الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الدين والحاكم والمحكوم

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في عهد المملكة العباسية ،كان ملوكها يعيشون في البذخ والترف والمجون ، وينفقون المال العام في شراء الجواري وبناء القصور والحدائق وتوزيع مال بيت المسلمين على شعراء البلاط وائمة السلاطين ، وظاهريا أمام الرعية يعبدون الله ، ولكنهم من جانب آخر ينهبون عباد الله والشيء الغريب الملاحظ عليهم انهم أكثروا الوعّاظ وخصصوا بعض الاموال المنهوبة من الفقراء في بناء المساجد ، وكان الملك العباسي واهل بيته ووزرائه وحاشيته يصلون صلاة الجمعة في الصف الأول ، ويخشعون ظاهريا للواعظ ومنهم من يبكي في المسجد والرعية من ورائه باكية ، مما جعل الرعية تسير على منوالهم ، صلاة وبكاء في المسجد أمام الملأ وشياطين وزنادقة في معاملاتهم مع بعضهم ، ومع كل ذلك التظاهر والالتزام حافظوا على تطبيق قاعدة : " الحلال ما حل بيدك والحق ما اخذته بسيفك "
إن العلاقة بين الدين والسياسة علاقة جدلية، فقد تكون العلاقة بينهما علاقة تصالحية تؤدي إلى تحقيق مصالح البشر وإسعادهم في الدنيا، وهذا ما حدث نادرا في تاريخنا الإسلامي كله، وقد تكون علاقة استغلالية يستغل الحكام الدين ورجاله من أجل أن يحققوا أطماعهم ومآربهم ومن أجل تخدير شعوبهم وقد تكون علاقة تصارع وتقاطع. وهذا هو السائد والمتعارف عليه طوال تاريخنا الإسلامي.
قد تكون العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تصالحية توافقية عندما يكون الدين حاكما على الحكام والمحكومين فلا يستطيع الحاكم الاستبداد والظلم واستغلال الشعوب ونهب ثرواتهم لأنه يعلم بوجود جهة رقابية تراقب وتضبط تصرفاته وأعماله وقراراته وسلوكه ويلتزم المحكومين حدودهم ،فلا يتعدوها فهم يعرفون مالهم وما عليهم من حقوق وواجبات وبذلك تتحقق المصلحة لهم في دنياهم لأن السياسة في هذا المقام تعني فعل ما هو الأصلح لهم وقد عبر الإمام الغزالي فقال (الدين أصل والسياسة حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع) من خلال هذه العبارة الموجزة عبر عن العلاقة التي يجب أن تكون بين السياسة والدين، فالسياسة هي التي تحمي الدين بين البشر وتضمن تطبيق قيمه وأحكامه بالعدل بين الناس فلا ظلم ولا نهب ولا استغلال ،ولا استعباد والدين هو المرجع والأصل للحاكم والمحكومين الذي يجب الرجوع إليه والاحتكام له.
وقد شهدنا صورا تطبيقية فريدة ،عندما كانت العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تصالحية تكاملية في عهد الخلافة الراشدة عندما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عثرت دابة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لأني لم أعبّد لها الطريق) وعندما طلب الصحابة ترشيح عبد الله بن عمر ليتولى الخلافة بعد عمر قال (يكفي من آل الخطاب واحدا) ما الذي منع عمر أن يرشح ابنه للخلافة وما الذي جعل عمر يخاف أن يسأله الله، إن عثرت دابة في العراق، إنه الدين الذي يضبط أطماع الحاكم ويجعله في موقف المسؤولية والرقابة والمحاسبة في الدنيا والآخرة والأمثلة تكاد لا تحصى ،عن خلفاء مسلمين اشتهروا بعدلهم وتمسكهم في الدين وكيف انعكس تمسكهم في الإسلام على الحكم والشعب. ولكن كل ذلك كان كقبس من نور ثم انطفأ ، لينتصر عليه الاستبداد وسوء استغلال الدين وجعله وسيلة للظلم والقتل ونهب ثروات الرعية .
العلاقة الثانية ، هي علاقة استغلال من رجال الساسة للدين وأهله حيث إنهم يستخدمون الدين من أجل تحقيق أطماعهم ومآربهم يطوعون النصوص من أجل شرعنة أفعالهم وتصرفاتهم واستبدادهم ،ويأمرون علماء الدين " علماء الشيطان " بإصدار الفتاوى التي تبرر جرائمهم في حق أمتهم ، وهذه العلاقة الاستغلالية كانت سببا في رفض عدد من الناس الدين ،لأنهم يرون أن الدين هو أفيون الشعوب ومخدر الجماهير، فالحاكم يستخدم الدين من أجل شرعنة الاستبداد والقتل والسرقة ، وهذا ما جعل بعض العلماء يبتعدون عن السياسة ويستعيذون من ممارستها لأنهم رأوا تلك الصورة المقيتة في استخدام الحكام للعلماء ورجل الدين،وكم شهدنا من علماء انحرفوا عند أبواب الحاكم وفي بلاط الملوك فشرعنوا لهم حكم التغلب والقهر والظلم باسم الدين فسبب ثورات كبيرة على الدين ،وكان سببا رئيسا في المطالبة بفصل الدين عن الدولة والدعوة إلى العلمانية كحل في السياسة.
وأما العلاقة الثالثة هي العلاقة العدائية بين الدين والسياسة، وقد نشأت هذه العلاقة بعد الثورة الفرنسية حيث طالب الثوار بإقصاء الدين عن السياسة، وإبعادها عن مناحي الحياة وذلك لأنهم شهدوا تزاوج الكنيسة مع الحكام، فأنتجت حكما استبداديا شموليا باسم الإله وأنتجت محاربة للعلم وأهله باسم حماية الدين وشهدت على إعدام الكثير بتهمة الهرطقة. وقد سرت هذه العلاقة المتوترة العدائية من المجتمعات الغربية إلى المجتمعات الإسلامية بحجة أن الفصل بين الدين والسياسة هو الحل لتطور المجتمعات وتقدمها، وأن الدين هو سبب التخلف والظلم والاستبداد وبقيت هذه العلاقة المتوترة إلى يومنا هذا، فالصراع لا يزال قائما في مجتمعاتنا حول تحكيم الشريعة وحول مرجعية الشريعة في الدستور.
إن الناظر في حال المجتمعات الإسلامية قبل الثورة الفرنسية يشهد أن العلاقة بيد الدين والسياسة هي علاقة تصالحية تكاملية فلم يكن الدين سببا من أسباب تخلف المجتمعات ولم يكن الدين سببا من أسباب الجهل بل على العكس لقد كان الدين على الحكومات الإسلامية المتعاقبة عاملا مهما لنشر العلم وظهور العلماء المسلمين وإفادة الحضارات من علومهم في الطب والفلك والأدوية وعلم الاجتماع ولقد كان الدين عاملا مهما في ضبط الحكام المستبدين فقد كان للدين هيبة واحترام في نفوس الحكام تحد من ظلمه واستبداده وإن كان الحاكم متمسكا بالدين وأحكامه تجعل من هذا الحاكم مضرب المثل في العدل والتقوى والورع والنزاهة والتاريخ الإسلامي يشهد بأن الدين عندما ابتعد عن السياسة كان سببا في الظلم والاستبداد وعندما كان الخليفة متمسكا بالدين وقيمه كان سببا في تقديم نماذج فريدة للعدل والأمانة.
إن للدين في مجتمعاتنا العربية الإسلامية عاملا مهما في زرع القيم في نفوس الساسة ومنعهم من المتاجرة بقضية الشعوب المسلمين فلا يستخدمون السياسة النفعية البراغماتية المصلحية المعاصرة والتي تقوم على سياسة ميكيافيللي في كتابه الأمير وإنما تقوم على سياسة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته) تقوم على سياسة أن الحاكم وكيل عن الأمة وأن الله جعل هذه الأمة أمانة في عنقه، ويجب عليه أن يؤدي هذه الأمانة بالعدل والإنصاف تقوم على سياسة عدم التمييز (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) تقوم على سياسة عمر بن عبد العزيز الذي لم يبق في زمانه فقير واحد عندما طيق سياسة القضاء على الفقر، وقد استطاع التخلص من الفقر خلال سنتين ونصف تقوم على سياسة العدل ولو مع الأعداء (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا) وأخيرا تقوم على سياسة أن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو انتمائهم أو الحدود المصطنعة التي رسمها المستعمر للشعوب الإسلامية.
ويقال في مجتمعنا المعاصر أن طفلا بريئا سأل والده: ما هو الحرام يا ابي؟ الوالد: الحرام يا بني هو الذي لا تستطيع ان تصل يدك إليه ....
الملاحظ على تاريخنا الاسلامي عندما يكثر الظلم الاجتماعي والسياسي، وتفشل الدولة في تحقيق الرفاهية والتمية الشاملة، يلجأون الى المساجد يدعون الله ليفرّج عليهم مآسيهم وكرباتهم. وما تبنى الدول والحضارات بالدعاء الذي لا يتبعه عمل صادق. لكن الغريب أن اللصوص الكبار، هم من يساعدون أكثر في بناء المساجد، ومنح الصدقات وتجدهم دائما في الصفوف الاولى. وقد رأيت وشاهدت اكبر المحتالين في بلادي هم الذين يساهمون في بناء المساجد ، والتظاهر بمظهر التقوى والخوف من الله ، ولكن الحقيقة أن الشيطان يتبرأ من افعالهم .
لنبدأ بمفهوم مفهوم "تسخير الدين" أو بمصطلح أكثر وضوحاً التجارة بالدين، فهذا المفهوم حذر منه الله عز وجل في كتابه العزيز قائلا "وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة 41ـ42. فالتجارة بالدين معناها تسخير النصوص الدينية من أجل تبرير أفعال وتصرفات من بيدهم السلطة، أو توجهات سياسية لا تمت إلى الإسلام بصلة، فيؤجر من أجل إضفاء الشرعية على تلك الأفعال والتصرفات الفقهاء أو ما يصطلح عليهم بعلماء السلطان. وقد كان هذا أيضاً مع القساوسة والرهبان الذين حرفوا الإنجيل والتراث من أجل الأطماع السياسية والاقتصادية.
فيكون هنا تسخير الدين مقابل المصالح التي حرم الشارع ارتكابها، فيلجأون حينها إلى ليِ أعناق النصوص لتصير موافقة لغرضهم وأهدافهم، عن طريق علماء دين متخصصين في هذا المجال. في حين نجد أن هؤلاء المسخرون للدين من أجل مصالحهم يبعدون أو يبتعدون عنه في حياتهم العامة والخاصة ولا يوظفونه إلا حين يعسر عليهم تبرير أمر للعامة كي لا يحتج عليهم من يحمل في قلبه شيء من الدين.
يمكن القول بأن تسخير الدين لتبرير المصالح الضيقة وتهميشه في الحياة العامة من أعمال المنافقين. وفصل الدين عن السياسة هو مفهوم مستورد من الغرب لا يصلح تطبيقه في مجتمع مسلم يحتكم إلى الشرع الإلهي، وكل إبعاد للدين فهو إبعاد للمسلم عن المجتمع مما يجعله يعيش غربة داخل وطنه وبين إخوانه، فينتج عن ذلك تفرقة وشتات تنعكس سلباً على أبناء الوطن الواحد أصحاب الدين الواحد.
"لا يُصلح الناس فَوضَى، ولا يستقيم أمر المسلمين بلا نظام حكم، ولا يخدم أهداف الإسلام الجماعية والفرديةَ نظامٌ لا يخضع للإسلام ولا تكون طاعتُه من طاعة الله ورسوله، فالإسلام دولة ونظام حكم، لا يُضارّ في ذلك مجادل
لكن عندما يستغل الدين في السيطرة والاستحواذ على السلطة غالباً ما تتبعه نتيجة واحدة حتمية هي السقوط المدوي.
لقد عانت المجتمعات العربية منذ الأزل -ولا يزال يعاني-من هذه المظاهر الخادعة، ومن هذه الوجوه المقنّعة بسمات التديّن. تلك الوجوه التي خدعت الناس تارة لتستولي على ثقتهم واحترامهم وبالتالي الوصول إلى أموالهم، وتارة إلى تحقيق مكانة جماهيرية مؤثرة؛ توصلهم إلى مآرب وأهداف متعددة، بوسائل غير مشروعة اجتماعياً وربما دينياً
لقد أدت لغة الانغلاق، وفكره المتحجر، ولغة الجهل السائدة بسماحة الدين في فترة من الفترات إلى تكريس وتعزيز الصورة الذهنية عن التديّن، وحصره فقط في الجانب الشكلي، رغم ما يختبئ خلفها من خيانة لهذا المظهر الملتزم عند من لم يرعَ مخافة الله، حتى إن هذه اللغة المنغلقة في بعض المواقف قد حقّرت من لم يكن مستجمعاً هذه الصورة الشكلية في شخصيته واعتبرها البعض كبيرة من الكبائر، وذلك حينما وقف الخطيب داعياً من على المنبر في آخر خطبته قائلاً «اللهم قنا الزنا والزلازل والمحن – وحلق اللحى – وسوء الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..»، هكذا وبكل بساطة ومن على المنبر صار حلق اللحى في مصاف الزنا وسيئ الفواحش الظاهر منها والباطن!!
ظاهرة سوسيولوجية تحتاج الى دراسة اكاديمية جادة قبل أن يحل علينا ما حل على الدولة العباسية وملوك الطوائف في الاندلس...وما نعانيه حاليا من الدواعش والأنظمة العربية الاستبدادية وشعوبها القابلة للذل والخنوع .
للمقال مراجع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س