الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حميد مجيد هدو

مهدي شاكر العبيدي

2022 / 2 / 20
الادب والفن


كل أديب هو كاتب وليس كل كاتب أديباً بالطبع والضرورة ، وما أظن الذين تخيروا عنوان هذا الكتاب المشتمل على البحوث والدراسات الملقاة في دارة الراحل الدكتور عبد الرزاق محيي الدين من قبل صفوةٍ من أدبائنا ومفكرينا محتفينَ بقرينهم الطيب القلب والنقي السريرة الدكتور حميد مجيد هدو بمناسبة حيازته للدكتوراه في الدراسات التاريخية على دراية بهذا الفرق الملموس بين الأديب الذي ينصرف نشاطه وتوجهه في عطائه إلى الإحساس والشعور وغلبة الطابع الفني ، والكاتب الذي يعنى بمتنوع المسائل والمشكلات والحقائق ذاتِ الاتصال الوثيق بالعقل والتفكير والفلسفة والاقتصاد والهندسة والطب والتجارة والتاريخ والجغرافية وما شئتَ من صنوف المعرفة وألوانها ولا تفطن إليه أبداً وما أرجو أن يكونَ إيثارهم له اعتباطياً بغية التزيين والتنميق ، وآنَ لنا أن نتوخى الدقة في رصف ألفاظنا ونكون على بينةٍ من معانيها ودلائلها.

وقد كثرَت في الآونة الأخيرة نظائر وأشباه لهذا الكتاب يتداولها القراء ويتصفـحها الدارسونَ ممن يتوخونَ زيادة معارفهم حول جهاد ذوي السابقة في المجال الثقافي ومنهاجهم في صقل مواهبهم وترهيف قابلياتهم مغالبينَ للعقبات والصعاب التي عرضَت لهم على صعد مختلفة أجدرها بالذكر تلك التي تتعلق بالجانب المادي والتماس السبل والمصادر التي تمدهم بالمال لينفق على تدبير شؤونهم واحتياجاتهم ، فضلاً عن تلك التي تمس الناحية المعنوية في تكوينهم وشخصيتهم ، كأن نجتلي صبرهم وتحملهم ومطاولتهم في الدرس والاستقصاء وتجاوز حالة الملل واليأس والتعلق قدر الإمكان بالأمل والتفاؤل.

وقد أزجى لنا الأستاذ هلال ناجي وهو أحد الذين أسهموا في تكريم الباحث عبر كلمته المرتجلة عيناتٍ من هذه التصانيف المعدة لإثابة بعض مفكرينا ومؤرخينا وهم أحياء مدللاً أن لا فائدة ترتجى من صدورها غب رحيلهم إلى العالم الآخر ، إنـما تقر أعينهم وتغمرهم السعادة لو رأوها تتداول الأيدي ويزدادونَ يقيناً بأن جهودهم وأتعابهم لم تذهب هباءً أو تتلاش ضياعاً ، وأنـهم موضع الرعاية والإنصاف.

من هذه الكتب المشتملة على دراسات بأقلام طلبتِهم أو المعجبينَ بهم : (إلى طه حسين في عيد ميلاده السبعين) بإشرافِ تلميذه الدكتور عبد الرحمن بدوي ، و (شوقي ضيف سيرة وتحية) بإشراف الدكتور طه وادي ، و (سعيد عاشور إليه في عيد ميلاده السبعين) ، و (إلى يوسف خليف من زملائه وطلابه) ، و (قطوفٌ دانية إلى ناصر الدين الأسد) ، وغيرها.

ولا أكتم حرصي على اقتناء هذه المراجع لو تيسرَت لي والتفرغ لدراستها مثلما أحرص على قراءة الدوريات المكرسة للأبحاثِ الملقاة في المهرجانات والمحافل المقامة لإحياء ذكرى عمالقة الفكر العربي في هذه الحاضرة أو تلك من أنحاء الوطن العربي ، كما حصل أو حظي بهِ من هذا الاهتمام أقطاب ، أمثال : القلقشندي ، والسهروردي ، وعبد اللطيف البغدادي ، وابن خلدون ، وابن رشد ، وابن عربي ، وغيرهم ، فقد احتوَت هذه الآثار على اجتهادات وتخريجات وآراء شتى حول فلسفاتهم وطرائقهم في التفكير والنظر وسعيهم لإنجاح تطلعاتهم ورؤاهم والتمسَت وسائل وسبلاً متنوعة للتعرف على مواقفهم من عصرهم ومجتمعهم.

فلكي يكون هذا الكتاب وهو الأول من نوعه يصدر في العراق لإثابة أحد أدبائنا العاملينَ في حقل المعرفة والعقل والاستنارة بمستوى كتب التكريم الصادرة في بقية الأقطار العربية التي انتهجَت هذه الخطة حيال أعلامها وأساتيذها أو قريباً من معتاد الكـُتـاب المساهمينَ فيها في الدقة والتثبت وعمق التحليل والرصانة ، ووددتُ لو استبعدَت منه بعض الكتابات والقصائد واقتـُصِرَ على التحليلات الموضوعية الرصينة للأساتذة : موسى الكرباسي ، وعماد عبد السلام رؤوف ، ومحمد علي حمزة سعيد ، وصباح نوري المرزوك ، وهلال ناجي ، ومحمد رضا الدجيلي ، وهذا رأيٌ قد لا يستسيغه بعضهم لاسِيما أنـهم من المساهمينَ في هذا الحفل بشكل وآخر ، فليس كل ما يُسمَعُ أو يقال يحسن ضمه إلى المباحث والدراسات التحليلية ، فلسنا بصدد إظهار عواطفنا نحو المحتفى به فهناك كتب تضم مقالات متنوعة في النقد والدراسة يحرص معدوها على أن تتضمنَ كل ما خطته أقلامهم غير واجدين تبايناً وتفاوتاً في فائدتها ، فقد يغلب على بعضها من تهافت الفكر وضحالة الرأي وركة البيان ما يوجب طيها والاستغناء عنها.

وما أدري كيف يجرني هذا المصنف إلى الدخول في مساجلة أو مداخلة بصدد نزوع المستشرق الفرنسي آيتين دينيه لادعاء روايات وأخبار كاذبة طاعناً بالدين الحنيف ومفترياً عليه كما توهم الأستاذ الدكتور محمد علي حمزة سعيد تصديقاً منه لزعم الدكتور هدو المحتفى بهِ ، ذلك أنـه نشر مقالة في جريدة (المجتمع) المحتجبة التي كانت تصدر في كربلاء كما أعتقد بدءاً من عام 1963 م ، يتحامل على هذا المستشرق المنصف المبرأ من الدخل والبهتان والكذب ، والمتناهي في ذوده ودفاعه عن حرمة الإسلام وتفنيد المطاعن والمفتريات التي ألصقها بهِ المستشرق البلجيكي هنري لامنس ، مما استنفر الأديبَ اللبناني المرموق عمر فاخوري لأن يترجم الفصل الممتاز الذي أنشأه بهذا الخصوص ، وكان أحد فصول كتابه (آراء غربية في مسائل شرقية) ، ثم أصدر آيتين دينيه كتابه الثاني (محمد رسول الله) بالاشتراك مع صديقه الجزائري سليمان بن إبراهيم ، وترجم هذا الكتاب من الفرنسية إلى عربيتنا الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ونجله الدكتور محمد ، علماً أن المؤلف الأصلي آيتين دينية أشرك معه صديقه سليمان بن إبراهيم نفسه في تهيئة مادتي كتابين ِ آخرين ِ هما : (المُفصل) ، و (المُقتضَب).

ويقتضينا الأمر هنا أن نجملَ ما نحيط بهِ من سيرة هذا المستشرق العظيم وجهوده ، فنقول أنـه أعلنَ إسلامه بالجامع الجديد بمدينة الجزائر في اجتماعٍ حاشدٍ عام 1927م ، قائلاً : " إنـه لم يسلم لمغنمٍ أو مطمعٍ وإنـما أسلم إرضاءً ليقينه وضميره " ، كما ينقل لنا الكاتب المصري راشد رستم ، واستبدل باسمه اسماً آخر هو ناصر الدين ، ومع أنـه كـان ميسور الحال لم يغر بالخمول والتبطل ، فقد كان من كبار رسامي عصره وتخصص في تصوير الحياة الإسلامية وبرع في رسم الصحارى المترامية مستوحياً إياها من إلمامه بمدينة الجزائر من آنٍ لآنٍ ، التي كان مستئنساً بطبيعة أهلِها ووداعتهم في غير خضوعٍ ورضىً بالدون ،فحين وفاته في يوم من تشرين الثاني عام 1929م ، سجي جثمانه في المسجد الكبير بباريس وحضر للصلاة عليه كبار الشخصيات الإسلامية هناك ، وكان للحكومة الفرنسية يومها ممثلون عنها في العزاء المنصوب أخصهم وزير المعارف ، ثم نـُقِلَ إلى بلاد الجزائر ودُفِنَ في مقبرتها كما أوصى ، وكانَ ذلكَ وسط احتفال مَهيب.

كما كان له مريدونَ من مترجميه وناشري آثاره ونتاجاته أبرزهم المصري راشد رستم الذي كان حياً حتى عام 1956 م ، وهو الذي نقل إلى العربية كتابه الأول (أشعة خاصة بنور الإسلام) ، وآخر أسمى نفسه : م توفيق أحمد أي أنـه لم ينص على اسمه الصريح وحسبه أنـه ترجم أيضاً كتابه (الحج إلى بيت الله الحرام).

والمقدمة التي كتبها الدكتور عبد الحليم محمود ، وأعرف أنـه آلت إليه مشيخة الأزهر ، وربما اتخذ التصوف سلوكاً عملياً له في التعامل مع المجتمع ، وأنـه ألف في سير أعلامه كأبي العباس المرسي ، والغريب أنـه ترجم في صدر حياته رواية (وازن الأرواح) لأندريه مورا ، ولا عجب فقد حذق الفرنسية واختلط بأهل باريس زمناً ، شأنه في ذلك شأن صنوه الذي آلت إليه مشيخة الأزهر قبله بسنوات الشيخ مصطفى عبد الرازق ، قلتُ ان تقديمه لكتاب (محمد رسول الله) آية في الإنصاف والموضوعية والبيان المتين الذي يتوخى المنافحة عن الحق الهضيم ودمغ الباطل والافتئات والجور والتزيد بدون حقٍ .

ولا أدري لمَن سُقتُ هذه الحجج والأسانيد ؟ ، ألمحمد علي حمزة سعيد أم لصنوه المحتفى به ؟ ، و ما وجه الرواية الملفقة أو الخبر الكاذب الذي عثر عليه أو عثر بهِ في نتاجات ناصر الدين فانبرى لتسفيهه وإثبات خطله وإغراقه في الضلال ؟ ، أقول كانَ حرياً بالأستاذ حميد مجيد هدو أن يُنقـبَ في آثار مخاصم هذا المستشرق وأعني اليسوعي البلجيكي هنري لامنس و يقف عند تلفيقه وطعنه في سلائق أعلام الإسلام الأوائل البررة ، و يثني على تصدي آيتين دينيه و صنوه الجزائري سليمان بن إبراهيم ، لتجريحه و تقبيحه و إشهار أضاليله و أوهامه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع