الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصابع مؤمن سمير البيضاء فى محبة الشِعر بقلم/ بهاء الدين حسن

مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)

2022 / 2 / 22
الادب والفن


على الرغم من أننى هيــأت نفسي للكتابــة عن أحــد دواوين الشاعــر مـؤمن سميـر ، إلا أننى وجـدت قلمى يأخـذنى للكتابة عن وجه آخر من وجوه الشاعر ، وجه لا يتخلى فيه الشاعر عن الشعر، ويكتب فى محبة الشعر دراسات لنمـاذج من الشعـراء ، فالدراسة ( من وجهة نظرى ) هى المصباح الذى يمهد للسير فى شارع الابداع دون تعثر ، فالمنجز الشعري عندنا لابأس به ولكن المنجـز النقـدي التبصيـري يحتـاج الى زيادة إنتـاج ، فالدراسة تقوم مقـام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيـده، والمبـدع الباحث عن التجويــد يلزمه أن يقـرأ عن تجارب من سبقوه ، بغية الوصول إلى مفاتيح الابداع ، وكيف سار الأوائل حتى وصلوا !!
وربما يكون هـذا ما استشعره الشـاعر مؤمن سمير فكتب " الأصابع البيضاء للجحيم ـ قراءات فى محبة الشعر " ، الصادر عن دار ابن رشد عام 2019 فى طبعته الأولى !!
بأصابعـه البيضـاء يحملنــا مؤمن سمير ليضعنا على جناح السـرد ، لنطالـع أول مـا نطالـع فى كتابـه ، لغـــة نقدية خاصة ، فيضعنا بسرده السلس على كرسى المستمع المستمتع بالحكواتي الذى يحكى لنــا عن ظاهـرة الثنائيات فى الشعر والغنـاء ، شوقى وحافظ ، طــه حسين والعقاد عبدالصبور وحجازى ، درويش وأدونيس ، دنقــل وعفيفى مطر ، أم كلثوم وفيروز ، وظاهرة النجومية فى الشعـر ، التى خلقها نزار قبانى ثم فاروق جويــدة ، معبــود المراهقين على حــد تعبير مؤمن سمير ، الذى كانت الثمانينــات والتسعينـات ملعبــه السحـري ، بمباركــة السلطـة الثقافية ، الذى ملأت بــه الفراغ وغطت ببريقه الوهمي ، كما يقول مؤمن سمير على الحصار الذى فرضته على الطليعيين ، ونصوصهم الجديدة الخارجة عن المزاج الكلاسيكى العام !!
وعلى الرغــم من تحذيـرات الوالد " إلا نزار ياولدى " ، الذى يمثــل ظاهرة الانقلاب الأخلاقى وكشف المستور ، حسب وجهة نظر الأب ، ابن القــرى النائية التى لا تملك إلا قدرا ضئيلا من الوعي بالتعليـم الإلزامي ، إلا أنه ( مؤمن سمير ) ينتهى إلى أن رد الاعتبـار لنزار قبانى أمـرا عفويــا ، كواحـد ممن شكلوا البدايات الحسية والعاطفية عند الشباب !!
ومثلما تفحص السابقون تجربة الشاعر الفلسطينى محمود درويش الإبداعية ، كان طبيعيــا ألا يتجاهـل مؤمن سمير هذه الصفحة البراقة من دفتر الشعر العربى ، فمحمود درويش كما يقول من الممثلين الأكثر سطوعــا للشعرية العربيـة ، منذ إصـدار ديوانـه الأول " أوراق الزيتون " عام 1964 على مدى أكثر من 40 عاما !!
فمحمـود درويش الذى ينتمى إلى الجيــل الثـانى فى الشعرية الحديثة ، بعد جيــل الرواد يصلح بغزارة إنتاجه وانتقالاته النوعية فى جسد الشعرية العربية ، خاصة فى العشرين عاما الأخيرة أن يكون أحد الروافد الرئيسية ، التى تغذى وتكوّن فضاء النص !!
ومادام الحديث قد تطرق لمحمود درويش، فلابـد من الحديث عن القضية الفلسطينية، نبع الألم العربي الذى لا تجف دمــاؤه ، التى مثلمـا أنجبت محمود درويش ، أنجبت أيضـا سميح القاسم وتوفيق زياد ، ثالــوث المقاومـة الفلسطينية ، كمـا يطلـق عليهـم مؤمن سمير ، رغـم اختلاف طرق مقاومتهما الشعرية ، وأداءاتهما الجمالية وحفرهما الفني، بل كما يقول مؤمن ، وطريقة التعاطى السياسى لكل منهما ، فالشاعـر كما يقــول مؤمن سمير ، البعيــد عن معتــرك الحيــاة والأداء السياسي تحديدا ، ينقص نصه الروح والسخونة والتوهج !!
يرى مؤمن سمير أن سميح القاسم قد نجح فى دق وحفر واحديته وتميزه بسبب تطويره الدائم والمستمر لنصه ، بداية من ديوانه الأول " مواكب الشمس " الصادر عام 1958 ، وانتهـــاء بديوانه الأخير " بغض النظر " عام 2012 !!
ويجىء اختيـار مؤمن سمير للكتابة عن أمـل دنقل ، بعد الكتابــة عن درويش والقاسم ، ليؤكد أن اختيـاره لهذه النماذج من منطلق قضيــة ، فإذا كانت قضيــة ثالــوث المقاومـة الفلسطينيـة ( درويش وتوفيق زياد والقاسم ) إحياء القضية وتدويلها ، فإن قضية أمل دنقل إحياء القومية العربية ودعـم القضية الفلسطينيـة ، الأمــر الذى جعلنــا نحصـر دنقــل فى قصائــده السياسيـة وتجاهلنــا قصائــده الأكثر إنسانيـة ، كمـا يقــول مؤمن سمير ، على الرغم من تعدد الأغراض والموضوعات عنـد أمـل دنقـل !!
فعلى مدى 102 صفحـة من كتابـه " الأصابع البيضـاء للجحيم ـ قـراءات فى محبـة الشعــر " يأخذنــا مؤمن سمير فى رحلـة مع شاعـر لبنــان سعيد عقـل ، الذى درس اللاهــوت المسيحي فصار مرجعــا فيــه ، ثم درس الفقـه الإسـلامى فتعمق فيــه تعمق المتخصصين ، والذى عاش عمرا طويلا ، ثم خسرته لبنان ، هو وأسطورة الغناء صباح ، التى عاشت هى الأخــرى طويلا فى يومين متتاليين !!
ومن سعيد عقل فى لبنان إلى جيل السبعينات فى مصر ، ومحمد عيد إبراهيم ، بمناسبـة مرور أربعة عقود على ديوانه " طور الوحشة " الصادر فى 1980 ، عن جماعة " أصوات " التى مثلت هى وجماعة " إضاءة 77 " جناحي تجربـة جيـل السبعينات ، هذا الجـيل الفارق ، الذى لولاه، كما يرى مؤمن سمير، لكان آباؤنا هم الشعراء الذين ظهروا فى مرحلة ما بعد الشعـراء الرواد ، والذين لم تضف قصيدتهم إلا إعادة إنتاج نصوص سابقيهم ، والدوران فى فلكها !!
ومن محمـد عيــد إبراهيـم إلى علاء عبدالهــادى، الذى يبـرز كواحــد من أصحــاب المشـاريـع المتميزة ، بعد انقســام شعــراء السبعينـات فى مصر إلى فئتين ، فئــة تبنت النص الذى ارتبط بالشعـراء الجـدد ، أمـا الفئـة الثانيـة فواصلت مشـروعها بإصرار على القيـم الجماليـة ، وهذه الفئة ينتمى إليها علاء عبدالهادى !!
وعن على منصـور الذى يعتبـره البعض المعبر بين جيـل السبعينـات وجيــل الثمانينـات يقــول مؤمن سمير ، تصاحب على منصور مع القصيدة منذ بدايات وعيه ، فسقاها ورمى عليه الظل من أهدابــه ، حتى أثمرت تينا ورمانا ، وعن الشاعر إبراهيم داوود ، الذى يمثل حالة إبداعية وإنسانية مائزة ، بحضــوره فى كل مرحلـة من مراحل رحلته الإبداعيــة ، يكتب مؤمن سميــر وكذلك يكتب عن رحلة الشاعرة إيمان مرسال ، التى أبهـرت الشاعر بكامـل أناقتهـا ووهجهـــا وألقهـا عــام 1995 مع ديــوان " ممر معتم يصلح للرقص " ، ومن عالــم إيمان مرسال إلى عالم عماد أبو صالح ، باعتباره شاعرا عربيا هامـا ومؤثـرا وحقيقيــا ، لـه ملامحـه الشعريــة الخاصة المحفـورة باسمه فى سجـل قصيدة النثر العربيـة ، وعن صاحب تسريب قصيـدة النثر إلى مجلة الشعر ، الذى استطـــاع أن يقنع العم خيرى شلبى ( رئيس التحرير وقتها ) بأنـــه لا يصح منه ، وهــو المتسع المنفتح على كل أشكــال وأنمـاط الفـن ، ومن شتى الاتجاهـات ، أن يرفض الجــوال كلـه بكل ما فيــه من بضاعـة ، منها الجيد ومنها الرديء ، يكتب مؤمن سمير عن شريف رزق !!
وعلى ذكر قصيـدة النثر يكتب مؤمن سمير عن تجربـة الشاعر سمير درويش مع قصيدة النثر وعن أحمد يمــانى ، الذى صدّره الواقع الثقافي مع أسماء الأصدقــاء إيمـان مرسـال وأسـامـة الدناصورى ، كواحد من جيـل التسعينـات ، ويكتب أيضـا عن تجربة الشاعر عصام أبويد الذى يقسّم حياتــه إلى مرحلتين ، الأولى هى الإنتـاج وفق الوصفـة المصريـة لكتابــة قصيــدة النثر والتى انفجـرت وشـاعت فى التسعينـات ، والثانيــة عندمــا أتقـن الشـاعر اللعب وفـق وعيــــه وإنحيازاته الجمالية ، ورؤيته المتميزة للعالم !!
كمـا يكتب مؤمن سمير عن الدهشة فى ديــوان أحمد شافعى المتميز " 77 " ، والذى سرعان ما يكتشف القارئ أن هذا الرقـم " 77 " هــو عـام ميلاد الشـاعر ، ويكتب عن الشاعر الشاب عبدالرحمن تمام ، الذى يجعل القارئ من خـلال ديوانــه " طريق لاتشبه الترومبيت " لا يتردد فى امتلاك الشاعر للجسارة والجرأة الفنية ، التى تنــأى به عن التردد فى تجربـة واختبــار كل ما يظن أنــه قـد لا يصلح فى حــد ذاتــه لإنتـاج الشعريـة وتفجيرهــا ، كما يكتب عن الشاعـرة الإماراتيـة خلــود المعلا ، التى تعــد من أهـم أصـوات قصيـدة النثر فى الإمــارات ، وعن أهــم الأسباب التى جعلت بقاء الأبنودى فى العمق من الوعي، وكذلك فى دائرة الضوء لعقود طويلة يقول مؤمن سمير ، أن هـذا يرجع لكونــه من طراز خاص ، فهو شاعر متمكن وفنــان حقيقي يجمع بين البساطة والتعقيد فى شعره، وينحت شعره من الطبيعة المصرية الشاسعة ، استطاع أن يبدع قصيدة تدخــل و " تعمّر الدماغ " بتعبير مؤمن سمير!!
قبل المحطة الأخيـرة التى اختـار أن تكون محطة الشاعرة دعاء عبدالمنعم ، التى تعتبر الكتابة متنفسا ومجــالا للحكي المختـوم بصوت وأعماق روح أنثويــة ، تعيــد خلق العالــم باستمــرار وكأنها الأم المقدسة القديمة ، أو الأرض المستعادة ، والتى تلفت النظـر فى تجربتها بمركزية العنونة ، على عكس ما ألفناه إزاء العناوين ، فالعنوان فى نصوصها كما يقول مؤمن سمير لا يلخص تجربــة النص ، وليس مقطعـا شعريـا من النص ذاتــه ، فنجدهــا تختــار عنوانـا يكون مساويا لكتلة النص ، يتوقف بنا مؤمن سمير فى المحطة الأخيرة عند تجربـة مسعـود شـومان الذى يمتص كل شىء حوله ثم يعيد إنتاجه مُشَعّرا ، كمـا أن تجربته كباحث فى الفلكلور يتضح صداها فى إندغام القصيدة بالروح المصريـة الثريـة !!
نعود إلى ما بدأناه فى مقدمة هذه الإطلالة ، ونؤكد أن الدراسات والقراءات هى المصباح الذى يمهد السير فى شـارع الابداع دون تعثـر ، حيث أن الدراسة تقـوم مقام المعلم الموجه بالنسبة لمن يبحث عمن يأخذ بيده، فالمبدع الباحث عن التجويـد يلزمه أن يقرأ عن تجارب من سبقوه بغيـة الوصول إلى مفاتيح الابـداع ، وكيف سـار الأوائـل حتى وصلـوا !!
ــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت المقالة في جريدة "القاهرة" العدد رقم1127 الصادر يوم الثلاثاء22 فبراير2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع