المتحدة سمعة أولئك الذين حاولوا مقاومة البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي، واستخدمت التهديد والإغتيال وتنظيم الإنقلابات ضد سلفادور أليندي (تشيلي) وهوغو شافيز (فنزويلا) أو رافائيل كوريا (إكوادور) بعد محاولات بعض زعماء أمريكا الجنوبية إنشاء "بنك الجنوب" (بدل البنك العالمي)، أو معمر القذافي الذي حاول إنشاء بنك أفريقي ...
كان البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي من بين مُهَنْدِسِي ومُصَمِّمِي "وفاق واشنطن" (1989) الذي كَرَّسَ الهيمنة الأمريكية شبه المُطْلَقَة على العالم، بدعم من "مدرسة شيكاغو" التي أعادت صياغة الخطاب والتكتيك النيوليبرالي، مع بعض التّغْيِير في شكل الخطاب الذي أصْبَحَ أكثر ديماغوجية، ويدّعي البنك والصندوق أن القُروض تُساهم في دَفْع عجلة التنمية وفي خفض حجم ونسبة الفَقْر في الدّول المُقْتَرِضة، من خلال إطلاق يد القطاع الخاص، وتحجيم تدخّل الدّولة وترك الحُرّيّة للسوق لتحديد أسعار السلع والخدمات الأساسية، مع الإشارة أن البنك العالمي (الذي كان إسمه في البداية البنك الدّولي للإنشاء وإعادة التّعمير للمُساهمة في إعادة إعمار أوروبا الغربية) أصبح "مجموعة" من المؤسسات المالية، اختصت كل منها في أحد المجالات، حيث يُموّل البنك العالمي عملية الخصخصة التي اشترطها قبل الموافقة على القُرُوض، ليأتي دور "مؤسسة التمويل الدولية" (التابعة لمجموعة البنك العالمي) لتستثمر في الشركات المخصخصة، بضمان من "الوكالة الدولية لضمان الاستثمار"، وفي حال حدوث نزاع مع الحكومات، أو مع طرف من البلدان الفقيرة، يَبُتُّ "المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار" في الأمر، بإصدار أحكام غير قابلة للإعتراض، أي أن البنك العالمي (ومن ورائه الولايات المتحدة) يُصبح خَصْمًا وحَكَمًا، وبذلك تمكّن البنك العالمي، منذ سنة 1983، من زيادة إيراداته، فأصبحت الأموال التي يحصل عليها من الدّول الفقيرة، بعنوان استخلاص الدّيون وفوائدها، تفوق المبالغ التي يُقْرضها البنك، كل سنة، أي إن البنك العالمي يُحقق فوائض سنوية هامة، من عرق عاملي وفقراء البلدان الفقيرة...
...
تَنْسِفُ شُرُوط الدّائنين (حَظْر تمويل المشاريع التي تُلَبِّي حاجة الأسواق الدّاخلية) سيادة الدّولة المُقْتَرِضَة، وتُضَيِّق هامش استقلالية قراراتها، لأن الدائنين يشترطون المراقبة والإشراف على كافة الوثائق والمشاريع الإقتصادية والمالية، والقرارات الحكومية، ويفرضون نظامًا اقتصاديًّا ومَالِيًّا مُتكامِلاً، تحت عنوان "برنامج الإصلاح الهيكَلِي" الذي يتضمّن خفض عجز الموازنة، من خلال خفض الإستثمار والإنفاق الحُكُومِيَّيْن، وخفض الإنفاق الإجتماعي، وتحويل المال العام إلى الشركات الخاصة، بذريعة "الشراكة بين القطاع العام والخاص"، وخفض الضرائب على الأثرياء وعلى الشركات، مع زيادة الضريبة على دخل الأُجَراء والضرائب غير المباشرة (الضريبة على استهلاك السِّلَع والخدمات)، ما يُؤَدِّي حتمًا إلى زيادة فاحشة لثروات أقلية من الأثرياء، مقابل تدهور ظُروف العيش لأغلبية السّكّان الذين يحاولون المقاومة، مُقومة الدّولة التي طبّقت شُرُوط الدّائنين، لكن الدّولة تهيأت لذلك فحوّلت (بإشراف الدّائنين) المبالغ التي جمعتها من خفض الإنفاق على التعليم والصحة العموميين، وأضافتها إلى ميزانية "الأمن"، الشرطة، وكذلك الجيش الذي يتحول دوره من مدافع عن حُدُود الوطن إلى مُدافع عن النّظام ضدّ العاملين والفُقراء والمُعارضين، وضحايا تطبيق شروط الدّائنين، وعلى العموم، ألحقت سياسات وشروط هذه المؤسسات المالية، وإصرارها على "الإستقرار المالي" قبل أي اعتبار آخر، ضررًا كبيرًا باقتصاد الدّول الفقيرة الخاضعة للهيمنة الإمبريالية (الإستعمار الجديد)، وأدّت هذه السياسات والشُّرُوط إلى زيادة النهب الأجنبي وهيمنة الشركات الأجنبية على الشركات المحلية، وعلى القطاع العام الذي تمت خصخصته (الإتصالات والكهرباء والمياه والموانئ الجوية والبحرية...)، وإلى زيادة الفساد، فضلاً عن ارتفاع نسبة وحجم الفقر والبطالة وإلى نسف كافة المقومات الضرورية لبناء اقتصاد وطني، يخدم مصالح العاملين والمواطنين ويُلَبِّي حاجياتهم...
من الضّروري توسيع رقعة المقاومة الشعبية للإجراءات التي يفرضها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، من أجل خلق توازن قوى ملائم للعمال والفقراء والشعوب المضطهدة. من الضروري وضع حد لنظام الدّيون الفاسدة، والبدء بتعليق تسديد الدّيون وفوائها، وتعيين لجان تحقيق وتدقيق في شروط القروض وفي شروط استخدامها، ومن الضروري إلغاء الإجراءات التي فرضها البنك العالمي وزيادة الضرائب على الثروة لتمويل الإنفاق على الصحة والتعليم والنقل العام والإسكان ...
تبدو التعبئة الشعبية ضرورية للمطالبة بإلغاء الديون، فمطالب (شُرُوط) الدائنين غير شرعية وغير قانونية ومُضِرّة وبغيضة لأنها لم تُنْفَقْ في صالح أغلبية السّكّان، لكن إلغاء الديون ليس غاية، بل تُمَكِّنُ من ادّخار قيمة الأقساط وفوائدها من أجل تمويل برنامج اقتصادي واجتماعي، والإستثمار في المشاريع الفلاحية والصناعية التي تنتج لتلبية احتياجات السكان المحليين من غذاء وصحة ومنتجات ضرورية مختلفة، يستخدمها المواطنون في الحياة اليومية، وكذلك الإستثمار في الخدمات التي تُيَسِّرُ حياة المواطنين، خصوصًا في المناطق الفقيرة، كالأرياف والأحياء الشعبية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة