الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمبراطورية التى غابت عنها الشمس

أحمد فاروق عباس

2022 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


من بين كل الأمور التى تجرى فى شرق أوربا الآن من صخب ، ونذر الحرب ونفيها ، وهستيريا الصحافة الغربية ، لم يلفت نظرى شئ قدر الموقف البريطانى ..

فبريطانيا وضعت نفسها منذ اللحظة الأولى في المراكز المتقدمة من بين الأطراف المتصارعة ، وتصرفت وتكلمت باعتبارها قوى عظمى !!

وإذا كان لأمريكا منطقها فى الصراع ، فهى حتى هذه اللحظة أقوى دول العالم اقتصادياً وعسكرياً ونفوذاً سياسياً ، ومن مصلحة القوى دائماً - بغض النظر عن الأخلاق أو المبادئ - أن يحاول بكل الطرق إيقاف وتعطيل منافسيه عن اللحاق به ، وإبعادهم عن القمة التى يقف عليها منفردا ..

ولكن ما هو مبرر الموقف البريطانى ، التى تتصرف وتتكلم بأكثر مما تعطيه حقائق القوة البريطانية ..
أ - فبريطانيا ليست أقوى دول العالم اقتصادياً ، تسبقها في ذلك أمريكا والصين واليابان وألمانيا ، وحتى الهند - مستعمرتها السابقة - تفوقت عليها ، وأزاحتها من المركز الخامس عالمياً إلى المركز السادس !!

ب - وهى ليست أقوى دول العالم عسكرياً ، وطبقاً لتقرير جلوبال فايرباور فى ٢٠٢١ ، أتى الجيش البريطانى فى المرتبة الثامنة عالمياً ، بعد أمريكا وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا وفرنسا ، وبالنسبة لتكنولوجيا السلاح ، يسبقها فى ذلك أمريكا وروسيا والصين ، وإذا قررت كل من ألمانيا واليابان التسلح بصورة جدية ، فلديهما من الوسائل المالية والتكنولوجية ما يجعلهما تتفوقان على بريطانيا بسهولة ، وفى سنوات معدودة ..

فما هو مبرر الموقف البريطانى ، الذى يملأ العالم صياحاً ، وتهدد روسيا علناً ؟!!

كلمة السر فى رأيي هى الإمبراطورية البريطانية السابقة ، وهى عقدة بريطانيا ومقتلها ، ومصدر فخرها وعظمتها التى لا تريد نسيانه مهما تغيرت العصور ..

وهو السبب في تمسكها ببعض مظاهر تلك الإمبراطورية البائدة ، مثل وجود قوات عسكرية - محدودة - فى بعض المناطق حول العالم ، مثل مالطا وجبل طارق واندونيسيا والعالم العربي ، وبعض الجزر البعيدة فى المحيطين الهادى والاطلنطى ، مثل جزر الفوكلاند ، والتى دخلت بسببها الحرب ضد الأرجنتين عام ١٩٨٢ !!

وهو السبب في تحرشها من حين لآخر ببعض الدول التى كان لها فيها وجود سابق مثل مصر !!

وهو السبب في إنشاءها لبعض المنظمات الدولية في مجال حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية ، أو منظمات ذات طابع اغاثى في مناطق النزاعات ، ولكنها تخفى وراءها مآرب أخرى ، مثل منظمة الخوذ البيضاء في سوريا ، والتى أسسها ضابط مخابرات بريطانى سابق ، هو جيمس لو ميسورييه والذى وجد ميتاً فى ظروف غامضة في إسطنبول عام ٢٠١٩ ..

وهو السبب في " رعاية وتربية وتسمين " التنظيمات التى أنشأتها في الأيام الخوالى - أيام الإمبراطورية - كمصدر للنفوذ لا ينتهى ، مثل تنظيمات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط ، وأهمها تنظيم الإخوان المسلمين ، حيث لندن هى مقر التنظيم الدولى للإخوان ، وأذرعه المالية والإعلامية ، وحيث يحمل مرشد الإخوان إبراهيم منير الجنسية البريطانية منذ عقود !!

مازال لبريطانيا طبعا بعض البريق ، وأهمها ناشئ عن مصدرين :
- اللغة الإنجليزية ، واعتبارها لغة الحديث والعلم في العالم ، وإذا كان ذلك كان راجعاً لقوة الإمبراطورية البريطانية فى القرن ١٩ وبدايات القرن ٢٠ ، فهو بسبب قوة وتقدم الإمبراطورية الأمريكية منذ مائة عام تقريبا ..

- الجامعات البريطانية ، وهى - للحقيقة - جامعات مرموقة عالمياً ، وكذلك قوة الصحافة والإعلام البريطانى ..

ولكن هل يمكن اعتبار قوة اللغة أو تقدم الجامعة والصحافة البريطانية مبرراً لبريطانيا فى لعب دور فى علاقات القوة عالمياً ؟

وهل تلك الوسائل أصبحت بديلاً لسلامة الإقتصاد ، وقوة السلاح ، والذى تتفوق فيه على بريطانيا دول كثيرة ؟

ليس الإنسان الفرد فقط هو من يخدع نفسه ، أو يحاول - لسبب نفسى قبل أى شئ آخر - أن يعش في الماضى الزاهر ، بديلا عن الحاضر الذى فقد فيه قوته ومكانته ..
الدول أيضا تفعل ذلك ، وبريطانيا شاهد ودليل !!

وإذا كان الإنسان - بضغط ظروف الحياة - مضطر أن يستيقظ من سباته ، وأن يعش حياته كما هى ، فمتى تستيقظ بريطانيا من أوهامها ، وأن تنسى ماضيها وتعيش واقعها ، كدولة عادية ، بلا أوهام الإمبراطورية التى إنتهت ، وغربت عنها الشمس من عقود طويلة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو