الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين رجلين ... قصة قصيرة

منى نوال حلمى

2022 / 2 / 20
الادب والفن


بين رجلين .... قصة قصيرة
-------------------------------------------

بين رجلين
-----------------------------
فى لحظة خارجة عن مدار الأرض والمنطق ، دخلت إلى مصيرى المعتم فى عينيه.
لا خبرة عندى ولا دليل ، فى طريقى الملغم بالسواد ، ورقصات الأشباح .
لا زاد معى ، ولا ماء ، ولا قطرة من كبرياء ، فى رحلة وعرة الدروب ، خاصمها الشجر ، هجرتها متعة الترحال ، وسحر السفر.
على تنهيدة غجرية الإيقاع ، استيقظت ذات صباح ، على شدو قلبى ، " أحب هذا الرجل ".
وقف الجميع ضدى .
انضمت نفسى إلى جبهة الناس .عاتبتنى قائلة :" كيف أهون عليكِ إلى هذه الدرجة؟ كلهم معهم حق . أترميننى فى هاوية لا قرار لها ؟ ".
أنا وحدى بقلبى ، فى معركة شرسة غير متكافئة ، ضد مدار الأرض ، والمنطق .
أنا وحدى بقلبى ، ضد كل الناس ، وضد نفسى .
أنت وحدى بقلبى ، أقف فى صفه ضد العالم .
أزهو بحماقتى ، ويطربنى إلى حد الانتشاء غبائى .
الأشياء كلها تنبىء أنى فى صفقة خاسرة . راهنت عليه بعمرى الباحث عن عنوان. لعبت كل أوراقى ، استخدمت كل فنونى . خذلنى وخسرت الرهان .
فى بدايات المساء يأتينى صوته عبر الهاتف : " أين أنتِ ؟ اتصلت مرات ولم أجدكِ. أحدث شىء لا أعرفه ؟ ما رأيكِ ، هل نسهر معا الليلة ؟ ".
تغمرنى الفرحة ، فلا أسأله عن غرابة تصرفاته ، واختفائه أياماً تعبت من حسابها . أخاف أن أعاتبه ، حتى لا يحسنى قيداً على حريته ، أو عبئاً يثقل عواطفه .
موعدى معه ، يعيد إلى وجهى أحلى ملامحى . على موسيقى راقصة أرتدى أجمل أثوابى . أتعطر بأشواقى الجامحة إلى صحبته .
يلقانى مرحباً ، فأحس أنه قسمتى ونصيبى من الرجال .
يصافح ارتعاشه يدى ، بحرارة تقول أننى المرأة التى طالما انتظرها ، وتمناها .
بحنان يفزعنى يسألنى : " ماذا تشربين ؟ ".
أقول : " أى شىء نقتسمه معا يروى ظمأى " .
نشرب معا ، حتى ندرك حكمة العشق ، وسر الكون .
فى دهشة ، تتطفل نظرات الناس ، على مائدتنا المنزوية . تتساءل العيون ، كيف الفرحة بين رجل وامرأة ممكنة ، فى زمن القبح والعداء ؟ .
تطول سهرتنا ، وتقصر المسافة بين اشتياقى وسحر عينيه .
يقصر آخر حاجز بيننا وبين الجنون .
يقترب أكثر ، ويقول : " ما أحلى الليلة . أنا وأنتِ والموسيقى ، وهذا المشروب الجميل . ماذا ينقصنا ؟ " .
أقول " ينقصنا الكثير والكثير " .
يسألنى فى جرأة مرتبكة " أتعتقدين كذلك ؟ " .
قلت : " أجمل الأشياء تلك التى لم تحدث ؟ .
يأخذ رشفة متعجلة ويقول " : أخالفكِ الرأى . أجمل الأشياء ما عشناها . أما الأشياء التى لم تحدث . فلا تعنينى " .
يفاجئنى بكل رقة واشتياق : " أحبك وأنتِ تعرفين ذلك . وأنا أعرف أنك تبادلينى مشاعرك . لماذا سكوتى ؟ لماذا تتجاهلين الأمر ؟ أحبك منذ اللقاء الأول . كفانا ما ضاع من الوقت . لابد أن نفعل شيئاً تجاه هذا الحب الجارف . حبنا قدرنا ، ولا مفر من القدر " .
كلامه عن الحب ، يُعيد إلى قلبى دقاته المفقودة . الحنين المطل من عينيه ، يصالحنى على دنيا أدمنت عنادى . يحملنى صوته العذب إلى مدينة ، كل أهلها من العشاق. مدينة تشع بالخير ، والضياء ، نهارها شِعر ، وليلها غناء .
قبله ، سمعت كلمة الحب كثيراً . لكن " أحبك " منه ، أسمعها كأنها المرة الأولى . ينطق كل حرف ، بسخاء ، وعمق ، وشوق يذيب المحال ، ويفتح مسام العمر .
" أحبك " منه ، ليست كلمة ، وإنما عزف بارع على أوتارى المنسية ، فينهى الخصام الطويل بينى ، وبين أنشودتى المبعثرة فى الفضاء .
يكررها : " أحبك " فاكتشف أن الحب ، ليس إلا أنا و " هو " .
يحدث هذا ، فى سهرات المساء . أما الصباح ، فإنه قصة أخرى .. حين يمضى الليل إلى مثواه ، وتشرق شمس النهار ، يظهر رجل آخر . مَنْ هو ؟ ، ومن أين جاء ؟ ، لا أدرى .
مستحيل أن يكون هو الرجل نفسه ، الذى قضيت معه سهرتى بالأمس .
بعد كل سهرة ينتظرنى فى الصباح ، رجل لا أعرفه .
عبثاً ، أبحث عن ملامح ، الرجل الذى همس كلمات الحب ، ونطقت عيناه بالأشواق.
شىء ما ، يحدث له ، ما بين غفوة المساء ، وإشراقة النهار . هل أنا المخطئة ، صدقت كلام الليل ، الذى تذيبه شمس النهار ؟ .
كرهت مجىء الليل . وأصبحت أخاف السهر منه ، رغم أنه فرحتى الوحيدة .
لا أحتمل أن أعرف رجلين ، كل منهما نقيض الآخر .
لست أدرى ، أى الرجلين هو ؟ . أى الرجلين أصدق ؟ .
آخر شىء أحتاجه فى حياتى ، رجل يتذكرنى بالليل ، وفى الصباح ينسانى .
يا له من مأزق وقعت فيه امرأة ، تعشق النهار ، وتتألق مع نسمات الصباح .
يا للمفارقة الساخرة ، أنا المرأة حادة الذاكرة ، مع رجل بدون ذاكرة . المرأة " ابنة الشمس "، مع رجل يخاصم النور .
وأسأله : " ألا تتذكر شيئاً من سهرة الأمس ؟ " .
يقول : " أحدث شىء غير عادى ؟ هل صدر منى ما أغضبك ؟ " .
قلت : " لا تشغل بالك .. لم يحدث شىء فى سهرة الأمس " .
مضت شهور ، وأنا فى علاقة مع رجلين . حاولت أن أقرب المسافة بينهما .. حاولت أن أجمعهما معاً فى جلسة ود . لا جدوى . لا أدرى ماذا أفعل .
ممزقة بين رجلين ، أريد رجل المساء الذى يسمعنى أحلى الكلمات ، ويغمرنى بالحب والأشواق ، ماذا أفعل ، وتعاقب الليل ، والنهار ، حقيقة من حقائق الكون ؟ . كيف لى أن أتشبث برجل المساء والسهر ، وأبقيه حتى خيوط النهار ؟ كيف أعقد الصلح بين الرجل الذى يحبنى ، وبين الضياء ، وزرقة السماء ؟ .
كم أهفو إلى كلمة " أحبك " منه ، ممتزجة بأشعة الشمس ، وتغريد الطيور .
أتيته مرة قائلة : إذا أردت أن تقول لى كلاماً هاماً ، قله فى الصباح . يكفينا فى أمسيات السهر أن نقضى وقتاً سعيداً ، لن آخذ أى شىء تفعله ، أو تقوله فى السماء ، مأخذ الجد " .
وكان رده " إذا كان هذا ما تطلبين ، أوافق " .
وتأتى أمسيات السهر ، بالقصة نفسها . فى المساء يحبنى ، يرعانى ، وتفيض مشاعره على روحى المتعطشة لقطرة حنان . وفى الصباح ، يلفظنى ، يتجاهلنى ، وتضن مشاعره بأبسط الكلام .
لو كان الأمر بيدى ، لأعلنت راية العصيان .
لو كان الأمر باختيارى ، لرفضت الرجلين معاً . رجل المساء ، ورجل النهار . لكنه قلبى الذى يجبرنى على البقاء معه .
قلبى الذى سأم الأحزان ، ومعه ذاق طعم الفرحة . فرحة ناقصة ، مجهضة ، لا تزورها الشمس . لكنها فرحتى الوحيدة .
إنها تلك الفرحة ، التى يملكها ضدى . إنها سلاحه الذى يشهره فى وجهى . فرحة لا يقدر عليها سواه . ويدرك جيداً ، أننى أحتاج فرحتى معه . ولا أملك شيئاً ، إلا الإختفاء بعض الوقت ، وسريعاً إليه أعود .
أيهما أختار ، فرحتى أم لراحة بالى ؟ .
فى بداية المساء ، يأتينى صوته عبر الهاتف : أين أنتِ ؟ .. اتصلت مرات ولم أجدك مرات ؟ .. أحدث شىء لا أعرفه ؟ .. ما رأيك هل نسهر معاً الليلة ؟ ".
مَنْ يلومنى ، لو استعدت أحلى ملامحى . على موسيقى راقصة ، ارتديت أجمل أثوابى ، تعطرت بأشواقى الجامحة إلى صحبته ، وسارعت إلى لقياه ؟؟؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا