الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسي أميتاي و- اليسار الإسرائيلي -

سعيد العليمى

2022 / 2 / 17
القضية الفلسطينية


شغل يوسي أميتاي منصب مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة 1997– 2001. وهو عضو كيبوتس جفولوت، ومحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط بـ جامعة بن جوريون في النقب، وقام بتأليف العديد من الكتب منها اليسار المصري والصراع العربي الإسرائيلي 1947 – 1978(58). ورغم ما ذكر في عنوانه من أن الكتاب يغطى فترة زمنية معينة تقع في إطارها الحلقة الثالثة من الحركة الشيوعية المصرية خاصة ما اصطلح البعض على تسميته بمنظمات "اليسار الجديد"، إلا أن الكتاب لا يتناول سوى مواقف الحلقة الثانية بصفة أساسية وممثليها البارزين حتى الاتفاقيات الأولى بين مصر وإسرائيل عقب زيارة السادات إلى القدس في نوفمبر 1977.
وهو يستخدم عبارة "اليسار المصري" بشكل تعميمي ساحبًا مواقف حدتو وكورييل عليه رغم تعدد منظماته الحزبية ورغم عرضه لمواقفها المغايرة في مواضع أخرى. وهو لا يخفي تعاطفه مع كورييل ومفاهيمه "حول السلام العادل في الشرق الأوسط" وآراء حوارييه أمثال ألبير آرييه وغيره .
ويعلن المؤلف منذ الصفحات الأولى "قانون إيمانه" فقد تبنى "النظرية الماركسية غير الدوغمائية"، ومن ثم يقبل بشكل بديهي "بحق جميع شعوب العالم في تقرير المصير" وبالطبع "بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الحرة إلى جانب دولة إسرائيل". وقد هاله التناقض الذي وجده بين قبول معظم اليساريين المصريين للتقسيم عام 1947 وبين انخراط حزب التجمع سليل حدتو في معارضة مبادرة السادات، واتفاقيات كامب ديفيد. وهو ينتمي لمن تحمسوا للسلام الإسرائيلي المصري، واعتزوا باعتبار "مصر" هذا السلام "خيارًا استراتيجيًا"(58) وهو ينظر بتعاطف شديد لآراء ومواقف كورييل ومجموعة روما. ويكرر مثل سابقيه ممن عرضنا آرائهم فيما سبق خاصة جويل بينين وجينارو جيرفازيو، تعميمًا لا تاريخيًا يفتقر إلى رؤية الاختلافات الطبقية العميقة بين مراحل تطور البورجوازية المصرية وروابطها الإقليمية والعالمية ومراحل تطور الشيوعية المصرية فيقول أن هناك "... إشكالية حقيقية حساسة صاحبت حركات اليسار المصرية على مدى تاريخها أي التناقض بين إعطاء الأولوية للصراع الاجتماعي الطبقي من جهة وإعطاء الأولوية للتحرير الوطني للمجتمع الخاضع للاحتلال الأجنبي من جهة أخرى" (59).
وإذ يكرر ما أورده كورييل في كتابه من أجل سلام عادل من آراء ومواقف حيث كان يراقب من منفاه الباريسي بقلق شديد عملية التطرف التي تجتاح الشيوعية المصرية يأسف أميتاي لأنه "على الرغم من تأملات كورييل تلك، التي ارتكزت على مبادئ ماركسية تقليدية واعتمدت على التحليل العقلاني إلا أنها لم يكن بها ما يحول دون مد التوجه القومي الراديكالي الذي ترسخ في صفوف اليسار المصري ..."(60).
والخلاصة أن رؤية كورييل التي يحبذها تتناقض تمامًا مع رؤية جميع اليساريين المصريين بكل تلاوينهم المتصلبون والمرنون منهم " فعلى عكس هؤلاء وهؤلاء فإن كورييل لا يعتبر إسرائيل "حقيقة استعمارية" و"أداة إمبريالية" بل كيان قومي شرعي له الحق في الوجود والأمن بدون شك كما لا يعتبر السلام العربي الإسرائيلي "استسلامًا" من الجانب العربي أو "إملاءً إمبرياليًا" ... وفي الحقيقة هذه هي الفرصة الوحيدة من أجل إضعاف سيطرة الإمبريالية على الشرق الأوسط وتحقيق التطلعات العادلة والشرعية للعرب وخاصة الفلسطينيين" (61). هل تحقق أي شيء من ذلك؟! الواقع أن السلام الإسرائيلي عمق النفوذ الإمبريالي، وعزز الوجود الاستيطاني الصهيوني، وحقق ما لم تحققه أي حروب سابقة هزم العرب فيها عسكريًا.
ويطرى "الماركسي غير الدوغمائي" أميتاي نتائج حرب أكتوبر 1973 التي غيرت جدول "الأولويات القومية" وتأثيرها خاصة على الصراع العربي الإسرائيلي:
"لقد نجح السادات في استغلال الإنجازات العسكرية والسياسية لحرب أكتوبر... لكي يضع أسس وتغيرات جذرية واسعة النطاق بدأها في مصر منذ توليه الحكم . كان الانفتاح الاقتصادي يمثل نواة هذه التغيرات والتي استلزمت في المقابل، تغيرات أيضًا في علاقات مصر الخارجية على النطاق العربي ... وعلى الصعيد الدولي ... كما استلزمت تغيرات في الشكل التنظيمي للنظام . وقد استلزم كل ذلك التعامل بشكل واقعي مع مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي لاستغلال ثمار الإنجازات السياسية والعسكرية لحرب أكتوبر وإعطاء دفعة للواقع الجديد والتي من شأنها إضعاف التداعيات المؤلمة للصراع على التطور الاقتصادي والاجتماعي في مصر."(62)
تجاهل الباحث الإسرائيلي يوسي أميتاي تمامًا مواقف المنظمات الشيوعية المصرية في السبعينات، - كما لم يورد سوى عبارات موجزة عن الحركة الطلابية المصرية - وشعاراتها ومواقفها التي تجاوزت الأفق البورجوازي، وناهضت النظام القائم وطرحت ضرورة الإطاحة به، وتجاهل كتابات هامة مثل كتابات إبراهيم فتحي ونقده لهنري كورييل بوصفه النقد الأشد راديكالية، وكان من المنطقي ومما يتسق مع مواقفه أن يتجاهل كتاب عبد القادر ياسين عن القضية الفلسطينية في فكر اليسار المصري. والحال أنه لم يقدم جديدًا يفوق ما قدمه صاحب من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط فيما يخص موضوعنا. وهو يدعو بالطبع إلى حوار يساري - يساري في مصر، ويروج مثله مثل من سبقوه وراء لافتة يسارية أو حتى ماركسية للتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني التوسعية – العنصرية – المخفر الأمامي للرأسمالية الإمبريالية المناهضة للشعوب العربية وطبقاتها الكادحة المتطلعة للاشتراكية. إن من يريد أن يكون ماركسيًا عليه أن يثور ضد احتلاله، واستعماره الاستيطاني واضطهاده واستغلاله، ويقف ضد الهجرة اليهودية واستئصال الشعب الفلسطيني والتوسع العدواني، وأن يعمل على الإطاحة بدولة إسرائيل وهياكلها السياسية من أجل إقامة جمهورية ديموقراطية علمانية لكل سكانها من يهود وعرب. أي تصفية الامتياز الاستعماري العرقي بتصفية النظام الرأسمالي الذي يقوم عليه هذا الامتياز.
أتى الأكاديمي يوسي أميتاي ممثلًا لدولة إسرائيل في مصر وليس مندوبًا "أمميًا" عن اليسار الإسرائيلي ، وربما لم تكن هناك حاجة لذكر أن المركز الأكاديمي الإسرائيلي نشأ استنادًا لبنود معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي حتمت التبادل الثقافي بين البلدين. وعلى هذا الأساس، أقيم المركز بالقاهرة، عام 1982.
لقد شاعت الآراء السابقة فى أوساط اليسار الأوروبى بأشكال مختلفة وربما كان واحدا من مصادرها الأصلية هو الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر ( 21 يونيو 1905 – 15 أبريل 1980 ) حيث أصدر كتابه تأملات فى المسألة اليهودية " عام 1944 . وقد عبر عن أفكاره السياسية بلغة الفلسفة الوجودية ورأى أن محاولات اليهود التحرر من الإضطهاد تتجلى فيها فكرة المسؤولية والإختيار والموقف الوجودى الحر ، ولم يعدوا العنف والمجازر التى إرتكبوها بإزاحة شعب بكامله عن موطنه فى نظره سوى أداة للتحرر وخلق الذات اليهودية التى كانت موضع إضطهاد نمطى عبر التاريخ بلغ ذروته مع الإبادة العرقية التى حاولتها النازية . وقد إعتبر الصهيونية حركة تحرر يهودية لتجاوز معاداة السامية والإضطهاد ، ونفى صورة اليهودى التى ليست سوى فكرة عند الآخرين أضفوها عليه . فلا مشكلة فى اليهودى فى حد ذاته وإنما المشكلة فى تصور المجتمعات التى عاش فيها عنه ، حيث الفكرة عن اليهودى هى الشئ الجوهرى وهى منبع الإشمئزاز الإقتصادى أو الدينى . ومن هنا لابد من تعويضهم عما عانوه تاريخيا منذ العصور القديمة مرورا بالعصور الوسطى وحتى النازية فى العصور الحديثة وإعتبر إستيطان فلسطين " إختيارا شرعيا " لحل هذا المشكل الإنسانى " وأيد الهجرة اليهودية إليها . وهناك تشابه عميق بين أفكار الروسى بوروخوف ممثل الصهيونية الماركسية وبين هذه الوجودية الصهيونية التى نظر لها سارتر .مع ذلك ورغم تعاطف سارتر مع اليهود وإنشاء دولة إسرائيل كرد فعل على إضطهادهم العنصرى وإبادتهم العرقية فى أوروبا فلم ينتبه بل وتجاهل حقيقة أن الشعب الفلسطينى شعب مضطهد إقتلع من أرضه تعويضا عن مشكلة أوروبية لم يكن طرفا فيها – " مشكل إنسانى " أيضا . وإضطر سارتر بعد الأحداث اللاحقة على حرب يونيو 1967 ألا يتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى على أرضه وحاول التوفيق بين وجود إسرائيل وتلبية مطالب الشعب الفلسطينى بالعودة وإنشاء دويلة فلسطينية . وسعى لإجراء مصالحة من خلال مفاوضات مباشرة تنتهى بالإعتراف المتبادل بين الطرفين . وكان من دعاة حوار اليسار العربى والإسرائيلى وقد خصص عددا من أعداد مجلة الأزمنة الحديثة عام 1965 لهذا الحوار .(63)
هذه هي الصحبة التي بات في معيتها الباحث الإيطالي د. جينارو جيرفازيو والتي استلهم فكرته الأساسية منها.
مقتطف من مقال : ماركسيون لاقوميون يساريون ، ردا على جينارو جيرفازيو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية