الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة الطفل ريان

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2022 / 2 / 21
المجتمع المدني


دوَّت الوسائط الإعلامية الوطنية ،وتحت تأثير الدومينو الإعلامي ، ران الخبر في الأقطار الدولية ، بخبر سقوط طفل مغربي في بئر ارتوازية جافة، ورُبَّ ضارة نافعة ، حيث أن الفراغ كان منقذا للطفل من الغرق والموت المحقق غير المؤجل ، لكن كلا الإحتمالين شملا نفس القدر الذي لا مناص منه للجميع .

طيلة أيام التغطية الإعلامية للحدث أو الحادث ، سال مداد كثير في الصحف الورقية وأُلفت ضميمات كثيرة، و تلفَّعت المواقع الإلكترونية بتعاطف منقطع النظير مع الطفل البريئ . حتى أن صحيفة "الأسبوع الصحفي " التي أسسها مصطفى العلوي رحمه الله ، والتي أفضلها عن باقي الصحف الوطنية وأقتني أعدادها باستمرار ، خصصت ترويسة فريدة "كلنا مع ريان" كواجهة لعددها 1594 ، رغم أن الجريدة الأسبوعية سياسية أكثر منها صحافة الأخبار اليومية . فلماذا هذا الإهتمام الإعلامي بقضية الطفل ريان ؟

يعرف الجميع أن الأطفال في المغرب على غرار المجتمعات الثالثية ، يعيشون ظروفا قاسية جدا في الشوارع ودور الأيتام وفي دور الصفيح والأحياء الفقيرة ، وقد يكون أطفال المغرب العميق المتناثرين في الجبال والسهول أوفر حظا أقرانهم السالفين ، لصفاء البيئة التي يعيشون فيها رفقة أغنامهم وورودهم وشجيراتهم . قصة الطفل ريان انتهت ، لكن معاناة الطفل المغربي لم تنتهي ، والإستغلال الإعلامي للقضايا لن ينتهي أبدا .

قصة الطفل ريان هي من ديكتات السلطة الرابعة التي شكلت رأيا شعبيا ووجهته على نحو من الأنحاء ، بما يمكن وصفه ب "متلازمة الطفل ريان" ، على نفس منوال"متلازمة المرأة البيضاء المفقودة" ، والتي تعني التغطية الإعلامية للنساء البيض المفقودات دون غيرهم ، ما يعني التحامل على الأشخاص الاَخرين الذين يوجدون في نفس الظروف. لقد تحولت كل صنوف الوسائل الإعلامية الرسمية منها وغير الرسمية إلى صحافة التابلويد ، لأنها استغلت القصة كعنصر مثير لتلقى استجابة فورية من قبل القواعد القاعدة أمام الشاشة، بما يشبه تأثير بافلوف . إن الأخبار التي تداولها في كل اللحظات من طرف صحافة الشارع والصحافة التشاركية والديمقراطية و الإعلام المفتوح المصدر أو الإعلام البديل ، كلها كانت مجرد سيرك إعلامي مخبرا وربما حتى مظهرا .

أثناء حالة التأثير الإعلامي طيلة الأسبوع تقريبا ، استوط الأمر بين العمل الإعلامي المهني والصحافة الصفراء .كان البراديغم الوحيد للفصل في ذلك ، هو النظر إلى الخط التحريري للمصدر الإعلامي ، حيث أن السواد الأعظم منها كان مرتزقا من الحدث يمتح من مأساة طفل غارق في جروحه واَلامه وهواجسه . الإستثناء الوحيد ربما الذي درج على نهجه هي قناة "شوف تيفي" حيث كانت تغطية الصحفي حميد العقاوي عقلانية ومهنية ، هذه القناة التي تندرج في مربع صحافة الواقع دأبت على نقل حالات إنسانية كثيرة غير مامرَّة ،رغم الإنتقادات التي توجه إليها ، إلا أنها تحقق شعبية ونسب مشاهدات كبيرة ، وهذا نجاح اَخر لمؤلفها إدريس شحتان الذي كان متألقا أيضا في جريدته الأسبوعية المشعل .

تحت تأثير متلازمة ريان ، وعد أمير خليجي عائلة الطفل بنصف مليار سنتيم ، كما وعدهم عدد من المشاهير بمبالغ مالية أو سكن جديد ، حتى انقطعت نفسي خوفا من أن يَكر بؤساء البلد اَبارا تنضاف لحفر الشوارع والأزقة ، ويلقوا فيها أبناءهم طلبا لمجد زائف أو سراب خادع كما وقع مع ريان . نعم ، إن تعاطف المغاربة مع ريان هو شخصنة وتحيز خطير سطرته سلطة الإعلام والإنحياز التأكيدي وتأثير التأطير .

المشهد العام من مكان الحادث شهد توافد العديد من الأشخاص غالبيتهم يبحث عن الإثارة أو ملأ الفراغ اليومي عنده . بعضهم ندد بفشل السلطات في إخراج الطفل ، ونصب نفسه خبيرا في التخصصات المطلوبة . اَخرون لا يعرفون ماذا يفعلون في المكان ، فقط القافلة جاءت بهم ، البعض الاَخر ظل ينتظر كنزا أو شيئا اَخر غير الطفل ينبعث من البئر ، وهذا ليس تأثير متلازمة ريان ، بل تأثير الأفيون وماء الحياة .

رحم الله الطفل ريان ، لكن الواقعة كانت موضوعا لإستغلال إعلامي فقط ، وجَّه العامة نحو التركيز على الطفل ومداراة الأوازم اليومية الحياتية والسياسية في المغرب . ويكفي أن نزور دور الأيتام ونستطلع الشارع ليلا لنعرف حجم المعاناة التي يحياها الطفل المغربي . ولا يمكن أن أفسر اهتمام الأفراد بالطفل ريان دون بقية أطفال المغرب ، إلا نتاج سلطة رابعة تعتمد الصورة في نقل الخبر ، وهذا يزيد من حجم التأثير ، وليس البئر بأسوء من أسِرّة دعارة الأطفال في فنادق خمس نجوم والتجارة بهم في البلد . فدعونا أيها المؤثرون والمشاهير من دمعاتكم التمساحية وتدويناتكم الفارغة ، فالتضامن أو النضال هو قضية تُعتمل على مدار اليوم ، حتى لا نفقد المصداقية في وهلة من الزمن .

مما أثار إعجابي حقا ، هو تضامن أطفال سوريا والعراق وفلسطين مع الطفل ريان ، في الوقت الذي يعتبر فيه كثير من المغاربة ذكر اسم االعراق أو سوريا ، إرهابا وتطرفا وخطرا كبيرا ، وهذا جهل جسيم بتاريخ البلدين وحاضرهما أيضا . قتل أطفال سوريا والعراق ولم يتحرك المغاربة ، واليوم يعطينا أطفال سوريا والعراق دروسا في التضامن الممتد في الزمان والمكان .

قبل مدة ، ناح ونحب المغاربة أيضا على وفاة الصحفي صلاح الدين الغماري ، واعتبره البعض رمزا إعلاميا خالدا ومن المعلَّقات السبع إن صح التعبير، قد أكون فظا ، لكن الحقيقة لم أرى الغماري إلا وهو يصرخ على المغاربة ويدعوهم إلى الدخول إلى أقفاصهم خلال الجائحة ، ليس خوفا عليهم ، بل لأنه يعرف أن المغاربة يحبون من يصرخ عليهم ، هكذا أفهم الأمر .توفي مصطفى العلوي (مؤسس الأسبوع الصحفي) كما سبقه أعلام اَخرون ، دون أن يذكرهم أحد ، فأي تأثير هذا يمكن فهمه علميا حتى نصنع من اللاشيئ شيئا ، ورحم الله صلاح الدين الغماري .

في هذا السياق ، لماذا نسي المغاربة الصحفي الصحراوي محمد راضي الليلي المتواجد حاليا في فرنسا وينتقد الأوضاع المعيشية في الأقاليم الجنوبية ، انا أعتبره أفضل بكثير من صلاح الدين الغماري ، لأن الأول يدافع عن ركن الشعب والثاني كان مناصرا لأطروحة الدولة أو جناح ضمن الدولة . المغاربة لا يملكون حسا وفكرا نقديا أو وعيا كافيا لتحليل المعطيات والوقائع ، لذلك سأقول أن ذوق المغاربة ،وليس موقف المغاربة ، من تأييد أو معارضة أشخاص أو كيانات غير صائح وغير صحيح . الضابط في سلاح الجو سابقا السيد مصطفى أديب أهم رجل في الجيش المغربي بقياس المنطق والقانون ، والقاضي السابق محمد قنديل نفس الشيئ في سلك القضاء ، وأبو بكر الجامعي قامة إعلامية كبيرة وهلم جرا .

المغاربة انتخبوا المدعو نيبا وجعلوه مؤثرا إعلاميا ، وهو شخصية مراكشية على مواقع التواصل الإجتماعي ، ونسوا أو جهلوا أن هذا الشخص ظهر أول مرة إبَّان حَراك الريف في شريط مصور وهو يهدد رموز الحَراك بالقتل والتصفية ، وهو لا يستطيع حتى حمل بطنه الممتلئ بالتبن والماء . وبمناسبة الحديث عن الريف ، أين أولائك الذين صدحوا بالقسم ؟ أين الاَلاف من الناس الذين كانوا مع ناصر الزفزافي ؟ أنا أعرف أين هم ، إنهم يتسكعون في الخمَّارات ويدفعون ثمن تذاكر المهرجانات والملاعب، وهم الذين صرخوا ضد زيادة درهم واحد في الحليب .

حصيلة الأمر أن الواقع بحاجة إلى تحليل عميق وفهم شامل لمختلف ضروب علم النفس والإجتماع والإجرام ، حتى نتمكن من انتقاء القرار المناسب بعيدا عن البروبغندا الإعلامية أو تأثير القبيلة ، وهذا الأمر هو الكفيل بضمان استقلاليتنا الذاتية بعيدا عن سلطة الاَخر أو توجيهه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط


.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق




.. مقابر جماعية في غزة تكشف عن فظائع.. ومراقبون: ممارسات ترقى ل


.. بريطانيا: طالبي اللجوء ا?لى سيرحلون إلى رواندا مهما حدث




.. أهالي الأسرى لدى حماس يتظاهرون في القدس من أجل سرعة إطلاق سر