الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في فقه الثورات - لماذا فشلت 17 فبراير الليبية؟
خالد محمد الزنتاني
كاتب
(Khaled M. Zentani)
2022 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية
أيها الإنسان إعرف نفسك – حكمة يونانية قديمة أوصى بها سقراط، فالرجل خبر الدكتاتورية وقاسى الظلم إلى حد اليأس أدرك ببصيرته الثاقبة أن سبر غور النفس البشرية هي افضل الطرق إلى معرفة الذات! وبهذه الفكرة الخالدة عرضت لنا الفلسفة أولى سبل النهوض بالإنسانية !
لا أظن أن فرصة عظيمة مثل فبراير ستتكرر ولازلت من أشد المؤمنين بأنها كانت فرصة لا تعوض للهروب من كماشة الإستبداد والتخلف.
فعقود من الفشل كان يقابلها تشخيص وحيد لا يتغير يرى المجتمع حالة دودية لا تصل إلى مستوى النظرية فإله المقولات لا يخطيء ولا يتراجع وقد مهد طريق الخلاص أمام البشرية فخرجت فبراير من القمقم لتلوي ذراع الدكتاتورية وتهد عروش الزيف وتفك الإرتباط مع نظام مسخ متخلف ينتمي لعصور ماقبل التاريخ وتعلن موت إلهة البطلان ..
لم يكن أحد من الكومبارس مخول بالتعامل مع ورطة بحجم فبراير هكذا عودهم وهكذا صوره شاعر البلاط من مكان إستراحته في فيلا كازابلانكا فقد ظن أن الرقبة التي تعودت الإفلات من حبل المشنقة كل مرة لن يعييها العثور عن حل في كل المرات فجلس في زاوية المكان وراء رقعة الشطرنج مزهو بنفسه يخفي تعابير الفشل والهزيمة خلف نظارة سوداء بينما بلاده تتقلب على صفيح ساخن في عواجل النشرات المسائية!
من كان يجرؤ أحد على إخباره أن لحظة الإنفصال التاريخية العظيمة قد أزفت وأن الحياة أكملت دورتها الطبيعية ولا شيء يعود إلى الوراء لكن الرعب الذي ملأ قلوبهم جعلهم يبتلعون ألسنتهم في أخطر منعطف تمر به البلاد الكل كان يبحث له عن بشرى يزفها، سمعت أحد معاونيه يطمئنه بطريقة أقرب إلى السخرية عن قرية صغيرة تقع في أقاصي الشرق لم تمر منها رائحة ميزانية التنمية في سنواتها الأربعين قد أخطأتها دعوات التمرد فكانت نكتة الموسم!
سقط الصنم كيفما سقط وهب نسيم بارد أنعش الأرواح لن أتشدق بالمصطلحات وأشارك في تزوير التاريخ أكثر ما هو مزور، جاءت رياح التغيير واقتلعت أبواب السجن وأهدتنا الحرية على طبق من ذهب دونما مشقة، فركلناها بجهل ونزق منقطع النظير وهوت داخل جرف سحيق مظلم.
لم يكن في ليبيا توغل حزبي يعقد الحياة السياسية؛ ولا أزمات إقتصادية خانقة؛ ولا إنقسام مجتمعي حاد يعطل الدستور؛ ولا تعداد سكاني يرهق مشاريع التنمية؛ ولا شح في الموارد يرهن البلاد إلى المجهول؛ كانت هناك مشكلة واحدة فقط لكننا لم نكن نعرف عنها شيء تعمدوا إخفائها عنا كل تلك المدة لكننا تفاجئنا بها تصدمنا يوم قابلنا أنفسنا وجها لوجه في المرآة لأول مرة وبدأنا نتساءل عن حقيقة من نحن ومن نكون!
تأبى الطريقة العربية المكاشفة والوضوح إستبدلناها بخاصية كنس الأوساخ تحت السجادة حتى لا تزعجنا رؤيتها، لاحقا كل مشاكلنا المكنوسة وجدناها مخبأة تحت السجاد عندما قررنا تغيير فرش ليبيا ..
بعد فبراير إستيقظنا على مطالب سمعنا عنها لأول مرة وتعالت أصوات تبحث عن حل لجميع المشاكل بعصا سحرية : عن الهوية، والدستور، وتقاسم الثروة، والنظام الإداري، والمركزية، والشريعة، ومدنية الدولة، فيما لم نكن نعلم شيء عن إختراع إسمه (الحوار المجتمعي والخيارات المتاحة) كل ما عرفناه وتشبعت به عقولنا ومارسناه وتدربنا عليه أبا عن جد في البيت والشارع والمدرسة هو العنف والتكفير والخيار الواحد وبالتالي كانت النتيجة الطبيعية لعشر سنوات من ثقافة الإلغاء هي الدمار للجميع والشلل وتوقف عقارب الزمن!
عن نفسي أرى فبراير ولدت ميتة وهذا من حقي وإكرام الميت دفنه ومعها دفنت كل أمل بالتغيير ولم يعد يهمني الآن كيف ستصل الديمقراطية هل ستأتي هي إلينا؟ أم نمشي نحن إليها؟ هناك إستحقاقات فكرية لا يستطيع العقل المثقل بأحمال الماضي التعامل معها أو التفكير فيها في ظل هذا التصحر المعرفي المزمن.
يرعبني ما أراه وأقرأه يوميا عن صناعة التفاهة ويرعبني أكثر الوضع الكارثي الذي وصل إليه المستوى الإنساني! أعرف ان الزمن هو بلسم الشفاء الأخير من كل الجراح لكن ما العمل والغالبية تريد كل شيء الآن على وجه السرعة خوفا من الرحيل قبل أن يلوح التغيير!
ينسب إلى الشافعي القول "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب!" وهو على أي حال رأي متقدم يؤسس لقبول الآخر وتعدد الآراء لو وضعه أجدادنا القدماء قاعدة ذهبية في الحكم بدل كثير من المنقولات والعنعنات الفقهية الأخرى التي لا طائل من ورائها لكان الحال يختلف عما نحن فيه اليوم من تيه وضياع.
وإنا لله وإنا إليه راجعون – الفاتحة على روح فبراير في ذكراها الحادية عشر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأدميرال ميغويز: قدراتنا الدفاعية تسمح بالتصدي للأسلحة التي
.. صدامات بين الشرطة وإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم
.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية ليلية تستهدف مناطق في مدينة ر
.. احتجاجات حرب غزة تقاطع حفل تبرعات للرئيس بايدن
.. ضربات إسرائيلية على مدينة حلب تسفر عن مقتل 38 شخصا من بينهم