الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يقف وراء تصعيد الأزمة الأكرانية ولماذا؟

رضي السماك

2022 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


من نافلة القول أن الولايات المتحدة تتمتع بأكبر أمبراطورية أخطبوطية في العالم، وهي لا تمتلك وسائل وتقنيات الأكثر تطوراً في الإعلام العالمي فحسب، بل ومازالت السباقة دوماً في تطويرها، وهي بهذه الميزة فإنه لامجال لمقارنتها في هذا الميدان بغريمتها روسيا بأي حال من الأوال، وإذا كانت الوسائل الإعلامية بمختلف ضروبها هي أبرز أسلحة الحروب النفسية بين الأعداء، فإن ميزان التسلح الإعلامي بين روسيا وأميركا تميل الكفة فيه لصالح الولايات المتحدة ذات الأمبراطورية الجبارة بأخطبوطها الإعلامي الشارب في القارات الخمس، وذات القدرة أيضاً في التأثير على وسائل الإعلام العالمية غير الأميركية في ضخ المعلومات الخبرية والدس في صياغتها وبين سطورها بهذا القدر أو ذاك من الجرعات .
ومن هنا فلا غرابة إذا ما صدّق العالم بأن أوكرانيا معرضة برمة أراضيها لغزو روسي أستناداً إلى تضخيم وتهويل حجم الحشود الروسية- الأوكرانية.في البداية قدرت واشنطن تلك الحشود ب 100 ألف جندي روسي ،ثم رفعت الرقم إلى أكثر من 100 ألف، ثم رفعه الرئيس بايدن أخيراً إلى أكثر 150 ألف جندي، ومازالت المزايدات على هذا الرقم تتوالى تباعاً حتى وصل إلى 200 ألف جندي أو أكثر! وبموازة هذا التهويل في حجم الحشود يجري تهويل آخر من خلال اغراق إعلامي متواتر عن توقيت " الغزو " حتى بلغ درجةً من الهذيان أن حدده الرئيس الأميركي في يوم الأربعاء 15 فبراير الماضي! ولم يبق سوى أن يعلمنا بساعة الصفر لإنطلاقه . هذا لا يعني بطبيعة الحال أن لاوجود لحشود عسكرية روسية، لكن المؤكد ليست بالصورة المضخمة من قِبل الإدارة الأميركية التي نتقل عنها وتضيف المؤسسات والوكالات الخبرية التي تشكل أمبراطوريتها الإعلامية!
أكثر من ذلك فإن أوساط سياسية نافذة داخل الولايات المتحدة نفسها لاتوافق أسلوب التصعيد الذي تلجأ إليها الإدارة الأميركية في الأزمة الأوكرانية المحتدمة حالياً، وتبدي خشيتها من توريط البلاد في حروب خارجية جديدة. وطبقاً لتقرير ل BBC نُشر قبل أيام فإن ثمة ناخبين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي والذين تجذبهم شخصية الرئيس الروسي بوتين يسعون إلى إفشال خطط الرئيس بايدن الرامية إلى توتير الأزمة الأزمة الأوكرانية بأعلى مستوى ، ويشاركهم في هذا القلق ناشطون من اليمين المتطرف واليسار يتهمون بايدن بأنه هو من يقرع طبول الحرب في اوروبا، دع عنك صقور الحزب الجمهوري المعارضين لإدارة بايدن، وصرح أحدهم(جوناثون اريكسون):" لسنا بحاجة للتدخل في كل نزاع صغير" بينما أبدى الإعلامي الكبير سهراب أحمري تفهمه لمخاوف روسيا من حشود"الناتو" على حدودها مع البلدان أوروبا الشرقية المجاورة لها والتي كانت حليفة لها قبل أنهيار الأتحاد السوفييتي. والواقع أن هذا الوضع الجيو سياسي الناشئ منذ أنهيار الأتحاد السوفييتي في 1991 شكّل ومازال يشكل جرحاً غائراً لكبرياءالقطب الروسي وبرز بوجه خاص منذ تولي الرئيس القوي الحالي فلاديمير بوتين الحكم مطلع الألفية والذي وإن يقود روسيا بفكر رأسمالي جديد إلا أنه ذو أحساس وطني مرهف بأن ما جرى لوطنه ليس أسقاط وأذلال لنظام سياسي بل مس واذلال للكرامة الوطنية الروسية .
والحال أن الولايات المتحدة مافتئت تعمل حثيثاً على تقويض مصالح روسيا كوريثة للاتحاد السوفييتي السابق ، فلم تكتفِ فقط بضم أكبر عدد من الدول الاشتراكية السابقة- وبضمنها جمهوريات الأتحاد السوفييتي- إلى حلف الناتو، بل وإمعاناً في إذلال روسيا وتحجيم نفوذها عملت على انشاء قواعد في وحشد قوات الناتو على حدود تلك الدول مع روسيا؛ بما يهدد أمنها القومي فعلياً كقوة عظمى،كما عملت واشنطن أيضاً على تخويف حلفائها الاوروبيين -وخصوصاً ألمانيا- من تبعات أعتمادها على الغاز الروسي- سياسيا وأقتصادياً، وكل ذلك يدلل على أنها لم تغادر نشوة الشماتة على روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ، ولم تتخل أيضاً عن نظرتها الفوقية إليها كدولة عظمى مهزومة غير ندة لها كما كان الحال زمن الحرب الباردة، دون أن تحسب لقوة نهوضها الجديدة منذ مطلع الألفية بقيادة رئيسها الحالي القوي فلاديمير بوتين ولا لمصالحها الأمنية المشروعة، ومن هنا بالضبط يمكن فهم الأسباب الخلفية لأشتداد الأزمة الأكرانية بعدما كانت خامدة -إلى حدما- خلال السنوات الخمس الماضية منذ ضم روسيا -المجروحة الكبرياء- لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، فأخذت واشنطن تعمل بلا كلل على ترغيب اوكرانيا للأنضمام إلى حلف الناتو، وهي أكثر جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق تربطها مع روسيا روابط ووشائج قوية تاريخية ثقافياً واجتماعيا ومصاهرةً منذ العهد القيصري . وإمعانا في التصعيد وتصوير الغزو بأنه بات وشيكاً وواقع لامحالة سحبت دبلوماسيها منها.
والحال إن الرئيس بايدن له مصلحة بدوره من التصعيد مع روسيا للتعويض داخلياً عن هزائمه وأخفاقاته المتعددة خلال سنة واحدة فقط من حكمه، ومن ثم حاجته لاشغال شعبه بقضية خارجية بعد تفاقم المشكلات السياسية والمعيشية والافتصادية الداخلية التي يعاني منها الشعب الأميركي، وأخطرها الانسحاب الفوضوي المذل لبلاده -كقوة عظمى- بقيادته من افغانستان والذي فاقم من مآسي هذا البلد بوصول طالبان للسلطة قبل إتمام الانسحاب نفسه! في حين أن الرئيس الروسي بوتين هو الآخر يواجه نفس المشكلات مع شعبه في الداخل ويأمل باشغاله هو الآخر بقضية خارجية سواء أفضت إلى نشوب الحرب بين البلدين أم لم تفض إلى ذلك ، وبالتالي إنما وجد ضالته في هذه الأزمة، فإذا ما خرج منها منتصراً سياسيا أو عسكريا فإنه سيوظف هذا الانتصار حتماً لتعزيز شعبيته -كبطل قومي- أمام الناخبين في الانتخابات الرئاسية القادمة 2024 للفوز فيها لولاية خامسة بعد عُدل الدستور ليسمح له بذلك ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - داء العداء لامريكا
منير كريم ( 2022 / 2 / 20 - 21:46 )
تحية للاستاذ السماك
تتكلم وكأن روسيا ملاك وامريكا شيطان
كلا يا استاذ ان من جمع 150000 جندي على حدود دولة صغيرة لالغاء سيادة اوكرانيا ومنعها من تحقيق مصيرها وتهديد شرق اوربا بالكامل هي روسيا
لقد وضع الغرب ثقة بروسيا لاتستحقها فالحلف الاطلسي وجوده كان بسيطا في شرق اوربا لكن الغرب يريد الان كسب الوقت لتعزيز دوره في اوربا لحماية الديمقراطية من التخلف والهمجية والديكتاتورية الروسية
لوكانت امريكا شيطانا لكانت قد دمرت روسيا في لحظة ضعفها اثناء وبعيد انهيار الاتخاد السوفبتي
حان الوقت ان نتخلص من الدعاية المعادية للغرب وان نفهم الدول الديكتاتورية التي تستعبد الشعوب
شكرا


2 - شكرا للحوار المتمدن و شكرا للكاتب
كريم جودة حمزة ( 2022 / 2 / 20 - 23:04 )
الحمدلله و اخيرا وجدنا موقع لم يهيمن عليه الاخطبوط الاعلامي الامريكي الغربي و ها نحن نقرأ مقالة تفضح الطبيعة العدوانية الغاشمة للنظام العالمي الامريكي و الذي استطاع بفضل تقدمه التقني و الاعلامي و من خلال سيطرته على وسائل الاعلام و على البنوك العالمية ان يقرر ما هو الحق و ما هو الباطل و يصور الحق هو كل ما يخدم مصالحه و الباطل و الدكتاتوري هو كل من يقف في وجه اطماعه و هيمنته ، و لنا امثلة عديدة على النهج العدواني الامريكي و فنزويلا هي مثال على ما نقول و قبلها يوغسلافيا و بعد يوغسلافيا تم تدمير العراق و اسقاط نظام صدام و بالرغم من ان نظام صدام كان دكتاتوريا قاسيا و ظالما و طائشا و لكن لم يكن هناك اي حق دستوري لامريكا في اسقاط صدام ، و بعد العراق جاء دور سوريا و التي صمدت و فشل النظام الامريكي من اسقاط بشار الاسد بفضل التدخل الروسي بجانب بشار الاسد ، و هذا الموقف الشجاع لروسيا لن يغفره النظام الامريكي الغاشم و خططوا للايقاع بروس ، هم يستعملون كلمة الديموقراطية كشماعة و ذريعة لاسقاط الانظمة المعارضة التي لا تقبل الانصياع لتعليمات الطغمة التي تحكم امريكا من خلف الكواليس ،

اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية